شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 416-421


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله ) رواه مسلم.

وله عنها: ( أنها سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه ) .

وله أيضاً عنها رضي الله عنها قالت: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى، وإني لأسبحها ).

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) رواه الترمذي .

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة ) رواه الترمذي واستغربه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فصلى الضحى ثماني ركعات ) رواه ابن حبان وصححه ].

الشرح: هذه الأحاديث كما أسلفت كلها تتعلق بصلاة الضحى، ويبدو أننا لن نتمكن من بحث المسائل الفقهية العارضة في الأحاديث، ولذلك لجأت إلى طريقة: وهي أن نتكلم عن الأحاديث نفسها وتخريجها وما يتعلق بها، والإشكالات الواردة فيها، ونرجئ المباحث الفقهية الموجودة فيها لأول الجلسة القادمة بإذن الحي القيوم، فالأحاديث مجملاً فيها مسألة صلاة الضحى بتفاصيلها.

أولها: حكم صلاة الضحى.

وثانيها: وقت صلاة الضحى.

وثالثها: عدد ركعاتها. فهذه المسائل إن شاء الله تعالى نبحثها في أول الدرس القادم، أما اليوم فنبدأ بالأحاديث.

الحديث الأول ذكره المصنف رحمه الله قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله ) والحديث يقول المصنف: رواه مسلم .

تخريج الحديث

وقد خرجه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف: (ويزيد ما يشاء الله) وذكر مسلم رحمه الله لفظاً آخر: (ويزيد ما شاء) يعني: ما أراد من الركعات على الأربع.

وقد خرجه غير من ذكر المصنف أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والطيالسي في مسنده أيضاً، والترمذي ولكن في كتاب الشمائل له، وليس في جامعه، وكذلك خرجه أبو عوانة في مسنده المستخرج على صحيح مسلم، وخرجه البيهقي في سننه، والبغوي في شرح السنة، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، وعبد الرزاق، وابن حبان كما في الإحسان .. وغيرهم.

وهناك رواية عند أبي يعلى في مسنده المطبوع، بنحو لفظ حديث الباب، وزاد: ( لا يفصل بينهن بكلام ) هذه الزيادة عند أبي يعلى : (لا يفصل بينهن) يعني: بين الأربع بكلام، أما الحديث الأصل حديث مسلم هذا لا كلام فيه، أما الزيادة عند أبي يعلى : ( لا يفصل بينهن بكلام ) ففي إسنادها الطيب بن سلمان أو الطيب بن سليمان، وقد وثقه ابن حبان رحمه الله وضعفه الدارقطني .. وغيره، والأظهر أنه ثقة، قال الطبراني: هو بصري ثقة. وحسن البوصيري له أحاديث، فالأرجح أن سند الحديث حسن إن شاء الله تعالى.

فوائد الحديث

الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى.

وفيه أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعاً على الغالب، وهل يفصل بينها أو لا يفصل؟ الأظهر أنه يسلم من كل ركعتين، بدليل رواية أبي يعلى قال: ( لا يفصل بينهن بكلام ) وهذا قد يدل على أنه يفصل بالسلام، لكنه لا يتشاغل بغيره، وهو الظاهر من الأحاديث الأخرى كما سوف يأتي.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قد يزيد على الأربع ما شاء الله، فالأربع هي غالب فعله، وقد يزيد عليها، وسوف يأتي ما يعارض هذا الحديث في أحاديث الباب أيضاً.

وقد خرجه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف: (ويزيد ما يشاء الله) وذكر مسلم رحمه الله لفظاً آخر: (ويزيد ما شاء) يعني: ما أراد من الركعات على الأربع.

وقد خرجه غير من ذكر المصنف أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والطيالسي في مسنده أيضاً، والترمذي ولكن في كتاب الشمائل له، وليس في جامعه، وكذلك خرجه أبو عوانة في مسنده المستخرج على صحيح مسلم، وخرجه البيهقي في سننه، والبغوي في شرح السنة، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، وعبد الرزاق، وابن حبان كما في الإحسان .. وغيرهم.

وهناك رواية عند أبي يعلى في مسنده المطبوع، بنحو لفظ حديث الباب، وزاد: ( لا يفصل بينهن بكلام ) هذه الزيادة عند أبي يعلى : (لا يفصل بينهن) يعني: بين الأربع بكلام، أما الحديث الأصل حديث مسلم هذا لا كلام فيه، أما الزيادة عند أبي يعلى : ( لا يفصل بينهن بكلام ) ففي إسنادها الطيب بن سلمان أو الطيب بن سليمان، وقد وثقه ابن حبان رحمه الله وضعفه الدارقطني .. وغيره، والأظهر أنه ثقة، قال الطبراني: هو بصري ثقة. وحسن البوصيري له أحاديث، فالأرجح أن سند الحديث حسن إن شاء الله تعالى.

الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى.

وفيه أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعاً على الغالب، وهل يفصل بينها أو لا يفصل؟ الأظهر أنه يسلم من كل ركعتين، بدليل رواية أبي يعلى قال: ( لا يفصل بينهن بكلام ) وهذا قد يدل على أنه يفصل بالسلام، لكنه لا يتشاغل بغيره، وهو الظاهر من الأحاديث الأخرى كما سوف يأتي.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قد يزيد على الأربع ما شاء الله، فالأربع هي غالب فعله، وقد يزيد عليها، وسوف يأتي ما يعارض هذا الحديث في أحاديث الباب أيضاً.

أما الحديث الثاني: فهو ما ذكره المصنف أيضاً عن عائشة رضي الله عنها ( أنها سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه ) والحديث أيضاً نسبه المصنف رحمه الله تعالى إلى مسلم. ‏

تخريج الحديث

وقد خرجه مسلم في صحيحه في الموضع السابق، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، عن عبد الله بن شقيق قال: ( سألت عائشة

رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يقدم من مغيبه
) وفيه تحديد لهذا المبهم في الحديث أنها سئلت.

وكذلك رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي في سننه في كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر عائشة رضي الله عنها فيه، يعني: في الصوم، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبغوي في شرح السنة، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والطيالسي في مسنده .. وغيرهم.

وقد جاء في الحديث رواية طويلة مفيدة لا بأس بإيرادها، ذكرها الإمام أحمد في المسند، والحديث هو في الجزء السادس من المسند في صفحة (152)، وذكرها أيضاً ابن حبان في صحيحه، وذكر طرفاً منها النسائي وأبو داود .. وغيرهما، وفيه: أن عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: قلت لـعائشة : ( هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يقدم من مغيبه ) وهذا هو موضع الشاهد الذي ذكره المصنف.

( ثم قال لها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً؟ قالت: نعم، بعدما حطمه السن ) وفي رواية: (بعدما حطمه الناس) أي: بعدما كثر عليه الناس، فأصابه من ذلك ضعف في جسمه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.

( قال: قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور؟ قالت: نعم، من المفصل ) والمعنى: أنه يقرأ السورتين في ركعة واحدة.

( قالت: نعم، من المفصل. قال لها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً معلوماً غير رمضان؟ قالت: لا، والله ما صام شهراً كاملاً غير رمضان حتى ذهب لسبيله، ولا أفطر شهراً كاملاً حتى ذهب لسبيله ) أي: أنه لا يترك شهراً إلا ويصوم منه، ولا شهراً إلا ويفطر منه، إلا رمضان فإنه يصومه عليه الصلاة والسلام منذ فرض.

( قال: قلت: فأي أصحابه صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر

. قلت: ثم من؟ قالت: عمر

. قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة

. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت
) وهذا الحديث فيه فوائد ظاهرة، وإن لم تكن من فوائد الباب لكنها تستفاد وتستنبط.

شواهد الحديث

ولحديث الباب الحديث الأصل: (أنه لا يصلي صلاة الضحى إلا أن يجيء من مغيبه) له شاهد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يجيء من غيبة ) وقد أخرجه -أعني حديث ابن عمر - ابن خزيمة وابن حبان وسنده حسن، ويرتفع بحديث الباب إلى أن يكون صحيحاً لغيره.

والسائل كما سلف أنها سئلت، السائل هو عبد الله بن شقيق رحمه الله تعالى، كما في الرواية الأخرى في مسلم .. وغيره.

الجمع بين حديثي عائشة في إثبات صلاة الضحى ونفيها

وفي الحديث نوع إشكال؛ فإن الحديث الأول فيه: أنها أثبتت: ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد على الأربع ما شاء الله ) وفي هذا الحديث نفت أن يكون يصلي الضحى إلا في حالة واحدة، وهي إذا قدم من سفر.

وقد أجاب عن هذا الإشكال الإمام ابن حبان رحمه الله كما في الإحسان فإنه قال في الجمع بين الحديثين ما خلاصته: أن نفيها رضي الله عنها لصلاة الضحى من النبي صلى الله عليه وسلم محمول على أنه لم يكن يصليها في المسجد، وإثباتها أنه كان يصلي الضحى أربعاً، أي: أنه كان يصليها في بيته، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر أن يصلي المرء النافلة في بيته، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ) وأما إذا قدم من سفر فكان يصليها في المسجد، كما أرشدت إلى ذلك أحاديث، منها: حديث كعب في الصحيحين، وسبق: ( أنه إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين )، فبذلك تأتلف هذه الأحاديث، فيكون نفيها لصلاة الضحى، أي: أن يوقعها في المسجد، وإثباتها أنه يصلي أربعاً ويزيد ما شاء الله، أنه كان يفعل ذلك في منزله.

هذا خلاصة ما جمع به ابن حبان بين الحديثين، وقد نقل المحب الطبري نحو هذا عن بعض أهل العلم، وأظن أنه يعني ابن حبان، فإن اللفظ متقارب بينهما، هذا جمع، وهو جمع حسن، بل هو أولى ما جمع به بين الحديثين، وقد جمع بعضهم بضروب أخرى من الجمع، فقال بعض أهل العلم: المعنى أنه لم يكن يداوم عليها في حال الإقامة، لكنه إذا قدم من سفر كان يصليها دائماً، فكلما قدم من سفر صلاها، أما إذا كان مقيماً، فإنه يصلي ويترك، فيكون نفيها نفياً للاستمرار والمداومة، وهذا وجه، وسيأتي له مزيد تفصيل إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث: أن يكون المنفي إيقاع الصلاة على صفة مخصوصة، وهيئة مخصوصة، وعدد مخصوص، والمثبت هو إيقاعها من غير عدد مخصوص، ولذلك قالت في الحديث الأول: ( ويزيد ما شاء الله ) أي: أنه يزيد على الأربع، فربما صلاها ستاً أو ثمانياً، وربما صلى أكثر من ذلك، فيكون المنفي إيقاعها على صفة مخصوصة، وعدد مخصوص.

هذه ثلاثة أوجه للجمع بين تلك الأحاديث.

وقد خرجه مسلم في صحيحه في الموضع السابق، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، عن عبد الله بن شقيق قال: ( سألت عائشة

رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يقدم من مغيبه ) وفيه تحديد لهذا المبهم في الحديث أنها سئلت.

وكذلك رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي في سننه في كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر عائشة رضي الله عنها فيه، يعني: في الصوم، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبغوي في شرح السنة، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والطيالسي في مسنده .. وغيرهم.

وقد جاء في الحديث رواية طويلة مفيدة لا بأس بإيرادها، ذكرها الإمام أحمد في المسند، والحديث هو في الجزء السادس من المسند في صفحة (152)، وذكرها أيضاً ابن حبان في صحيحه، وذكر طرفاً منها النسائي وأبو داود .. وغيرهما، وفيه: أن عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: قلت لـعائشة : ( هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يقدم من مغيبه ) وهذا هو موضع الشاهد الذي ذكره المصنف.

( ثم قال لها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً؟ قالت: نعم، بعدما حطمه السن ) وفي رواية: (بعدما حطمه الناس) أي: بعدما كثر عليه الناس، فأصابه من ذلك ضعف في جسمه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.

( قال: قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور؟ قالت: نعم، من المفصل ) والمعنى: أنه يقرأ السورتين في ركعة واحدة.

( قالت: نعم، من المفصل. قال لها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً معلوماً غير رمضان؟ قالت: لا، والله ما صام شهراً كاملاً غير رمضان حتى ذهب لسبيله، ولا أفطر شهراً كاملاً حتى ذهب لسبيله ) أي: أنه لا يترك شهراً إلا ويصوم منه، ولا شهراً إلا ويفطر منه، إلا رمضان فإنه يصومه عليه الصلاة والسلام منذ فرض.

( قال: قلت: فأي أصحابه صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر

. قلت: ثم من؟ قالت: عمر

. قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة

. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت
) وهذا الحديث فيه فوائد ظاهرة، وإن لم تكن من فوائد الباب لكنها تستفاد وتستنبط.

ولحديث الباب الحديث الأصل: (أنه لا يصلي صلاة الضحى إلا أن يجيء من مغيبه) له شاهد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يجيء من غيبة ) وقد أخرجه -أعني حديث ابن عمر - ابن خزيمة وابن حبان وسنده حسن، ويرتفع بحديث الباب إلى أن يكون صحيحاً لغيره.

والسائل كما سلف أنها سئلت، السائل هو عبد الله بن شقيق رحمه الله تعالى، كما في الرواية الأخرى في مسلم .. وغيره.

وفي الحديث نوع إشكال؛ فإن الحديث الأول فيه: أنها أثبتت: ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد على الأربع ما شاء الله ) وفي هذا الحديث نفت أن يكون يصلي الضحى إلا في حالة واحدة، وهي إذا قدم من سفر.

وقد أجاب عن هذا الإشكال الإمام ابن حبان رحمه الله كما في الإحسان فإنه قال في الجمع بين الحديثين ما خلاصته: أن نفيها رضي الله عنها لصلاة الضحى من النبي صلى الله عليه وسلم محمول على أنه لم يكن يصليها في المسجد، وإثباتها أنه كان يصلي الضحى أربعاً، أي: أنه كان يصليها في بيته، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر أن يصلي المرء النافلة في بيته، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ) وأما إذا قدم من سفر فكان يصليها في المسجد، كما أرشدت إلى ذلك أحاديث، منها: حديث كعب في الصحيحين، وسبق: ( أنه إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين )، فبذلك تأتلف هذه الأحاديث، فيكون نفيها لصلاة الضحى، أي: أن يوقعها في المسجد، وإثباتها أنه يصلي أربعاً ويزيد ما شاء الله، أنه كان يفعل ذلك في منزله.

هذا خلاصة ما جمع به ابن حبان بين الحديثين، وقد نقل المحب الطبري نحو هذا عن بعض أهل العلم، وأظن أنه يعني ابن حبان، فإن اللفظ متقارب بينهما، هذا جمع، وهو جمع حسن، بل هو أولى ما جمع به بين الحديثين، وقد جمع بعضهم بضروب أخرى من الجمع، فقال بعض أهل العلم: المعنى أنه لم يكن يداوم عليها في حال الإقامة، لكنه إذا قدم من سفر كان يصليها دائماً، فكلما قدم من سفر صلاها، أما إذا كان مقيماً، فإنه يصلي ويترك، فيكون نفيها نفياً للاستمرار والمداومة، وهذا وجه، وسيأتي له مزيد تفصيل إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث: أن يكون المنفي إيقاع الصلاة على صفة مخصوصة، وهيئة مخصوصة، وعدد مخصوص، والمثبت هو إيقاعها من غير عدد مخصوص، ولذلك قالت في الحديث الأول: ( ويزيد ما شاء الله ) أي: أنه يزيد على الأربع، فربما صلاها ستاً أو ثمانياً، وربما صلى أكثر من ذلك، فيكون المنفي إيقاعها على صفة مخصوصة، وعدد مخصوص.

هذه ثلاثة أوجه للجمع بين تلك الأحاديث.

الحديث الثالث: وهو أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أيضاً في مسلم كما ذكر المصنف: أنها رضي الله عنها قالت: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها ). ‏

تخريج الحديث

والحديث رواه مسلم في الموضع المشار إليه سابقاً، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وزاد مسلم في صحيحه في تلك الرواية، قالت: ( وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم )، بل الحديث في صحيح البخاري، وهذا ما يستدرك على المصنف رحمه الله تعالى، فقد خرج الحديث البخاري في صحيحه، في كتاب التهجد، باب تحري رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل، وتحريضه عليه، وفيه -أعني في صحيح البخاري - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها ) فقد خرج البخاري حديث الباب كاملاً عن عائشة رضي الله عنها، فحق الحديث أن يكون متفقاً عليه.

والحديث أيضاً أخرجه الإمام أحمد في المسند، ومالك في الموطأ، وأبو داود، والنسائي ولعله في الكبرى، فقد نسبه جماعة إلى النسائي، ولم أجده في المطبوع، ولكن أشار المزي في تحفة الأشراف إلى أنه في السنن الكبرى، وأخرجه البيهقي، وأبو عوانة، وعبد الرزاق .. وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

وقولها: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط ) المقصود بسبحة الضحى أي: نافلة الضحى، أو صلاة الضحى.

وقولها: ( وإني لأسبحها ) أي: لأصليها.

وقولها: ( وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم ) دليل على أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى لهذا العذر، وهذا العذر زال بموته صلى الله عليه وسلم، فأصبحت صلاة الضحى على أصل الاستحباب، كما ذهب إليه طوائف من أهل العلم، فالكلام هنا في صلاة الضحى، كالكلام في صلاة التراويح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثلاث ليال أو أربع، ثم انتظر الناس خروجه فلم يخرج؛ خشية أن تفرض على الناس، وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في بيوتهم، كما في صحيح البخاري .. وغيره.

الجمع بين حديثي عائشة: (أنه كان يصلي الضحى) وقولها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط)

والحديث أيضاً فيه إشكال؛ فإنها رضي الله عنها نفت أن تكون رأت النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى قط، أي: أبداً، وهذا دليل على أنها لم تره صلى الله عليه وسلم صلى، مع أنها قالت قبل قليل: ( إنه كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله ) والجمع بين هذين الحديثين أن يقال: هي رضي الله عنها، وإن لم تكن رأت النبي صلى الله عليه وسلم بعينها صلى سبحة الضحى، إلا أنها علمت ذلك عن غيرها من الصحابة، وقد كان الصحابة يروي بعضهم عن بعض، كما روى ابن عباس أحاديث كثيرة، عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر، وأبو هريرة، والفضل بن عباس .. وغيرهم، بل قال أهل العلم: إن ابن عباس لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مباشرة إلا نحو أربعين حديثاً، أما بقية أحاديثه فمراسيل عن الصحابة، وهكذا أبو هريرة رضي الله عنه روى عن الفضل بن عباس .. وغيره، وروى أحاديث لم يرها ولم يشهدها عن عمر وغيره، فيكون هذا من هذا الباب، أي: أن عائشة روت ذلك عن بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، أو عن بعض أزواجه عليه الصلاة والسلام، رضي الله عنهم جميعاً.

هذا جواب على ما يظهر من ذلك، ولا يشكل في نظري على هذا الجواب إلا أمر واحد، لعله يأتي بعد قليل، وهو حديث عائشة الأخير أنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فصلى الضحى ثماني ركعات ) فظاهر الحديث أنها رأته؛ لأنه صلاها في بيتها، هذا هو الإشكال، ويجاب عن هذا الإشكال بجانبين:

الأول: أن في الحديث ضعفاً -أعني حديث ابن حبان -، فإن فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب وسيأتي الكلام. والأظهر أن الحديث مرسل أنه لم يرو عن عائشة رضي الله عنها، هذا جواب.

الجواب الثاني: أن يقال أيضاً: إن نفيها لرؤية الصلاة هو نفي أغلبي، قولها: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط ) هذا نفي أغلبي، ولا يمنع أن تكون رأته يوماً أو يومين، فإن هذا لا يعارض ذلك، ولا يمنع أيضاً أن تكون علمت ذلك عن بعض أزواجه؛ لأنها رضي الله عنها كانت واحدة من تسع أو عشر نسوة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن، فيكون نصيبها يوماً من عشرة أيام، ويعرض له السفر لحج أو عمرة أو غزو.. أو غير ذلك، أو ينشغل بالوفود وما سواها، فلا غرابة ألا ترى عائشة رضي الله عنها ذلك منه عليه الصلاة والسلام.

فالحكم في الغالب تأليفاً بين الأحاديث، خاصة مع ورود ما يعكر على النفي المطلق، أن يكون صلى الضحى عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال البيهقي رحمه الله في الجمع بين هذه الأحاديث، قال: عندي أن المراد بقوله: (ما رأيته يسبحها) أي: ما رأيته سبحها، أي: داوم عليها، وهذا ينسجم مع ما ذكرته أنها تعني نفي الغالب، قال: أي: داوم عليها.

وقولها: (وإني لأسبحها) أي: أداوم عليها، وكذا قولها في حديث آخر إنه: (ما أحدث الناس شيئاً خيراً من صلاة الضحى) أي: من المحافظة عليها والمداومة، وهو ما يفهم أيضاً من حديث الباب، فإنها رضي الله عنها عقبت بقولها: ( وإن كان صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله؛ خشية أن يعمله الناس، فيفرض عليهم ) فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدع هذا العمل بالكلية، إنما يدع المحافظة عليه والمداومة، هذا هو المعروف، كما صلى التراويح ثلاث ليال أو أربعاً.

والحديث رواه مسلم في الموضع المشار إليه سابقاً، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وزاد مسلم في صحيحه في تلك الرواية، قالت: ( وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم )، بل الحديث في صحيح البخاري، وهذا ما يستدرك على المصنف رحمه الله تعالى، فقد خرج الحديث البخاري في صحيحه، في كتاب التهجد، باب تحري رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل، وتحريضه عليه، وفيه -أعني في صحيح البخاري - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها ) فقد خرج البخاري حديث الباب كاملاً عن عائشة رضي الله عنها، فحق الحديث أن يكون متفقاً عليه.

والحديث أيضاً أخرجه الإمام أحمد في المسند، ومالك في الموطأ، وأبو داود، والنسائي ولعله في الكبرى، فقد نسبه جماعة إلى النسائي، ولم أجده في المطبوع، ولكن أشار المزي في تحفة الأشراف إلى أنه في السنن الكبرى، وأخرجه البيهقي، وأبو عوانة، وعبد الرزاق .. وغيرهم.