أرشيف المقالات

من أسس وقواعد الإيمان بصفات الله

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
من أسس وقواعد الإيمان بصفات الله


أولًا: قاعدة مباينة ذات الله للمخلوقات بالعلو والفوقية:
"أن الله عليٌّ بذاته فوق خلقه وفوق العرش، علو شأن، وعلو قهر، وعلو فوقية".
 
قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ وقال: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم للجارية "أين الله؟" قالت: في السماء، فقال لسيدها: "اعتقها فإنها مؤمنة".
(رواه البخاري).
 
فهو سبحانه فوق العرش محيط بكل شيء، لا يعزب عنه شيء، فلا تبعد عليه المسافات، فاستوت بعلمه وسمعه وبصره ما في السماء السابعة من ملائكة مسبحات مع ما في الأرض السابعة من صخور سحيقات.
 

نفاة صفة العلو

المعطلة

المؤولة والمشبهة (الذين قالوا إن الله في كل مكان)

وهم الذين قالوا بأن الله ليس فوق العرش ولا تحته ولا في أي مكان، وكما نفوا صفة العلو لله نفوا صفاته من قبل، فهم يعبدون عدما.

أهل وحدة الوجود
وهم الذين قالوا بأن الوجود كله وحدة واحدة وهي الله تعالى، مع نفيهم لصور المخلوقات فهي عندهم ليست حقيقة، أي لا يثبتون الصور، فجعلوا إلههم هو الوجود بلا تعيين للصور، ولا إله إلا الله عندهم تعني لا موجود إلا الله.

أهل الحلول والاتحاد
وهم الذين قالوا بأن الله حل بذاته في جميع المخلوقات، فتصور بصورهم وهو المتحدث فيهم، وأن الظاهر في جميع الصور هو الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً.

 
والمؤولة يحتجون بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾ وهو وهْم لسببين:
1) أن المعية لا تقتضي معية الذات، فهذا الإنسان يتحدث مع أخيه الإنسان خلال الهاتف ويقول له من معي، وأنا معك (أي بسمعه، وقد يكون أيضًا ببصره) وبينهما آلاف الكيلو مترات، فما بالنا بالله تعالى، الذي هو معنا أينما كنا بسمعه وبصره وعلمه ونحن في قبضته.
 
2) أن تباعد المسافات لا تأثير له على الإطلاق في سمع الله وبصره وعلمه وقدرته لأن التأثير بتباعد المسافات عجز، والعجز محال على الله تعالى، فقد استوى بسمعه وبصره وعلمه وقدرته ما في السماء السابعة من ملائكة مسبحات مع ما في الأرض السابعة من صخور سحيقات، كل عنده سواء.
 
ثانيًا: قاعدة مباينة صفات الله لصفات المخلوقين بالكمال المطلق لله والعجز المطبق للمخلوقين:
"أن تسمي بعض المخلوقين ببعض أسماء صفات الله تبارك وتعالى لا تقتضي المشابهة والمماثلة فصفات الله تعالى ليست محدودة زمانًا ولا في السعة والإحاطة مكانًا ولا تعلم كيفيتها، أما صفات المخلوقين فمحدودة زمانًا ومكانًا، وتعلم كيفيتها".
 
فسمع الله وبصره وعلمه أحاط بكل شيء، ولا حد لسعة إحاطته مكانًا ولا زمانًا ولا تعلم كيفيته، أما سمع المخلوقين وبصرهم وعلمهم فمحدود زمانًا ومكانًا، وتعلم كيفيته، مهما بلغت قوتهم ومنزلتهم فليس هناك محل للشبه والمماثلة.
 
ولا يؤمن العبد حتى يعترف لربه بالقدرة المطلقة والعطاء، ويقر على نفسه وغيره بالفقر والعجز والفناء.
 
يقول ابن عباس رضي الله عنه: (ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء) هذا في الفرق بين ثمار الدنيا وثمار الجنة أي لا تشابه إلا في الأسماء فقط فما بالك بالفرق بين صفات الله وصفات المخلوقين.
كصفة الرحمة والعدل والرأفة والحلم والعلم والسمع والبصر واليد والوجه والكلام والاستواء.
 
يقول الله تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾.
 
ثالثًا: قاعدة التوقيف في الصفات:
"لا دخل للعقل في إثبات أو نفي دون ما تقرر في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون تشبيه أو تمثيل أو تكييف أو تعطيل أو تحريف أو تأويل".
 
• فلكي يصف أحد شيئًا فلا بد أن يتوفر في الموصوف شيئين:
أن يكون الموصوف قريبًا من قدر الواصف أو في حدود إمكاناته، ألا يكون الموصوف غيبًا بالنسبة للواصف.
 
فأما عن الأولى: فإن الإنسان عاجز عن وصف المخلوقات التي هي أعظم منه حجمًا، فإنه لا يستطيع وصف الجبل، فإذا وصفه فلن يستطيع وصف الأرض فإذا وصفها فلن يستطيع وصف هذا الكون الفسيح أمامه أو أن يدرك امتداده ونهايته، فهذا الإنسان عاجز أمام المخلوق أمامه فما بالكم بالخالق تعالى.
 
والله ليس له ند ولا مثيل فيستطيع أن يعلم قدر صفات الله تعالى وكيفيتها، فلا يعلم قدره إلا هو سبحانه، قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110].
 
أما عن الثانية: فإن العقل عاجز عن وصف روحه مع أنها في نفسه التي بين جنبيه، لأنها غيب بالنسبة له، فما بالكم بالله سبحانه.
فصفات الله عز وجل لا تدركها الأبصار ولا العقول إدراك إحاطة، قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام].
 
• جامع مسألة التأويل في الصفات:
أولًا: ما لا وجه له في لغة العرب إلا تأويل المراد عن ظاهر المعنى.
كقول المرأة لابنها "أنت في قلبي – أنت في عيني – أنت في عينيَّ- أنت في عيوني".
 
فنثبت لها القلب والعين، ولكن بتأويل المراد وهو الحب والرعاية، وليس المقصود هو ظاهر اللفظ وهو أنه بجسده بداخل قلبها أو عينها.
 
ومثال ذلك قول الله تعالى: ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾، فنثبت صفة العين لله تعالى بلا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل، ونؤول المراد وهو الحفظ والرعاية.
 
ثانيًا: ما جاءت النصوص الصحيحة نفسها أو غيرها برد ظاهر المعنى لمخالفته لأصول الاعتقاد التي جاءت بها الشريعة.
ومثال ذلك ما أتى في الحديث القدسي "يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أطْعِمُكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي! يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أسْقِيكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمينَ؟! قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ! أمَا إنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي!".
 
وقوله أيضًا: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها"، فيرد ظاهره قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم ﴾ وقوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ والسماء هنا بمعناه اللغوي المطلق وهو العلو فوق أعلى شيء في الخلق وهو العرش.
 
ثالثًا: أن باقي النصوص نؤمن ونصدق بما جاء بها من صفات الله تعالى بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل.
كقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88] ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27] ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء ﴾ [المائدة: 64] ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [المائدة: 119] ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4] ﴿ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ ﴾ [المجادلة: 14].
 
رابعًا: أن يعلم أن أحق ما يبذل فيه نفسه وماله وعلمه هو الجهاد في سبيل ذات الله والدفاع عنها بكل مهجة.
فيغار أشد الغيرة عندما تنتقص من صفات الله عز وجل أو يكفر بها أو يشرك به فيها، ألم تر أن السماوات والأرض والجبال غضبت وغارت واستنكرت أشد الاستنكار حينما دعي لله ولدا ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 88-95].
 
ثانيًا: توحيد العبادة:
لقد بعث الله تعالى جميع الرسل بالدعوة إلى توحيد العبادة لأنه هو البيان العملي للتوحيد، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] وقال: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
 
والعبادة في اللغة: الذل والخضوع، قال القرطبي: أصل العبادة التذلل والخضوع، وقال شيخ الإسلام: العبادة هي: "كمال الذل مع كمال الحب".
 
وقال أيضًا: "العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله على ألسنة الرسل".
 
وقال أيضًا: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
 
وبتعريف آخر: "هي كل ما اختص الله به نفسه دون غيره من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".
 
فالله يرضى للعبد أن يحب الله ورسوله، أما أشد المحبة فقد اختص الله بها دون غيره.
 
فقد رضي الله سجود التحية لغيره في الأمم السابقة وكذلك المحبة، أما أشد المحبة فقد اختص الله بها نفسه، والسجود فقد اختص الله به لنفسه في هذا الأمة.

أقسام العبادة

عبادات فطرية

عبادات تكليفية

وهي عبادات يفعلها العبد من تلقاء نفسه حتى ولو لم يكلفه الشرع بها، وتكون بمحض إرادة الإنسان وهي نتيجة للتأليه المترتب على عظيم المحبة والخوف والرجاء، واعتقاد الضر والنفع، والعلم بمصلحة العبد، ومن أمثلتها الدعاء، وتقديم القرابين، والخوف والمحبة والرجاء والتحاكم، ومن أعظم الطوام أن كثيرًا من عوام هذه الأمة لا يعلم أنها عبادات، وأن صرفها لغير الله شرك، ظنًا منه أن العبادات قاصرة على العبادات التكليفية فقط، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فهذا هو مبلغ علمهم في معرفة العبادة، ويقول إنني لا أصلي لغير الله ولا أصوم لغير الله فأنا موحد بالله.

وهي العبادات التي كلفنا الشرع بأدائها بكيفية مخصوصة، وأوقات مخصوصة، كالصلاة والصيام والزكاة.

 
فإن العبد مفطور على الإيمان بوجود الله واللجوء إليه وشكره الله على نعمه ومحبته والخوف منه والشكوى والتحاكم إليه عند الحاجة والمظلمة، وهذه أعظم العبادات على الإطلاق، كل ذلك يفعله العبد وإن لم يأته رسول من عند الله.
 
عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء».
رواه البخاري ومسلم.
 
وفي حديث الأشج بن عبدالقيس: "فقال له: إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة" قال: يا رسول الله: أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.
(صحيح سنن أبي داود).

شارك الخبر

المرئيات-١