لقاء الباب المفتوح [168]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن والستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ).

نبتدئ به كما هي العادة بتفسير ما تيسر من آيات الله عز وجل في كتابه العظيم، وقبل الشروع أنبهكم أنه في الخميس القادم ليس هناك لقاء.

تفسير قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى)

قال الله تبارك وتعالى في سورة النجم في قصة المعراج: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] واعلم -أيها الأخ المسلم- أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسراءً ومعراجاً، فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء، والمعراج ذكره الله في سورة النجم، وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين أو سنة ونصف -اختلف المؤرخون في هذا- ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، وليس بروحه فقط.

وأما قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء:60] فالمراد بها رؤية العين لا رؤية المنام.

يقول الله تعالى في سياق الآيات في المعراج: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] (الفؤاد) القلب، والمعنى: أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه فإنه رآه بقلبه وتيقنه وعلمه، وذلك أن العين قد ترى شيئاً فيكذبها القلب، وقد يرى القلب شيئاً فتكذبه العين، فمثلاً: الإنسان قد يرى شبحاً بعينه فيظنه فلان ابن فلان، ولكن القلب يأبى هذا؛ لأنه يعلم أن فلان ابن فلان لم يكن في هذا المكان، فهنا العين رأت والقلب كذَّب، أو بالعكس قد يتخيل الإنسان الشيء في قلبه ولكن العين تكذبه.

أما ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فإنه رآه حقاً ببصره وبصيرته، ولهذا قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] بل تطابق القلب مع رؤية العين، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم كاذباً فيما رآه من الآيات العظيمة في تلك الليلة، بل هو صادق، ولكنكم تعلمون أن المشركين كذبوه، وقالوا: كيف يمكن أن يصل إلى بيت المقدس ويعرج إلى السماء في ليلة واحدة؟!!

تفسير قوله تعالى: (أفتمارونه على ما يرى)

قال تعالى: أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى [النجم:12] والاستفهام هنا للإنكار والتعجب، ومعنى (تمارونه) أي: تجادلونه بقصد الغلبة، ولهذا عداها بـ (على) دون (في)، يعني: لم يقل: (أفتمارونه في ما يرى)، بل قال: (على ما يرى) إشارة إلى أن الفعل ضمن معنى المغالبة، يعني: أفتجادلونه تريدون أن تغلبوه (على ما يرى) أي: على شيءٍ رآه، ولكنه عبر عن الماضي بالمضارع، إشارة إلى استحضار هذا الشيء، وأنه عليه الصلاة والسلام حين أخبر به كأنما يراه الآن؛ لأن الإنسان إذا حدث عن ماضٍ فربما يقول قائل: لعله نسي فأخطأ، لكن إذا عبر بالمضارع صار كأنه يتحدث عن شيءٍ هو يشاهده.

أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى فهل المعنى على ما يرى الآن أم على ما رأى من قبل، ولكن عبر عما رأى بالمضارع؟

تفسير قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى)

انتبهوا لهذه النكتة العظيمة وأعني بالنكتة يعني: الحكمة البالغة؛ حيث تكون تعبيرات القرآن الكريم إذا عبر بخلاف ما يتوقع فلابد أن يكون هناك عبرة تظهر للمتأمل، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:12-13] رآه الفاعل: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمفعول به: جبريل، أي: رأى محمدٌ جبريل، (نزلة أخرى) أي: مرة أخرى حين نزل، فما هي المرة الأولى؟ المرة الأولى رأى الرسول عليه الصلاة والسلام جبريل وهو في غار حراء، رآه على خلقته التي خُلق عليها، أتدرون كيف رآه؟!!

رآه وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وهذا يدل على عظمته، كل الأفق الذي حول الرسول عليه الصلاة والسلام في حراء انسد من أجنحة هذا الملك الكريم، ولهذا وصفه الله بأنه ذو قوة، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير:20] وبأنه ذو مرة، أي: هيئة حسنة كما سبق في هذه السورة، فرآه مرة في الأرض ومرة في أفق السماء، في الأرض وهو في غار حراء، أما في السماء ففوق السماء، فتارة رآه من تحت السماء من فوق الأرض، وتارة من فوق السماء، ولهذا قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى نزلة أي: مرة أخرى.

تفسير قوله تعالى: (عند سدرة المنتهى)

قال تعالى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [النجم:14] رآه عند السدرة؛ والسدرة معروفة في الأرض .. شجرة السدر، لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا، نبقها كقلال هجر، وأوراقها كآذان الفيلة، فهي شجرة عظيمة، وسميت شجرة سدرة المنتهى بـ (سدرة المنتهى) لأنه ينتهي إليها كل صاعدٍ من الأرض، وينتهي إليها كل نازلٍ من عند الله عز وجل، فهي منتهى من الطرفين:

الطرف الأول: ما يصعد من الأرض إلى السماء ينتهي عند هذه السدرة، وما ينزل من الرب عز وجل ينتهي عند هذه السدرة، وما يصعد من الأرض ينتهي إليها فهي منتهى من الطرفين.

تفسير قوله تعالى: (عندها جنة المأوى)

قال تعالى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:15] إذاً: الجنة فوق السماء السابعة؛ فإذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون؟

يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك، وأعلاها وأوسطها الفردوس -جعلنا الله وإياكم من أهلها- التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا، ولهذا قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] وعليين مبالغة في العلو، يعني: في أعلى شيء، المهم أن الله يقول: (عندها) أي: عند هذه السدرة (جنة المأوى) المأوى يعني: المصير، ومأوى مَن؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها، وأما النار فهي مثوى الكافرين -والعياذ بالله-.

وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق -الجن والإنس- إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني رحمه الله في عقيدته:

وكل إنسان وكل جِنَّة     في دار نار أو نعيم جَنَّة

لا دار غيرهما.

والقبور هل هي مثوى ومأوى؟

لا. ليست مثوى ولا للموتى أيضاً، لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث.

ويذكر أن بعض الأعراب من البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً. فما معنى: ليس الزائر بمقيم؟

الزائر يزور ثم ينصرف، أيضاً القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها، قال الله تعالى: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] فالناس لابد أن يبعثوا.

والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً: أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير -يعني: إلى المقبرة- عبارة غير صحيحة، لماذا؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير، ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث.

تفسير قوله تعالى: (إذ يغشى السدرة ما يغشى)

قال تعالى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [النجم:15-16] السدرة ما هي؟ أي سدرة هي؟

سدرة المنتهى، لأنه قال في الأول: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [النجم:13-14] ثم قال: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ [النجم:16] و(أل) في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين أل للعهد الذكري، كقوله تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل:15-16].

إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ [النجم:16] يعني: سدرة المنتهي، مَا يَغْشَى [النجم:16] أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم يعني: غشاها شيءٌ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لا يستطيع أحدٌ أن يصفه) سبحان الله العظيم!

إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى نظير ذلك في الإبهام للتعظيم قول الله تبارك وتعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طـه:78] أي: غطاهم من ماء البحر ما غطاهم، وهو شيء عظيم، هذا أيضاً: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى أي: غشيها شيء عظيم بأمر الله عز وجل، بلحظة كن فيكون.

تفسير قوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى)

قال تعالى: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17] بصر مَن؟!

بصر النبي صلى الله عليه وسلم، (وما طغى) يقول العلماء: (زاغ) أي: انحرف يميناً وشمالاً (طغى): أي: تجاوز أمامه، يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم، لم يلتفت يميناً وشمالاً ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه، وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يميناً وشمالاً .. ما هذا المنـزل؟! خصوصاً إذا تغير تغيراً عظيماً في هذه اللحظة لابد أن ينظر ما الذي حدث، لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم.

(ما زاغ البصر) بصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ما انحرف يميناً ولا شمالاً، (وما طغى) أي: ما تجاوز أمامه، بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله عنه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

تفسير قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)

ثم قال عز وجل: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18] رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، (لقد رأى) وأنت -أخي المسلم القارئ للقرآن- يمر بك مثل هذا التعبير دائماً، (لقد رأى)، لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] إلى آخره، كثير من الأمثلة، هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات:

الأول: قسم مقدر.

والثاني: اللام.

والثالث: قد.

لأن معنى (ولقد) معناه: والله! لقد..، فتكون جملة مؤكدة بالقسم، واللام، وقد، والقسم مقدر لكن دل عليه السياق.

(ورأى) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18] الآية: هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد، وإلا لم تكن علامة .. لم تكن آية، فالآية لابد أن تكون خاصة بمدلولها، فليس كل علامة آية، بل هي التي تختص بمدلولها، فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبيرٌ عظيم، وقوله: (الكبرى) قيل: إنها مفعول ثان لرأى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18]. وقيل: إن الكبرى صفة لآياته، والمعنى: أنه رأى من آيات الله الكبيرة.

والثاني أصح وأقرب، يعني: أنه رأى من آيات الله الكبرى ما رأى، وليس ما رآه أكبر شيء، بل قد يكون هناك شيء أكبر لا نعلمه.

والحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في هذا المعراج من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل، وما لا يستطيع الصبر عليه أحدٌ من البشر، نحن لو رأينا سرادقاً عظيماً لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يميناً وشمالاً، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان، وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام؛ من الحجر عند الكعبة -والحجر من الكعبة- إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين؟

شهرين، في لحظة؛ لأنه ركب على البراق، والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره، وسريع جداً، وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء؛ والسماء كم بعدها عن الأرض؟ بعيدة جداً، ثم من سماءٍ إلى سماء، وهو تتلقاه الملائكة تسأله تقول لجبريل: من معك؟ يقول: محمد، هل أرسل إليه؟ يقول: نعم، ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وبين موسى، كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام.

وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد، ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش؛ لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها، وإنكار ما لا يمكن بالعقل ليس خاصاً بكفار قريش .. بل حتى في من ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم، أليس كذلك؟

أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئاً من صفات الله أثبتها الله لنفسه؛ لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل.

قريش أنكرت هذا المعراج، أرأيتم لو كان مناماً هل تنكره قريش؟

لا تنكره؛ لأن المنامات يكون فيها مثل هذا، لكنه أمر حسي حقيقي، أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة، وحصلت كل هذه الأمور التي حصلت ثم عاد إلى الأرض، وصلى الفجر في مكة عليه الصلاة والسلام.

لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى وفي هذا إشارة إلى أن آيات الله عز وجل منها الكبير ومنها ما دون ذلك، ما نقول ومنها الصغير؛ لأن الكبرى اسم تفضيل، وغلط من قال من المفسرين المتأخرين: إن الكبرى اسم فاعل بل هي اسم تفضيل؛ لأن آيات الله عز وجل إما كبيرة، وإما كبرى عظمى، فالمعراج الذي حصل لا شك أنه من الآيات الكبرى العظيمة.

قال الله تبارك وتعالى في سورة النجم في قصة المعراج: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] واعلم -أيها الأخ المسلم- أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسراءً ومعراجاً، فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء، والمعراج ذكره الله في سورة النجم، وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين أو سنة ونصف -اختلف المؤرخون في هذا- ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، وليس بروحه فقط.

وأما قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء:60] فالمراد بها رؤية العين لا رؤية المنام.

يقول الله تعالى في سياق الآيات في المعراج: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] (الفؤاد) القلب، والمعنى: أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه فإنه رآه بقلبه وتيقنه وعلمه، وذلك أن العين قد ترى شيئاً فيكذبها القلب، وقد يرى القلب شيئاً فتكذبه العين، فمثلاً: الإنسان قد يرى شبحاً بعينه فيظنه فلان ابن فلان، ولكن القلب يأبى هذا؛ لأنه يعلم أن فلان ابن فلان لم يكن في هذا المكان، فهنا العين رأت والقلب كذَّب، أو بالعكس قد يتخيل الإنسان الشيء في قلبه ولكن العين تكذبه.

أما ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فإنه رآه حقاً ببصره وبصيرته، ولهذا قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] بل تطابق القلب مع رؤية العين، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم كاذباً فيما رآه من الآيات العظيمة في تلك الليلة، بل هو صادق، ولكنكم تعلمون أن المشركين كذبوه، وقالوا: كيف يمكن أن يصل إلى بيت المقدس ويعرج إلى السماء في ليلة واحدة؟!!


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3032 استماع