خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [59]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات المعتادة في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو آخر خميس من شهر ذي الحجة عام (1414هـ)، وهو اليوم التاسع والعشرون منه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم عامنا بالمغفرة والعفو والرضوان.
نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة الغاشية .. يقول الله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]والبسملة آية من كتاب الله مستقلة، ليست من السورة التي بعدها، بل آية مستقلة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول الفاتحة هو: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2].
تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية)
وأحياناً يترجح العموم، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهذا أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وآخره: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهو عام.
فقوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعظم هذا الحديث عن الغاشية.
حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، والمراد هنا يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].
تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة...)
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ عاملة عملاً يحصل به النصب وهو التعب. قال العلماء: وذلك أنهم يُكلَّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة؛ لأنه عمل عذاب وعقاب -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:104] وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ [الغاشية:2] يوم إذا أتت الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة.
إذاً: فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.
تفسير قوله تعالى: (تصلى ناراً حامية)
ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواء باردة غاية البرودة تصل إلينا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإياكم منها- نار حامية شديدة الحرارة.
تفسير قوله تعالى: (تسقى من عين آنية)
فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار؟ فالجواب: إن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، فلو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رءوس الناس على قدر ميل؟ والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شياً، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.
وأيضاً: يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد؛ منهم من هو في ظلمةٍ شديدة، ومنهم من هو في نور يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد:12] يحشرون في مكان واحد ويعرقون، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد.
إذاً: أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا، فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا:
أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا.
ثانياً: إن الله على كل شيءٍ قدير.
ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار، كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80] الشجر الأخضر إذا ضرب بعضه ببعض أو ضرب بالزند انقدح وخرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير.
فهم يسقون من عين آنية في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع ...)
ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:8]، ونستكمل شرح بقية الآيات -إن شاء الله- في اللقاء القادم، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يرزقنا وإياكم دار القرار، إنه على كل شيء قدير.
يقول الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم وإما لكل من يصح خطابه، وهذا يأتي في القرآن كثيراً؛ يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه، إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، مثل قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] فهذا لا يمكن إلا أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم، وكقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] هذا لا يمكن إلا للرسول صلى الله عليه وسلم.
وأحياناً يترجح العموم، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهذا أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وآخره: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهو عام.
فقوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعظم هذا الحديث عن الغاشية.
حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، والمراد هنا يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3400 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3358 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3321 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3300 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3283 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3262 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3121 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3096 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3044 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3039 استماع |