خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [31]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
هذا هو اللقاء الأول من شهر صفر عام (1414هـ)، وهو اللقاء الأسبوعي الذي نعقده يوم الخميس من كل أسبوع، ونظراً لتأخرنا هذا اليوم فإننا نرجو منكم المعذرة أولاً، ثم السماح لنا بعدم الكلمة التي تكون مقدمة للأسئلة؛ من أجل أن نستوعب أسئلة الحاضرين إن شاء الله تعالى.
السؤال: اللحوم المستوردة كثر عليها الكلام، وفي مجلة البحوث لهيئة كبار العلماء ذكر أحد من بعث من قبل الرابطة أنها فعلاً لا تذبح على الطريقة الإسلامية، خاصة الدجاج البرازيلي، وما رأيكم يا شيخ! في الدجاج الوطني؟
الجواب: أولاً: رأينا في اللحوم المستوردة أنها إذا جاءت من دول أهل الكتاب فإنكم -كما تعلمون- قد أحل الله لنا طعام الذين أوتوا الكتاب، فقال جل وعلا: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [طعامهم: ذبائحهم] وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أكل من الشاة التي أهدتها له المرأة اليهودية في خيبر، وأكل صلى الله عليه وسلم من الطعام الذي دعاه إليه يهودي في المدينة، وكان فيه إهالة سنخة -أي: شحماً قديماً- وكذلك أقر عبد الله بن المغفل أن يأخذ الجراب الذي رمي به في خيبر وهو من ذبائح اليهود.
فإذا جاء الدجاج من دول أهل الكتاب فإنه حلال، هذا هو الأصل، وليس لنا ولا علينا أن نسأل كيف ذبحوه؟ وهل سموا عليه أم لا؟ ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري : (أن قوماً جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ وكانوا حديثي عهد بالكفر، فقال: سموا أنتم وكلوا).
وقد جرى البحث في مجلس هيئة كبار العلماء، ودعوا وكلاء وزارة التجارة، وقالوا: إننا لا يمكن أن نأذن لشيء يرد إلا ونحن مطمئنون إلى أنه مذبوح ذبحاً شرعياً، ولنا وكلاء هناك، لكننا لا نقول: إن جميع المصانع أو مذابح أولئك القوم كلها على الطريقة الإسلامية، لكن ما يرد إلى المملكة فإنه محتاط له، هكذا قالوا لنا، وبناء على ذلك يكون حلالاً.
وكذلك الدجاج الوطني الذي يذبح هنا أيضاً لا شك في حله، وما يذكر من أنه يُعطى من الدم أو نحو ذلك لا يضر؛ أولاً لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وإن الحيوان إذا أكل نجاسة تحولت النجاسة إلى دم، ثم إلى لحم مباح.
وثانياً: أن الجلالة التي حرمها أكثر أهل العلم هي التي يكون أكثر أكلها النجاسة، لا التي تأكل النجاسة، فتحرم حتى تحبس وتطعم طعاماً طاهراً ثلاثة أيام ثم تحل.
فلا ينبغي أن يدخل على الناس الشك في مآكلهم؛ لأنك إذا أدخلت عليهم الشك فهم بين أمرين: إما أن يأكلوا وهم قلقون، وإما أن يتجرءوا ويقولوا: لا نبالي حلالاً كان أم حراماً! وما وجد بأسواقنا سنأكله، فإدخال الشكوك على المسلمين في أطعمتهم وألبستهم بدون مستند شرعي أمر لا ينبغي.
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء القوم الذين شكوا في اللحم الذي يأتيهم من حديثي عهد بكفر، قال: (سموا أنتم وكلوا) كأنه يقول: ليس عليكم من فعل غيركم.. أي: أنتم أدوا ما تؤدون على الوجه المشروع ولا عليكم من سواكم.
السائل: والأجبان؟
الجواب: والأجبان طاهرة وحلال، والصحابة رضي الله عنهم فتحوا بلاد فارس وأكلوا من أجبانهم وهم فرس لا تحل ذبائحهم.
السؤال: ما حضرنا إلا حباً لك في الله، والسلام عليكم، والاطمئنان على صحتك، وطلب العلم والجلوس معكم، وسؤالي حول هذا الموضوع: ما رأيك في السفر إلى العلماء والجلوس معهم؟ هل تحث الشباب على ذلك؟ لأني سمعت البعض يقول: يكتفى بسماع الأشرطة ولا داعي للسفر؟
الجواب: أولاً: بارك الله فيك (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)، ورحل جابر بن عبد الله -أحد الصحابة- إلى عبد الله بن أنيس لكي يأخذ منه حديثاً واحداً لمدة شهر على الإبل.
فالسفر لطلب العلم ولو لمسألة واحدة فيه أجر وخير كثير، والسفر لأجل زيارة الإخوان وإلقاء المودة والمحبة، وما الرائي كالسامع، وليس الخبر كالمعاينة؛ فأنت إذا جئت لرجل وشاهدته أشد بكثير مما إذا سمعت عنه، هذا أيضاً خير كثير، فأنت إن شاء الله لك أجر على سفرك من أجل السلام، وعلى سفرك من أجل العلم.
السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) وقال في حديث آخر: (ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه) ومشايخ الطرق من الصوفية أخذوا من قوله: (أو زاد عليه) أن الزيادة مطلقة؛ فألزموا أتباعهم بالتسبيح عشرة آلاف مرة مثلاً، أو مائة ألف مرة، ويعطونهم مسبحة فيها نحو ألف حبة، فهل يؤخذ من هذا أن التسبيح عشرة آلاف مرة أو مائة ألف مرة جائز للإطلاق الوارد في الحديث؟
الجواب: التسبيح المحدد يؤخذ بما حدده الشرع، والمطلق يؤخذ بإطلاقه ولا يحدد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر).
لكن إذا زدت بدون تحديد، فقد جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فأوصني، قال: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)، وقال تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] لكن تحديدها بعشرة آلاف مرة، أو مائة ألف مرة، ثم اتخاذ هذه المسبحة التي تحوي على ألف حبة -كما ذكرت- يتقلدها الإنسان وتثقل رقبته، فكل هذا لا شك أنه ينهى عنه.
فيقال: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما اتخذ مسبحة، لا صغيرة الحب، ولا كبيرة الحب، ولا عين لأمته مائة ألف، أو عشرة آلاف... أو ما أشبه ذلك، فاذكر الله ذكراً كثيراً بدون تحديد.
السؤال: قد يُلقي رجال الحسبة القبض على بعض المجرمين، مثل: من يفعل اللواط أو يشرب الخمر، فإذا أُحيل هذا الرجل إلى المحكمة الشرعية قد تخرج صكاً في إدانته، ويفصل من عمله لمدة خمس سنوات أو يزيد، فهل لرجل الحسبة أن يطهر هذا المجرم بإقامة الحد عليه في المركز نفسه أو في الهيئة، علماً بأنه يعول أسرة، وقد يؤدي الأمر به إلى ضياع تلك الأسرة، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: أولاً: المعروف أن رجال الحسبة لا يملكون التأديب، فإذا كانوا لا يملكونه؛ فلا يمكنهم تأديب أحد بدون إذن من ولي الأمر.
ثانياً: إذا قبض رجل الحسبة أو غيره على مجرم، فينظر هل هذا المجرم ممن عرف بالشر والفساد أم لا؟ فإذا كان كذلك فيجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر وإن ترتب عليه ما ترتب، وعائلته قد تكفل الله برزقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6].
أما إذا كان الرجل ليس معروفاً بالشر والفساد، ورأوا أن من المصلحة أخذ التعهد عليه وإطلاقه مع مراقبته بعد ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن مسائل التهم لا تستوجب الحدود الشرعية حتى يقال: إنه لا يمكن إسقاط الحد، وإنما تبيح التعزير؛ والتعزير إذا رأى من له الأمر أن يخفف عنه لمصلحة شرعية فلا بأس.
السؤال: شخص مسافر وأراد أن يجمع صلاة الظهر مع العصر فلم يتذكر إلا بعد أن صلَّى العصر مع الجماعة فما الحكم؟ وهل الأفضل جمع التقديم أم جمع التأخير؟
الجواب: يصلي الظهر وليس عليه شيء، والأفضل في الجمع ما كان أيسر له، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في السفر إذا ركب قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى العصر، وإذا زالت الشمس قدم العصر مع الظهر، وكذلك المريض الذي يحل له الجمع يفعل ما هو أسهل له، فقد يكون الأسهل له أن يبكر، فيجمع جمع تقديم، مثل أن يجمع العشاء مع المغرب لينام مبكراً، وقد يكون الأمر بالعكس، مثل أن يأتي عليه وقت الظهر وهو نائم ويؤخر الظهر إلى العصر.
المهم أن الجمع سببه المشقة -مشقة الصلاة في وقتها- فإذا كان هذا هو السبب؛ فما كان أيسر في الجمع فهو أفضل.
السؤال: كثيراً ما رأيت من خلاف بين الناس في مسألة دخول الأطفال على النساء، فبالنسبة لغير طلبة العلم رأيت تفريطاً، فبعضهم قد يسمح لمن كان في الثانية أو الرابعة عشر بالدخول على النساء، وربما بعضهم يكون أكبر من ذلك، ومع هذا لا يرون بذلك بأساً.
ورأيت أيضاً في المقابل عند بعض الإخوة الملتزمين بدين الله عز وجل تشدداً في ذلك، فيمنعون حتى من كان في الخامسة من عمره وربما في الرابعة ادعاءً منهم أن هذا الطفل فيه ذكاء، وأنه يلاحظ أو يميز بين الحسن والقبيح من النساء، فما هو الضابط لذلك مع الأدلة ؟
الجواب: الضابط لهذا ذَكره الله عز وجل في القرآن، قال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] هذا هو الضابط.
فإذا رؤي من الطفل أنه يلحظ المرأة، أو يلمسها أو ما أشبه ذلك، أو يميل إلى الجميلة دون الأخرى، عرف أنه يظهر على عورات النساء، وهذا لا يكون إلا من السنة العاشرة فما فوق، إلا إذا كان الطفل يعيش في بيئة يتحدثون دائماً عن النساء وعن الشهوة فربما يكون له اطلاع على عورات النساء قبل أن يبلغ العاشرة، هذا بالنسبة لإظهار المرأة وجهها عنده.
أما بالنسبة للخلوة بالمرأة فهذا يجب التحرز منه؛ وذلك لأنه وإن كان الطفل ليس فيه ما يؤدي إلى الاحتجاب عنه؛ لكن إذا خلا بالمرأة فقد تكون المرأة نفسها فيها شيء من الفساد فتحاول أن تثير شهوته، وربما تمكنه من نفسها، أو ما أشبه ذلك.
فالخلوة شيء، وكشف المرأة وجهها للطفل شيء آخر، يعني: أن الخلوة يجب التحرز منها كثيراً لئلا تعبث المرأة بالطفل، وإذا علمنا أن من النساء من تدخل القرد عليها لتتمتع به فما بالك بالصبي لسبع سنين أو ثمان.
السؤال: بالنسبة للمرأة الحامل قبل أن تضع بأيام وينزل منها دم أو ما أشبه ذلك، متى تسقط عنها الصلاة؟
الجواب: يقول العلماء: إن النفاس هو الدم الذي يحصل عند الولادة مع الطلق، فإذا أتاها الطلق قبل الولادة بيوم أو يومين فهي نفساء، وأما الدم الذي بلا طلق فليس بنفاس حتى وإن كان في يوم وضعها، وإذا انقطع دم النفاس بعد الولادة بفترة فمتى طهرت وجب عليها أن تتطهر وتصلي ولا تنتظر تمام المدة.
السؤال: متى تبدأ أحكام السفر ومتى تنتهي بالنسبة للمسافر؟
الجواب: تبدأ أحكام السفر في حقه إذا خرج من بلده، وتنتهي إذا دخل بلده، مثلاً إذا سافر الإنسان من عنيزة ، فإنه بمجرد خروجه من البنيان وما يتصل به تثبت له أحكام السفر، وعلى هذا فإذا كان يسافر بالطائرة فله أن يجمع ويقصر في المطار؛ أي مطار القصيم لأنه خارج البلد، أما المطار إذا كان داخل البلد فليس له أن يجمع ولا يقصر ولا يفطر في رمضان.
السؤال: ما هي السنن التي لا تفعل في السفر؟
الجواب: الذي لا يفعل في السفر من السنن: سنة الظهر، والمغرب، والعشاء، وما عدا ذلك فكل النوافل تصلى في السفر.
السؤال: وجدنا بعض المنشورات تقول: إن بعض الصابون يصنع من شحم الخنزير، فما رأيكم؟
الجواب: أرى أن الأصل الحل، في كل ما خلق الله لنا في الأرض، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] فإذا ادعى أحد أن هذا حرام لنجاسته، أو غيرها فعليه الدليل، وأما أن نصدق بكل الأوهام، وكل ما يُقال؛ فهذا لا أصل له.
فإذا قال: إن هذه الصابونة من شحم خنزير قلنا له: هات الإثبات، فإذا ثبت أن معظمها شحم خنزير أو دهن خنزير؛ وجب علينا تجنبها.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |