نظرة الغرب إلى المسلمين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداًً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا الدرس الثمانون من سلسلة الدروس العامة، وهذه ليلة الإثنين السادس من شهر جمادى الآخرة من سنة ألف وأربعمائة وثلاثة عشر للهجرة، وعنوان هذا المجلس: (نظرة الغرب إلى المسلمين) وأول فقرة فيه، هي بعنوان: (الدرس السابق خلاصات وتعليقات).

إن مما استفدناه من جلستنا الماضية، أن مخاوف الغرب من الإسلام تتزايد يوماً بعد يوم، سواء في ذلك مخاوف الحكومات الغربية، أو مخاوف المؤسسات الفكرية والسياسية وغيرها، أو مخاوف المواطنين العاديين الذين يكثر بينهم التخوف من الإسلام، بل تلقي إليهم أجهزة الإعلام الرعب بمجرد مشاهدة الثوب العربي، أو الغترة العربية، أو مشاهدة الإنسان المسلم.

وأسباب هذه المخاوف الغربية من الإسلام كثيرة منها:

الرجوع إلى الدين

أولاً: الرجوع إلى الدين: فإن الدين هو سر القوة، والبقاء، والصبر، وسر التجمع والوحدة بين المسلمين، فالغرب ينـزعج كثيراً من إقبال الناس على الإسلام، سواء ما نسميه نحن باصطلاح: الصحوة الإسلامية، أو أي مظهر آخر ينم عن عودة إلى الدين ورجوع إليه، فإن هذا يشكل عند الغرب رعباً ليس باليسير، ولذلك دلالات مهمة:

أ/ فشل جهود التنصير:

أولها: أن الغرب حينما يكتشف عودة الناس إلى الإسلام، فمعنى ذلك أنه يكتشف أن الجهود الضخمة التي بذلها هو للتنصير قد باءت بالفشل، وأن الجهود الأخرى التي بذلها للتغريب، ومحاولة جعل المسلمين بعيدين في مجال حياتهم عن الإسلام أنها هي الأخرى لم تجدِ نفعاً، وعلى سبيل المثال بثت إذاعة ألمانيا، وإذاعة صوت أمريكا، باللغة الأمهرية الموجهة إلى بعض البلاد الإفريقية وغيرها، بثت تقريراً نشرته الواشنطن بوست، أبدت فيه تخوفها من تمدد الإسلام، وهذه المخاوف تعتبر تعزيزاً وتأكيداً لمنشور سري وزعته الكنيسة باللغة الإنجليزية، وأشار هذا المنشور إلى سرعة تنامي عدد المسلمين، ولا سيما في أثيوبيا، حيث لا يرتاد الكنيسة إلا أقل من (5%) من سكان أديس أبابا، وأكد المنشور على ضرورة السعي الجاد للتنصير، ونقل التنصير من بيت إلى بيت لمواجهة الإسلام، هذا فيما يتعلق بالتنصير، وهو مثال من طرف القلم كما يقال، وإلا فالأمثلة في الجريدة الواحدة تعد بالعشرات.

أما فيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي والأخلاقيات في أوساط المسلمين، فقد نشرت -وهذا أيضاً مجرد مثال- مجلة اسمها بانوراما الخليج، في عدد سابق مقالاً عنوانه: "خلونا ننشد ما دامت الغناوي حرام" وخلاصة المقال أن الكاتبة تبدي ذعرها وانـزعاجها من شباب وشابات هذه الجيل، الذين أصبحت حياتهم -كما تعبر هي- حياة رتيبة مللاً في ملل، وأصبحوا يعيشون روتيناً لم يفرض عليهم، ولكن اختاروه بأنفسهم من المدرسة إلى المسجد إلى البيت وما أشبه ذلك، هؤلاء الشباب تقول: لم يعد الواحد منهم يتجه -مثلاً- إلى النوادي الاجتماعية، ولا يتجه إلى الجامعة لماذا؟ لأن الجامعة فيها اختلاط، وأصبحت البنت تفرح بمجرد ما تدعو لها أمها بالزواج، وتقول بصوت عالٍ: اللهم آمين، اللهم آمين، فالكاتبة المتحدثة مذعورة من هذا الإقبال على التدين ومن الالتزام بالأخلاقيات الذي لم يفرض على البنات والأولاد، وإنما بمحض اختيارهم، طلبوه وأرادوه، ونحن لا شك لا نصدق أبداً حقيقة ما تقول هي عن الملتزمين والملتزمات، فهم سباقون إلى كل خير، وهم بحمد الله منافسون في كل ميادين الحياة، ولكن هذه صورة من صور التشويه. تقول في آخر المقال: خلونا نطلع، نمثل، نقرأ، نعزف، وحتى خلونا ننشد مادامت (الغناوي) حرام.

إن مثل هذا الكلام له معنى كبير، على رغم أننا نعلم جميعاً أن الأجهزة الرسمية في البلاد الإسلامية، ليست أجهزة محايدة لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، لا،بل هي تزيد في جرعة الفساد كلما زادت نسبة الخير، فكلما كثر الإقبال على الدروس والمحاضرات، كثفت الدورات الرياضية، ووسع نطاقها لإغراء المزيد من الأولاد والبنات بالاتجاه إليها، وكلما زادت الحشمة والعفة في أوساط البنات, وسعت أجهزة الإعلام من مساحة التحلل فيها، وقبل ثلاثة أيام نشر في القناة الثانية، في التلفزيون السعودي مشهداً -الذين يكبون على مشاهدة التلفاز يندهشون منه- رجل يقبل فتاة، وهكذا.

إذاً الدلالة الأولى التي يكتسبها ويكتشفها الغرب من التوجه نحو الإسلام أن جهوده للتنصير، أو التغريب على حد سواء قد باءت بالفشل.

أما الدلالة الثانية: فهي أن العالم الإسلامي بدأ يستعيد تميزه، واستقلاليته الفكرية، والعقائدية.

إن من الممكن أن يتعايش الغرب مع دول إسلامية، علمانية في إطارها العام، فالذي يزعج الغرب ليس هو مجرد رفع شعار الإسلام فحسب، ولا مجرد بناء المساجد فحسب، ولا مجرد دفن الموتى على الطريقة الإسلامية فحسب، وإن كان ذلك كله يزعج الغرب أيضاً، ولكن الذي يخيف الغرب هو الوجود الإسلامي بالمعنى الشمولي للإسلام. الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يهيمن على الاقتصاد، فيهدم الربا، ويحاول إقامة النظام الشرعي الإسلامي بديلاً عن النظام الرأسمالي الربوي الغربي.

الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يرفع راية الجهاد، والجهاد ذروة سنام الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } هذا الجهاد الذي كان شبحاً على مدار التاريخ يخيف الغرب، وهو الذي أذعنت له أوروبا يوم وطئتها سنابك خيول المسلمين القادمة من بلاد الأندلس، -أسبانيا الفردوس المفقود- ويوم أن احتل المسلمون العثمانيون أجزاء غير قليلة من أوروبا، وكادت روما عاصمة النصارى أن تقع في أيدي المسلمين.

الذي يخيف الغرب هو ذلك المجتمع المسلم الذي يبني علاقاته الدولية ومعاهداته ومواقفه على أساس من العقيدة الإسلامية الصحيحة.

الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يقيم نظام الدولة بتفاصيله كلها على أساس التشريع الإسلامي، ومرجعية القرآن والسنة.

إذاً: فالذي يخيف الغرب: هو ما يسميه هو بالإسلام الأصولي، الإسلام المهيمن على كل مناحي الحياة، ولو كان الذين يحملون هذا الإسلام الأصولي، مهذبين بأساليبهم، ولو كانوا منطقيين، ولو كانوا عقلانيين، المهم أنهم يحملون فكراً شمولياً، يحملون الإسلام كله جملة وتفصيلاً، ويمتثلون قول الله عز وجل: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85] فيعملون على أن يؤمنوا بالكتاب كله، ويدعوا إليه كله، ويقوموا به كله، فلا يجزئون الإسلام، ولا يجعلون القرآن عضين، كما توعد الله من يفعل ذلك، فهؤلاء الأصوليون مهما كانت أساليبهم مهذبة، وطرائقهم لبقة، وعباراتهم هادئة، وشخصياتهم لطيفة، إلا أنهم مصدر إزعاج كبير للغرب.

وعلى النقيض فإنَّ الإسلام الذي يمكن أن يقبل به الغرب بشكل مؤقت، هو لون آخر سيتبين بعد قليل، إن خطراً كهذا الخطر الإسلامي يمكن أن يهدد الغرب في عقر داره، أما ذلك اللون المهجن المدجن لا أقول من الإسلام، فالإسلام واحد، ولكن أقول: من المسلمين المنتسبين إلى الإسلام، فهذا من الممكن أن يهادنه الغرب، وأن يصالحه مصالحة مؤقتة -أيضاً- ليست طويلة الأمد؛ لأن هذا الإسلام الناقص الذي قد يؤمن به بعض المسلمين، من الممكن أن يتحول مع الوقت إلى الإسلام الكامل، وهذا المسلم الضعيف، من الممكن مع الأيام أن يعطي صوته وتأييده ونصرته لذلك المسلم القوي، إنما يعمل الغرب على الموازنة بين المصالح، وترجيح بعضها على بعض، فمن الممكن أن يهادن بعض شرائح المسلمين مؤقتاً، ريثما يفرغ للعدو الأكبر (الإسلام الأصولي).

إن التاريخ كله هو في الحقيقة تاريخ الصراع بين العقائد والمبادئ والمذاهب، ومن يستعرض الحروب العظمى في التاريخ يتأكد من هذه الحقيقة، فالحروب الإسلامية كلها على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان، ثم الحروب الصليبية وغيرها، هي مجرد أدلة على أن التاريخ كله، تاريخ الصراع بين العقائد.

لا تظن أبداً أن التاريخ تاريخ الصراع على المرأة، أو تاريخ الصراع على حفنة من الطعام، أو تاريخ الصراع على البترول فحسب، لا؛ هذه الأشياء كلها صحيحة، لكن الصراع الجذري والصراع الجوهري بين كل أمم الدنيا هو الصراع بين العقائد، الصراع بين الأديان، الصراع بين المذاهب، وقلّبْ تاريخ أي أمة من الأمم، لا تخطئك هذه الحقيقة قط، ولا شك أن الغرب اليوم لا يملك العقيدة التي يستطيع أن يواجه بها الإسلام، وإن حاول الغرب أن يستعين بالعقيدة النصرانية كحل، ويكثف الجهود في الدعوة إليها، وقد طالب نكسون كما ذكرت لكم في المجلس السابق بأن على أمريكا أن تشبع العالم روحياً، ولا تكتفي أن تشبعهم مادياً بالمساعدات فحسب، وقال: إن علينا أن نحمل الإنجيل بيد، ونحمل المساعدة الإنسانية باليد الأخرى، ومع ذلك فلا شك أن الغرب يدرك أن النصرانية غير قادرة على مواجهة الإسلام. لقد فشلت النصرانية وانهزمت في أوروبا دون أن تواجه ديناً آخر، فالأوربيون تركوا النصرانية، وتركوا الكنيسة إلى ماذا تركوها؟ إلى دين آخر؟ لا؛ لم يتركوها إلى الشيوعية مثلاً، والذين تشيعوا من الغرب قليل، أحزاب معدودة في فرنسا وفي غيرها، لم يترك الغرب النصرانية إلى اليهودية، لم يترك الغرب النصرانية إلى الإسلام؛ لأن الإسلام لم يقدم له بصورة دعوة سابقاً، إنما ترك كثير من الغربيين النصرانية عقيدةً وسلوكاً وعبادةً، تركوها إلى المرقص، والماخور، والسوق، والبنك، وإلى غير ذلك.

فدل هذا على أن النصرانية دين محرف أولاً، ودين منسوخ ثانياً، فلو كانت غير محرفة، لكفاها أنها منسوخة ؛ مما يدل على أنها لا تلائم الإنسان في هذا العصر، فالله تعالى هو العالم بطبيعة الإنسان، وفضلاً عن كونها منسوخة فهي محرفة -أيضاً- دخلتها يد التحريف والتغيير والتبديل، من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم، فإذا كانت النصرانية قد فشلت في استقطاب الناس في قلب أوروبا على رغم عدم وجود المنازع لها، فكيف تتصور أن يكون الحال لو كانت النصرانية في مواجهة الإسلام؟ لا بد أن يؤمن ويوقن المسلم الذي يصدق الله تعالى ويؤمن به، ويصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن النصرانية فاشلة في مواجهة الإسلام، وأن مجرد ظهور الحق كافٍ في دحضها، قال الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] فالباطل زاهق وذاهب لا بقاء له ولا وجود، وقوله سبحانه: فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]، أي: يصيبه في الدماغ، ضربة مسددة قاضية لا بقاء له معها قط.

وقال الله عز وجل: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد:17] فهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، فالزبد الذي يكون فوق السيل هو زبد ذاهب لا قيمة له، وأما الذي ينفع الناس من المطر فهو يمكث في الأرض فينبت الزرع بإذن الله تعالى.

وكذلك قال الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81] قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ:49] هذه النصوص -نصوص قرآن ما هي كلام فلان ولا علان- كلام الله عز وجل، ومنها يكتشف المسلم العادي -ودعك من المسلم الواعي ودعك من المسلم العالم- أن مجرد ظهور الإسلام وقوة الإسلام، ووجود المسلمين الصادقين، كافٍ في إزهاق الباطل، أي باطل كان، سواء كان باطل النصارى أو باطل اليهود، أو باطل الشيوعيين، أو باطل الفرق المنحرفة، كل باطل يزهق بظهور الحق.

إذاً علينا أن نظهر الحق ونعلنه ونوقن أنه لا بقاء للباطل أمامه.

إن العقيدة أمر خطير في حياة البشر، وإن جميع التيسيرات المادية، والتسهيلات الحضارية، وارتفاع نسبة الدخل للفرد -مثلاً- أو ألوان الترفيه التي يحصل عليها الإنسان، إنها لا تغنيه أبداً عن العقيدة التي يحتاج إليها قلبه، ويتطلع إليها عقله، ولذلك كتب أحد الفلاسفة الأمريكان المعاصرين، وهو يعتبر من فلاسفة الرأسمالية المعاصرة، واسمه فرنسيس فوكويوما، كتب كتاباً ضخماً خطيراً سماه "نهاية التاريخ" هذا الكتاب أحدث ضجة في العالم الغربي كله وكتبت عشرات الكتب في الرد عليه، ودبجت عشرات المقالات الصحفية في مناقشته، وهكذا انقسم الناس بين مؤيد وبين معارض، هذا الكتاب خلاصته: يؤكد أن الليبرالية الغربية خالدة باقية، وأن العالم الآن قد توقف بعد سقوط الشيوعية، وانتهت كل ألوان الصراع لصالح الليبرالية الغربية بفلسفتها السياسية، التي تسمى الديمقراطية كما هو معروف، حكم الشعب بنفسه، وكذلك بفلسفتها الاقتصادية القائمة على الرأسمالية والربا والاقتصاد الحر، وقال: هذا آخر المطاف بلا منازع، وهذه هي الجنة التي يوعدها البشر ولا زوال لها -هكذا قال-.

وتعرض هذا الكتاب -كما ذكرت- لحملة شديدة، ولكن أطرف كتاب رد عليه كتاب أشير إليه إشارة عابرة اسمه " الإسلام هو البديل " مؤلفه هو سفير ألمانيا في المغرب، والغريب أن هذا الكتاب -أيضاً- أثار ولا يزال يثير ضجة غريبة في ألمانيا وخارجها، حتى أن هناك مطالبة قوية بإبعاد هذا السفير عن منصبه، وأنه لا يمثل بلاده، وشنت عليه حملة قوية جداً، خاصة من النساء، وقد أعلن هذا السفير إسلامه، وذكر ثلاثة أسباب دعته إلى الإيمان والدخول في الإسلام:

السبب الأول: كنت في الجزائر أيام حرب التحرير، فتعجبت من هذا الصبر غير العادي، الذي يتميز به الشعب الجزائري، فآمنت أن هذا الصبر الذي تميز به المسلمون في مقاومة المستعمر، لا بد أن يكون له سبب، فطفقت اقرأ القرآن، فلما قرأت القرآن؛ اكتشفت أن هذا القرآن هو سر العزيمة والإصرار الذي تميز به المسلم الجزائري.

السبب الثاني: كان يتجول في الأندلس -في أسبانيا-، فرأى آثار المسلمين ومعالمهم وفنونهم وبقايا حضارتهم، قال: فآمنت أن هذه العظمة لا بد أن يكون وراءها مبدأ عظيم، فبحث فاهتدى إلى الإسلام.

السبب الثالث: بحثت عن كتب مجموعة من العلماء والمفكرين المسلمين، وكان منها كتب للعلامة عبد الرحمن بن خلدون؛ فأخيراً أعلن هذا الرجل إسلامه، وكتب مجموعة من الكتب، ودفع ثمنها غالياً من سمعته في أوساط الغرب، ولكنه لا يزال مصراً، ونسأل الله تعالى لنا وله ولجميع المسلمين الثبات على الدين.

المهم: أن كتابه الإسلام هو البديل يعتبر رداً غير مباشر على كتاب نهاية التاريخ، ويؤكد أن الإسلام هو الذي سيكون بديلاً عن الشيوعية وعن الرأسمالية.

جـ/ وقوع الغرب في إشكالية عظيمة:

إن الديمقراطية والثراء المادي والمصلحة والشهوة والمادة كلها لا تشبع الحاجة الروحية للإنسان، وسنة الله ماضية قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:123-126] ولذلك فالغرب أمام إشكالية حقيقية عميقة: إشكالية أن الغرب يواجه دين قوي، وعقيدة راسخة، وشريعة قوية، وكما قال صاحب كتاب التوقع العظيم إن الإسلام لم يُضَفْ عليه أي قانون جديد منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يتميز بالأصالة، والقدم، والعمق، والنضج، والبعد عن تأثيرات البشر وتغييراتها، هكذا صرحوا -كما أشرت لكم في المجلس السابق- وأمام هذه الإشكالية العظيمة لا مخرج للغرب إلا أحد أمرين:

الأول: الدخول في الإسلام، والقبول بمبادئه، وهذا أمر في نظري أنه بعيد، قد يسلم من الغرب أفراد أو جماعات أو طوائف أو حتى قرى، في ألمانيا الآن، قرية أسلمت عن آخرها، وجاءني شباب من هناك، مسلمون وغيرهم كثير، بل مررت بمركز إسلامي في أمريكا، فأفادوني أنه يسلم أسبوعياً ما يزيد على عشرين ما بين رجل وامرأة، ولا شك أن حركة الإسلام في الغرب في تصاعد، ولكن يجب أن نعلم أن من المستبعد في نظري -والعلم عند الله- أن تتحول المجتمعات الغربية إلى مجتمعات إسلامية؛ لأن الإسلام إذا ظهر كعدو لهم، سوف يسخرون أجهزة ووسائل كثيرة جداً للحيلولة بين الناس وبين الإسلام، وسيظل الذين يلتزمون بالإسلام نسبة محدودة من الغربيين -هذه على الأقل قناعة لدي-، وبكل حال فهذه البلاد هي بلاد الإسلام والنصوص كثيرة قد سبق أن تحدثت عنها مراراً، إذاً الاحتمال الأول أمام الغرب هو: الإسلام.

الاحتمال الثاني: في مواجهة الإسلام من خلال إعلان الحرب عليه، وشحذ مشاعر الناس هناك لمواجهة العدو القادم، واستنفار الطاقات، وتجريد أجهزة الإعلام ووسائل التعليم والتربية وغيرها؛ لإقناع الناس بمقاومة الإسلام وحربه، وإلا فسيظل الغرب مهدداً تهديداً واقعاً حاضراً، أو تهديداً مستقبلاً بالإسلام، والغريب أن هذين الاحتماليين أن يسلم الغرب أو يحارب الإسلام، أنه لا يخرج من إشكالية فقدان العقيدة والدين عندهم إلا بذلك، وهو لن يخرج لو حارب الإسلام، لكن مؤقتاً سيقاوم الإسلام، ويقف في وجهه.

فهذان العرضان ينسجمان مع عرض الإسلام، فإن المسلمين إذا حاربوا عدواً خيروه بين ثلاثة أمور: إما أن يسلم، وإما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر، والجزية مفروضة على أهل الكتاب عند طوائف من أهل العلم، ومفروضة على جميع أهل الكفر بما فيهم المشركون الوثنيون عند مالك وجماعة من العلماء أيضاً، والله تعالى قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] وهم أهل الكتاب.

الاحتمال الثالث هو: القتال.

والجزية التي يطلبها المسلمون من الكفار إنما تكون مقابل حماية المسلمين لهم وعدم محاربتهم، وأن يأذن الغرب بالدعوة في أوساطهم، وأن لا يحاربوا الإسلام، ولا يقفوا في وجه الدعوة، ولا يفتنوا مسلماً عن دينه أبداً، ولهذا قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] إذاً لا بد أن يُقاتلوا حتى يذعنوا للإسلام، وأقل ذلك أن يقروا بدفع الجزية، وألا يمنعوا أحداً أراد الإسلام من شعوبهم من الدخول فيه، ولا يفتنوه عن دينه، ولا يضايقوه فيه.

أما الغرب اليوم فإنه لا يملك عقيدة يصدرها إلينا، إنما يملك فلسفات مادية، وتقنيات وتقدم وتيسيرات، ويملك التحلل الأخلاقي المبني على فلسفة معينة فقط.

إذاً: فالسبب الأول الذي يثير مخاوف الغرب من المسلمين هو: العودة إلى الدين، أو ما يمكن أن نسميه بالصحوة، وقد عبر عنه صاحب كتاب التوقع الخطير حيث قال: إن المجددين المسلمين لهم نبي، أما ماركس وسائر المجددين العلمانيين وكذلك الحكام العلمانيون العرب، ليس لهم نبي، يعني أن المسلمين لهم دين يتعززون به ويثبتون، أما أولئك فليس لهم إلا الباطل: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق:5].

التكاثر السكاني للمسلمين

أما السبب الثاني الذي يثير مخاوف الغرب فهو: التكاثر السكاني للمسلمين، وقد ذكر ريتشارد نكسون: أن أربعة أخماس المواليد في العالم هم من المسلمين، فأربعة من كل خمسة أطفال يولدون هم مسلمون، وبلاد الغرب نفسها مهددة بهجرة خمسين مليون مسلم خلال حوالي ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة، هؤلاء من المسلمين العاديين الذي ذهبوا يبحثون عن الثروة، أو فرص العمل، أو عن لقمة العيش. إسرائيل نفسها تواجه تزايد في أعداد الفلسطينيين، ولذلك تسعى إلى تعقيمهم بقدر المستطاع، وتسعى إلى تهجير أعداد غفيرة من اليهود من روسيا وغيرها، مع أن هذا يزيد في أعبائها الاقتصادية، وهي تواجه أزمة اقتصادية، المهم أنَّ عندها مشكلة التكاثر السكاني التي تواجه به أعداد الفلسطينيين.

إذاً: هاجس الخوف من التزايد العددي الإسلامي، هاجس كبير جداً، وإليك بعض الأدلة السريعة:

د/ من مذكرات ريتشارد نكسون:

أولاً قال ريتشارد نكسون في مذكراته، وقد خلع قفاز الدبلوماسية والسياسة، وقال بصراحة متناهية: إنه ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلا إحدى حلين:-

الأول: القضاء على الإسلام بقتل جميع المسلمين.

الثاني: العمل على استيعاب المسلمين وتذويبهم.

فمن المفترض عنده أن الإسلام عدو لدود، ولكن المشكل عنده كيف يمكن مواجهة هذا العدو، بهذا الأسلوب أم بذاك، ومع أن هذا الرجل رجح الحل الثاني؛ أنه لا داعي لمواجهة القتل، بل ينبغي أن نعمل على تذويبهم؛ إلا أن الخبراء في السياسة الأمريكية يدركون أي سياسة يميل إليها هذا الرجل على سبيل الحقيقة، لا على سبيل التظاهر.

هـ/ تحذير صحيفة يهودية:

مثال آخر: حذرت صحيفة يهودية اسمها جيرو سالم بوست -وهي شهيرة- حذرت زعماء اليهود من اليقظة الإسلامية، ودعت إلى التحرك لمواجهة الخطر الإسلامي، ونشرت مقالاً عنوانه: "الطوق الإسلامي الفولاذي" قالت فيه: إن تأييد الجماهير الذي يحظى به الدعاة الإسلاميون، مرده فساد الأوضاع العامة في الشارع العربي، إن الأصوليين يشكلون طوقاً فولاذياً حول إسرائيل، وهم غير مستعدين حتى للتلفظ بكلمة السلام، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل.

فإسرائيل، جزيرة في بحر إسلامي متنامي، وهذه الدول المحيطة بها مهما كانت هي دول إسلامية، مهما حيل بينها وبين إسلامها، فإذا كانت الدول البعيدة أوروبا وأمريكا وغيرها تخاف من الهجرة الإسلامية، فما بالك بدولة تقيم في قلب البحر الإسلامي، وهي إسرائيل وهي -أيضا- جسم طارئ غريب على المسلمين.

و/ إرسال دماء ملوثة إلى تونس:

مثال ثالث: ثارت ضجة إعلامية، ربما قرأها البعض، حول شحنة من الدماء الملوثة التي باعتها فرنسا على تونس، هذا الدم تبين أنه ملوث بماذا؟! بجرثومة الإيدز، وفقدان المناعة، فمات بسبب هذه الشحنة ثلاثة، وحقن بها اثنا عشر شخصاً، منهم مجموعة على شفير الموت، وما زال التحقيق في ذلك كبيراً في تونس , وما زالت هناك حرب إعلامية بينها وبين فرنسا، وربما كان لهذا الحرب أبعاد، فإن من الأبعاد المهمة أن أخا الرئيس التونسي مقبوض في فرنسا بجريمة المخدرات، يحاكم هناك، ولذلك منعت الصحف الفرنسية من الدخول إلى تونس، وصار هناك جفاء في العلاقات، ولكن -أيضاً- هذه الشحنة لها تأثير معين ولها دلالة معينة، هو أن الضمير الغربي ضمير فاسد حقود على الإسلام، مهما كان هذا الإسلام إسلاماً ضعيفاً وليس إسلاماً أصولياً، ومع ذلك فإن هذا الخبر صغير الأهمية بالنسبة لتلك الأنباء التي تثبت أن هناك مخلفات إشعاعية خطيرة دفنت في أرض الصومال مما يشكل تهديداً خطيراً للبيئة، وتهديداً خطيراً للإنسان هناك.

ز/ أحداث الصومال:

مثال رابع: أحداث الصومال، وهي مؤشر خطير، فقد فُرِضَتْ الاستقالة على مندوب الولايات المتحدة في الصومال وهو عربي اسمه سحلول؛ لأنه كشف جوانب من الإهمال والتقصير في عمل هذه الهيئة الدولي في حق المسلمين في الصومال فأقيل أو فرضت عليه الإقالة، مع أن تقارير الأمم المتحدة ذاتها تقول: إنَّ المساعدات الدولية فشلت والفقراء يتزايدون. وأقيل هذا الرجل من منصبه؛ لئلا يكشف الفضيحة التي تورطت فيها الأمم المتحدة في التقصير بحق المسلمين في الصومال، بل أن هناك ما هو أخطر من ذلك، هناك تقرير يجب أن نضعه في الاعتبار نشرته جريدة "انترناشيونال هلاردتربيون" في أحد أعدادها بتاريخ (18/10/1413هـ) أي قبل حوالي ما يزيد على عشرة أيام -هذا التقرير عنوانه: "صرح إسلامي جديد"، ويتكلم التقرير عن مجموعة من الشباب المسلم في الصومال الذين يقومون بمجهودات عسكرية هناك، سأقرأ عليكم منه فهو مترجمٌ إلى العربية، يقول : مجموعات من الأصوليين الإسلاميين المسلحين جيداً، يتوسعون في أنحاء المناطق الصومالية، في منطقة القرن الإفريقي، وذلك كمسعى جاد لإقامة معقل قوي للإسلام الأصولي في المنطقة حسب كلام مراقبين صوماليين وأجانب، أقوى مجموعة وأكثرها حضوراً حزب الاتحاد الإسلامي المعروف بـالاتحاد، والذي يلبس زي الإخوان المسلمين العالميين، قد حقق غزواً واسعاً في شمال الصومال، المطل على خليج عدن إلى إقليم أوجادين داخل أثيوبيا، وإلى المناطق التي يقطنها الصوماليون شمال كينيا -قبل أن استرسل في نقل هذا التقرير أحب أن أفيدكم أن هذا الاتحاد الإسلامي هو اتحاد سلفي على طريقة الكتاب والسنة، بعيد عن جميع أنواع الانحرافات السلوكية والعقدية وغيرها، وقد التقيت بأفراد منه، ومعهم تزكيات من مجموعات من أهل العلم وسيرتهم سيرة معروفة- لقد أقام الاتحاد معسكرات للتدريب في أنحاء شمال الصومال وإقليم أوجادين، ويدير شبكة للإمداد بالمال والسلاح، للشعوب الصومالية في جيبوتي والصومال وأثيوبيا وكينيا حسب ما أفاد عشرات القادة المحللين والدبلوماسيين وموظفي الإغاثة في الصومال وأثيوبيا الذين تحدثنا إليهم.

أحد الأهداف المعلنة لـحركة الاتحاد، توحيد مختلف فئات الشعب الصومالي تحت راية الإسلام، ثم ذكروا أن الفوضى التي حصلت في الصومال بسبب سقوط حكومة زياد بري عام (1990م) قد سهلت نشاط الأصوليين في المنطقة، ثم قالوا: إن الإسلام الأصولي، قد فشل في بلاد كثيرة، ولكن كانت هناك حكومات توقف الأصوليين -يعني في البلاد التي فشل فيها كما قال عمر يوسف أزهري- وهو ممثل الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال، أما في الصومال فهم يتحركون بحرية وسط هذا الفراغ، وقال: يجب عدم الاستهانة بهم؛ لأنه إذا سمح لهم بالنمو فوق طفولتهم، فسوف يشكلون تهديداً حقيقياً لـمنطقة القرن الإفريقي بأسرها، ثم ذكروا اغتيال طبيبة في بوصاصو وهو أحد المواني المطلة على خليج عدن، واتهموا الجبهة -جبهة الاتحاد الإسلامي- بأنها هي المسئولة عن ذلك، ثم ذكروا سيطرتهم على هذه المدينة، وتكلموا عن معسكراتهم التي تقدم التدريب العسكري والديني لآلاف من الشباب، وأنها أقيمت في عدة مدن، وقال: لم تنجح محاولاتنا المتكررة للاتصال بقيادات الاتحاد في المنطقة، لكن حسب قول بعض شيوخ القبائل الصوماليين الذي يعرفونهم، إن قادة الاتحاد يقولون: بأنهم حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم في بلد تسوده الفوضى العارمة وتنتشر فيه العصابات المسلحة، ثم قال: إنه لم يمكن تحديد مصادر التموينللاتحاد بينما تقول بعض المصادر إن المتدينين الصوماليين في الخارج يدعمون الاتحاد، ويقول الصوماليون الكثيرون: إن مصادر غربية تدعمهم -أيضاً-، وهذا المقصود منه التشويه لهؤلاء المسلمين، ثم قال: ومن الملحوظ أنه يأتيهم من تنظيمات أصولية متطرفة في السعودية وإيران وباكستان والسودان ودول أخرى بعض المساعدات. يقول دبلوماسيون غربيون: إن شحنات الأسلحة للصومال قد سجلت أنها تغادر ميناء

أولاً: الرجوع إلى الدين: فإن الدين هو سر القوة، والبقاء، والصبر، وسر التجمع والوحدة بين المسلمين، فالغرب ينـزعج كثيراً من إقبال الناس على الإسلام، سواء ما نسميه نحن باصطلاح: الصحوة الإسلامية، أو أي مظهر آخر ينم عن عودة إلى الدين ورجوع إليه، فإن هذا يشكل عند الغرب رعباً ليس باليسير، ولذلك دلالات مهمة:

أ/ فشل جهود التنصير:

أولها: أن الغرب حينما يكتشف عودة الناس إلى الإسلام، فمعنى ذلك أنه يكتشف أن الجهود الضخمة التي بذلها هو للتنصير قد باءت بالفشل، وأن الجهود الأخرى التي بذلها للتغريب، ومحاولة جعل المسلمين بعيدين في مجال حياتهم عن الإسلام أنها هي الأخرى لم تجدِ نفعاً، وعلى سبيل المثال بثت إذاعة ألمانيا، وإذاعة صوت أمريكا، باللغة الأمهرية الموجهة إلى بعض البلاد الإفريقية وغيرها، بثت تقريراً نشرته الواشنطن بوست، أبدت فيه تخوفها من تمدد الإسلام، وهذه المخاوف تعتبر تعزيزاً وتأكيداً لمنشور سري وزعته الكنيسة باللغة الإنجليزية، وأشار هذا المنشور إلى سرعة تنامي عدد المسلمين، ولا سيما في أثيوبيا، حيث لا يرتاد الكنيسة إلا أقل من (5%) من سكان أديس أبابا، وأكد المنشور على ضرورة السعي الجاد للتنصير، ونقل التنصير من بيت إلى بيت لمواجهة الإسلام، هذا فيما يتعلق بالتنصير، وهو مثال من طرف القلم كما يقال، وإلا فالأمثلة في الجريدة الواحدة تعد بالعشرات.

أما فيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي والأخلاقيات في أوساط المسلمين، فقد نشرت -وهذا أيضاً مجرد مثال- مجلة اسمها بانوراما الخليج، في عدد سابق مقالاً عنوانه: "خلونا ننشد ما دامت الغناوي حرام" وخلاصة المقال أن الكاتبة تبدي ذعرها وانـزعاجها من شباب وشابات هذه الجيل، الذين أصبحت حياتهم -كما تعبر هي- حياة رتيبة مللاً في ملل، وأصبحوا يعيشون روتيناً لم يفرض عليهم، ولكن اختاروه بأنفسهم من المدرسة إلى المسجد إلى البيت وما أشبه ذلك، هؤلاء الشباب تقول: لم يعد الواحد منهم يتجه -مثلاً- إلى النوادي الاجتماعية، ولا يتجه إلى الجامعة لماذا؟ لأن الجامعة فيها اختلاط، وأصبحت البنت تفرح بمجرد ما تدعو لها أمها بالزواج، وتقول بصوت عالٍ: اللهم آمين، اللهم آمين، فالكاتبة المتحدثة مذعورة من هذا الإقبال على التدين ومن الالتزام بالأخلاقيات الذي لم يفرض على البنات والأولاد، وإنما بمحض اختيارهم، طلبوه وأرادوه، ونحن لا شك لا نصدق أبداً حقيقة ما تقول هي عن الملتزمين والملتزمات، فهم سباقون إلى كل خير، وهم بحمد الله منافسون في كل ميادين الحياة، ولكن هذه صورة من صور التشويه. تقول في آخر المقال: خلونا نطلع، نمثل، نقرأ، نعزف، وحتى خلونا ننشد مادامت (الغناوي) حرام.

إن مثل هذا الكلام له معنى كبير، على رغم أننا نعلم جميعاً أن الأجهزة الرسمية في البلاد الإسلامية، ليست أجهزة محايدة لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، لا،بل هي تزيد في جرعة الفساد كلما زادت نسبة الخير، فكلما كثر الإقبال على الدروس والمحاضرات، كثفت الدورات الرياضية، ووسع نطاقها لإغراء المزيد من الأولاد والبنات بالاتجاه إليها، وكلما زادت الحشمة والعفة في أوساط البنات, وسعت أجهزة الإعلام من مساحة التحلل فيها، وقبل ثلاثة أيام نشر في القناة الثانية، في التلفزيون السعودي مشهداً -الذين يكبون على مشاهدة التلفاز يندهشون منه- رجل يقبل فتاة، وهكذا.

إذاً الدلالة الأولى التي يكتسبها ويكتشفها الغرب من التوجه نحو الإسلام أن جهوده للتنصير، أو التغريب على حد سواء قد باءت بالفشل.

أما الدلالة الثانية: فهي أن العالم الإسلامي بدأ يستعيد تميزه، واستقلاليته الفكرية، والعقائدية.

إن من الممكن أن يتعايش الغرب مع دول إسلامية، علمانية في إطارها العام، فالذي يزعج الغرب ليس هو مجرد رفع شعار الإسلام فحسب، ولا مجرد بناء المساجد فحسب، ولا مجرد دفن الموتى على الطريقة الإسلامية فحسب، وإن كان ذلك كله يزعج الغرب أيضاً، ولكن الذي يخيف الغرب هو الوجود الإسلامي بالمعنى الشمولي للإسلام. الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يهيمن على الاقتصاد، فيهدم الربا، ويحاول إقامة النظام الشرعي الإسلامي بديلاً عن النظام الرأسمالي الربوي الغربي.

الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يرفع راية الجهاد، والجهاد ذروة سنام الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } هذا الجهاد الذي كان شبحاً على مدار التاريخ يخيف الغرب، وهو الذي أذعنت له أوروبا يوم وطئتها سنابك خيول المسلمين القادمة من بلاد الأندلس، -أسبانيا الفردوس المفقود- ويوم أن احتل المسلمون العثمانيون أجزاء غير قليلة من أوروبا، وكادت روما عاصمة النصارى أن تقع في أيدي المسلمين.

الذي يخيف الغرب هو ذلك المجتمع المسلم الذي يبني علاقاته الدولية ومعاهداته ومواقفه على أساس من العقيدة الإسلامية الصحيحة.

الذي يخيف الغرب هو الإسلام الذي يقيم نظام الدولة بتفاصيله كلها على أساس التشريع الإسلامي، ومرجعية القرآن والسنة.

إذاً: فالذي يخيف الغرب: هو ما يسميه هو بالإسلام الأصولي، الإسلام المهيمن على كل مناحي الحياة، ولو كان الذين يحملون هذا الإسلام الأصولي، مهذبين بأساليبهم، ولو كانوا منطقيين، ولو كانوا عقلانيين، المهم أنهم يحملون فكراً شمولياً، يحملون الإسلام كله جملة وتفصيلاً، ويمتثلون قول الله عز وجل: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85] فيعملون على أن يؤمنوا بالكتاب كله، ويدعوا إليه كله، ويقوموا به كله، فلا يجزئون الإسلام، ولا يجعلون القرآن عضين، كما توعد الله من يفعل ذلك، فهؤلاء الأصوليون مهما كانت أساليبهم مهذبة، وطرائقهم لبقة، وعباراتهم هادئة، وشخصياتهم لطيفة، إلا أنهم مصدر إزعاج كبير للغرب.

وعلى النقيض فإنَّ الإسلام الذي يمكن أن يقبل به الغرب بشكل مؤقت، هو لون آخر سيتبين بعد قليل، إن خطراً كهذا الخطر الإسلامي يمكن أن يهدد الغرب في عقر داره، أما ذلك اللون المهجن المدجن لا أقول من الإسلام، فالإسلام واحد، ولكن أقول: من المسلمين المنتسبين إلى الإسلام، فهذا من الممكن أن يهادنه الغرب، وأن يصالحه مصالحة مؤقتة -أيضاً- ليست طويلة الأمد؛ لأن هذا الإسلام الناقص الذي قد يؤمن به بعض المسلمين، من الممكن أن يتحول مع الوقت إلى الإسلام الكامل، وهذا المسلم الضعيف، من الممكن مع الأيام أن يعطي صوته وتأييده ونصرته لذلك المسلم القوي، إنما يعمل الغرب على الموازنة بين المصالح، وترجيح بعضها على بعض، فمن الممكن أن يهادن بعض شرائح المسلمين مؤقتاً، ريثما يفرغ للعدو الأكبر (الإسلام الأصولي).

إن التاريخ كله هو في الحقيقة تاريخ الصراع بين العقائد والمبادئ والمذاهب، ومن يستعرض الحروب العظمى في التاريخ يتأكد من هذه الحقيقة، فالحروب الإسلامية كلها على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان، ثم الحروب الصليبية وغيرها، هي مجرد أدلة على أن التاريخ كله، تاريخ الصراع بين العقائد.

لا تظن أبداً أن التاريخ تاريخ الصراع على المرأة، أو تاريخ الصراع على حفنة من الطعام، أو تاريخ الصراع على البترول فحسب، لا؛ هذه الأشياء كلها صحيحة، لكن الصراع الجذري والصراع الجوهري بين كل أمم الدنيا هو الصراع بين العقائد، الصراع بين الأديان، الصراع بين المذاهب، وقلّبْ تاريخ أي أمة من الأمم، لا تخطئك هذه الحقيقة قط، ولا شك أن الغرب اليوم لا يملك العقيدة التي يستطيع أن يواجه بها الإسلام، وإن حاول الغرب أن يستعين بالعقيدة النصرانية كحل، ويكثف الجهود في الدعوة إليها، وقد طالب نكسون كما ذكرت لكم في المجلس السابق بأن على أمريكا أن تشبع العالم روحياً، ولا تكتفي أن تشبعهم مادياً بالمساعدات فحسب، وقال: إن علينا أن نحمل الإنجيل بيد، ونحمل المساعدة الإنسانية باليد الأخرى، ومع ذلك فلا شك أن الغرب يدرك أن النصرانية غير قادرة على مواجهة الإسلام. لقد فشلت النصرانية وانهزمت في أوروبا دون أن تواجه ديناً آخر، فالأوربيون تركوا النصرانية، وتركوا الكنيسة إلى ماذا تركوها؟ إلى دين آخر؟ لا؛ لم يتركوها إلى الشيوعية مثلاً، والذين تشيعوا من الغرب قليل، أحزاب معدودة في فرنسا وفي غيرها، لم يترك الغرب النصرانية إلى اليهودية، لم يترك الغرب النصرانية إلى الإسلام؛ لأن الإسلام لم يقدم له بصورة دعوة سابقاً، إنما ترك كثير من الغربيين النصرانية عقيدةً وسلوكاً وعبادةً، تركوها إلى المرقص، والماخور، والسوق، والبنك، وإلى غير ذلك.

فدل هذا على أن النصرانية دين محرف أولاً، ودين منسوخ ثانياً، فلو كانت غير محرفة، لكفاها أنها منسوخة ؛ مما يدل على أنها لا تلائم الإنسان في هذا العصر، فالله تعالى هو العالم بطبيعة الإنسان، وفضلاً عن كونها منسوخة فهي محرفة -أيضاً- دخلتها يد التحريف والتغيير والتبديل، من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم، فإذا كانت النصرانية قد فشلت في استقطاب الناس في قلب أوروبا على رغم عدم وجود المنازع لها، فكيف تتصور أن يكون الحال لو كانت النصرانية في مواجهة الإسلام؟ لا بد أن يؤمن ويوقن المسلم الذي يصدق الله تعالى ويؤمن به، ويصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن النصرانية فاشلة في مواجهة الإسلام، وأن مجرد ظهور الحق كافٍ في دحضها، قال الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] فالباطل زاهق وذاهب لا بقاء له ولا وجود، وقوله سبحانه: فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]، أي: يصيبه في الدماغ، ضربة مسددة قاضية لا بقاء له معها قط.

وقال الله عز وجل: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد:17] فهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، فالزبد الذي يكون فوق السيل هو زبد ذاهب لا قيمة له، وأما الذي ينفع الناس من المطر فهو يمكث في الأرض فينبت الزرع بإذن الله تعالى.

وكذلك قال الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81] قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ:49] هذه النصوص -نصوص قرآن ما هي كلام فلان ولا علان- كلام الله عز وجل، ومنها يكتشف المسلم العادي -ودعك من المسلم الواعي ودعك من المسلم العالم- أن مجرد ظهور الإسلام وقوة الإسلام، ووجود المسلمين الصادقين، كافٍ في إزهاق الباطل، أي باطل كان، سواء كان باطل النصارى أو باطل اليهود، أو باطل الشيوعيين، أو باطل الفرق المنحرفة، كل باطل يزهق بظهور الحق.

إذاً علينا أن نظهر الحق ونعلنه ونوقن أنه لا بقاء للباطل أمامه.

إن العقيدة أمر خطير في حياة البشر، وإن جميع التيسيرات المادية، والتسهيلات الحضارية، وارتفاع نسبة الدخل للفرد -مثلاً- أو ألوان الترفيه التي يحصل عليها الإنسان، إنها لا تغنيه أبداً عن العقيدة التي يحتاج إليها قلبه، ويتطلع إليها عقله، ولذلك كتب أحد الفلاسفة الأمريكان المعاصرين، وهو يعتبر من فلاسفة الرأسمالية المعاصرة، واسمه فرنسيس فوكويوما، كتب كتاباً ضخماً خطيراً سماه "نهاية التاريخ" هذا الكتاب أحدث ضجة في العالم الغربي كله وكتبت عشرات الكتب في الرد عليه، ودبجت عشرات المقالات الصحفية في مناقشته، وهكذا انقسم الناس بين مؤيد وبين معارض، هذا الكتاب خلاصته: يؤكد أن الليبرالية الغربية خالدة باقية، وأن العالم الآن قد توقف بعد سقوط الشيوعية، وانتهت كل ألوان الصراع لصالح الليبرالية الغربية بفلسفتها السياسية، التي تسمى الديمقراطية كما هو معروف، حكم الشعب بنفسه، وكذلك بفلسفتها الاقتصادية القائمة على الرأسمالية والربا والاقتصاد الحر، وقال: هذا آخر المطاف بلا منازع، وهذه هي الجنة التي يوعدها البشر ولا زوال لها -هكذا قال-.

وتعرض هذا الكتاب -كما ذكرت- لحملة شديدة، ولكن أطرف كتاب رد عليه كتاب أشير إليه إشارة عابرة اسمه " الإسلام هو البديل " مؤلفه هو سفير ألمانيا في المغرب، والغريب أن هذا الكتاب -أيضاً- أثار ولا يزال يثير ضجة غريبة في ألمانيا وخارجها، حتى أن هناك مطالبة قوية بإبعاد هذا السفير عن منصبه، وأنه لا يمثل بلاده، وشنت عليه حملة قوية جداً، خاصة من النساء، وقد أعلن هذا السفير إسلامه، وذكر ثلاثة أسباب دعته إلى الإيمان والدخول في الإسلام:

السبب الأول: كنت في الجزائر أيام حرب التحرير، فتعجبت من هذا الصبر غير العادي، الذي يتميز به الشعب الجزائري، فآمنت أن هذا الصبر الذي تميز به المسلمون في مقاومة المستعمر، لا بد أن يكون له سبب، فطفقت اقرأ القرآن، فلما قرأت القرآن؛ اكتشفت أن هذا القرآن هو سر العزيمة والإصرار الذي تميز به المسلم الجزائري.

السبب الثاني: كان يتجول في الأندلس -في أسبانيا-، فرأى آثار المسلمين ومعالمهم وفنونهم وبقايا حضارتهم، قال: فآمنت أن هذه العظمة لا بد أن يكون وراءها مبدأ عظيم، فبحث فاهتدى إلى الإسلام.

السبب الثالث: بحثت عن كتب مجموعة من العلماء والمفكرين المسلمين، وكان منها كتب للعلامة عبد الرحمن بن خلدون؛ فأخيراً أعلن هذا الرجل إسلامه، وكتب مجموعة من الكتب، ودفع ثمنها غالياً من سمعته في أوساط الغرب، ولكنه لا يزال مصراً، ونسأل الله تعالى لنا وله ولجميع المسلمين الثبات على الدين.

المهم: أن كتابه الإسلام هو البديل يعتبر رداً غير مباشر على كتاب نهاية التاريخ، ويؤكد أن الإسلام هو الذي سيكون بديلاً عن الشيوعية وعن الرأسمالية.

جـ/ وقوع الغرب في إشكالية عظيمة:

إن الديمقراطية والثراء المادي والمصلحة والشهوة والمادة كلها لا تشبع الحاجة الروحية للإنسان، وسنة الله ماضية قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:123-126] ولذلك فالغرب أمام إشكالية حقيقية عميقة: إشكالية أن الغرب يواجه دين قوي، وعقيدة راسخة، وشريعة قوية، وكما قال صاحب كتاب التوقع العظيم إن الإسلام لم يُضَفْ عليه أي قانون جديد منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يتميز بالأصالة، والقدم، والعمق، والنضج، والبعد عن تأثيرات البشر وتغييراتها، هكذا صرحوا -كما أشرت لكم في المجلس السابق- وأمام هذه الإشكالية العظيمة لا مخرج للغرب إلا أحد أمرين:

الأول: الدخول في الإسلام، والقبول بمبادئه، وهذا أمر في نظري أنه بعيد، قد يسلم من الغرب أفراد أو جماعات أو طوائف أو حتى قرى، في ألمانيا الآن، قرية أسلمت عن آخرها، وجاءني شباب من هناك، مسلمون وغيرهم كثير، بل مررت بمركز إسلامي في أمريكا، فأفادوني أنه يسلم أسبوعياً ما يزيد على عشرين ما بين رجل وامرأة، ولا شك أن حركة الإسلام في الغرب في تصاعد، ولكن يجب أن نعلم أن من المستبعد في نظري -والعلم عند الله- أن تتحول المجتمعات الغربية إلى مجتمعات إسلامية؛ لأن الإسلام إذا ظهر كعدو لهم، سوف يسخرون أجهزة ووسائل كثيرة جداً للحيلولة بين الناس وبين الإسلام، وسيظل الذين يلتزمون بالإسلام نسبة محدودة من الغربيين -هذه على الأقل قناعة لدي-، وبكل حال فهذه البلاد هي بلاد الإسلام والنصوص كثيرة قد سبق أن تحدثت عنها مراراً، إذاً الاحتمال الأول أمام الغرب هو: الإسلام.

الاحتمال الثاني: في مواجهة الإسلام من خلال إعلان الحرب عليه، وشحذ مشاعر الناس هناك لمواجهة العدو القادم، واستنفار الطاقات، وتجريد أجهزة الإعلام ووسائل التعليم والتربية وغيرها؛ لإقناع الناس بمقاومة الإسلام وحربه، وإلا فسيظل الغرب مهدداً تهديداً واقعاً حاضراً، أو تهديداً مستقبلاً بالإسلام، والغريب أن هذين الاحتماليين أن يسلم الغرب أو يحارب الإسلام، أنه لا يخرج من إشكالية فقدان العقيدة والدين عندهم إلا بذلك، وهو لن يخرج لو حارب الإسلام، لكن مؤقتاً سيقاوم الإسلام، ويقف في وجهه.

فهذان العرضان ينسجمان مع عرض الإسلام، فإن المسلمين إذا حاربوا عدواً خيروه بين ثلاثة أمور: إما أن يسلم، وإما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر، والجزية مفروضة على أهل الكتاب عند طوائف من أهل العلم، ومفروضة على جميع أهل الكفر بما فيهم المشركون الوثنيون عند مالك وجماعة من العلماء أيضاً، والله تعالى قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] وهم أهل الكتاب.

الاحتمال الثالث هو: القتال.

والجزية التي يطلبها المسلمون من الكفار إنما تكون مقابل حماية المسلمين لهم وعدم محاربتهم، وأن يأذن الغرب بالدعوة في أوساطهم، وأن لا يحاربوا الإسلام، ولا يقفوا في وجه الدعوة، ولا يفتنوا مسلماً عن دينه أبداً، ولهذا قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] إذاً لا بد أن يُقاتلوا حتى يذعنوا للإسلام، وأقل ذلك أن يقروا بدفع الجزية، وألا يمنعوا أحداً أراد الإسلام من شعوبهم من الدخول فيه، ولا يفتنوه عن دينه، ولا يضايقوه فيه.

أما الغرب اليوم فإنه لا يملك عقيدة يصدرها إلينا، إنما يملك فلسفات مادية، وتقنيات وتقدم وتيسيرات، ويملك التحلل الأخلاقي المبني على فلسفة معينة فقط.

إذاً: فالسبب الأول الذي يثير مخاوف الغرب من المسلمين هو: العودة إلى الدين، أو ما يمكن أن نسميه بالصحوة، وقد عبر عنه صاحب كتاب التوقع الخطير حيث قال: إن المجددين المسلمين لهم نبي، أما ماركس وسائر المجددين العلمانيين وكذلك الحكام العلمانيون العرب، ليس لهم نبي، يعني أن المسلمين لهم دين يتعززون به ويثبتون، أما أولئك فليس لهم إلا الباطل: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق:5].

أما السبب الثاني الذي يثير مخاوف الغرب فهو: التكاثر السكاني للمسلمين، وقد ذكر ريتشارد نكسون: أن أربعة أخماس المواليد في العالم هم من المسلمين، فأربعة من كل خمسة أطفال يولدون هم مسلمون، وبلاد الغرب نفسها مهددة بهجرة خمسين مليون مسلم خلال حوالي ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة، هؤلاء من المسلمين العاديين الذي ذهبوا يبحثون عن الثروة، أو فرص العمل، أو عن لقمة العيش. إسرائيل نفسها تواجه تزايد في أعداد الفلسطينيين، ولذلك تسعى إلى تعقيمهم بقدر المستطاع، وتسعى إلى تهجير أعداد غفيرة من اليهود من روسيا وغيرها، مع أن هذا يزيد في أعبائها الاقتصادية، وهي تواجه أزمة اقتصادية، المهم أنَّ عندها مشكلة التكاثر السكاني التي تواجه به أعداد الفلسطينيين.

إذاً: هاجس الخوف من التزايد العددي الإسلامي، هاجس كبير جداً، وإليك بعض الأدلة السريعة:

د/ من مذكرات ريتشارد نكسون:

أولاً قال ريتشارد نكسون في مذكراته، وقد خلع قفاز الدبلوماسية والسياسة، وقال بصراحة متناهية: إنه ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلا إحدى حلين:-

الأول: القضاء على الإسلام بقتل جميع المسلمين.

الثاني: العمل على استيعاب المسلمين وتذويبهم.

فمن المفترض عنده أن الإسلام عدو لدود، ولكن المشكل عنده كيف يمكن مواجهة هذا العدو، بهذا الأسلوب أم بذاك، ومع أن هذا الرجل رجح الحل الثاني؛ أنه لا داعي لمواجهة القتل، بل ينبغي أن نعمل على تذويبهم؛ إلا أن الخبراء في السياسة الأمريكية يدركون أي سياسة يميل إليها هذا الرجل على سبيل الحقيقة، لا على سبيل التظاهر.

هـ/ تحذير صحيفة يهودية:

مثال آخر: حذرت صحيفة يهودية اسمها جيرو سالم بوست -وهي شهيرة- حذرت زعماء اليهود من اليقظة الإسلامية، ودعت إلى التحرك لمواجهة الخطر الإسلامي، ونشرت مقالاً عنوانه: "الطوق الإسلامي الفولاذي" قالت فيه: إن تأييد الجماهير الذي يحظى به الدعاة الإسلاميون، مرده فساد الأوضاع العامة في الشارع العربي، إن الأصوليين يشكلون طوقاً فولاذياً حول إسرائيل، وهم غير مستعدين حتى للتلفظ بكلمة السلام، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل.

فإسرائيل، جزيرة في بحر إسلامي متنامي، وهذه الدول المحيطة بها مهما كانت هي دول إسلامية، مهما حيل بينها وبين إسلامها، فإذا كانت الدول البعيدة أوروبا وأمريكا وغيرها تخاف من الهجرة الإسلامية، فما بالك بدولة تقيم في قلب البحر الإسلامي، وهي إسرائيل وهي -أيضا- جسم طارئ غريب على المسلمين.

و/ إرسال دماء ملوثة إلى تونس:

مثال ثالث: ثارت ضجة إعلامية، ربما قرأها البعض، حول شحنة من الدماء الملوثة التي باعتها فرنسا على تونس، هذا الدم تبين أنه ملوث بماذا؟! بجرثومة الإيدز، وفقدان المناعة، فمات بسبب هذه الشحنة ثلاثة، وحقن بها اثنا عشر شخصاً، منهم مجموعة على شفير الموت، وما زال التحقيق في ذلك كبيراً في تونس , وما زالت هناك حرب إعلامية بينها وبين فرنسا، وربما كان لهذا الحرب أبعاد، فإن من الأبعاد المهمة أن أخا الرئيس التونسي مقبوض في فرنسا بجريمة المخدرات، يحاكم هناك، ولذلك منعت الصحف الفرنسية من الدخول إلى تونس، وصار هناك جفاء في العلاقات، ولكن -أيضاً- هذه الشحنة لها تأثير معين ولها دلالة معينة، هو أن الضمير الغربي ضمير فاسد حقود على الإسلام، مهما كان هذا الإسلام إسلاماً ضعيفاً وليس إسلاماً أصولياً، ومع ذلك فإن هذا الخبر صغير الأهمية بالنسبة لتلك الأنباء التي تثبت أن هناك مخلفات إشعاعية خطيرة دفنت في أرض الصومال مما يشكل تهديداً خطيراً للبيئة، وتهديداً خطيراً للإنسان هناك.

ز/ أحداث الصومال:

مثال رابع: أحداث الصومال، وهي مؤشر خطير، فقد فُرِضَتْ الاستقالة على مندوب الولايات المتحدة في الصومال وهو عربي اسمه سحلول؛ لأنه كشف جوانب من الإهمال والتقصير في عمل هذه الهيئة الدولي في حق المسلمين في الصومال فأقيل أو فرضت عليه الإقالة، مع أن تقارير الأمم المتحدة ذاتها تقول: إنَّ المساعدات الدولية فشلت والفقراء يتزايدون. وأقيل هذا الرجل من منصبه؛ لئلا يكشف الفضيحة التي تورطت فيها الأمم المتحدة في التقصير بحق المسلمين في الصومال، بل أن هناك ما هو أخطر من ذلك، هناك تقرير يجب أن نضعه في الاعتبار نشرته جريدة "انترناشيونال هلاردتربيون" في أحد أعدادها بتاريخ (18/10/1413هـ) أي قبل حوالي ما يزيد على عشرة أيام -هذا التقرير عنوانه: "صرح إسلامي جديد"، ويتكلم التقرير عن مجموعة من الشباب المسلم في الصومال الذين يقومون بمجهودات عسكرية هناك، سأقرأ عليكم منه فهو مترجمٌ إلى العربية، يقول : مجموعات من الأصوليين الإسلاميين المسلحين جيداً، يتوسعون في أنحاء المناطق الصومالية، في منطقة القرن الإفريقي، وذلك كمسعى جاد لإقامة معقل قوي للإسلام الأصولي في المنطقة حسب كلام مراقبين صوماليين وأجانب، أقوى مجموعة وأكثرها حضوراً حزب الاتحاد الإسلامي المعروف بـالاتحاد، والذي يلبس زي الإخوان المسلمين العالميين، قد حقق غزواً واسعاً في شمال الصومال، المطل على خليج عدن إلى إقليم أوجادين داخل أثيوبيا، وإلى المناطق التي يقطنها الصوماليون شمال كينيا -قبل أن استرسل في نقل هذا التقرير أحب أن أفيدكم أن هذا الاتحاد الإسلامي هو اتحاد سلفي على طريقة الكتاب والسنة، بعيد عن جميع أنواع الانحرافات السلوكية والعقدية وغيرها، وقد التقيت بأفراد منه، ومعهم تزكيات من مجموعات من أهل العلم وسيرتهم سيرة معروفة- لقد أقام الاتحاد معسكرات للتدريب في أنحاء شمال الصومال وإقليم أوجادين، ويدير شبكة للإمداد بالمال والسلاح، للشعوب الصومالية في جيبوتي والصومال وأثيوبيا وكينيا حسب ما أفاد عشرات القادة المحللين والدبلوماسيين وموظفي الإغاثة في الصومال وأثيوبيا الذين تحدثنا إليهم.

أحد الأهداف المعلنة لـحركة الاتحاد، توحيد مختلف فئات الشعب الصومالي تحت راية الإسلام، ثم ذكروا أن الفوضى التي حصلت في الصومال بسبب سقوط حكومة زياد بري عام (1990م) قد سهلت نشاط الأصوليين في المنطقة، ثم قالوا: إن الإسلام الأصولي، قد فشل في بلاد كثيرة، ولكن كانت هناك حكومات توقف الأصوليين -يعني في البلاد التي فشل فيها كما قال عمر يوسف أزهري- وهو ممثل الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال، أما في الصومال فهم يتحركون بحرية وسط هذا الفراغ، وقال: يجب عدم الاستهانة بهم؛ لأنه إذا سمح لهم بالنمو فوق طفولتهم، فسوف يشكلون تهديداً حقيقياً لـمنطقة القرن الإفريقي بأسرها، ثم ذكروا اغتيال طبيبة في بوصاصو وهو أحد المواني المطلة على خليج عدن، واتهموا الجبهة -جبهة الاتحاد الإسلامي- بأنها هي المسئولة عن ذلك، ثم ذكروا سيطرتهم على هذه المدينة، وتكلموا عن معسكراتهم التي تقدم التدريب العسكري والديني لآلاف من الشباب، وأنها أقيمت في عدة مدن، وقال: لم تنجح محاولاتنا المتكررة للاتصال بقيادات الاتحاد في المنطقة، لكن حسب قول بعض شيوخ القبائل الصوماليين الذي يعرفونهم، إن قادة الاتحاد يقولون: بأنهم حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم في بلد تسوده الفوضى العارمة وتنتشر فيه العصابات المسلحة، ثم قال: إنه لم يمكن تحديد مصادر التموينللاتحاد بينما تقول بعض المصادر إن المتدينين الصوماليين في الخارج يدعمون الاتحاد، ويقول الصوماليون الكثيرون: إن مصادر غربية تدعمهم -أيضاً-، وهذا المقصود منه التشويه لهؤلاء المسلمين، ثم قال: ومن الملحوظ أنه يأتيهم من تنظيمات أصولية متطرفة في السعودية وإيران وباكستان والسودان ودول أخرى بعض المساعدات. يقول دبلوماسيون غربيون: إن شحنات الأسلحة للصومال قد سجلت أنها تغادر ميناء جيزان السعودي في البحر الأحمر، هذه كلها أقاويل ودعايات وأكاذيب المقصود منها تشويه صورة هؤلاء الشباب أمام المواطن الصومالي العادي؛ لأنه يتخوف حينما يقال له: هؤلاء من الخارج، خاصة إذا قيل له: مدعومين من الغرب، يقول التقرير: إن التراث الإسلامي المشترك قد وحد مختلف الفروع القبلية في الحركة الوطنية الصومالية في الشمال، وكذلك فإن علاقات الصومال التجارية والثقافية مع دول الجزيرة العربية والخليج تقوم على جذور عميقة، انتهى التقرير.

وعلق عليه مندوب الاتحاد بقوله: لا شك أن بعض ما ذكرته الصحيفة صحيح من حيث الأصل، ويعتبر من الأمور الظاهرة التي لا تخفى على أي زائر للصومال، خاصة إذا كان مهتماً بمثل هذه الأخبار، ووجد بعض الأطراف التي تزوده بالمعلومات الأخرى في المناطق، ولكن فيها قدر من المعلومات غير الصحيحة مثلما يذكرونه عن دعم بعض الدول، وعدد القتلى والجرحى في المعارك من الجبهة الديمقراطية العلمانية، حيث سبق أن أعلنا المعلومات الصحيحة حول هذه الأمور، ونعتقد أن غرض الجريدة لا يخفى على الكثيرين فيما يتعلق بالإشارة حول هذه الأمور، ولكن يبقى الأمر الهام، وهو ما يظنه الأعداء فينا من قوة التخطيط والتدبير والرعب الذي يصيبهم، والموقف الذي يقفه الكثيرون منهم حيث لا يعرفون كثيراً عن قضاياهم المهمة فالله المستعان!

هذا الكلام يتحدث عن مجموعة محدودة من الشباب المسلمين في الصومال، فانظر كيف كان رد الفعل الغربي ضخماً وخطيراً وكبيراً أمام ذلك.

في مقابل هذا الخبر، خبر آخر كبير نشرته كل الصحف أمس وقبل أمس، بما في ذلك جريدة الحياة والشرق الأوسط والصحف المحلية وغيرها، يتلكم عن أربع سفن أمريكية تنقل أكثر من ألف وثمانمائة جندي أمريكي من قوات المارنـز، وبالذات من الفرقة اثنين وثمانين والتي كان لها مشاركة فعالة في حرب الخليج، أبحرت متوجهة إلى منطقة عمليات الشرق الأوسط، والمقصود بها بالذات منطقة الصومال، وهي نواة لقوة أمريكية ستتواجد هناك، تتراوح حسب المصادر الأمريكية نفسها ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف جندي أمريكي جاهزة للتدخل، وقريبة من موقع الأحداث، والغريب في الأمر أن المتحاربين في الصومال أيدوا هذه القوة؛ لأنهم شعروا أن هناك خطراً إسلامياً ينازعهم.

إذاً: السبب الثاني الذي يخيف الغرب هو: التكاثر السكاني الإسلامي، وما العملية التي تجري في الصومال -مثلاً- من عملية الإبادة عن طريق الحرب، أو عن طريق التجويع، أو في البوسنة والهرسك أو في بورما، أو في إرتيريا أو في أي بلد آخر إلا نموذجاً لذلك.

أما السبب الثالث والأخير فهو: تنامي القوة العسكرية في العالم الإسلامي، خاصة بعد تحرر الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وهي تملك الأسلحة والعتاد، بل وتملك القوة النووية، ولهذا فلا غرابة أن يصرح الرئيس الأمريكي السابق بيكر تصريحاً رسمياً بعد ما زار تلك الجمهوريات وبالذات موسكو: أن من أهداف الزيارة مواجهة المد الأصولي، ومنعه من الوصول إلى تلك الجمهوريات.

ولا شك أن الحرب التي تعلن الآن على إيران -في نظري- وتصريحها هي جزء من ذلك، فالغرب يخيفه أن تمتلك إيران الأسلحة النووية لماذا؟ هل لأنه لا يضمن أن تستخدم إيران السلاح ضد دول الخليج، إذاً لهان الأمر، وكان بإمكانه أن يجعل إيران ذراعاً يهدد دول الخليج، من أجل مزيد من الولاء له، والارتماء في أحضانه، ولكن الغرب يخاف أن تتطور الأمور بصورة لا يمكن تصورها الآن، وأن تدخل المنطقة كلها في مواجهة عامة شاملة تكون إسرائيل طرفاً فيها، فإذا كان الغرب يسعى إلى إيقاف إيران عن تعزيز قوتها، فلا تظن هذا خوفاً على دول الخليج بل هو بالدرجة الأولى خوف على ربيبته وحليفته الإستراتيجية التاريخية المسماة بإسرائيل.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5137 استماع
حديث الهجرة 5016 استماع
تلك الرسل 4156 استماع
الصومال الجريح 4147 استماع
مصير المترفين 4124 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4053 استماع
وقفات مع سورة ق 3978 استماع
مقياس الربح والخسارة 3931 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3873 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3834 استماع