لقاء الباب المفتوح [191]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السادس عشر من شهر رجب من (1419هـ).

نبدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آياتٍ من كتاب الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (سنفرغ لكم أيها الثقلان)

قال الله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:31-32] هذه الجملة المقصود بها الوعيد، كما يقول القائل لمن يتوعده: سأتفرغ لك، أي: سأتفرغ لك وأجازيك، وليس المعنى: أن الله تعالى يشغله شأنٌ عن شأن، ثم يفرغ من هذا ويأتي لهذا، الله سبحانه وتعالى يدبر كل شيء في آنٍ واحد، في مشارق الأرض ومغاربها، وفي السماوات وفي كل مكان، يدبره في آنٍ واحد، ولا يعجزه، فلا تتوهمن أن قوله: (سنفرغ) أنه الآن مشغول وسيفرغ، لا. هذه جملة وعيدية تعبر بها العرب، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، وفي قوله: (سنفرغ لكم) من التعظيم ما هو ظاهر، إذ أنه أتى بضمير الجمع (سنفرغ) تعظيماً لنفسه جل وعلا، وإلا فهو واحد، وقوله: (أيها الثقلان) أي: الجن والإنس، وإنما وجه هذا الوعيد إليهما؛ لأنهما -أي: الثقلان- مناط التكليف، (فبأي آلاء ربكما تكذبان) سبق الكلام على تفسيرها فلا حاجة للتكرار.

تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ...)

قال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرحمن:33] بعد الوعيد قال: إن استطعم أن تنفذوا مما نريده بكم فانفذوا، (أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) أي: من جهاتها، (فانفذوا) ولكن لا تستطيعون هذا، فالأمر هنا للتعجيز، ولهذا قال: لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] أي: ولا سلطان لكم، لا يمكن أحد أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض، إلى أين يذهب؟ لا إلى شيء، ولا يمكن.

ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ [الرحمن:34-35] أي: لو استطعتم أو لو حاولتم لكان هذا جزاءكم يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ [الرحمن:35] أي: محمى بالنار فَلا تَنْتَصِرَانِ [الرحمن:35] أي: فلا ينصر بعضكم بعضاً، وهذه الآية في مقام التحدي، ولقد أخطأ غاية الخطأ من زعم أنها تشير إلى ما توصل إليه العلماء من الطيران حتى يخرجوا من أقطار الأرض ومن جاذبيتها إلى أن يصلوا -كما يزعمون- إلى القمر أو إلى ما فوق القمر؛ لأن الآية ظاهرة في التحدي، والتحدي هو توجيه الخطاب لمن لا يستطيع.

ثم نقول: هل هؤلاء استطاعوا أن ينفذوا من أقطار السماوات؟

لو فرضنا أنهم نفذوا من أقطار الأرض ما نفذوا من أقطار السماوات، فالآية واضحة أنها في مقام التحدي، وأنها لا تشير إلى ما زعم هؤلاء أنها تشير إليه، ونحن نقول: الشيء واقع لا نكذبه، ولكن لا يلزم من تصديقه أن يكون القرآن دل عليه أو السنة، الواقع واقع، فهم خرجوا من أقطار الأرض، لكن نحتاج إلى دليل وهذا واقع لا يحتاج.

هذه الآية في سياقها إذا تأملتها وجدت أن هذا التحدي يوم القيامة؛ لأنها: (كل من عليها فان) ثم ذكر: (يسأله من في السماوات والأرض) ثم ذكر: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ [الرحمن:33] ثم ذكر ما بعدها يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)

قال تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ [الرحمن:37] أي: تفتحت وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:1-5].

فَكَانَتْ وَرْدَةً [الرحمن:37] أي: مثل الوردة في حمرها، كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] كالجلد المدهون فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:36] (فيومئذٍ) يعني: إذا انشقت فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن:39] لماذا؟ لأن كل شيءٍ معلوم، والمراد لا يسأل سؤال استشهاد واستعلام؛ لأن كل شيءٍ معلوم، أما سؤال تبكيت فيسأل، مثل قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] هذا ليس سؤال استعلام عن أحدٍ جاهل.

تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان)

يقول عز وجل: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن:39] أي: سؤال استعلام؛ لأن كل شيء معلوم، أما سؤال التبكيت والتوبيخ فيسأل، كما قال عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ [القصص:65-66] وقال عز وجل: إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:39-43] وقال عز وجل لأهل النار وهم يلقون فيها: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى [غافر:50] وأمثالها كثير.

إذاً.. لا يسأل الإنس والجن عن ذنوبهم سؤال استعلام واسترشاد: هل أنت عملت أو لم تعمل؟ ولكنه سؤال تبكيت وتوبيخ، وهناك فرق بين هذا وهذا.

إذاً.. فلا تتناقض الآيات، لا تقل: كيف يقول: لا يسأل عن ذنبه، وفي آيةٍ أخرى: أنهم يُسألون؟

تقول: هذا الجمع ليس بسؤال استرشاد واستعلام؛ لأن الكل معلوم مكتوب، لكنه سؤال توبيخ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:40].

تفسير قوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم..)

قال تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41] أي: بعلاماتهم، ومن علاماتهم -والعياذ بالله- أنهم سود الوجوه، قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] وأنهم يحشرون يوم القيامة زرقاً، إما أنهم زرق أحياناً وسود أحيان، وإما أنهم سود الوجوه وزرق العيون، وإما إنهم زرقٌ زرقةً بالغة يحسبها الإنسان سوداء.

فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] أعوذ بالله (بالنواصي) هذه مقدمة الرأس، و(الأقدام) المعروفة، فتأخذ رجله إلى ناصيته، هكذا يطوى طياً إهانةً وخزياً له، (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) ويلقون في النار. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:42].

تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون)

قال تعالى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ [الرحمن:43] يقال: هذه جهنم التي تكذبون بها، قال: المجرمون، ولم يقل: تكذبون بها، إشارة إلى أنهم مجرمون، وما أعظم جرم الكفار الذين كفروا بالله ورسوله، واستهزءوا بآيات الله واتخذوها هزواً ولعباً.

تفسير قوله تعالى: (يطوفون بينها وبين حميم آن)

قال تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] أي: يترددون بينها وبين حميمٍ (آن) أي: شديد الحرارة والعياذ بالله، أما كيف يكون ذلك؟ الله أعلم، لكننا نؤمن بأنهم يطوفون بينها وبين الحميم الحار الشديد الحرارة، والله أعلم بذلك.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:45] وقد سبق الكلام على تفسيرها.

قال الله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:31-32] هذه الجملة المقصود بها الوعيد، كما يقول القائل لمن يتوعده: سأتفرغ لك، أي: سأتفرغ لك وأجازيك، وليس المعنى: أن الله تعالى يشغله شأنٌ عن شأن، ثم يفرغ من هذا ويأتي لهذا، الله سبحانه وتعالى يدبر كل شيء في آنٍ واحد، في مشارق الأرض ومغاربها، وفي السماوات وفي كل مكان، يدبره في آنٍ واحد، ولا يعجزه، فلا تتوهمن أن قوله: (سنفرغ) أنه الآن مشغول وسيفرغ، لا. هذه جملة وعيدية تعبر بها العرب، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، وفي قوله: (سنفرغ لكم) من التعظيم ما هو ظاهر، إذ أنه أتى بضمير الجمع (سنفرغ) تعظيماً لنفسه جل وعلا، وإلا فهو واحد، وقوله: (أيها الثقلان) أي: الجن والإنس، وإنما وجه هذا الوعيد إليهما؛ لأنهما -أي: الثقلان- مناط التكليف، (فبأي آلاء ربكما تكذبان) سبق الكلام على تفسيرها فلا حاجة للتكرار.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3392 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3348 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3311 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3291 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3272 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3257 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3115 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3088 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3035 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3030 استماع