لقاء الباب المفتوح [3]


الحلقة مفرغة

السؤال: بعض طلبة العلم يُسْألون فيتخوَّفون من الإجابة خوفاً من الفتيا بغير علم، ويتخوفون -كذلك- من عدم الإجابة حذراً من كتم العلم، فما هو الفيصل في ذلك حتى يسْلَموا من كلا الأمرين؟

الجواب: الفيصل في ذلك أن يتورعوا ويدَعوا الفتيا إلا إذا كان عن علم؛ لأن الله فصَّل ذلك تماماً، فقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

فهذا هو الفيصل.

والنجاة من كتم العلم أن نقول: هم لم يعلموا حتى يكتموا، فلو علموا أن الحكم كذا وكذا وجب عليهم أن يبينوا؛ لكنهم ليس عندهم علم.

السائل: حتى إذا كان التورُّع في بعض المسائل الظاهرة؟

الشيخ: أحياناً تكون المسائل الظاهرة عند الناس غير موافقة للحق.

السائل: يعني: لا يمكن أن تسمى فتوى؟

الشيخ: مثلاً: لو سئل عن الربا، هل هو حرام أم حلال؟ فنَعم يقول: حرام.

السائل: أو قضايا في الصلاة أو نحو ذلك؟

الشيخ: حتى الصلاة هل كل قضاياها معلومة؟

السائل: يعني: حكم تاركها؟

الشيخ: لا بأس، الشيء المعلوم معلوم؛ لكن ما دام عندهم إشكال أو تردد يجب عليهم الامتناع، وفي هذه الحال ينبغي لهم أن يطلبوا من الإخوة السائلين كتابة الأسئلة لعرضها على أهل العلم.

السائل: وإذا نقلوا الفتاوى -أعني: في نفس كلامهم- عن العلماء؟

الشيخ: إذا نقلوا الفتوى عن العالم، وتأكدوا أن العالم قال هكذا في نفس هذه المسألة جاز لهم ذلك.

السائل: وينسبونه إلى العالم؟

الشيخ: إذا نسبوه إلى العالم لا بأس، مثل أن يقول: سمعتُ فلاناً أو الشيخ الفلاني يُسْأل عن هذه المسألة فقال: كذا وكذا.

السؤال: هل يلزم مِن سَوق الهدي أن يكون الإنسان قارناً؟

الجواب: سوق الهدي مسنون وليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به، والأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبداً دون أمر فإنه مسنون.

السائل: لو سقتُ هديي معي هل أكون متمتعاً؟

الشيخ: لا لا لا، أنت تسأل وتقول: هل يجب على مَن أراد القران أن يسوق الهدي؟

السائل: لا، أنا قلت: لو سقتُ الهدي هل يمكن أن أصير متمتعاً؟

الشيخ: لا، إذا سقتَ الهدي لا يمكن أن تكون متمتعاً؛ لأن المتمتع لا بد أن يتحلل من العمرة، والتحلل من العمرة لا يمكن مع سَوق الهدي.

السائل: طيب! ما تُعطي شركة الراجحي ألا يكون مِن سَوق الهدي؟

الشيخ: لا لا، هذا سَوق القروش وليس سَوق الهدي.

السائل: ولو اشترطوه قبل أن نذهب إلى مكة؟

الشيخ: ولو اشترطوه فليسوا هم الذين يسوقونه، هم يشترون إما من الخارج أو من مكة، لا ندري من أي مكان؛ لكنهم وكلاء لك، يشترون لك ويذبحون لك فقط.

السؤال: ما رأيكم في أناس يذهبون للحج في كل عام؛ ولكنهم ينزلون خارج حدود مِنى طلباً للراحة حتى تكون السيارة إلى جانبهم، مع أنهم لو دخلوا إلى مِنى سيجدون أماكن؛ ولكنها وَعِرَة في الجبال أو كذا، فماذا نقول لهم؟

الجواب: قولوا لهؤلاء: الذين ينزلون خارج مِنى مع إمكان النزول في مِنى آثمون، ومتعدُّون لحدود الله؛ لأن الواجب على الحاج أن يكون في مِنى ، إلا إذا لم يجد مكاناً فإن الله تعالى يقول في كتابه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ويقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

ورخص النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يترك المبيت في مِنى ليالي مِنى ؛ لأجل سقاية الحجاج.

فمن لم يقدر فهو من باب أَولى أن يُعْذَر.

أما أنهم يقدرون؛ ولكن يقولون: نريد الراحة، فأنا أشير عليهم براحة أكثر من هذا: أن يبقوا في بيوتهم حتى لا يتكلفوا عناء السفر، والنفقات، ومفارقة الأهل.

والحج لا بد فيه من المشقة؛ لأنه جهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة : (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة).

وقـال تعـالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].

فذِكْرُه إتمام الحج والعمرة لله بعد الإنفاق في سبيل الله يدل على أنه نوع من الجهاد وهو كذلك.

السؤال: ذكرتم في منسك الحج أنه لا يجوز تأخير الصلاة ليلة المزدلفة إلى بعد منتصف الليل، هل يمكن البقاء بـعرفة للصلاة، خاصة إذا كان معه نساء مع توفر الماء بدلاً من بقائهم في الحافلة نحو ست ساعات، وقد لا يمكنهم الانحراف عن الخط مع حاجتهم إلى الماء، ولا يتمكنون من الوصول إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل حين انصراف سيارات معظم الحجاج إلى مِنى؟

الجواب: هذا إذا كانوا يخشون ألَّا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل، فإنه بمجرد غروب الشمس يُصَلُّون المغرب والعشاء في عرفة ، ويمشون ما يتجاوز نصف الساعة، فربما إذا حملوا تقف السيارات قبل أن تركب الخط العام، وتغرب الشمس ويبقوا هناك ربع ساعة، وأحياناً نصف ساعة وهم لم يركبوا الخط العام بعد، فمثل هؤلاء يمكنهم إذا خافوا ألا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل يمكنهم أن يصَلُّوا في عرفة.

السؤال: رجل يعمل لدينا في القصيم ، ومتغيب عن أهله ثلاث سنوات، وتتصل عليه زوجته أكثر من ثلاث مرات فتقول له: ارجع. وهو يقول: إذا رجعتُ إلى أهلي فإن لديَّ هناك غرماء، ربما أدخل السجن قبل أن أذهب إلى أهلي، فما رأي الشرع في هذا؟

الشيخ: تعني: أن هذا رجل متغيب عن زوجته من أجل الدَّين الذي عليه، ويخشى أنه إذا رجع إلى بلده أن يُمْسَك ويُحْبَس، وزوجته تطالبه بالرجوع، فنقول: يجب أن يرجع إلى زوجته، أو يستقدمها إلى مكانه، أو يطلقها.

السائل: وإذا استسمحها؟

الشيخ: وإذا استسمحها فسَمَحَتْ فالحق لها.

السؤال: هل يستفاد من الحديث الذي صدَّرتم به اللقاء أن الحج أفضل من الجهاد في سبيل الله؟

الشيخ: من أي ناحية؟

السائل: من ناحية بقيته: (ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل ...

الجواب: أما بعمومه: (ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ ...) فهو يقتضي هكذا؛ لكن إذا كان الجهاد في هذه الأيام صار أفضل من غيره، فقوله: (ولا الجهاد في سبيل الله) أي: في غير هذه الأيام، وحينئذٍ يكون الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام أفضل من غيره.

السائل: وكيف نوفق بين هذا الحديث وآية: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [التوبة:19]، وقد قال شيخ الإسلام بأفضلية الجهاد استناداً إلى هذه الآية: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة:19]؟! أفيدونا يرحمكم الله!

الشيخ: الكفار والمشركون يفتخرون على المسلمين بأنهم يسقون الحجيج ويعمرون المسجد الحرام، فقال الله تعالى: أجعلتم هذا كهذا، أنتم لو عملتم هذا فسقيتم الحاج وعمرتم المسجد الحرام ومُتُّم على الكفر فلا حَظَّ لكم في هذا، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].

السؤال: فضيلة الشيخ! ذَكَرْنا في درس المناسك: أن المرأة لا تسعى بين العَلَمين الأخضرين سعياً شديداً، للإجماع في ذلك، وقلنا: إنه إذا لم يكن هناك إجماع فالمرأة تسعى، ووقفتُ على كتاب المجموع للنووي قال فيه: أما المرأة ففيها وجهان:

الصحيح المشهور وبه قَطَعَ الجمهور: أنها لا تسعى في موضع السعي، بل تمشي جميع المسافة سواء كان ذلك نهاراً أو ليلاً ولو في الخلوة؛ لأنها عورة.

والثاني: أنها إن سعت في الليل حال خُلُوِّ المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرَّجُل. والله أعلم، فأين ذِكْر الخلاف؟

الشيخ: الخلاف في صورة معينة وليس بمطلق، أعني: فيما إذا سعت ليلاً وليس في المسعى أحد ولا يمكن ذلك؛ لأن المسعى لا بد أن يكون فيه أحد.

السائل: وفي غير المواسم؟

الشيخ: لا بد أن يكون في المسعى أحد، نحن ذهبنا في غير أيام المواسم ووجدنا أن المسعى غير خال من الرجال.

فالخلاف هو في هذه الصورة المعينة؛ لأنها هي التي تشبه حال أم إسماعيل، أم إسماعيل ما كان عندها أحد؛ لكن هذه متى تأتي؟ لا تأت أبداً.

السائل: يعني إذا أتت ممكنٌ ذلك؟

الشيخ: وإذا أتت فممكن ذلك، فيكون هذا هو القول الصواب؛ لكن هذه لن تأت.

السؤال: شخص رضع من امرأة ولها بنات، ثم طلقها زوجها وتزوجها رجل آخر، وأنجبت له بناتاً، فهل هن محارم للشخص هذا مثل بنات الرجل الأول؟

الشيخ: تعني: بنات زوجته من الرضاع؟

أنا فهمت أنك تريد الزوج الثاني هل يكون محرماً من التي أرضعته في حبال الزوج الأول؟

السائل: إي نعم.

الشيخ: لا. الصحيح أنه لا يكون، نعم إن كان بناته من النسب فصحيح أنه محرم لهن.

السؤال: شخص مسلم كان معه شخص كافر في سيارته، فانقلبت السيارة، فمات الشخص الكافر، فماذا يلزم تجاه هذا؟

الجواب: هذا ترجع فيه إلى المحكمة، والتي تحكم به إن شاء الله فهو خير.

السؤال: ما حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة، أي: أن البائع يأخذ الزيادة كأن يبيع التسعة بعشرة؟

الجواب: حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة أو النقص لا بأس به، بشرط أن يكون التقابض في مجلس العقد، وذلك لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد).

وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن الفلوس التي يتعامل بها الناس لكونها معدناً لا ذهباً ولا فضة ليس فيها رباً:

- فمنهم من أطلق وقال: ليس فيها رباً مطلقاً.

- ومنهم من قال: فيها ربا النسيئة.

وهذا أصح؛ لأنها لما كانت أثماناً وقيماً للأشياء أشبهت النقد الفضي والذهبي من وجه، فتُعْطَى بعض أحكامه من وجه آخر.

فأقرب الأقوال في هذه المسألة: أنه يجوز فيها ربا الفضل وهو الزيادة والنقص، ولا يجوز فيها ربا النسيئة وهو تأخير القبض.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3398 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3353 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3318 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3298 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3283 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3119 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3036 استماع