شرح عمدة الأحكام [55]


الحلقة مفرغة

يقول المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

[عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع)].

فتح خيبر ومساقاة أهلها

يستدلون بهذا الحديث على المزارعة والمغارسة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، دخلها بالقوة وفتحها عنوة، وملكها بهذا الفتح، إلا حصناً أو حصنين فإنه دخلهما بالصلح، أما بقية أماكن خيبر فإنه فتحها بالقوة.

ومعلوم أنه إذا فتحها بالقوة أصبحت للمسلمين، أرضها وأشجارها ومنازلها وبقاعها، لأن المسلمين تغلبوا عليها، وبتغلبهم عليها ملكوها، فلما ملكوها كان فيها قطع زراعية وأراض واسعة، فتلك القطع قسمها بين الغزاة الذين فتحوها معه، فأعطاهم سهاماً بقدرها، وذلك لسعة الأرض، فجعل هذه البقعة لواحد، وهذه لاثنين ونحو ذلك، وبقيت المزارع والأشجار والنخيل فكانت تحتاج إلى من يحرثها، ومن يزرعها، ومن ينتجها ويعمل فيها حتى تنتج، وكان الصحابة رضوان الله عنهم منشغلين عنها بالجهاد وغيره من الأعمال والتجارات، ولم يكونوا ليتفرغوا للعمل في هذا النخيل ونحوه.

وعند ذلك اتفق مع أهلها الذين هم اليهود على أن يبقوا فيها، فقالوا: دعنا لنعمل فيها ولكم نصف الثمر ولنا نصفها، فتركهم فيها عمالاً، أي: عاملين بأجرة، وبقوا على ذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه.

وفي أثناء خلافة عمر حدث منهم ضرر على بعض أولاده، ذلك أنه أتي أحد أولاده وهو مسافر، أتاه قومٌ في الليل، فضربوه حتى فتوا في عضده أو أعابوه وهربوا، ولم يدر من هم؟

فعرف عمر أنه ليس لنا عدوٌ إلا هؤلاء اليهود، فعند ذلك أجلاهم، وطردهم إلى أذرعات الشام وقال: لا حق لكم! فقالوا: أتطردنا من مكانٍ أقرنا فيه محمد وصاحبك، الذي هو أبو بكر ، فاستدل عمر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (نقركم فيها ما شئنا)، وبأنه لم يقرهم إلا لحاجة، وذلك لما كان بالمسلمين قلة عن القيام بهذا الحرث ونحو ذلك، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه كان في المسلمين كثرة، وكان عندهم قوة وقدرة أن يعملوا في هذه المزارع وفي هذه الأشجار، وأصبحت ملكاً للمسلمين، فعند ذلك طردهم.

تقويم ابن رواحة لثمر خيبر خرصاً

في العهد النبوي، وكذلك في عهد أبي بكر كانوا يحرثون فيها ويزرعون، فإذا زرعوا البقعة فلهم نصف الزرع، وإذا عملوا على النخيل فلهم نصف الثمر وللمسلمين نصفه، وكان يرسل إليهم من يخرص ذلك النخل، فأرسل إليهم عبد الله بن رواحة ، فخرصها وقدرها بثمن من الأثمان؛ قدرها مثلاً بعشرة آلاف، قال: هذا النخل يقدر بعشرة آلاف صاع، أو نحو ذلك، فقالوا: إنك قد ظلمتنا يعني: أكثرت علينا.

فقال لهم: إذا كنت أكثرت عليكم فادفعوا فنأخذها نحن وندفع لكم النصف، أي: إذا قدرناها بعشرة آلاف نعطيكم خمسة آلاف ولنا الباقي حتى ولو كان ألفاً أو ألفين، أو خذوها وأعطونا النصف الذي هو خمسة آلاف، وقال ما معناه: (إنكم لأبغض الناس إليّ، ولكن بغضي لا يحملني على أن أظلمكم، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليّ، ولا تحملني محبته على أن أجور ولا أن آخذ له ما لا يستحقه)، أو كما قال، فعرفوا أن هذا هو العدل، وأنه بهذا قامت السماوات والأرض.

فعند ذلك استسلموا لذلك؛ فكانوا إذا خرصت عليهم مثلاً بخمسة آلاف دفعوا ألفين ونصفاً ولهم الباقي، وقد يكون الباقي أكثر من ألفين ونصف، ولكن يسمح لهم المسلمون بالزائد؛ وذلك لأنهم في العادة يحتاجون إلى أن يأكلوا منها رطباً قبل أن تجذ، فإذا حدد الذي عليهم عرفوه ودفعوه كاملا.

هكذا كانت الحال في خيبر، ولا شك أن هذا دليل على جواز المزارعة، وعلى جواز المغارسة، وعلى جواز المساقاة التي هي مما تدعو إليها الحاجة.

يستدلون بهذا الحديث على المزارعة والمغارسة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، دخلها بالقوة وفتحها عنوة، وملكها بهذا الفتح، إلا حصناً أو حصنين فإنه دخلهما بالصلح، أما بقية أماكن خيبر فإنه فتحها بالقوة.

ومعلوم أنه إذا فتحها بالقوة أصبحت للمسلمين، أرضها وأشجارها ومنازلها وبقاعها، لأن المسلمين تغلبوا عليها، وبتغلبهم عليها ملكوها، فلما ملكوها كان فيها قطع زراعية وأراض واسعة، فتلك القطع قسمها بين الغزاة الذين فتحوها معه، فأعطاهم سهاماً بقدرها، وذلك لسعة الأرض، فجعل هذه البقعة لواحد، وهذه لاثنين ونحو ذلك، وبقيت المزارع والأشجار والنخيل فكانت تحتاج إلى من يحرثها، ومن يزرعها، ومن ينتجها ويعمل فيها حتى تنتج، وكان الصحابة رضوان الله عنهم منشغلين عنها بالجهاد وغيره من الأعمال والتجارات، ولم يكونوا ليتفرغوا للعمل في هذا النخيل ونحوه.

وعند ذلك اتفق مع أهلها الذين هم اليهود على أن يبقوا فيها، فقالوا: دعنا لنعمل فيها ولكم نصف الثمر ولنا نصفها، فتركهم فيها عمالاً، أي: عاملين بأجرة، وبقوا على ذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه.

وفي أثناء خلافة عمر حدث منهم ضرر على بعض أولاده، ذلك أنه أتي أحد أولاده وهو مسافر، أتاه قومٌ في الليل، فضربوه حتى فتوا في عضده أو أعابوه وهربوا، ولم يدر من هم؟

فعرف عمر أنه ليس لنا عدوٌ إلا هؤلاء اليهود، فعند ذلك أجلاهم، وطردهم إلى أذرعات الشام وقال: لا حق لكم! فقالوا: أتطردنا من مكانٍ أقرنا فيه محمد وصاحبك، الذي هو أبو بكر ، فاستدل عمر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (نقركم فيها ما شئنا)، وبأنه لم يقرهم إلا لحاجة، وذلك لما كان بالمسلمين قلة عن القيام بهذا الحرث ونحو ذلك، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه كان في المسلمين كثرة، وكان عندهم قوة وقدرة أن يعملوا في هذه المزارع وفي هذه الأشجار، وأصبحت ملكاً للمسلمين، فعند ذلك طردهم.

في العهد النبوي، وكذلك في عهد أبي بكر كانوا يحرثون فيها ويزرعون، فإذا زرعوا البقعة فلهم نصف الزرع، وإذا عملوا على النخيل فلهم نصف الثمر وللمسلمين نصفه، وكان يرسل إليهم من يخرص ذلك النخل، فأرسل إليهم عبد الله بن رواحة ، فخرصها وقدرها بثمن من الأثمان؛ قدرها مثلاً بعشرة آلاف، قال: هذا النخل يقدر بعشرة آلاف صاع، أو نحو ذلك، فقالوا: إنك قد ظلمتنا يعني: أكثرت علينا.

فقال لهم: إذا كنت أكثرت عليكم فادفعوا فنأخذها نحن وندفع لكم النصف، أي: إذا قدرناها بعشرة آلاف نعطيكم خمسة آلاف ولنا الباقي حتى ولو كان ألفاً أو ألفين، أو خذوها وأعطونا النصف الذي هو خمسة آلاف، وقال ما معناه: (إنكم لأبغض الناس إليّ، ولكن بغضي لا يحملني على أن أظلمكم، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليّ، ولا تحملني محبته على أن أجور ولا أن آخذ له ما لا يستحقه)، أو كما قال، فعرفوا أن هذا هو العدل، وأنه بهذا قامت السماوات والأرض.

فعند ذلك استسلموا لذلك؛ فكانوا إذا خرصت عليهم مثلاً بخمسة آلاف دفعوا ألفين ونصفاً ولهم الباقي، وقد يكون الباقي أكثر من ألفين ونصف، ولكن يسمح لهم المسلمون بالزائد؛ وذلك لأنهم في العادة يحتاجون إلى أن يأكلوا منها رطباً قبل أن تجذ، فإذا حدد الذي عليهم عرفوه ودفعوه كاملا.

هكذا كانت الحال في خيبر، ولا شك أن هذا دليل على جواز المزارعة، وعلى جواز المغارسة، وعلى جواز المساقاة التي هي مما تدعو إليها الحاجة.

أما المزارعة فصورتها: أن يكون لك أرض لا تقدر على الزرع فيها، وهناك رجلٌ لا يملك أرضاً ولكنه متفرغ يحسن أن يزرعها، فتتفقان على أن منك الأرض ومنه الزرع، وأن لك نسبة من هذا الزرع؛ إما الثلث أو الربع أو النصف، بقدر ما تتفقان عليه، فلا بأس بذلك.

ويجوز أن تدفع شيئاً ويدفع هو شيئاً، فمثلاً: إذا دفعت أنت البذر وزدت في نصيبك جاز ذلك، ولا يجوز أن تقول: أدفع البذر مثلاً مائة صاع وإذا حصد الزرع أخذت المائة مقدماً والباقي بيننا نصفين، لماذا لا يجوز؟ مخافة أن يقل الزرع وأن يقل البر الذي يحصد منه بسبب مصيبة أو برد أو جراد أو نحو ذلك، فلا يغل إلا قدر البذر ونحوها، فيذهب سعيه وتعبه خسارة، فلذلك قالوا: لابد أن يكون للعامل نسبة كنصف أو ثلث أو نحو ذلك.

وهذا يسمى المزارعة، وتصح المزارعة بأجرة معينة محددة وتكون كأنك أجرت أرضك بدراهم معينه، وقلت: ازرع هذه السنة وأعطني أجرتها ألف ريال أو ألفين، فيجوز ذلك إن شاء الله.

فالحاصل أن المزارعة تصح حسب ما يتفق عليه الطرفان، ولابد أن يكون بينهما شروط، والمسلمون على شروطهم، فإذا شرط العامل مثلاً أن النفقة على رب الأرض، يعني: الماكنة مثلاً، أو الرشاش الجديد، أو عليه البترول والوقود الذي توقد به الماكينة، والزيوت التي تحتاجها، فله شرطه؛ فإن شرطها صاحب الأرض على العامل فله شرطه، ويقوم العامل بقسط من المال الذي تحتاجه هذه المزرعة، أو بالمال الذي تحتاجه.

وبكل حال فالمزارعة من المرافق التي جاء الإسلام بالحث عليها أو إباحتها، وذلك لأن هذه الأرض لو بقيت معطلة فلن يحصل الانتفاع بها، وليس كل من ملك أرضاً يقدر على استغلالها، فلأجل ذلك جاز أن يتفق الطرفان على استغلالها.

وليس كل إنسان له القدرة على العمل وعلى الحرث يجد أرضاً، فإذا تساعدا فكان من هذا الأرض والوقود والنفقة، ومن هذا العمل، وكان الناتج بينهما على حسب ما يتفقان عليه، انتفع كل واحد منهما وحصل له مصلحة.

هذا بالنسبة إلى المزارعة؛ وذلك لأن خيبر كانت فيها أرض تزرع فكانوا يزرعونها بالنصف، ولم يذكر أن المسلمين يدفعون البذر، ولم يكونوا يدفعون شيئاً من النفقة في إخراج الماء، وذلك لأن أرض خيبر في ذلك الزمان كان فيها عيون تنبع من الأرض، ثم يفجرونها ويسقون بها الزرع ويسقون بها النخيل، أما في هذه الأزمنة فقد غارت تلك العيون، وإن كان بقي منها قليل إذا حفر نبع، ولكنها نزلت كثيراً، وإذا كثرت السيول زادت ونفعت، فمع ذلك كان المسلمون لهم النصف من الزرع؛ لأن النفقة يسيرة، وإنما كانوا يفجرون هذا النهر ثم يسقون به هذا الزرع.

كان منهم البذر والحرث والحصاد والتصفية، ومن المسلمين الماء، لأن هذا النبع ملك للمسلمين، والأرض ملك للمسلمين، ومع ذلك صار لهؤلاء النصف لعملهم ولبذرهم، ولهؤلاء النصف لملكيتهم الأرض والماء.

أما النخل فبلا شك أنه كان فيها نخل كثير، وكان لها ثمر كثير، بل يضرب المثل بخيبر حتى قال بعض الصحابة: (ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر)، أي: حتى فتحوها وصار لهم النصف، فكان يأتيهم من التمور الشيء الذي يأكلون منه ويشبعون ويبيعون ويتصدقون، ويبقى النصف لأهل خيبر الذين هم اليهود.

فالنخيل فيها منافع كثيرة ومتنوعة بأنواع كثيرة، وكلما سقطت نخلة غرس بدلها أخرى في مكانها أو قريباً منها، فهذا بالنسبة للنخل.

كذلك النخل يحتاج إلى سقي وإن كان الماء نابعاً، ويحتاج إلى زبر وهو قطع الشوك، ويحتاج إلى تلقيح كما هو معروف، وإلى تركيب بأن يركب القنو على سعف النخل وجريده، حتى لا يسقط، ويحتاج أيضاً إٍلى تصفية فهو يحتاج إلى عمل، فلليهود النصف مقابل عملهم، وللمسلمين النصف مقابل مالهم وملكيتهم.

فأخذوا من ذلك أنه يجوز أن يؤجر صاحب النخل نخله لمن يحرثه، ولمن يسقيه، وله قسط من ثمرته، حسب ما يتفقان عليه، فإن دفع المالك نفقة السقي والماكنة -مثلاً- وإصلاحها ونحو ذلك، ولم يبق على العامل إلا العمل، فله ما يعادل عمله أو يقاربه، وإن لم يدفع له شيئاً وقال: أسقها وعليك مئونة السقي، جاز ذلك أيضاً.

فالحاصل أن هذا جائز، وإذا كان فيها شجر غير النخل كالعنب مثلاً والتين والزيتون والخضار، والفواكه الأخرى كالليمون والبرتقال وما أشبهه؛ فإن ثمارها أيضاً تقسم بينهما حسب ما يتفقان عليه؛ وذلك لأن ذلك كله مما يحتاج إلى سقي، ويحتاج إلى إصلاح ويحتاج إلى عمل، فالعامل يريد قسطاً من ثمره، وإنما ينتفع بالثمر غالباً ولا ينتفع بالأعواد ولا بالأوراق، هذا بالنسبة إلى المساقاة.