اللقاء الشهري [63]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة ، وهذه الليلة هي التاسعة عشرة من شهر ذي القعدة عام (1419هـ).

تكلمنا في الحلقة السابقة عن شروط وجوب الحج، وعن صفة العمرة والحج، والآن نتكلم عن محظورات الإحرام.

فيجب أولاً أن نعلم: أن الإنسان متى قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك عمرة أو لبيك حجة؛ فقد دخل في عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فينبغي أن يعظم هذه العبادة؛ لأن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30] ينبغي للإنسان من حين أن يدخل في النسك أن يقوم بما أوجب الله عليه؛ من الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وأن يترك كل ما حرم الله عليه من الغيبة والنميمة، والكذب واستماع الأغاني، وغير ذلك مما حرم الله عليه، وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة؛ من بشاشة الوجه، وانشراح الصدر، وتحمل المشاق، والصبر على الأذى؛ لأن حسن الخلق من أفضل الأعمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) والإنسان يذكر بالخير إذا أحسن خُلقه، ويقتدى به أيضاً؛ فيكون دالاً على الخير بمقاله وفعاله، وما أكثر ما نسمع عن الناس أنهم يقولون: صحبنا فلاناً في السفر فوجدناه خير صاحب. وقد قيل : إنما سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. (يسفر) أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال. قال رجل: [صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأخدمه فكان يخدمني].

إذاً: عليك بحسن الخلق، وعليك ببذل المال ما استطعت، فلا تبخل على نفسك ولا تبخل على إخوانك .. إذا رأيت محتاجاً فساعده، وإذا رأيت كئيباً فأدخل عليه السرور.

ولا تزاحم عباد الله في المناسك عند المطاف وعند السعي وعند الجمرات، بل احرص على أن تتحمل الزحام ولا تؤذي أحداً، لأن ذلك كله في سبيل الله.

الرفث في الإحرام

واجتنب المحظورات في الإحرام التي منعها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الآيات الكريمة أيضاً بالإشارة إليها، فمن ذلك: الرفث .. وهو الجماع ومقدماته من النظر بشهوة والتقبيل واللمس بشهوة، بل إن الإحرام يحرم فيه عقد النكاح، حتى العقد لو كانت المرأة المعقودة بها بعيدة، بل إنه تحرم فيه الخطبة، لا تخطب امرأة وأنت في إحرام عمرة أو حج، ولهذا قال الله عز وجل: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197].

حلق الرأس

كذلك اجتنب حلق الرأس؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] لأنك لو حلقت رأسك وأنت محرم فعند التحلل أين الشعر؟! ومن المعلوم أنه عند التحلل إما أن يقصر الإنسان وإما أن يحلق، فإذا حلق في حال الإحرام أو قصر فماذا سيفعل عند التحلل؟! ولهذا قال الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].

الطيب

ولا تتطيب؛ فإن الطيب من محظورات الإحرام، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) والزعفران: نوع من أنواع طيب، والورس: نبت معروف في اليمن له رائحة كرائحة الزعفران؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استفتي في رجل وهو واقف بـعرفة ، وهذا الرجل وقصته ناقته، أي: سقط منها فمات، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنعون به؛ فقال: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه -والحنوط: أطياب تجعل في الميت إذا مات- فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)؛ لأنه مات وهو محرم فيبعث يوم القيامة على إحرامه، كالمجاهد إذا قتل في سبيل الله يدفن في ثيابه، ولا يغسل ولا يطلب له كفن حتى لو وجدت الأكفان، وإنما يدفن في ثوبه بدمائه ولا يغسل الدم؛ لأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً -ينـزف- اللون لون الدم والريح ريح المسك، كذلك المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثياب الإحرام ولا يطلب له كفن من جديد، وإنما يكفن في إزاره وردائه ولا يغطى رأسه، ويبعث يوم القيامة من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، يلبـي بين العالم، بين المحشورات كلها.

إذاً: لا يتطيب المحرم، لا في بدنه، ولا في ثيابه، ولا في طعامه، ولا في شرابه، ولذلك يحرم على المحرم أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران إذا كان ريحه باقياً.

لبس الثياب المنهي عنها

وكذلك لا يلبس شيئاً معيناً من الثياب عينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ سئل : (ما يلبس المحرم؟ -أي: أي ثوب يلبسه المحرم؟- قال: لا يلبس القميصَ ولا السراويلَ ولا البرانسَ ولا العمائمَ ولا الخفاف).

القميص: هي ثيابنا التي علينا الآن قمص.

السراويل معروفة.

البرانس: ثياب فضفاضة واسعة ولها شيء يتصل بالرأس، ويغطيه، يتصل بها شيء مخيط معها على ما هي معروفة مما يدار على الرأس.

الخفاف: ما يلبس في الرجل من جلود ونحوها، والجوارب مثلها.

هكذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يلبسه المحرم، ومفهومه أن ما عدا ذلك يلبسه.

إذاً: هل يلبس المحرم الساعة؟

يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.

وهل يلبس نظارة العين؟ يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.

وهل يلبس الحزام ويربط به إزاره؟ نعم يلبسه.

وهل يلبس الإزار إذا كان مخيطاً، أي: قد خيط طرفاه؟ نعم يلبسه، لأنه ليس من هذه الخمسة، بل هو إزار ولو خيط، ولو جعل فيه ربقة فإنه يجوز؛ لأنه لا يخرج عن كونه إزاراً إذا وضعت فيه الربقة، وكذلك لو وضع فيه محفظة يجعل فيها الدراهم أو الحاجات فإنه يجوز له ذلك؛ لأنه لا يزال يسمى إزاراً وليس من الخمسة، فقد الخمسة وما سواها فهو جائز.

وإذا لبس الإنسان المشلح فنقول: لا يجوز إذا لبسه على هيئة لبسه العادي، أما لو التف به كما يلتف بالرداء فلا بأس، وكذلك لو لبس غترة وشماغ وطاقية فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه يشبه العمامة، بل هذا عمامة عندنا نحن النجديين، عمامتنا: الغترة والطاقية.

قتل الصيد

كذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد؛ لقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] والصيد مثل: الحمام، الضباء، والأرانب، والجراد، فإن الجراد من الصيد، ولذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل جرادة، كما لا يجوز قتل الجرادة في الحرم ولو كنت غير محرم؛ لأن الحرم يحرم صيده، وأكثر الناس يجهلون أن الجراد من الصيد؛ ولذلك تجدهم في أيام رمضان عندما يهيج الجراد يلاحقونه ويأخذونه، وربما يجمعونه في كيس ويبيعونه، وهذا حرام؛ لأن الجراد من الصيد، فالواجب على المسلم أن يمتنع من محظورات الإحرام.

حكم من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً

فلو قال قائل: لو أن الإنسان نسي وغطى رأسه فهل عليه شيء؟ لا ليس عليه شيء، لكن يجب عليه من حين يذكر أن يكشف رأسه.

لو أن الإنسان تطيب ناسياً فهل عليه شيء؟ لا. لكن من حين أن يذكر يجب عليه أن يغسل الطيب.

لو أن الإنسان قبَّل الحجر الأسود والحجر الأسود بعض الناس يجعل فيه طيباً وعلق الطيب بشفتيه أو بأنفه، فهل يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم، لكن يجب عليه في الحال أن يمسح هذا الطيب؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يتطيب.

لو أن الإنسان فعل محظوراً جاهلاً يظن أنه جائز، فهل عليه شيء؟

الجواب: لا، ولكن عليه أن يزيل هذا المحظور من حين أن يعلم، ولنضرب لهذا مثلاً: رجل دفع من عرفة ونزل في مزدلفة وظن أن الحج عرفة وأنه انتهى، فقام وتطيب، فهل عليه شيء أم لا؟ لا؛ لأنه جاهل، فإذا قال إنسان: أعطونا دليلاً على أن الجاهل والناسي ليس عليهما شيء. قلنا: قال الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. وقال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] فنفى أن يكون علينا جناحٌ فيما أخطأنا به، وبين أن الجناح على من تعمد، وهذه لا شك أنها من نعمة الله عز وجل.

حكم قطع الشجر للمحرم

ولو أن المحرم قطع غصناً أو ورقة من الشجر، فهل هذا حرام أو غير حرام؟

نقول: فيه تفصيل:

إن كان داخل الحرم فهو حرام، وإن كان خارج الحرم فهو حلال. مثال ذلك: قطع شجرة في عرفة، فإنه حلال؛ لأن عرفة ليست من الحرم .. قطع شجرة في منى، فإنه حرام؛ لأن منى من الحرم، وعلى هذا فلا علاقة بين قطع الشجر والإحرام، فإن الشجرة إن كانت في الحرم، أي: داخل حدود الحرم، فهي آمنة، ولا يجوز لأحد أن يقطعها، وإن كانت خارج الحرم فليس لها أمان، فيجوز لكل إنسان أن يقطعها سواء كان محرماً أم غير محرم.

حكم لبس النقاب والقفازين للمرأة المحرمة

هل يجوز للمرأة أن تنتقب وهي محرمة؟ لا، لا يجوز، والنقاب: أن تغطي وجهها وتفتح لعينيها ما تنظر به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة المحرمة.

وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس القفازين؟ لا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تلبس المرأة القفازين، فإذا قال قائل: المرأة تلبس قفازين لتستر كفيها عن الناس، قلنا: يمكن أن تستر كفيها بطرف العباءة، ولا يلزم لبس القفازين.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقنا تعظيم حرماته وشعائره؛ إنه على كل شيء قدير.

ونظراً لكثرة الأسئلة نقتصر على هذا القدر من بيان محظورات الإحرام لنتفرغ للإجابة عن الأسئلة، ونسأل الله أن يوفقنا للصواب.

واجتنب المحظورات في الإحرام التي منعها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الآيات الكريمة أيضاً بالإشارة إليها، فمن ذلك: الرفث .. وهو الجماع ومقدماته من النظر بشهوة والتقبيل واللمس بشهوة، بل إن الإحرام يحرم فيه عقد النكاح، حتى العقد لو كانت المرأة المعقودة بها بعيدة، بل إنه تحرم فيه الخطبة، لا تخطب امرأة وأنت في إحرام عمرة أو حج، ولهذا قال الله عز وجل: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197].