لقاء الباب المفتوح [100]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء المتمم للمائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع والتي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وهذا يتم في يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1416هـ.

نبتدئ هذا اللقاء في الكلام على تفصيل هذه السورة على ما تيسر وهي قوله تبارك وتعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:1-9].

تفسير قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة)

في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره.

وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.

قال تعالى: لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] (كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟

قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة.

وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر.

وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: (لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.

فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11].

تفسير قوله تعالى: (الذي جمع مالاً وعدده)

قال تعالى: الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ [الهمزة:2] هذه أيضاً من أوصافه القبيحة، جماع مناع، يجمع المال ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي، يجمع المال ويعدده (وعدده) قيل معنى التعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهم في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منها شيئاً، ولم يضف إليها شيئاً، لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة (عدده) يعني: أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له، يخشى أن يكون قد نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق، فهو دائماً يعدد المال.

وقيل: معنى (عدده) أي: جعله عُدة له، يعني: ادخره لنوائب الدهر، وهذا وإن كان اللفظ يحتمله ولكنه بعيد؛ لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيام بالواجب لأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، وإنما المذموم أن يكون أكبر هم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده وينظر هل زاد.. هل نقص، فالقول بأن المراد (عدده) أي: عدَّه للمستقبل قول ضعيف.

تفسير قوله تعالى: (يحسب أن ماله أخلده)

قال تعالى: يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] أي: يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم، فيقول في هذه الآية يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] أي: أخلد ذكره أو أطال عمره والأمر ليس كذلك، فإن أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيئ، فيقال: أبخل من فلان.. ويذكر في المجالس ويعاب.

تفسير قوله تعالى: (كلا لينبذن في الحطمة)

قال تعالى: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] (كلا) هنا يسميها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى حقاً (يعني: حقاً لينبذن) وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن يخلده ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره وربما يذكر بالسوء؛ لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل.

لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] (اللام) هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير: (والله لينبذن في الحطمة) أي: يطرح طرحاً، وإذا قلنا: إن اللام في جواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام ونون التوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشيء باليمين واللام والنون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه.

وقوله: لَيُنْبَذَنَّ [الهمزة:4] ما الذي ينبذ: هل هو صاحب المال أو المال؟

قد نقول: كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً [الطور:13] أي: يدفعون وهنا يقول: (ينبذ) أي: يطرح (في الحطمة) والحطمة: هي التي تحطم الشيء أي: تفتته وتكسره، فما هي؟

تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما الحطمة...)

قال الله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة:5] وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب، فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم، أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يعذب بها. إذاً.. هي نار عدل وليست نار ظلم؛ لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكون عدلاً، فتعذيب الكافرين بالنار لا شك أنه عدل، وأنه يثنى به على الرب عز وجل، حيث عامل هؤلاء بما يستحقون، وتأمل قوله: (الحطمة) مع فعل هذا الفاعل (همزة لمزة) حطمة، وهمزة لمزة على وزن واحد ليكون الجزاء مطابق للعمل حتى في اللفظ.

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] أي: المسجرة المسعرة.

تفسير قوله تعالى: (التي تطلع على الأفئدة)

قال تعالى: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة:7] الأفئدة: جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى: أنها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات، لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.

إِنَّهَا [الهمزة:8] أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة: عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] على الهماز اللماز الجماع للمال المناع للخير، ولم يقل: (إنها عليه) مع أن المرجع مفرد: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ [الهمزة:1-2] لكنه أعاد الضمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى؛ لأن لكل همزة عام يشمل جميع الهمازين وجميع اللمازين.

تفسير قوله تعالى: (إنها عليهم مؤصدة)

قال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] أي: مغلقة، مغلقة الأبواب، لا يرجى لهم فرج -والعياذ بالله- كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا [السجدة:20] يعني: يُرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج، ثم بعد ذلك يركسون فيها، ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهل النار مذكور مفصلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية. إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] مغلقة؛ تأمل الآن لو أن إنساناً كان في حجرة أو سيارة اشتعلت فيها النيران وليس له مخرج، الأبواب مغلقة كيف يكون حاله؟ في حسرة عظيمة، لا يمكن أن يماثلها حسرة، فهم -والعياذ بالله- هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة.

تفسير قوله تعالى: (في عمدٍ ممددة)

قال تعالى: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9] أي: أن هذه النار مؤصدة وعليها أعمدة ممدة، مثلما نقول: شبابيك عظيمة، حتى لا يحاول أحد فتحها: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9] أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها.

حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا لا لمجرد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذه الأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، عيب الناس بالفعل، الحرص على المال حتى كأن الإنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حالته فإن جزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدة.

نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإياكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه.

في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره.

وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.

قال تعالى: لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] (كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟

قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة.

وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر.

وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: (لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.

فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11].


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3032 استماع