خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8856"> اللقاء الشهري
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
اللقاء الشهري [72]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والسبعون من اللقاءات الشهرية التي تتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، لكننا هذا الشهر أخرناها أسبوعاً؛ نظراً لأن أوله قد شغل الناس بصيام الأيام الستة من شوال، وهذه الليلة هي ليلة الأحد الثالث والعشرون من شوال حسب التقويم، أو الرابع والعشرون منه حسب رؤية الهلال عام (1420هـ).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل في هذه اللقاءات الخير والبركة، وأن يعيدها علينا وعليكم في أمن وإيمان وإسلام واتباع.
في هذا اللقاء حدثت أشياء لا بد أن نتكلم عليها قبل أن نشرع في موضوع اللقاء.
الشيء الأول: هو ما حصل من عدوان دولة الروس على إخواننا في الشيشان : وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:8-9] ونحن نؤمن بالله وقدره وقضائه ونعلم علم اليقين أن لو شاء الله ما فعلوه، ولكن الله تعالى فعله لحكمة عظيمة لعل المسلمين يرجعون إلى الله عز وجل، فإن ما حصل في جانب من أراضي المسلمين فكأنما حصل في قلب كل بلد مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه).
ونحن نعلم أن الملحدين الروس إنما قاتلوا هذه الجمهورية الفتية؛ لأنها أقبلت على تطبيق الدين الإسلامي في التوحيد والمتابعة، علمنا هذا من علمائهم ورؤسائهم الذين واجهناهم في الحج، ولكن مع الأسف أن الجمهوريات الأخرى لا يريدون أن تطبق الشريعة على ما ينبغي مع أنها إسلامية، ولذلك لم يقوموا بنصر إخوانهم في الشيشان ، وإلا لو قامت هذه الجمهوريات ورجت دولة الروس لحصل في هذا شيء كثير، لكن نعلم أن هناك خونة حتى في نفس الشيشان كما نسمع من الأخبار (خونة يتبعون الروس) فما موقفنا الآن؟
من المعلوم أنه ليس لنا حيلة ولا قدرة ولا قوة، وأن الموقف كان يجب أن يكون من الدول الإسلامية في إنكار هذا الأمر الفظيع، ولكن قدر الله وما شاء فعل، موقفنا الآن هو أن ندعو الله عز وجل بأن ينصرهم عليهم وأن يدمر هذه الدولة الكافرة الملحدة؛ في كل وقت مناسب حتى في السجود، في صلاة الفريضة والنافلة، حتى في آخر نهار الجمعة، في وقت صلاة الجمعة، في كل وقت إجابة، والله سبحانه وتعالى قد يملي لهؤلاء الظلمة الكفرة ويمكنهم بعض الشيء من أجل أن يوغلوا في الكفر والعدوان ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وهذا الذي نؤمله ونرجوه من الله عز وجل.
ثانياً: صادف عيد الفطر هذا العام عيد الأسبوع، أي: كان عيد الفطر وعيد الأسبوع في يوم واحد يوم الجمعة، فما موقف المسلمين من الصلاتين صلاتي العيدين: هل يكتفون بصلاة العيد عن الجمعة، أو بالجمعة عن العيد؟ كل هذا لا يكون؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صادف العيد يوم الجمعة صلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها كما ثبت ذلك في صحيح مسلم ، وبناءً على ذلك فالزموا إقامة صلاة العيد في وقتها في أول النهار، وتلزم إقامة صلاة الجمعة في وقتها بعد الزوال، لكن يرخص لمن حضر صلاة العيد مع الإمام ألا يحضر صلاة الجمعة، ولكن يجب أن يصلي الظهر دون أن تقام صلاة الجماعة في المساجد؛ لأنه لا يمكن أن تقام صلاة الجماعة في المساجد والجوامع يصلون جمعة، لكن الذي حضر صلاة العيد يصلي في بيته -مثلاً- أو في استراحته مع زملائه صلاة الظهر فقط، ولكن حضورهم للجمعة أفضل، ولهذا وجب على الإمام الذي يصلي بالناس صلاة العيد أن يصلي الجمعة مع أنه حاضر صلاة العيد، لكن يجب أن تقام هذه الشعيرة صلاة الجمعة.
الشيء الثالث: الكسوف الذي حدث في آخر ليلة الجمعة قبل الماضية، حدث الكسوف بعد طلوع الفجر، فاختلف الناس هل يصلون أو لا يصلون؟ وذلك لأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من قال: إذا طلع الفجر فإنه لا يصلى صلاة الخسوف، يعني: لو كسف القمر بعد طلوع الفجر ولو قبل الصلاة لا تصلى بناءً على أن هذا وقت نهي والنهي لا تصلى فيه صلاة الخسوف، لكن هذا القول ضعيف، والصواب أنها تصلى صلاة الخسوف -خسوف القمر- ولو كان ذلك بعد طلوع الفجر، إلا إذا انتشر ضوء النهار حتى غطى على ضوء القمر لو كان صاحياً فحينئذٍ لا يصلى؛ لأن القمر زال سلطانه والانتفاع به، وقد جعل الله تعالى القمر آية ليلية، فقال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] قال مجاهد وغيره: آية الليل هي القمر، وإذا انتشر ضوء النهار ما بقي آية؛ لأنه زال سلطانه فحينئذٍ لا يصلى.
أما ما دام ظلام الليل غالباً على ضوء النهار وخسف القمر فإنه يصلى ولا نهي عن صلاة الكسوف، وصلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، يطول القراءة الأولى التي قبل الركوع الأول ثم الثانية أقصر منها ثم القراءة في الركعة الثانية أقصر من القراءة الأولى وهكذا، ركعتان فيهما أربعة ركوعات وأربع سجدات، هكذا صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كسفت الشمس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في التاسع والعشرين من شوال عام عشر من الهجرة بعد أن ارتفعت؛ كسفت كسوفاً كلياً حتى صارت كأنها قطعة نحاس، وفزع الناس لذلك حتى النبي عليه الصلاة والسلام قام فزعاً؛ حتى إنه لحق بردائه وخشي أن تكون الساعة؛ لأن الشمس إذا كسفت كسوفاً كلياً أظلم الجو وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وصلى بهم الصلاة التي سمعتم عنها، في هذه الصلاة أطال القراءة إطالة طويلة حتى إن بعض الصحابة يسقط مغشياً عليه من طول القيام، وفي مقامه عرضت عليه الجنة وعرضت عليه النار، قال: (ولم أر كاليوم قط أفظع) يعني: رأى شيئاً فظيعاً صلوات الله وسلامه عليه، ولما انتهت الصلاة وقد تجلت الشمس خطب الناس خطبةً بليغةً عظيمةً جداً، خطبهم قائماً لكن لم يرد أنه صعد على المنبر، ولكنه خطب قائماً صلوات الله وسلامه عليه، كان هذا اليوم هو اليوم الذي مات فيه إبراهيم رضي الله عنه ابن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الابن من مارية القبطية ، يعني: ليس من حرة، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، ومات وله ستة عشر شهراً، وكان له مرضع في الجنة، ولما مات بكى عليه الصلاة والسلام وقال: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا
إذا نظرنا إلى حالتنا اليوم وجدنا أن كثيراً من المسلمين على وجه غير مرضي: يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، ويقرون المنكر ولا يتناهون عنه، ويجهلون المعروف أو ينكرون المعروف، ولذلك ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] أسأل الله أن يوقظنا وإياكم بآياته، وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويعيننا على طاعته.
أما موضوع هذا اللقاء بما أن موسم الحج قد قرب ونحن الآن في شهر من أشهر الحج، أليس كذلك؟ فما هي أشهر الحج؟ شوال وذو القعدة وذو الحجة، هذه أشهر الحج، ونحن الآن -أيضاً- على القرب من شهر من الأشهر الحرم وهو ذو القعدة؛ لأن ذا القعدة وذا الحجة والمحرم هذه الثلاثة أشهر حرم، والرابع رجب، وبما أننا قريبون من الحج ينبغي أن نعرف من الذي عليه الحج؟ ينبغي أن نعرف متى فرض الحج؟ ينبغي أن نعرف كم حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
السنة التي فرض فيها الحج
ومن جهة أخرى كان الناس في السنة التاسعة يحج المشرك والمؤمن، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، فصارت السنة العاشرة خالصةً للمسلمين، وهي التي حج فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهنا تعليل ثالث وهو أن هؤلاء الوفود الذين يأتون في السنة التاسعة إذا أسلموا سيحجون في السنة العاشرة، فيكون ذلك أكثر جمعاً للمسلمين.
أما كم حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فإنه لم يحج بعد الهجرة إلا مرة واحدة، قبل الهجرة جاء في السنن أنه حج مرة أيضاً، ولكن الثابت هو ما بعد الهجرة فلم يحج إلا مرة واحدة صلى الله عليه وسلم.
شروط الحج
الحج والعمرة واجبان في العمر مرةً بلا توان |
بشرط إسلامٍ كذا حريه عقلٌ بلوغٌ قدرةٌ جليه |
الإسلام: وضد الإسلام الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج؛ لأنه لو حج لم يقبل منه، قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] من المعلوم أن الكافر بالهوية لا يمكن أن يدخل مكة ، هناك شرطة تمنعه، لكن المسلم بالهوية الكافر في الحقيقة يدخل مكة ، مثاله: رجل لا يصلي وحج، فهل يصح حجه؟
لا. لا يصح؛ لأن الذي لا يصلي كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، فلو حج لم يكن مسلماً ولا يقبل منه، ولهذا نقول لمن ابتلوا بهذه البلية (بعدم الصلاة) صلوا أولاً، ثم حجوا، أما أن تذهبوا إلى مكة وأنتم لا تصلون فحرام عليكم أن تدخلوا الحرم؛ لأن حدود الحرم لا يحل للكافر أن يدخله، ولست أقصد بالحرم المسجد، فالحرم ما كان داخل الأميال.
الثاني: الحرية ضدها الرق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه أولاً لا مال عنده، وثانياً: هو مشغول بخدمة سيده.
الثالث: العقل: وضد العقل الجنون، فلو فرض أن إنساناً كان مجنوناً -نسأل الله السلامة- لكنه غني هل يجب عليه الحج؟ الجواب: لا. هل يحجج عنه؟ الجواب: لا. لأن من شرط الوجوب العقل، كذلك لو فرض أن شخصاً كبيراً ليس عنده مال ثم أصابه الهرم وصار يهذي ما له عقل، ثم مات له قريب فورثه، فكان عنده مال هل يجب عليه الحج؟ لا يجب، لماذا؟ لأنه غير عاقل فلا يجب عليه الحج.
الرابع: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج صح حجه إلا أنه يجب عليه إذا بلغ أن يأتي بحجة الإسلام؛ لأنه إذا حج قبل أن يبلغ فقد حج قبل أوانه فصار كالذي يصلي قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة، لو صلى إنسان قبل أذان الظهر يعني: قبل زوال الشمس، نقول: لا تجزئك عن الفريضة، ولا بد أن تصلي بعد دخول الوقت.
الشرط الخامس: القدرة على الحج، القدرة بالبدن والقدرة بالمال، فمن كان قادراً ببدنه قادراً بماله وجب عليه أن يحج بنفسه، ولا يجوز أن يؤخر الحج، لا يقول: هذه السنة أريد أن أتريث والسنة الثانية أحج؛ لأنه لا يعلم ما يعرض له، ربما تأتي السنة الثانية وهو عاجز أو فاقد للمال أو ميت هالك، فلا يجوز أن يتأخر؛ هذا إذا كان قادراً بماله وبدنه.
إذا كان قادراً بماله لكنه عاجز ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كإنسان غني لكنه كبير السن أو مشلول أو ما أشبه ذلك، فهنا نقول: أقم من يحج عنك، الدليل: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) قالت: فريضة الله، فأقرها على هذا القول، فدل ذلك على أن العاجز ببدنه لا تسقط عنه الفريضة ما دام عنده مال.
إذا كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه يلزمه أن يحج بنفسه مثل أن يكون من أهل مكة ليس عنده مال لكن يستطيع أن يخرج إلى عرفة ومزدلفة ومنى بكل سهولة، نقول: يجب عليك أن تحج؛ لأنك قادرٌ ببدنك.
حسن إذا كان عاجزاً بالمال والبدن فلا شيء عليه والحمد لله.
من ذلك -أي: من القدرة على الحج- أن يكون للمرأة محرم، فمن لا محرم لها لا حج عليها، حتى لو بلغت أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر، فلتهنأ بالعافية ولا تحزن؛ لأن الحج ليس فريضة عليها لعدم وجود المحرم، فلو لقيت ربها للقيت ربها غير عاصيةٍ في ترك الحج، بل هي ممتثلة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم).
لقد كان بعض النساء تتألم وتحزن إذا لم تجد محرماً، فنقول: الحمد لله لا تألَّمي ولا تحزني؛ لأن الحج لا يجب عليك، وهنا أسألكم: هل الفقير الذي لا زكاة عليه يندم ويحزن لأنه لم يزك، الجواب: لا يندم ولا يحزن؛ لأنه لم تجب عليه الزكاة، وإن كان يتمنى أن عنده المال فيتصدق، فنقول: الحمد الله أيتها المرأة المسلمة إنك إذا تركت الحج لعدم وجود المحرم فقد أطعت الله ورسوله حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم).
حسن إذا قال قائل: لماذا لا تجعلونها كالشيخ الكبير تنيب من يحج عنها؟ قلنا: لا نقول هذا؛ لأنه لا يجب عليها الحج حتى يجب عليها أن تنيب من يحج عنها، فهي لم يجب عليها الحج.
ما رأيكم في امرأة ليس لها محرم فقالت لرجل له ثلاثون سنة: أريد أن أرضعك لتكون محرماً لي وعمره ثلاثون سنة! وصارت تحلب له خمسة أيام من لبنها ليشرب، فرضع خمس مرات، ما تقولون؟ الجواب: لا يصلح؛ لأنه فاته وقت الرضاعة، فالكبير لا يتغذى بالرضاع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) المعنى: الرضاعة المؤثرة هي التي يندفع بها الجوع ويحتاج الطفل إليها، أما الكبير فلا ينفعه الرضاع ولو رضع مائة مرة.
ومن الاستطاعة: ألا يكون على الإنسان دين، فإن كان عليه دين نظرنا: إن كان الدين حالاً وجب عليه أن يقضي الدين أولاً، ثم إن بقي شيء حج به وإلا فلا حج عليه، وإن كان مؤجلاً نظرنا إذا كان هذا الدين المؤجل إذا حل وجد عنده -أي: عند هذا الإنسان- رصيداً فليحج سواءً راجع من له الدين أو لم يراجعه، ما دام الدين مؤجلاً وهو واثق من نفسه أنه إذا حل القسط يستطيع دفعه، فهنا نقول: حج، ومن ذلك إذا كان الإنسان عليه أقساط للبنك العقاري، فقال: القسط قدره اثنا عشر ألفاً وأنا ليس عندي إلا ثلاثة آلاف، نقول: ليس عليك حج إلا إذا وثقت أنك إذا حل القسط أديته فتوكل على الله حج.
أقول بارك الله فيكم الذي عليه الدين سنقسمه إلى قسمين:
الأول: الحال، فنقول: أوف الدين ثم حج.
الثاني: المؤجل، فنقول: إذا كنت تعلم من نفسك أنه إذا حل الأجل فعندك قدرة على الوفاء فحج؛ سواءً استأذنت من صاحب الدين أو لا، أما إذا كان ليس عندك ثقة من نفسك لا تحج، فإذا قال: أنا أرغب في الحج فالحج واجب، قلنا: لا. ما هو بواجب عليك، وإذا كنت صادقاً فكن راغباً في قضاء الدين؛ لأن الدين أمره خطير خلافاً لمن يتساهل فيه، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال الله عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] أنه إذا قدمت إليه جنازة يصلي عليها كان لا يصلي عليها إذا كان عليه دين، قدم رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليه، فلما خطا خطوات سأل: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم. عليه ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) الله أكبر، يا لها من مصيبة على أهل الميت! يتراجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة عليه! صعبة جداً جداً.
فقام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: (يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم. يا رسول الله! فتقدم وصلى) هذا يدل على أن الدين أمره عظيم، حتى الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فلا تكفره، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا تتهاون بالدين، الآن تجد بعض الناس يتهاون؛ تجده -مثلاً- يشتري بيتاً بأقساط، لماذا يا أخي؟ استأجر حتى يغنيك الله، تجده يشتري السيارة يمكن أن يجدها بعشرين ألفاً ولكن يشتري سيارة بثمانين ألفاً لماذا؟ تجد بيته مستقيماً ويكفيه، لكن يقول: أريد أن أضع فيه ديكور وأريد أن أضع فيه فرشاً غالية الثمن، هذا غلط، الدين ليس بهين، لا تتهاون بالدين، فالمنزلة الشرعية أنه عظيم فضلاً عما يقال: الدين سهر في الليل وهَمٌّ في النهار.
هذا المدين الذي قلنا أنه إذا كان دينه مؤجلاً وليس واثقاً أن يوفي عند حلول القسط، إذا لم يحج ولقي الله هل يعاقبه الله؟ لا يعاقبه؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولقد قال الله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].
طالب علم عنده مكتبة يحتاجها، ولو باعها أو باع بعضها تمكن من الحج لكن يحتاجها، هل نقول: بع من مكتبك ما تحج به؟ الجواب: لا. لا نقول بع، ما دمت تحتاج إلى هذه الكتب ولو كانت غالية الأثمان وليس عندك دراهم فإنه لا يلزمك أن تبيع منها وتحج؛ لأن هذا مما يحتاجه الإنسان.
كذلك -مثلاً- في البيت أواني يحتاجها في الشهر مرة أو في السنة مرة هل نقول: بعها وحج، أم نقول: لا حج عليك؟ الجواب: هو الثاني (لا حج عليه) لأن هذه من حوائجه، والدين والحمد لله يسر ليس فيه مشقة ولا تعسير.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام، وإن شاء الله في الدرس القادم سنذكر بحول الله محظورات الإحرام وكيفية الحج، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ونكمل هذا اللقاء بالإجابة على الأسئلة، وأرجو من الجميع أن ينتبهوا ويتابعوا الجواب على الأسئلة، لا يقول أحدكم: أنا لم أقدم سؤالاً ويبقى في هواجس فيضيع عليه الوقت، فانتبهوا فربما يأتي في الأسئلة أشياء أهم مما سمعتم.
فنقول: إن الحج لا يجب إلا بشروط نذكرها إن شاء الله، أما متى فرض؟ فقد فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] ونزلت هذه الآية في السنة التاسعة، كل أول سورة آل عمران نزل في السنة التاسعة وتسمى: عام الوفود، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة، لكنه خلَّف على الحجاج خليفته الأول أبا بكر رضي الله عنه، لم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه بقي في المدينة تسهيلاً للوفود الذين يقدمون المدينة ليتعلموا دينهم.
ومن جهة أخرى كان الناس في السنة التاسعة يحج المشرك والمؤمن، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، فصارت السنة العاشرة خالصةً للمسلمين، وهي التي حج فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهنا تعليل ثالث وهو أن هؤلاء الوفود الذين يأتون في السنة التاسعة إذا أسلموا سيحجون في السنة العاشرة، فيكون ذلك أكثر جمعاً للمسلمين.
أما كم حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فإنه لم يحج بعد الهجرة إلا مرة واحدة، قبل الهجرة جاء في السنن أنه حج مرة أيضاً، ولكن الثابت هو ما بعد الهجرة فلم يحج إلا مرة واحدة صلى الله عليه وسلم.