شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - باب صدقة التطوع - حديث 658-662


الحلقة مفرغة

هذا الدرس رقمه (212) من دروس بلوغ المرام، وهذه ليلة الثلاثاء، ثمانية عشر من جمادى الآخرة من سنة (1428هـ).

عندنا أولاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( جاءت زينب امرأة ابن مسعود، فقالت: يا رسول الله! إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود , زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ) رواه البخاري. ‏

تخريج الحديث

أولاً: تخريج الحديث: الحديث من أفراد البخاري، فلم يروه مسلم ولا أصحاب السنن، وإنما رواه البخاري في كتاب الزكاة، ورواه البيهقي في الجنائز، والبغوي، وابن منده، والطحاوي، وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

النقطة الثانية: ما يتعلق بالألفاظ:

قوله: (جاءت زينب ) هي امرأة عبد الله بن مسعود، ويقال لها: زينب الثقفية، وكانت امرأةً صناعاً، يعني: تعمل بيدها، لها عمل ولها حرفة، وعندها قدرة على تصنيع بعض الأشياء في البيت والمنزل.

وهذا فيه إشارة إلى أن المرأة لا بأس -بل ينبغي لها- أن يكون عندها شيء من هذا، فإن المرأة كالرجل لها حق الملكية، ولها أجر الصدقة, وعندها قدرات أقدرها الله تعالى عليها من ألوان الصناعة والزراعة والخياطة والنسج، وربما تتفوق في أمور كثيرة جداً حتى على الرجل خصوصاً الأمور التي فيها جانب ذوقي وجانب جمالي وتحتاج إلى صبر، فإن المرأة ربما تكون فيها أقدر وأنجح من الرجل.

مسألة: حكم دفع المرأة زكاتها لزوجها الفقير

النقطة الثالثة: في الحديث: هل تدفع المرأة زكاتها لزوجها الفقير؟

هذه المسألة فيها قولان مشهوران لأهل العلم:

القول الأول: أن لها ذلك، أن المرأة إذا كان عندها زكاة حلي أو زكاة مال، تدفع الزكاة لزوجها إن كان من أحد الأصناف الثمانية، كأن يكون فقيراً أو مسكيناً أو ما شابه ذلك، وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، وهو رواية أيضاً عند الإمام أبي حنيفة، ورواية عند الحنابلة، وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة أبي يوسف ومحمد بن الحسن .

ومن أقوى أدلتهم: حديث الباب، فإن زينب رضي الله عنها سمعت من ابن مسعود قوله: ( إن زوجها وولدها أفضل من تصدقت عليهم ).

وهذا دليل على أن هذا هو رأي ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، فذهبت وسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء في الحديث أنها قالت لـبلال : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا بالباب ولا تخبره من نحن، فدخل بلال، فقال له: ( يا رسول الله! زينب بالباب، فقال: أي الزيانب؟ فقال: زينب امرأة عبد الله )، كان بلال يعرف الصحابة ويعرف أسماء زوجاتهم ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الحاجب أن التي تستأذن بالباب هي زينب امرأة عبد الله بن مسعود، فجاءت زينب وقالت: يا رسول الله! إن عندي حلياً وأردت أن أتصدق به، فقال لي ابن مسعود كذا وكذا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم ).

ووجه الشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الصدقة على الولد والزوج أفضل من غيرهم، ولم يفصل صدقة واجبة من صدقة مستحبة، فدل على أن الصدقة على الزوج مجزئة ولو كانت صدقة زوجته كما في قصة زينب هذه.

القول الثاني: أن صدقة المرأة على زوجها لا تجوز، قالوا: لأن الرجل إذا أخذ الصدقة من امرأته ردها إليها بالإنفاق عليها؛ لأن نفقتها واجبة، فتكون كأنها تصدقت على نفسها أو جلبت لنفسها خيراً بتخصيص زوجها بالصدقة دون سواه، وهذا مذهب الحنفية ومالك، وهو رواية عند الحنابلة.

واستدلوا أيضاً بحديث الباب، قالوا: لأن الحديث ذكر الولد: ( زوجك وولدك )، والأولاد نفقتهم واجبة، فلا تحل الصدقة عليهم، الأب يجب أن ينفق على ولده، فصدقته لا تمكن عليهم، وكذلك أن تدفع الأم صدقتها لولدها، فقالوا: هذا دليل على أن الصدقة هنا ليست صدقة واجبة، وإنما هي صدقة مستحبة، تطوع، والتطوع بابه واسع، هذا ما استدلوا به في الحديث.

ويجاب عن ذلك بأجوبة، منها: أن يقال: إن القول بالتفريق بين صدقة التطوع والفرض هنا يحتاج إلى دليل، والأصل أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل يصرفه، هذا أولاً.

وثانياً يقال: إن قوله: ( زوجك وولدك )، لا يقصد به الولد مباشرة، وإنما يقصد به أن تعطي الزكاة لزوجها، وزوجها بطبيعة الحال سوف يصرف هذه الزكاة على الولد، فتكون كأنها تصدقت على ولدها وإن لم تكن تصدقت على ولدها مباشرة، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة : ( هي لها صدقة، وهي لنا هدية )، فهي للأب زكاة وهي للأولاد نفقة، وليست زكاة عليهم.

الجواب الثالث: أن يقال: إن هؤلاء الأولاد ليسوا أولاداً لـابن مسعود، ليسوا أولاداً للمرأة نفسها، قد يكونون أولاداً عند ابن مسعود، يعني: مثل قصة أم سلمة وهي مشابهة لحديث الباب، ويصلح أن نسوقها دليلاً على جواز صرف المرأة زكاتها لزوجها، وهي في الصحيح، أم سلمة جاء لها قصة مثل قصة زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، هذا أهم ما في المسألة.

و القول الراجح في هذه المسألة هو الأول: أنه يجوز للمرأة أن تجعل زكاتها المفروضة لزوجها إذا كان محتاجاً، ولو ترتب على ذلك أن هذه الزكاة تعود إلى المرأة نفقة، فليس في ذلك حرج، مثل الدائن لو أعطى المدين زكاته ثم هذا المدين ردها له سداداً لدينه، فلا حرج عليه في ذلك، من دون أن يكون هناك مشارطة، فهي دفعت زكاتها لزوجها، سواءٌ صرفها عليها أو على نفسه أو على ولده أو لغير ذلك من المصارف، فالأمر في ذلك واسع.

فالراجح هو القول الأول؛ لحديث ابن مسعود، ولحديث أم سلمة أيضاً التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد أبي سلمة والنفقة عليهم، فذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الصدقة على القريب صدقة وصلة )، بل ربما تكون الصدقة عليهم أفضل من الصدقة على غيرهم.

فوائد الحديث

هذا الحديث حديث أبي سعيد

رضي الله عنه فوائد، منها: معرفة أسماء النساء، وأن ذلك ليس به عيب ولا بأس به؛ خلافاً لما يظنه كثير من جهلة الأعراب، فالله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم أسماء: كـمريم

، وسمى باسمها سورة، وفي السنة النبوية نجد أسماء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأسماء أزواج الصحابة، وأسماء بنات النبي عليه الصلاة والسلام وأمهات المؤمنين، ولا بأس في ذلك، وها هو بلال

يقول له: أي الزيانب؟ فيقول: زينب

امرأة ابن مسعود

إلى غير ذلك. وهذا من الأشياء التي جاء بها الإسلام، فالناس في الجاهلية كانوا يستعيبون كل ما يتعلق بالمرأة ويزدرون المرأة ولا يرون لها شأناً، فجاء الإسلام يحفظ للمرأة مكانتها وقيمتها ويربي الناس على الأخلاق الربانية وليس الأخلاق الجاهلية. وأيضاً من ذلك: جواز سماع صوت المرأة، وأن صوت المرأة ليس بعورة، ولا نقول: جواز أن تسأل المرأة الرجل أو المفتي، بل جواز سماع صوت المرأة، سواء كان لسؤال فتوى، أو كان لمعاملة في تجارة، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لم يأمر النساء بالصمت وإنما أمرهن بالقول المعروف، فقال: (( وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ))[الأحزاب:32]، والقول المعروف هو القول المفيد، القول الذي يكون له سبب، يكون له حاجة، قول ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم، ولا خضوع بالقول، هذا هو المأمور به. ومن فوائد الحديث: الأمر بالصدقة وفضلها، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام. ومنها: أن المرأة لها أن تتصدق بدون إذن زوجها، وأيضاً مما جاء به الإسلام أن المرأة لها ذمة مستقلة يمكن أن تتصدق من ذهبها، من ملابسها، من مالها بدون إذن زوجها، وكما في قصة العيد، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تصدقن، فجعلن يلقين من أقراطهن في حجر بلال

) رضي الله عنه. ومن ذلك: فضل الصدقة على القريب، وأنها أفضل من الصدقة على البعيد. ومنها: صدقة المرأة على زوجها فرضاً كانت أو نفلاً إذا كان محتاجاً. ومنها: أن الصدقة على الزوج والولد أحق من الصدقة على غيرهم. ومنها: فتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه، هذه من أين نأخذها؟ من فتوى ابن مسعود

، فإنه أفتى زوجته مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: التثبت في الفتيا، فإن المرأة شكت في زوجها؛ لأن له منفعة بهذه الفتيا، وشكت أن يكون هذا اجتهاداً له وأرادت أن تتثبت وتتحرى، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فليس في ذلك من حرج، دون أن يكون هذا معناه مشاغلة الأئمة والعلماء بكثرة السؤال، فإن من الناس من لا هم له إلا أن ينظر في مسألة، قد لا تكون من المسائل الحيوية المهمة ويسأل عنها هذا وهذا، ويضرب أقوال الناس بعضهم ببعض، فهذا لا شك أنه من الأمر المذموم. وفي الحديث: عمل المرأة، وأن المرأة من حقها أن تعمل فيما يناسبها مع الحشمة، أن تعمل في الحقل كما عملت أسماء

زوج الزبير

رضي الله عنه، وأخت الصديقة عائشة

، وفي الصحيحين خبرها، ونساء الأنصار كن يعملن، وقصة امرأة عبد الله بن مسعود

هنا، والإسلام جاء بإقرار عمل المرأة وأنه حق لها، حق على المجتمع وحق على الأسرة، ولكن ضمن الضوابط والشروط الشرعية.

أولاً: تخريج الحديث: الحديث من أفراد البخاري، فلم يروه مسلم ولا أصحاب السنن، وإنما رواه البخاري في كتاب الزكاة، ورواه البيهقي في الجنائز، والبغوي، وابن منده، والطحاوي، وغيرهم.

النقطة الثانية: ما يتعلق بالألفاظ:

قوله: (جاءت زينب ) هي امرأة عبد الله بن مسعود، ويقال لها: زينب الثقفية، وكانت امرأةً صناعاً، يعني: تعمل بيدها، لها عمل ولها حرفة، وعندها قدرة على تصنيع بعض الأشياء في البيت والمنزل.

وهذا فيه إشارة إلى أن المرأة لا بأس -بل ينبغي لها- أن يكون عندها شيء من هذا، فإن المرأة كالرجل لها حق الملكية، ولها أجر الصدقة, وعندها قدرات أقدرها الله تعالى عليها من ألوان الصناعة والزراعة والخياطة والنسج، وربما تتفوق في أمور كثيرة جداً حتى على الرجل خصوصاً الأمور التي فيها جانب ذوقي وجانب جمالي وتحتاج إلى صبر، فإن المرأة ربما تكون فيها أقدر وأنجح من الرجل.

النقطة الثالثة: في الحديث: هل تدفع المرأة زكاتها لزوجها الفقير؟

هذه المسألة فيها قولان مشهوران لأهل العلم:

القول الأول: أن لها ذلك، أن المرأة إذا كان عندها زكاة حلي أو زكاة مال، تدفع الزكاة لزوجها إن كان من أحد الأصناف الثمانية، كأن يكون فقيراً أو مسكيناً أو ما شابه ذلك، وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، وهو رواية أيضاً عند الإمام أبي حنيفة، ورواية عند الحنابلة، وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة أبي يوسف ومحمد بن الحسن .

ومن أقوى أدلتهم: حديث الباب، فإن زينب رضي الله عنها سمعت من ابن مسعود قوله: ( إن زوجها وولدها أفضل من تصدقت عليهم ).

وهذا دليل على أن هذا هو رأي ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، فذهبت وسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء في الحديث أنها قالت لـبلال : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا بالباب ولا تخبره من نحن، فدخل بلال، فقال له: ( يا رسول الله! زينب بالباب، فقال: أي الزيانب؟ فقال: زينب امرأة عبد الله )، كان بلال يعرف الصحابة ويعرف أسماء زوجاتهم ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الحاجب أن التي تستأذن بالباب هي زينب امرأة عبد الله بن مسعود، فجاءت زينب وقالت: يا رسول الله! إن عندي حلياً وأردت أن أتصدق به، فقال لي ابن مسعود كذا وكذا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم ).

ووجه الشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الصدقة على الولد والزوج أفضل من غيرهم، ولم يفصل صدقة واجبة من صدقة مستحبة، فدل على أن الصدقة على الزوج مجزئة ولو كانت صدقة زوجته كما في قصة زينب هذه.

القول الثاني: أن صدقة المرأة على زوجها لا تجوز، قالوا: لأن الرجل إذا أخذ الصدقة من امرأته ردها إليها بالإنفاق عليها؛ لأن نفقتها واجبة، فتكون كأنها تصدقت على نفسها أو جلبت لنفسها خيراً بتخصيص زوجها بالصدقة دون سواه، وهذا مذهب الحنفية ومالك، وهو رواية عند الحنابلة.

واستدلوا أيضاً بحديث الباب، قالوا: لأن الحديث ذكر الولد: ( زوجك وولدك )، والأولاد نفقتهم واجبة، فلا تحل الصدقة عليهم، الأب يجب أن ينفق على ولده، فصدقته لا تمكن عليهم، وكذلك أن تدفع الأم صدقتها لولدها، فقالوا: هذا دليل على أن الصدقة هنا ليست صدقة واجبة، وإنما هي صدقة مستحبة، تطوع، والتطوع بابه واسع، هذا ما استدلوا به في الحديث.

ويجاب عن ذلك بأجوبة، منها: أن يقال: إن القول بالتفريق بين صدقة التطوع والفرض هنا يحتاج إلى دليل، والأصل أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل يصرفه، هذا أولاً.

وثانياً يقال: إن قوله: ( زوجك وولدك )، لا يقصد به الولد مباشرة، وإنما يقصد به أن تعطي الزكاة لزوجها، وزوجها بطبيعة الحال سوف يصرف هذه الزكاة على الولد، فتكون كأنها تصدقت على ولدها وإن لم تكن تصدقت على ولدها مباشرة، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة : ( هي لها صدقة، وهي لنا هدية )، فهي للأب زكاة وهي للأولاد نفقة، وليست زكاة عليهم.

الجواب الثالث: أن يقال: إن هؤلاء الأولاد ليسوا أولاداً لـابن مسعود، ليسوا أولاداً للمرأة نفسها، قد يكونون أولاداً عند ابن مسعود، يعني: مثل قصة أم سلمة وهي مشابهة لحديث الباب، ويصلح أن نسوقها دليلاً على جواز صرف المرأة زكاتها لزوجها، وهي في الصحيح، أم سلمة جاء لها قصة مثل قصة زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، هذا أهم ما في المسألة.

و القول الراجح في هذه المسألة هو الأول: أنه يجوز للمرأة أن تجعل زكاتها المفروضة لزوجها إذا كان محتاجاً، ولو ترتب على ذلك أن هذه الزكاة تعود إلى المرأة نفقة، فليس في ذلك حرج، مثل الدائن لو أعطى المدين زكاته ثم هذا المدين ردها له سداداً لدينه، فلا حرج عليه في ذلك، من دون أن يكون هناك مشارطة، فهي دفعت زكاتها لزوجها، سواءٌ صرفها عليها أو على نفسه أو على ولده أو لغير ذلك من المصارف، فالأمر في ذلك واسع.

فالراجح هو القول الأول؛ لحديث ابن مسعود، ولحديث أم سلمة أيضاً التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد أبي سلمة والنفقة عليهم، فذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الصدقة على القريب صدقة وصلة )، بل ربما تكون الصدقة عليهم أفضل من الصدقة على غيرهم.

هذا الحديث حديث أبي سعيد

الحديث الذي يليه (639) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ). والحديث متفق عليه. ‏

تخريج الحديث

أما تخريج الحديث: فقد رواه البخاري كما أشار المصنف ومسلم، ورواه أيضاً النسائي في سننه في كتاب الزكاة، وخرجه أحمد في مسنده، والبيهقي في الجنائز، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

ثانياً: ما يتعلق بالألفاظ:

قوله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال الرجل)، من المقصود بالرجل هنا؟

جنس الرجل. هل معناه أن المرأة مأذون لها بأن تتسول؟ لا.

إذاً: ليس المقصود الرجل المذكر، وإنما هو خرج مخرج الغالب، وأن المقصود الإنسان، ذكراً كان أو أنثى.

ويحمل هذا الحديث على من يسأل تكثراً، فيوضع هذا القيد وهو: التكثر، يسأل من باب حب المال والطمع وليس للحاجة، كما سوف يأتي في النصوص الأخرى.

( حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم )، (مزعة) هي بضم الميم وبعضهم ينطقها بفتحها، لكن الصحيح الضم، (مزعة لحم) وهي: القطعة.

والحديث يؤخذ على ظاهره، يعني: أن كثرة السؤال تكون كما جاء في الحديث الآخر: ( خدوشاً أو خموشاً في وجهه )، فإذا زاد أصبحت سبباً في أن يذهب اللحم عن وجهه يوم القيامة، فيكون عظماً بلا لحم، ويكون هذا علامة على من يسأل الناس، وهذا مناسب؛ لأنه يريق ماء وجهه، ويذل نفسه، ويهدر إنسانيته بالتسول والتعرض للناس بغير حاجة، ففي ذلك وعيد شديد وزجر أكيد عن مثل هذه الطرائق والأساليب.

وبعضهم حملوها على ضرب من المجاز، يعني: أن يكون في وجهه خدوش أو خموش أو غير ذلك بسبب السؤال.

فوائد الحديث

النقطة الثالثة: فوائد الحديث:

منها: التحذير من السؤال لغير حاجة.

ومنها: أن الجزاء من جنس العمل، وهذه قاعدة شرعية لها شواهد كثيرة جداً.

ومنها: حرص الإسلام على حماية كرامة الإنسان من الابتذال والإذلال؛ ولهذا جاء بالوعيد الشديد على السؤال؛ لما في السؤال من الذل، وأثنى الله تعالى على المتعففين: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، فأثنى الله تعالى عليهم.