سلسلة السيرة النبوية نصر بدر


الحلقة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فمع الدرس الثامن من دروس السيرة النبوية في العهد المدني.

في الدرسين الماضيين تكلمنا على أحداث كثيرة من أحداث غزوة بدر، وخرجنا من الدرسين بعدة صفات للجيش المنصور، أهمها: أنه جيش مؤمن بالله عز وجل، مؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، مؤمن باليوم الآخر، يعمل بصدق للوصول إلى الجنة، يتعاون فيه القائد مع الجنود لخدمة الأمة الإسلامية، لا ينعزل فيه القائد عن جيشه ولا الحاكم عن المحكومين، تترسخ فيه الشورى كمبدأ أصيل من مبادئ الحكم والوصول إلى قرار، يعد العدة المادية من سلاح وخطة وتدريب بقدر ما يستطيع، جيش حاسم غير متردد، نشيط لا فتور فيه، متفائل لا إحباط فيه، جريء شجاع لا يهاب الموت بل يطلبه؛ هذه بعض صفات الجيش المنصور.

الوحدة والتماسك بين المؤمنين على أساس الدين لا النسب

ما زالت هناك صفات مهمة، وكلها واضحة في أهل بدر: الوحدة والألفة والتماسك والترابط بين أفراد الجيش الواحد، وبين أفراد الأمة الواحدة، فإنه لا يوجد نصر من غير وحدة. هذه قاعدة، لكن الوحدة في الجيش المنصور لا بد أن تكون وحدة عقائدية، بمعنى: أن الرابط الرئيسي بين المسلمين هو الإسلام، لا قبلية ولا لون ولا عنصر ولا وضع اجتماعي ولا أي شيء من متعلقات الدنيا، فالوحدة في الله والأخوة في الله هما اللتان تنفعان فعلاً.

انظر إلى أهل بدر! جيش قوي متماسك، مع أن تركيبته عجيبة خاصة في هذا التوقيت، قبل الإسلام كان الرباط الأساسي في الجزيرة -ولعله الوحيد- هو رباط القبلية، حتى قالوا كلمتهم الفاسدة: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ليس من المهم في أيام الجاهلية أين الحق أو العدل، لكن المهم أن هذا من قبيلتي سواء كان ظالماً أو مظلوماً لا فرق، فجاء الإسلام ليغير المقاييس الباطلة التي كانت الجاهلية تحكم بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال الكلمة نفسها لكن بتعديل كبير جداً في المفهوم والتصور. قال لأصحابه: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، وهذا الحديث في البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، فتعجب الصحابة، وقالوا: (يا رسول الله! ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وسلم: تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره).

وهكذا فإن أخي هو المشترك معي في العقيدة، ليس مهماً ما هي قبيلته أو بلده، أنصره بالعدل والحق فقط، ولو ظَلَم أشترك مع غيري كي أرده عن ظلمه، وأكبر ظلم في الدنيا هو الإشراك بالله عز وجل: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ لذلك رأينا التلاحم والتناصر والوحدة بين الطوائف المختلفة من أهل بدر، هذه الطوائف لم يجمعها إلا شيء واحد فقط هو الإسلام، فقد حاولوا أن يردوا الظلم الذي ارتكبه غيرهم، حتى لو كان الظالمون الآباء والأبناء والأقارب والعشيرة.

إن جيش المسلمين في بدر كان فيه المهاجر الذي من قريش، والأنصاري الذي من الأوس والخزرج، وفرع قريش بعيد جداً عن فرع الأوس والخزرج، فقريش من العدنانيين، والأوس والخزرج من القحطانيين، فرعان مختلفان تماماً، ومع ذلك لأول مرة في تاريخ العرب يكونون جيشاً واحداً، والذي جمعهم هو الإسلام؛ هذه نقطة من أهم نقاط بناء الأمة الإسلامية.

إن هذا الجيش لم يكن من كل القبائل فقط، بل كان فيه العربي وغير العربي، فـبلال كان في هذا الجيش مع أنه حبشي، ولم يشعر مطلقاً بالغربة في هذا الجيش الذي يغلب عليه العرب، ولم يشعر العرب في داخل الجيش بأن هناك عنصراً غريباً في داخل الجيش من الحبشة، بل التعاون والتلاحم بينهم كان على أكبر مستوى. تعالوا لنرى قصة قتل أمية بن خلف .

كان أمية بن خلف خائفاً من أن يشترك في غزوة بدر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن المسلمين سيقتلونه، وكان أمية بن خلف صديقاً لـعبد الرحمن بن عوف أيام الجاهلية، كان عبد الرحمن بن عوف يمشي في أرض بدر قبل انتهاء المعركة بقليل، وقد وضح أن النصر حليف المسلمين، حاملاً في يديه مجموعة أدراع استلبها من القتلى المشركين الذين قتلهم، والسلب: هو ما يكون على القتيل المشرك، وهو من حق المسلم الذي قتله، فرأى أمية وابنه واقفين في منتهى الرعب، فلما رأى عبد الرحمن صرخ: هل لك فيَّ تأخذني أنا؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيتك اليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ فرمى عبد الرحمن بن عوف بالأدراع وأخذ أمية بن خلف وابنه، واسم ولده علي بن أمية .

أخذ عبد الرحمن يمشي بهما في أرض بدر، فمر عليهم بلال بن رباح رضي الله عنه فلما رأى بلال أمية بن خلف تذكر الذكريات المؤلمة فإن أمية هو الذي كان يعذب بلالاً في مكة، فصرخ بلال : رأس الكفر أمية بن خلف ! لا نجوت إن نجا. لكن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أخذ الموضوع ببساطة، وقال لـبلال : أي بلال ! أسيري، فكان بلال لا يقول إلا كلمة واحدة: لا نجوت إن نجا، فرأى عبد الرحمن بن عوف أن بلالاً يأخذ الموضوع بجد ولا يسمعه، فقال له: أتسمع يا بلال ؟! هذا أسيري، فقال بلال : لا نجوت إن نجا، وكان عبد الرحمن يمنع بلالاً من الوصول إلى أمية ، فنادى بلال إخوانه من الأوس والخزرج صارخاً: يا أنصار الله! رأس الكفر أمية بن خلف . لا نجوت إن نجا، فجاء الأنصار وأحاطوا بـأمية بن خلف وابنه وبـعبد الرحمن بن عوف ، فلم يستطع عبد الرحمن أن يفعل شيئاً، وما هي إلا لحظات حتى تحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل أمية بن خلف وابنه على يد الأنصار رضي الله عنهم وعلى يد بلال ، وهكذا انتصر الأنصار -الأوس والخزرج- لأخيهم في الله بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنهم أجمعين، ومع أن عبد الرحمن بن عوف ضاعت من يده ثروة كبيرة إلا أنه كان يقول: يرحم الله بلالاً ! ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.

وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خاله في يوم بدر، كان اسمه العاص بن هشام بن المغيرة .

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبحث عن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ليقتله، وكان مشركاً يقاتل في صف المشركين، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يشبه أبا بكر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأن ابتلاءات أبي بكر كانت قريبة من ابتلاءات إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد وصل الأمر إلى أنه كان سيذبح ابنه كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن بلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أشد: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، أراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابناً باراً به مؤمناً أصبح بعد ذلك نبياً، لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يريد أن يذبح ابناً مشركاً، لكن هذا أيضاً صعب جداً، فإن ولدك مهما صنع فيك لا تحب له الأذى، فضلاً عن أن تؤذيه بنفسك، لكن أبا بكر كانت حياته كلها للإسلام، والأوسي والخزرجي والحبشي والرومي إخوانه في الله؛ لأنهم مسلمون، لكن ابنه ليس من أهله؛ لأنه مشرك، فيا له من إيمان في منتهى العمق! والحمد لله لم يستطع أبو بكر الوصول إلى ولده عبد الرحمن رضي الله عنه؛ لأن عبد الرحمن بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه.

ورأى مصعب بن عمير رضي الله عنه في نهاية موقعة بدر أخاه أبا عزيز بن عمير أسيراً في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصاري: شدَّ يديك به؛ فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فتعجب أبو عزيز وقال لأخيه مصعب : أهذه وصاتك بي! فقال مصعب رضي الله عنه يلخص سبباً من أهم أسباب النصر: إنه -أي: الأنصاري- أخي دونك، سبحان الله! هذا هو رباط العقيدة والألفة والمحبة والتعاون والتناصر في الله عز وجل، ثم يأتي من يقول: إن هذا الفعل يدل على التجرد من مشاعر الإنسانية، فإن مصعب بن عمير لا يشعر بأخوته لأخيه من الدم، فنقول: بل هذا هو منتهى الرقي في المشاعر الإنسانية، كل المشاعر موجهة لله عز وجل، إذا كان الإنسان يعيش لقضية ما، فإنه يكرس لها كل جهده ومشاعره وطاقاته، ويصبح متجرداً تماماً لهذه القضية، فإذا كانت هذه القضية هي إرضاء رب العالمين سبحانه وتعالى، فهذه من أبلغ وأعظم المشاعر التي يتحلى بها الإنسان، وإننا الآن نتحدث عن يوم حرب ونزال ومفاصلة، وليس حديثنا عن أيام دعوة، فإن العلاقة في أيام الدعوة مختلفة تماماً مع الرحم، لكن الآن هناك مفاصلة كبرى كما ترون.

ولن يفهم كل الناس هذه المشاعر المتجردة لله؛ لأن القليل من الناس هم الذين قدم يصلون إلى هذا المستوى الراقي من الحس والفكر، فهذا الجيش كان عظيماً فعلاً.

كفاءة الجيش المؤمن وأمانته

وأيضاً من صفات هذا الجيش: أنه كان كفؤاً وبقدر المسئولية فعلاً، فقد تكون القضية سليمة، لكن المحامي فاشل؛ ولذلك نخسر القضية، وربما تكون الغاية نبيلة والمدافع عنها ضعيفاً، فلا نصل إلى الغاية، فالمسألة مسألة أمانة، جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فسأله عن الساعة فقال له: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وهذه مشكلة ضخمة تواجهها الأمة الإسلامية الآن، فالأمر في هذا العصر لا يوسد إلى أهله، بل يوسد إلى من عنده واسطة أو قريب أو صاحب أو ابن فلان أو فلان، فالأمر يجب أن يوسد إلى من يستطيع فعلاً أن يؤديه على أفضل وجه، وهذا لا بد أن يجمع بين الصفتين، كما قال الله عز وجل: إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26]، والقوي: الكفء في مجال العمل فإن كان الفرد في الجيش لابد أن يكون عسكرياً جيداً، وإن كان في الزراعة فلا بد أن يكون فاهماً في أمور الزراعة، كذلك في التجارة وفي الصناعة وفي التعليم وفي الإدارة، وفي أي مجال يكون محترفاً في مجاله فعلاً، بل يكون مبتكراً ومخترعاً ومتحمساً للإبداع.

والأمين: هو الذي يعلم أن الله عز وجل يراقبه؛ فيرعى الأمانة، ولا يغش ولا يدلس ولا يضيع وقتاً ولا يبخل برأي ولا يدخر معونة، يكون أميناً كما وصفه الله عز وجل.

وفي موقعة بدر وسد الأمر إلى أهله، والكفاءة رأيناها في كل المقاتلين، احترافية في الأداء، مهارة في المناورة، قوة في النزال، دقة رأي وبعد نظرة، عسكريون على أعلى مستوى وفي منتهى الأمانة، يعرفون أن الله ينظر إليهم في كل لحظة؛ لأن إيمانهم عالٍ جداً، وأخلاقهم لا تسمح بأي تفريط؛ لهذا السبب رفض الرسول عليه الصلاة والسلام في بدر أن يستعين بمشرك.

ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج إلى بدر، ويذكر أن هذا الرجل له جرأة ونجدة، ففرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع؛ فلن أستعين بمشرك)، سبحان الله! مع قوة الرجل وبأسه ونجدته، ومع احتياج المسلمين إليه، إلا أنه قد يفتقر إلى الأمانة، فهو لا يؤمن بأن الله عز وجل يراقبه فقد يخدع المسلمين، فرفض صلى الله عليه وسلم الاستعانة بأي مشرك في غزوة بدر؛ فهذه قاعدة: ألا يستعين المسلمون بالمشركين، لها بعض الاستثناءات، وهي موجودة في كتب الفقه، لكن الأصل ألا يستعين المسلمون بمشرك ولو كان كفؤاً.

وأكمل الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق إلى بدر، وجاء إليه نفس الرجل بعد قليل، وقال له كما قال أول مرة؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع؛ فلن أستعين بمشرك)، ثم جاء له مرة ثالثة فقال له صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال له الرجل: (نعم. أؤمن بالله ورسوله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: فانطلق)، فهذا معنى في غاية الأهمية: توسيد الأمر إلى أهله، وأهله هم الأكفاء الأمناء، وقد يكون الرجل أميناً وتقياً وورعاً، لكنه ليس كفئاً؛ هذا أيضاً لا ينفع.

رد الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر بعض المسلمين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى أن قدرتهم القتالية ضعيفة، مع علمه التام بأمانتهم، ورغبتهم الصادقة في القتال، ورد مجموعة من صغار السن؛ لضعف بنيتهم، وضآلة أجسامهم، كـعبد الله بن عمر والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وغيرهما من الصغار، وفي نفس الوقت قبل بعض صغار السن الآخرين؛ لكفاءتهم العسكرية والجسدية، كـعمير بن أبي وقاص ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء ، كانوا صغاراً في السن، لكن عندهم قدرة قتالية، فقبلهم صلى الله عليه وسلم.

فلابد من كفاءة وأمانة، ومن دون هاتين الاثنتين لا يوجد نصر.

الاعتماد على الشباب والاهتمام بهم

موضوع صغار السن هذا سيأخذنا إلى صفة أخرى من صفات الجيش المنصور.

من الممكن أن الصغير والكبير ينصران الإسلام، لكن التاريخ يقول: إن معظم محطات التغيير الرئيسية كانت معتمدة اعتماداً شبه كلي على الشباب، وراجعوا محاضرات الفترة المكية.

عملت بحثاً في أعمار المشاركين في غزوة بدر، وهناك كثير لا نعرف أعمارهم، لكن الذي أحصيته من هؤلاء يكفي أن يكون عينة صادقة تعبر عن حال الجيش، فإن متوسط العمر في الجيش كان اثنين وثلاثين سنة، وهناك أناس أكبر وأناس أصغر، فالمواقع القيادية في بدر كلها كانت للشباب، كان حامل راية المهاجرين علي بن أبي طالب ، وعمره خمسة وعشرون سنة، وحامل راية الأنصار سعد بن معاذ ، وعمره اثنان وثلاثون سنة، وحامل الراية العامة للجيش كله مصعب بن عمير ، وعمره سبعة وثلاثون أو ثمان وثلاثون سنة، كما أن شهداء بدر متوسط عمرهم تحت الثلاثين سنة، فالشباب يا إخواني! طاقة هائلة، والتركيز عليهم في موقع الذب وفي غيرها من المواقع الفاصلة كان في منتهى الوضوح، والنصر جاء على أيديهم في بدر وفي غيرها، وليس معنى هذا أننا لسنا محتاجين لحكمة الشيوخ، لا، بل نحن محتاجون لكل الطاقات، الصغير والكبير، الرجل والمرأة من المؤسف جداً أن يكون شباب الأمة الذين يجيء معظم النصر على أيديهم يكون مشغولاً ببعض الأمور التافهة التي لا تصلح لطفل فضلاً عن شاب. وراجعوا محاضرة: كلمة إلى شباب الأمة.

ما زالت هناك صفات مهمة، وكلها واضحة في أهل بدر: الوحدة والألفة والتماسك والترابط بين أفراد الجيش الواحد، وبين أفراد الأمة الواحدة، فإنه لا يوجد نصر من غير وحدة. هذه قاعدة، لكن الوحدة في الجيش المنصور لا بد أن تكون وحدة عقائدية، بمعنى: أن الرابط الرئيسي بين المسلمين هو الإسلام، لا قبلية ولا لون ولا عنصر ولا وضع اجتماعي ولا أي شيء من متعلقات الدنيا، فالوحدة في الله والأخوة في الله هما اللتان تنفعان فعلاً.

انظر إلى أهل بدر! جيش قوي متماسك، مع أن تركيبته عجيبة خاصة في هذا التوقيت، قبل الإسلام كان الرباط الأساسي في الجزيرة -ولعله الوحيد- هو رباط القبلية، حتى قالوا كلمتهم الفاسدة: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ليس من المهم في أيام الجاهلية أين الحق أو العدل، لكن المهم أن هذا من قبيلتي سواء كان ظالماً أو مظلوماً لا فرق، فجاء الإسلام ليغير المقاييس الباطلة التي كانت الجاهلية تحكم بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال الكلمة نفسها لكن بتعديل كبير جداً في المفهوم والتصور. قال لأصحابه: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، وهذا الحديث في البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، فتعجب الصحابة، وقالوا: (يا رسول الله! ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وسلم: تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره).

وهكذا فإن أخي هو المشترك معي في العقيدة، ليس مهماً ما هي قبيلته أو بلده، أنصره بالعدل والحق فقط، ولو ظَلَم أشترك مع غيري كي أرده عن ظلمه، وأكبر ظلم في الدنيا هو الإشراك بالله عز وجل: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ لذلك رأينا التلاحم والتناصر والوحدة بين الطوائف المختلفة من أهل بدر، هذه الطوائف لم يجمعها إلا شيء واحد فقط هو الإسلام، فقد حاولوا أن يردوا الظلم الذي ارتكبه غيرهم، حتى لو كان الظالمون الآباء والأبناء والأقارب والعشيرة.

إن جيش المسلمين في بدر كان فيه المهاجر الذي من قريش، والأنصاري الذي من الأوس والخزرج، وفرع قريش بعيد جداً عن فرع الأوس والخزرج، فقريش من العدنانيين، والأوس والخزرج من القحطانيين، فرعان مختلفان تماماً، ومع ذلك لأول مرة في تاريخ العرب يكونون جيشاً واحداً، والذي جمعهم هو الإسلام؛ هذه نقطة من أهم نقاط بناء الأمة الإسلامية.

إن هذا الجيش لم يكن من كل القبائل فقط، بل كان فيه العربي وغير العربي، فـبلال كان في هذا الجيش مع أنه حبشي، ولم يشعر مطلقاً بالغربة في هذا الجيش الذي يغلب عليه العرب، ولم يشعر العرب في داخل الجيش بأن هناك عنصراً غريباً في داخل الجيش من الحبشة، بل التعاون والتلاحم بينهم كان على أكبر مستوى. تعالوا لنرى قصة قتل أمية بن خلف .

كان أمية بن خلف خائفاً من أن يشترك في غزوة بدر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن المسلمين سيقتلونه، وكان أمية بن خلف صديقاً لـعبد الرحمن بن عوف أيام الجاهلية، كان عبد الرحمن بن عوف يمشي في أرض بدر قبل انتهاء المعركة بقليل، وقد وضح أن النصر حليف المسلمين، حاملاً في يديه مجموعة أدراع استلبها من القتلى المشركين الذين قتلهم، والسلب: هو ما يكون على القتيل المشرك، وهو من حق المسلم الذي قتله، فرأى أمية وابنه واقفين في منتهى الرعب، فلما رأى عبد الرحمن صرخ: هل لك فيَّ تأخذني أنا؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيتك اليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ فرمى عبد الرحمن بن عوف بالأدراع وأخذ أمية بن خلف وابنه، واسم ولده علي بن أمية .

أخذ عبد الرحمن يمشي بهما في أرض بدر، فمر عليهم بلال بن رباح رضي الله عنه فلما رأى بلال أمية بن خلف تذكر الذكريات المؤلمة فإن أمية هو الذي كان يعذب بلالاً في مكة، فصرخ بلال : رأس الكفر أمية بن خلف ! لا نجوت إن نجا. لكن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أخذ الموضوع ببساطة، وقال لـبلال : أي بلال ! أسيري، فكان بلال لا يقول إلا كلمة واحدة: لا نجوت إن نجا، فرأى عبد الرحمن بن عوف أن بلالاً يأخذ الموضوع بجد ولا يسمعه، فقال له: أتسمع يا بلال ؟! هذا أسيري، فقال بلال : لا نجوت إن نجا، وكان عبد الرحمن يمنع بلالاً من الوصول إلى أمية ، فنادى بلال إخوانه من الأوس والخزرج صارخاً: يا أنصار الله! رأس الكفر أمية بن خلف . لا نجوت إن نجا، فجاء الأنصار وأحاطوا بـأمية بن خلف وابنه وبـعبد الرحمن بن عوف ، فلم يستطع عبد الرحمن أن يفعل شيئاً، وما هي إلا لحظات حتى تحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل أمية بن خلف وابنه على يد الأنصار رضي الله عنهم وعلى يد بلال ، وهكذا انتصر الأنصار -الأوس والخزرج- لأخيهم في الله بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنهم أجمعين، ومع أن عبد الرحمن بن عوف ضاعت من يده ثروة كبيرة إلا أنه كان يقول: يرحم الله بلالاً ! ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.

وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خاله في يوم بدر، كان اسمه العاص بن هشام بن المغيرة .

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبحث عن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ليقتله، وكان مشركاً يقاتل في صف المشركين، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يشبه أبا بكر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأن ابتلاءات أبي بكر كانت قريبة من ابتلاءات إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد وصل الأمر إلى أنه كان سيذبح ابنه كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن بلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أشد: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، أراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابناً باراً به مؤمناً أصبح بعد ذلك نبياً، لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يريد أن يذبح ابناً مشركاً، لكن هذا أيضاً صعب جداً، فإن ولدك مهما صنع فيك لا تحب له الأذى، فضلاً عن أن تؤذيه بنفسك، لكن أبا بكر كانت حياته كلها للإسلام، والأوسي والخزرجي والحبشي والرومي إخوانه في الله؛ لأنهم مسلمون، لكن ابنه ليس من أهله؛ لأنه مشرك، فيا له من إيمان في منتهى العمق! والحمد لله لم يستطع أبو بكر الوصول إلى ولده عبد الرحمن رضي الله عنه؛ لأن عبد الرحمن بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه.

ورأى مصعب بن عمير رضي الله عنه في نهاية موقعة بدر أخاه أبا عزيز بن عمير أسيراً في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصاري: شدَّ يديك به؛ فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فتعجب أبو عزيز وقال لأخيه مصعب : أهذه وصاتك بي! فقال مصعب رضي الله عنه يلخص سبباً من أهم أسباب النصر: إنه -أي: الأنصاري- أخي دونك، سبحان الله! هذا هو رباط العقيدة والألفة والمحبة والتعاون والتناصر في الله عز وجل، ثم يأتي من يقول: إن هذا الفعل يدل على التجرد من مشاعر الإنسانية، فإن مصعب بن عمير لا يشعر بأخوته لأخيه من الدم، فنقول: بل هذا هو منتهى الرقي في المشاعر الإنسانية، كل المشاعر موجهة لله عز وجل، إذا كان الإنسان يعيش لقضية ما، فإنه يكرس لها كل جهده ومشاعره وطاقاته، ويصبح متجرداً تماماً لهذه القضية، فإذا كانت هذه القضية هي إرضاء رب العالمين سبحانه وتعالى، فهذه من أبلغ وأعظم المشاعر التي يتحلى بها الإنسان، وإننا الآن نتحدث عن يوم حرب ونزال ومفاصلة، وليس حديثنا عن أيام دعوة، فإن العلاقة في أيام الدعوة مختلفة تماماً مع الرحم، لكن الآن هناك مفاصلة كبرى كما ترون.

ولن يفهم كل الناس هذه المشاعر المتجردة لله؛ لأن القليل من الناس هم الذين قدم يصلون إلى هذا المستوى الراقي من الحس والفكر، فهذا الجيش كان عظيماً فعلاً.

وأيضاً من صفات هذا الجيش: أنه كان كفؤاً وبقدر المسئولية فعلاً، فقد تكون القضية سليمة، لكن المحامي فاشل؛ ولذلك نخسر القضية، وربما تكون الغاية نبيلة والمدافع عنها ضعيفاً، فلا نصل إلى الغاية، فالمسألة مسألة أمانة، جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فسأله عن الساعة فقال له: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وهذه مشكلة ضخمة تواجهها الأمة الإسلامية الآن، فالأمر في هذا العصر لا يوسد إلى أهله، بل يوسد إلى من عنده واسطة أو قريب أو صاحب أو ابن فلان أو فلان، فالأمر يجب أن يوسد إلى من يستطيع فعلاً أن يؤديه على أفضل وجه، وهذا لا بد أن يجمع بين الصفتين، كما قال الله عز وجل: إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26]، والقوي: الكفء في مجال العمل فإن كان الفرد في الجيش لابد أن يكون عسكرياً جيداً، وإن كان في الزراعة فلا بد أن يكون فاهماً في أمور الزراعة، كذلك في التجارة وفي الصناعة وفي التعليم وفي الإدارة، وفي أي مجال يكون محترفاً في مجاله فعلاً، بل يكون مبتكراً ومخترعاً ومتحمساً للإبداع.

والأمين: هو الذي يعلم أن الله عز وجل يراقبه؛ فيرعى الأمانة، ولا يغش ولا يدلس ولا يضيع وقتاً ولا يبخل برأي ولا يدخر معونة، يكون أميناً كما وصفه الله عز وجل.

وفي موقعة بدر وسد الأمر إلى أهله، والكفاءة رأيناها في كل المقاتلين، احترافية في الأداء، مهارة في المناورة، قوة في النزال، دقة رأي وبعد نظرة، عسكريون على أعلى مستوى وفي منتهى الأمانة، يعرفون أن الله ينظر إليهم في كل لحظة؛ لأن إيمانهم عالٍ جداً، وأخلاقهم لا تسمح بأي تفريط؛ لهذا السبب رفض الرسول عليه الصلاة والسلام في بدر أن يستعين بمشرك.

ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج إلى بدر، ويذكر أن هذا الرجل له جرأة ونجدة، ففرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع؛ فلن أستعين بمشرك)، سبحان الله! مع قوة الرجل وبأسه ونجدته، ومع احتياج المسلمين إليه، إلا أنه قد يفتقر إلى الأمانة، فهو لا يؤمن بأن الله عز وجل يراقبه فقد يخدع المسلمين، فرفض صلى الله عليه وسلم الاستعانة بأي مشرك في غزوة بدر؛ فهذه قاعدة: ألا يستعين المسلمون بالمشركين، لها بعض الاستثناءات، وهي موجودة في كتب الفقه، لكن الأصل ألا يستعين المسلمون بمشرك ولو كان كفؤاً.

وأكمل الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق إلى بدر، وجاء إليه نفس الرجل بعد قليل، وقال له كما قال أول مرة؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع؛ فلن أستعين بمشرك)، ثم جاء له مرة ثالثة فقال له صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال له الرجل: (نعم. أؤمن بالله ورسوله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: فانطلق)، فهذا معنى في غاية الأهمية: توسيد الأمر إلى أهله، وأهله هم الأكفاء الأمناء، وقد يكون الرجل أميناً وتقياً وورعاً، لكنه ليس كفئاً؛ هذا أيضاً لا ينفع.

رد الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر بعض المسلمين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى أن قدرتهم القتالية ضعيفة، مع علمه التام بأمانتهم، ورغبتهم الصادقة في القتال، ورد مجموعة من صغار السن؛ لضعف بنيتهم، وضآلة أجسامهم، كـعبد الله بن عمر والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وغيرهما من الصغار، وفي نفس الوقت قبل بعض صغار السن الآخرين؛ لكفاءتهم العسكرية والجسدية، كـعمير بن أبي وقاص ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء ، كانوا صغاراً في السن، لكن عندهم قدرة قتالية، فقبلهم صلى الله عليه وسلم.

فلابد من كفاءة وأمانة، ومن دون هاتين الاثنتين لا يوجد نصر.

موضوع صغار السن هذا سيأخذنا إلى صفة أخرى من صفات الجيش المنصور.

من الممكن أن الصغير والكبير ينصران الإسلام، لكن التاريخ يقول: إن معظم محطات التغيير الرئيسية كانت معتمدة اعتماداً شبه كلي على الشباب، وراجعوا محاضرات الفترة المكية.

عملت بحثاً في أعمار المشاركين في غزوة بدر، وهناك كثير لا نعرف أعمارهم، لكن الذي أحصيته من هؤلاء يكفي أن يكون عينة صادقة تعبر عن حال الجيش، فإن متوسط العمر في الجيش كان اثنين وثلاثين سنة، وهناك أناس أكبر وأناس أصغر، فالمواقع القيادية في بدر كلها كانت للشباب، كان حامل راية المهاجرين علي بن أبي طالب ، وعمره خمسة وعشرون سنة، وحامل راية الأنصار سعد بن معاذ ، وعمره اثنان وثلاثون سنة، وحامل الراية العامة للجيش كله مصعب بن عمير ، وعمره سبعة وثلاثون أو ثمان وثلاثون سنة، كما أن شهداء بدر متوسط عمرهم تحت الثلاثين سنة، فالشباب يا إخواني! طاقة هائلة، والتركيز عليهم في موقع الذب وفي غيرها من المواقع الفاصلة كان في منتهى الوضوح، والنصر جاء على أيديهم في بدر وفي غيرها، وليس معنى هذا أننا لسنا محتاجين لحكمة الشيوخ، لا، بل نحن محتاجون لكل الطاقات، الصغير والكبير، الرجل والمرأة من المؤسف جداً أن يكون شباب الأمة الذين يجيء معظم النصر على أيديهم يكون مشغولاً ببعض الأمور التافهة التي لا تصلح لطفل فضلاً عن شاب. وراجعوا محاضرة: كلمة إلى شباب الأمة.

إذاً: نحن في درس هذا اليوم وفي الدرسين الذين مضيا ذكرنا عدة صفات للجيش المنصور، تعالوا نجمعها وتعرف عليها، فإنها إذا تجمعت في أي جيش لانتصر؛ لأن هذه سنن، وسنن الله سبحانه وتعالى لا تبديل لها.

الصفة الأولى: الإيمان بالله عز وجل، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ هذه أهم صفة، وأي منهج لا يقوم على الكتاب والسنة؛ لن يكون من ورائه إلا كل خزي وذل وهزيمة.

الصفة الثانية: الإيمان باليوم الآخر، وطلب الجنة، وحب الموت في سبيل الله، والزهد في الدنيا.

الصفة الثالثة: الوحدة بين المسلمين، والصف المتآلف المتحاب، ولا بد أن يكون هذا الحب لا يقوم على روابط قبلية أو عرقية، ولكن في الأساس يقوم على رباط العقيدة والدين.

الصفة الرابعة: الإعداد الجيد من خطة ومال وسلاح وجهد وتخصص وعلم.

الصفة الخامسة: الشورى، والشورى لا تكون إلا فيما لا نص فيه، ولا يجوز للمسلمين أن يجتمعوا على مخالفة الشرع، بل يتشاورون فيما لا نص فيه، وبدون شورى فإن النصر بعيد، بل مستحيل.

الصفة السادسة: الحسم وعدم التردد: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]، والتسويف وتأجيل الأعمال علامة على التردد والضعف، وطبعاً هذا يؤخر النصر، بل أحياناً يمنعه.

الصفة السابعة: الاعتماد على الشباب، والاهتمام بهم، والارتقاء بأفكارهم، والثقة في قدراتهم وإمكانياتهم.

الصفة الثامنة: توسيد الأمر إلى أهله، وأهله هم الأكفاء الأمناء.

الصفة التاسعة: مشاركة القائد لشعبه وعدم الترفع عليهم، والاختلاط بهم، والتضحية معهم.

أما الصفة العاشرة والأخيرة: فهي روح الأمل والتفاؤل واليقين في نصر الله عز وجل لهذه الأمة؛ هذه كانت الصفة العاشرة من صفات الجيش المنصور، فتلك عشر كاملة.

وهذه الصفات العشر تحتاج لدروس ومحاضرات ودورات ومناهج، وتحتاج لوقت وجهد كي تزرع وتكون منهج حياتنا، وإن صفة واحدة من هذه الصفات إذا فقدت؛ قد يفقد معها النصر تماماً، حتى لو تحققت التسع الصفات الباقية، فمن غير إيمان لا يوجد نصر، ومن غير وحدة لا يوجد نصر، ومن غير أمانة لا يوجد نصر.. وهكذا، وسيتضح هذا جلياً في أحد.


استمع المزيد من د. راغب السرجاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة السيرة النبوية من الظلمات إلى النور 4059 استماع
سلسلة السيرة النبوية الدعوة سراً 3969 استماع
سلسلة السيرة النبوية هجرة الحبشة الأولى 3934 استماع
سلسلة السيرة النبوية غزوة تبوك 3780 استماع
سلسلة السيرة النبوية مجتمع المدينة 3716 استماع
سلسلة السيرة النبوية اليهود والدولة الإسلامية 3647 استماع
سلسلة السيرة النبوية عام الحزن 3636 استماع
سلسلة السيرة النبوية فتح مكة 3569 استماع
سلسلة السيرة النبوية عالمية الإسلام 3452 استماع
سلسلة السيرة النبوية هجرة الحبشة الثانية 3399 استماع