خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [50]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)
تفسير قوله تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم)
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، حتى لا يقول قائل: لماذا أُلزمنا نحن بترك شهواتنا من مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم، فيكون في هذا نوع تسلية للأمة، وأنها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها.
والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأمة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وقد ضرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِرَ، فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلا موضع لبنة فيه، وكان النبي صلى الله عليه هو الذي حل أو سد موضع هذه اللبنة وبه تم البناء، فتمت الشرائع -والحمد لله- بهذه الشريعة الإسلامية.
تفسير قوله تعالى: (لعلكم تتقون)
ولهذا نقول: التقوى: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وهذا أجمع تعريفٍ للتقوى.
وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً من ذلك بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فالذي لا يدع هذه الأشياء فإن الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطعام والشراب؛ لأن هذا قد يكون فيه تعذيب للنفس والله تعالى يقول: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] فالله عز وجل يريد منا أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو كان صيامه فقط هو الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح؟!
تفسير قوله تعالى: (أياماً معدودات...)
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أي: يقدرون عليه فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ أي: من لا يريد الصوم فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا تيسير؛ تصوم إن شئت، وإن شئت تطعم عن كل يوم مسكيناً، ولو كنت تطيقه.
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً وأطعم مسكيناً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فيخير الإنسان بين أن يصوم وبين أو يطعم ولو كان قادراً، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره.
لكن هل بقي هذا الحكم؟ لا.. لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده.
تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن...)
تفسير قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر...)
ثم إذا كان على الإنسان مشقة في شيء منها فإنها تنقسم إلى قسمين: إما أن تسقط بسبب المشقة، وإما أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذر استعمال الماء فإنه يتيمم، فإن لم يجد ما يتيمم به سقط عنه الوضوء والتيمم، فهذا المثال للشيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد.. فالدين كله يسر.
ولذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزاوية أكثر مما ينظر إلى زاوية التعسير على الخلق؛ لأن ربهم الذي خلقهم هو الذي قال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185] وكثيرٌ من الناس الآن نجده يعامل الناس بما هو أعسر وأشق، وهذا إن جاءت به الشريعة فلا بأس وليس بشاق إلا في تصور بعض الناس، وأما إذا لم تأتِ به الشريعة فإنه لا حجة له عند الله يوم القيامة إذا قال له لماذا عسرت على عبادي؟ وأنا ميسر لهم؟
ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألا نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، وألا نحرم عليهم ما لم يحرمه الله عليهم، حتى وإن فرض أننا عندهم قدوة، وأنهم يطيعوننا فإننا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
ثم قال تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] وهذا بعد إكمال العدة إذا غابت الشمس ليلة عيد الفطر فإنه يشرع للناس أن يكبروا الله عز وجل على ما هداهم؛ لأن هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيماناً واحتساباً، إنه على كل شيء قدير.
فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام (1414هـ)، وهو المجلس الأول في الإجازة الربيعية بمناسبة قرب شهر رمضان يحسن أن نتحدث قليلاً عن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فهذه الآية الكريمة صدَّرها الله عز وجل بهذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] بوصف الإيمان؛ لأن وصف الإيمان يحمل الإنسان على القيام بالأمر واجتناب النهي، وهو وصف -لا شك- محمود محبوب إلى الخلق، فكل إنسان عاقل يحب أن يوصف بالإيمان، وكل إنسان يود أن يتمم إيمانه، فإذا نادى الله تعالى عباده بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فارعها سمعك؛ فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه] وما في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] أي: فرض، والفارض له هو الله عز وجل فرضه على عباده. وقد جاء في السنة بأنه أحد أركان الإسلام الخمسة.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |