كتب عليكم الصيام


الحلقة مفرغة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، هو مستحقُّ الحمدِ وأهلُه، وهو أهلُ التقوى وأهلُ المغفرة، فالحمد لله الذي بارك لنا في رجب وشعبان، وبلَّغَنَا رمضان، والصلاة والسلام على رسوله وخليله ومجتباه محمد صلى الله عليه وسلم سيدِ ولد عدنان، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا مصابيح الدجى، ونجوم الهدى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فها نحن قد تجاوزنا في هذه الليلة وخلفنا وراء ظهورنا اليوم الأول من شهر رمضان من هذا العام، عام 1413 للهجرة.

أيها الأحبة: يقول الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أياماً معدودات [البقرة:183-184] إن لنا مع هذه الآية الكريمة -التي هي الأصل في وجوب الصيام على المسلمين جميعاً- وقفات:

أولاها: قوله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ[البقرة:183] فإنه دليل على وجوبه على المسلم البالغ العاقل القادر في هذا الشهر الكريم، فإن الكتابة تعني: الإيجاب، والفرض، والإلزام، والذي كَتَب علينا الصيام بهذه الآية الكريمة، هو الذي كَتَب علينا الصلاة، وهو الذي كتب علينا الحج وهو الذي كَتَب علينا الزكاة، وهو الذي كَتَب علينا الجهاد، وهو الذي كَتَب علينا سائر الأحكام، فحقٌ بمن امتثل أمر الله تعالى في الصيام أن يمتثل أمر الله تعالى في غيره، وألاَّ يفرق بين ما جمع الله تعالى، ولا يجمع بين ما فرَّق الله عزَّ وجلَّ.

تعريف الصيام

والصيام: هو الإمساك، كما قال الشاعر:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ     تحت العجاج وأخرى تعلكُ اللجما

وقال الله تعالى في قصة مريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً [مريم:26] كان صومها عن الكلام قال تعالى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26]

والصيام في شريعة المسلمين هو: الإمساك عن المُفَطِّرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله عزَّ وجلَّ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: {يَدَع شهوته، وطعامه، وشرابه مِن أجلي} فالمقصود بالشهوة: الجماع، أو ما يماثله في تخلص الإنسان من الشهوة، فهذا كله محرم في نهار رمضان، وهو من المفطرات، ومثله أيضاً: كل الأشياء التي يُخرِج الإنسانُ بها شهوتَه، ولهذا قال الله تعالى: {يدع شهوته، وطعامه، وشرابه} وكذلك الطعام فهو من المفطرات والمحرمات في نهار رمضان، ومثله: الشراب.

المفطرات

فهذه أصول المفطرات الثلاثة: الجماع، والطعام، والشراب، ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] أي: النساء في ليل رمضان وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ [البقرة:187] الصيام عن المباشرة، وعن الأكل، وعن الشرب إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فهذه أصولُ المفطرات المُجْمَعُ عليها عند فقهاء الإسلام، فهذا المقصود بالصيام في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] وهو إحدى الشعائر العظيمة، وأحد أركان الإسلام التي بني عليها، كما في الحديث المتفَق عليه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامٍ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضانِ، والحجِّ} وفي رواية: {والحجِّ، وصومِ رمضان} فهو أحد أركان الإسلام ومَبانِيْهِ العِظام التي أجمع المسلمون على وجوبها وفرضيتها، حتى إن من جحد فرضية الصيام فإنه يكفر، ولو صام أمسك؛ لأنه جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، ومُجْمَعاً على وجوبه عند علماء المسلمين.

والصيام: هو الإمساك، كما قال الشاعر:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ     تحت العجاج وأخرى تعلكُ اللجما

وقال الله تعالى في قصة مريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً [مريم:26] كان صومها عن الكلام قال تعالى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26]

والصيام في شريعة المسلمين هو: الإمساك عن المُفَطِّرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله عزَّ وجلَّ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: {يَدَع شهوته، وطعامه، وشرابه مِن أجلي} فالمقصود بالشهوة: الجماع، أو ما يماثله في تخلص الإنسان من الشهوة، فهذا كله محرم في نهار رمضان، وهو من المفطرات، ومثله أيضاً: كل الأشياء التي يُخرِج الإنسانُ بها شهوتَه، ولهذا قال الله تعالى: {يدع شهوته، وطعامه، وشرابه} وكذلك الطعام فهو من المفطرات والمحرمات في نهار رمضان، ومثله: الشراب.

فهذه أصول المفطرات الثلاثة: الجماع، والطعام، والشراب، ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] أي: النساء في ليل رمضان وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ [البقرة:187] الصيام عن المباشرة، وعن الأكل، وعن الشرب إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فهذه أصولُ المفطرات المُجْمَعُ عليها عند فقهاء الإسلام، فهذا المقصود بالصيام في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] وهو إحدى الشعائر العظيمة، وأحد أركان الإسلام التي بني عليها، كما في الحديث المتفَق عليه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامٍ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضانِ، والحجِّ} وفي رواية: {والحجِّ، وصومِ رمضان} فهو أحد أركان الإسلام ومَبانِيْهِ العِظام التي أجمع المسلمون على وجوبها وفرضيتها، حتى إن من جحد فرضية الصيام فإنه يكفر، ولو صام أمسك؛ لأنه جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، ومُجْمَعاً على وجوبه عند علماء المسلمين.

فإن الله تعالى بين أن الصيام قد كُتِبَ وأُوجِبَ على من كان قبلنا من الأمم السابقة، من بني إسرائيل وغيرهم من أتباع الأنبياء والمرسلين، وليس بحتم أن يكون الصوم عندهم كالصوم عندنا بكل حال، وأن تكون الأحكام له هناك كما هي الأحكام له هنا، ولكن أصل الصوم مشروع في حق الأمم السابقة، كما هو مشروع في حق هذه الأمة، ومفروض عليهم كما هو مفروض علينا، وفي ذلك تعزيةٌ وتسليةٌ للمسلمين، وتصبير لهم على ما يَجِدونه من مشقة الصيام، وألم الجوع والعطش، وقد يصوم الإنسان في يوم شديد الحر، طويل ما بين الطرفين، فيصبر ويصابر ويكابد ألم الجوع والعطش صابراً لله تعالى، فيقال له: اصبر، فلستَ أنتَ أول مَن سلكَ هذا السبيل، ولا أول مَن صام، بل أنتَ من الأمة المختارة المصطفاة المجتباة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم والتي هي أفضل الأمم، وآخر الأمم وجوداً، وأول الأمم دخولاًَ الجنة، فحقيقٌ بك أن تصبر، وأن تلتزم، وأن تطيع الله تعالى، وأن تنفذ أمره، كما نفَّذ الذين من قبلك من الأمم الذين كانوا أقل منك شأناً، وأبعد منك رتبة، ولكنهم فعلوا ما أمرهم الله تعالى به.

ولهذا لما أمر الله تعالى يحي بن زكريا -كما في: السنن، وهو حديث صحيح أمره أن يأمر بني إسرائيل كلمات، فتأخر فيها، فقال له عيسى عليه الصلاة والسلام: {إن الله تعالى أمرك أن تأمر بني إسرائيل بهذه الكلمات، فإما أن تقوم بها أنتَ، وإما أن أقوم بها أنا فقال له يحي: إنكَ إن قمتَ بها دوني خشيتُ أن يصيبني من الله تعالى عذاب، فقام يحي، فنادى في بني إسرائيل، فجمعهم في بيت المقدس، حتى امتلأ المسجد بهم، ووقفوا على الشرفات، فقال: إن الله تعالى يأمركم بكلمات ثم ذكرها، وكان منها: إن الله تعالى يأمركم بالصيام، وإنما مَثَل الصائم كمَثَلِ قوم معهم صرة فيها مسك، وإن خلوفَ فمِ الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك} فهو أمر وُجِبَ على من كان قبلنا، وأُوْجِبَ علينا في شريعة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وحقيقٌ بنا أن نكون أقوى امتثالاً، وأصبر وأصدق في امتثال أمر الله -عزَّ وجلَّ- لأننا من هذه الأمة المختارة.

ثم قوله تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] هو: ترسيخ لقلب الإنسان، وتدعيم له وتثبيت، وإشعار له بمعنى التعبد لله تعالى، ولهذا جاء في حديث رواه ابن أبي الدنيا، وهو حديث حسن، عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان مع قومه في سرية، فسمع هاتفاً يهتف: من صام لله تعالى في يوم شديد الحر، كان حقاً على الله -عزَّ وجلَّ- أن يُرويَه يوم القيامة، قال أبو بُردة: [[فكان أبو موسى -رضي الله عنه وأرضاه- يتحرى اليوم الشديد الحر، الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان من الحر، فيصومه لله تعالى]] {صوموا يوماً شديد الحر لحر يوم النشور} والجزاء من جنس العمل.

هذه الأمة في موكب الأمم السابقة

كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] إذاً أنتم أمة من ضمن أمم كثيرة تعبدها الله تعالى، فسمعت وأطاعت وذلت وخضعت لأمره، كلهم كانوا مسلمين، وكانوا مؤمنين، وكانوا مطيعين، وكانوا من أتباع الأنبياء، وهذه الآية الكريمة تربطك بهم، فلا تظن أنك فرد وحيد معزول في زمن الغربة واستحكام العزلة على أهل الإسلام، وفي زمن انتشار المنكرات، وقلة الطاعات، وكثرة المخالف، وقلة الموافق، لا. فأنتَ فرد من أمة طويلة عريضة، لها أول وليس لها آخر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أمة في قادتها: آدم -عليه الصلاة والسلام- الذي كان نبياً مكلماً، وفي قادتها: نوح -عليه الصلاة والسلام- الذي بسبب دعوته جعل الله تعالى السماء تنـزل الماء والأرض تتفجر به، حتى التقى الماء على أمر قد قُدر، وغرق أهل الأرض، ونجا نوحٌ ومن معه وفي قادتها: موسى -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل الله تعالى البحرَ له يَبَساً، لا يخاف دَرَكاً ولا يخشى، وفي قادتها: إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الذي قال الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] وفي قادتها: محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يقول الخُزَّانُ في الجنة: {بكَ أُمِرْتُ أن لا أفتح لأحد قبلك}.

فهي أمة ممتدة في شعاب الزمان، ضاربة في جذور التاريخ، وهي أمة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففي الصحيح:{لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} أمةٌ قاتل أولُها مع نوح، ومع موسى، ومع سائر الأنبياء، ويقاتل آخرُها المسيحَ الدجال مع عيسى -عليه الصلاة والسلام- ومع المهدي محمد بن عبد الله رضي الله عنه الذي يبعثه الله تعالى قائداً ومعلماً للمسلمين، فهي أمة عريقة عميقة، كثيرة العدد، عظيمة الوجود، ممتدةٌ في شعاب التاريخ.

فأنت إذاً تنتسب إلى هذه الأمة، وهذه أعظم نسبة، وأوثق رباط، إنه رباط المحبة في الله، ورباط الأخوة، ورباط الدين.

وهذه الآية تذكرك كلما هلَّ هلال رمضان، وكلما سمعتَ صوتَ المنادي، وكلما وقفتَ بين يدَي الله، أنك تسلك طريقاً لستَ فيه بالأول، ولستَ بالوحيد، وإن كنتَ غريباً في بيتك، أو في بلدك، أو غريباً في وطنك، أو حتى غريباً في عالمك، فأنتَ لستَ غريباً على الوجود، فإن الوجود يعْرِفُكَ.

فهذه الشمس التي تشرق عليك وتغرب، ألم تعلم أنها أُمِرَت بالوقوف عن الجريان من أجل يوشع بن نون -عليه الصلاة والسلام- لما غزا قوماً فأدركتهم، فقال للشمس: {أنتِ مأمورة، وأنا مأمور...-لئلا تغيب- اللهم احبسها عليَّ شيئاً، فحبست الشمس، حتى فتح الله له } .

قفي يا أخت يوشع خبرينا     أحاديث القرون الأولينا

يعرفكَ هذا البحر الذي تجمد لموسى عليه الصلاة والسلام، تعرفكَ هذه الأرض التي تشهد بما عُمِل عليها من خير أو شر، كما ذكر الله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5].

الإسلام رباط يربط الماضين باللاحقين

أنتَ لستَ غريباً، هؤلاء هم سلفك، ومن يأتون من الأجيال القادمة هم خلفُك، والإسلام رباط يربط الماضين باللاحقين، ويربط الغابرين بالآتين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مالك وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا قالوا: أوَلَسْنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين يأتون بعدُ} فالمسلمون الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب، ما اكتحلت عيونهم برؤيته، ولا تلذذت آذانهم بسماع لذيذ كلامه، ولا تنعموا بالصلاة خلفه، هؤلاء المسلمون الذين آمنوا به -عليه الصلاة والسلام- واتبعوا النور الذي أنزل معه، وتمنى أحدهم أن يكون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه، هؤلاء المؤمنون الذين جلُّ همِّ أحدِهم أن يحشره الله تعالى مع محمد صلى الله عليه وسلم وأن يُوْرِدَه الله تعالى حوضه، وأن يجعله يوم القيامة معه في الجنة، حتى يتمنوا رؤيته -عليه الصلاة والسلام- بما ملكت أيديهم، وربما تحقق لهم ذلك، فأراهم الله تعالى شخصَه الكريم في المنام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي} أي: مَن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شخصه وصفته التي نقلها عنه المؤرخون، فإنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله عليه الصلاة والسلام.

فهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا} ويحق لنا أن نتطلع إلى رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تتشوق قلوبنا للقائه، والاجتماع معه، وسماع كلامه، كيف لا، وهو صلى الله عليه وسلم تمنى أن يرانا، ويلقانا -عليه الصلاة والسلام-، فهؤلاء هم السابقون، يتمنون أن يروا اللاحقين، أما اللاحقون فهم يدعون الله تعالى للسابقين قال الله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فيَدْعُون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، ويدعون الله تعالى لهم بالمغفرة، فهذه رابطة الإيمان، ورابطة التقوى.

كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] إنها شريعة واحدة، وشعيرة واحدة، يأخذها اللاحق عن السابق، وتتوارثها الأمم والأجيال، جيلاً فجيلاً، ورعيلاً فرعيلاً.

كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] إذاً أنتم أمة من ضمن أمم كثيرة تعبدها الله تعالى، فسمعت وأطاعت وذلت وخضعت لأمره، كلهم كانوا مسلمين، وكانوا مؤمنين، وكانوا مطيعين، وكانوا من أتباع الأنبياء، وهذه الآية الكريمة تربطك بهم، فلا تظن أنك فرد وحيد معزول في زمن الغربة واستحكام العزلة على أهل الإسلام، وفي زمن انتشار المنكرات، وقلة الطاعات، وكثرة المخالف، وقلة الموافق، لا. فأنتَ فرد من أمة طويلة عريضة، لها أول وليس لها آخر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أمة في قادتها: آدم -عليه الصلاة والسلام- الذي كان نبياً مكلماً، وفي قادتها: نوح -عليه الصلاة والسلام- الذي بسبب دعوته جعل الله تعالى السماء تنـزل الماء والأرض تتفجر به، حتى التقى الماء على أمر قد قُدر، وغرق أهل الأرض، ونجا نوحٌ ومن معه وفي قادتها: موسى -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل الله تعالى البحرَ له يَبَساً، لا يخاف دَرَكاً ولا يخشى، وفي قادتها: إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الذي قال الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] وفي قادتها: محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يقول الخُزَّانُ في الجنة: {بكَ أُمِرْتُ أن لا أفتح لأحد قبلك}.

فهي أمة ممتدة في شعاب الزمان، ضاربة في جذور التاريخ، وهي أمة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففي الصحيح:{لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} أمةٌ قاتل أولُها مع نوح، ومع موسى، ومع سائر الأنبياء، ويقاتل آخرُها المسيحَ الدجال مع عيسى -عليه الصلاة والسلام- ومع المهدي محمد بن عبد الله رضي الله عنه الذي يبعثه الله تعالى قائداً ومعلماً للمسلمين، فهي أمة عريقة عميقة، كثيرة العدد، عظيمة الوجود، ممتدةٌ في شعاب التاريخ.

فأنت إذاً تنتسب إلى هذه الأمة، وهذه أعظم نسبة، وأوثق رباط، إنه رباط المحبة في الله، ورباط الأخوة، ورباط الدين.

وهذه الآية تذكرك كلما هلَّ هلال رمضان، وكلما سمعتَ صوتَ المنادي، وكلما وقفتَ بين يدَي الله، أنك تسلك طريقاً لستَ فيه بالأول، ولستَ بالوحيد، وإن كنتَ غريباً في بيتك، أو في بلدك، أو غريباً في وطنك، أو حتى غريباً في عالمك، فأنتَ لستَ غريباً على الوجود، فإن الوجود يعْرِفُكَ.

فهذه الشمس التي تشرق عليك وتغرب، ألم تعلم أنها أُمِرَت بالوقوف عن الجريان من أجل يوشع بن نون -عليه الصلاة والسلام- لما غزا قوماً فأدركتهم، فقال للشمس: {أنتِ مأمورة، وأنا مأمور...-لئلا تغيب- اللهم احبسها عليَّ شيئاً، فحبست الشمس، حتى فتح الله له } .

قفي يا أخت يوشع خبرينا     أحاديث القرون الأولينا

يعرفكَ هذا البحر الذي تجمد لموسى عليه الصلاة والسلام، تعرفكَ هذه الأرض التي تشهد بما عُمِل عليها من خير أو شر، كما ذكر الله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5].

أنتَ لستَ غريباً، هؤلاء هم سلفك، ومن يأتون من الأجيال القادمة هم خلفُك، والإسلام رباط يربط الماضين باللاحقين، ويربط الغابرين بالآتين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مالك وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا قالوا: أوَلَسْنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين يأتون بعدُ} فالمسلمون الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب، ما اكتحلت عيونهم برؤيته، ولا تلذذت آذانهم بسماع لذيذ كلامه، ولا تنعموا بالصلاة خلفه، هؤلاء المسلمون الذين آمنوا به -عليه الصلاة والسلام- واتبعوا النور الذي أنزل معه، وتمنى أحدهم أن يكون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه، هؤلاء المؤمنون الذين جلُّ همِّ أحدِهم أن يحشره الله تعالى مع محمد صلى الله عليه وسلم وأن يُوْرِدَه الله تعالى حوضه، وأن يجعله يوم القيامة معه في الجنة، حتى يتمنوا رؤيته -عليه الصلاة والسلام- بما ملكت أيديهم، وربما تحقق لهم ذلك، فأراهم الله تعالى شخصَه الكريم في المنام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي} أي: مَن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شخصه وصفته التي نقلها عنه المؤرخون، فإنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله عليه الصلاة والسلام.

فهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا} ويحق لنا أن نتطلع إلى رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تتشوق قلوبنا للقائه، والاجتماع معه، وسماع كلامه، كيف لا، وهو صلى الله عليه وسلم تمنى أن يرانا، ويلقانا -عليه الصلاة والسلام-، فهؤلاء هم السابقون، يتمنون أن يروا اللاحقين، أما اللاحقون فهم يدعون الله تعالى للسابقين قال الله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فيَدْعُون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، ويدعون الله تعالى لهم بالمغفرة، فهذه رابطة الإيمان، ورابطة التقوى.

كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] إنها شريعة واحدة، وشعيرة واحدة، يأخذها اللاحق عن السابق، وتتوارثها الأمم والأجيال، جيلاً فجيلاً، ورعيلاً فرعيلاً.