شرح كتاب التوحيد [21]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الشفاعة).

الشفاعة في اللغة: مصدر شفع بمعنى: ضم الشيء إلى مثله، وهي: التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة.

ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن فيه إبطال شبهة من الشبه التي يتمسك بها المشركون، وذلك أنهم يحتجون بعبادتهم غير الله عز وجل أنها تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى، فأبطل الله عز وجل هذه الشفاعة، وأن ما يتمسك به هؤلاء المشركون من هذه الشبهة باطل.

هذا مناسبة هذا الباب الذي ترجم له المؤلف بقوله: (باب الشفاعة) في كتاب التوحيد: أن فيه إبطال شبهة من شبه المشركون، وأنهم إنما عبدوهم كي يقربوهم إلى الله زلفى وأنهم يشفعون لهم، فأبطل الله عز وجل هذه الشبهة أو هذه الشفاعة، وأن هذه الشفاعة لا تنفع أصحابها.

أقسام الشفاعة

وعلى هذا نفهم أن الشفاعة شفاعتان: شفاعة شرعية، وهي الشفاعة المثبتة التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أقسام الشفاعة، المهم فيها: المثبتة، لكن المثبتة أقسام نذكرها على سبيل الإجمال:

أولاً: الشفاعة الكبرى: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى، في أهل الموقف.

ثانياً: شفاعته عليه الصلاة والسلام في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.

ثالثاً: شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه من العذاب.

رابعاً: شفاعته بدخول من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة.

وهذه الأقسام الأربعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

القسم الخامس: الشفاعة في أهل النار من الموحدين أن يخرجوا منها.

القسم السادس: الشفاعة في أقوام استحقوا النار أن لا يدخلوها.

القسم السابع: الشفاعة في رفع درجات أهل الجنة.

هذه كلها شفاعات دلت عليها النصوص، وأهل السنة والجماعة يثبتونها، خلاف الخوارج والوعيدية، فإنهم ينكرون يقولون: أهل النار هم أهل النار لا يخرجون منها.. إلى آخره.

على كل حال المعتزلة والخوارج يخالفون في بعض أقسام هذه الشفاعة.

أما القسم الثاني: الشفاعة الشركية، وهي: ما يتمسك به المشركون ففي القديم، وفي الحديث الخرافيون، ففي القديم المشركون يتمسكون بعبادة الأصنام، وأن هذه الأصنام تقربهم إلى الله عز وجل زلفى، وأما الخرافيون فهم يتمسكون بالقبور في وقتنا الحاضر، وأن هذه القبور تنفعهم أو تدفع عنهم الضر.. إلى آخره.

تفسير قوله تعالى: (وأنذر به الذين يخافون...) والشاهد منها

قال رحمه الله: (وقول الله تعالى: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:51]). الإنذار: هو الإعلام بموضع المخافة والتحذير منها.

وَأَنذِرْ بِهِ [الأنعام:51] الضمير يعود إلى القرآن.

الَّذِينَ يَخَافُونَ [الأنعام:51] يعني: يخشون.

أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ [الأنعام:51] أن يبعثوا ويجمعوا إلى ربهم.

لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ [الأنعام:51] يعني: دون الله عز وجل، يعني سوى الله عز وجل.

لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:51] ولي يعني: ناصر ينصرهم، وشفيع يشفع لهم: وسيط يتوسط لهم من عذاب الله عز وجل.

ليس لهم ولي ناصر ينصرهم، ولا شفيع يشفع لهم ويتوسط لهم عند الله عز وجل، فدل ذلك على إبطال شفاعة هؤلاء المعبودين من دون الله عز وجل، وفي هذا إبطال هذه الشبهة التي يتمسك بها هؤلاء المشركون وهؤلاء الخرافيون.

مناسبة الآية للباب: فيها الرد على المشركين الذين يدعون الأنبياء والصالحين ويطلبون منهم الشفاعة، نقول: هذه الشفاعة التي تطلبونها من الله سبحانه وتعالى أبطلها بقوله: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:51]. هذه الشفاعة أبطلها الله عز وجل، ففي هذا رد عليهم.

تفسير قوله تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً)

قال رحمه الله: (وقوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ [الزمر:44]). قل: الضمير هنا يعود للنبي صلى الله عليه وسلم.

قال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ [الزمر:44] يعني: الشفاعة هذه ملك لله عز وجل، وإذا كانت ملكاً لله عز وجل فهل لغيره فيها شيء أو ليس له فيها شيء؟ ليس له فيها شيء، فإذا كانت هذه الشفاعة ملك لله عز وجل وغيره ليس له فيها شيء دل هذا على إبطال ما يتمسك به المشركون في القديم والخرافيون في الوقت الحاضر من هذه الشبهة التي يزعمون أنهم إنما يعبدون هذه الآلهة لكي تقربهم إلى الله عز وجل.

قال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44]. جميعاً: حال مؤكدة.

ومناسبة هذه الآية في الباب: أن في هذه الآية إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى، وأنها ملك لله سبحانه وتعالى، وإبطال شفاعة من سوى الله عز وجل، وإذا كان كذلك ففي هذا إبطال للشبهة التي يتمسك بها المشركون والخرافيون.

تفسير بعض آيات الشفاعة

قال رحمه الله: (وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]).

مَنْ ذَا الَّذِي [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عنده، الضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى.

عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] يعني: لا يتكلم أحد عند الله عز وجل بشفاعة ولا غيرها إلا إذا أذن الله عز وجل، وفي هذا إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى وإبطالها عن غيره؛ لأن غيره لا يتكلم بالشفاعة إلا إذا أذن الله سبحانه وتعالى.

قال: (وقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا [النجم:26]) كم: هذه خبرية تكثيرية، ومعناها: كثير من الملائكة.

لا تُغْنِي [النجم:26] يعني: لا تجدي ولا تنفع.

لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ [النجم:26] يعني: لا تجدي ولا تنفع شفاعتهم.

شَيْئًا [النجم:26] وشيئاً: هذه نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.

قال: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [النجم:26]) لمن يشاء من عباده وَيَرْضَى [النجم:26] يعني: يرضى عن قوله وعمله.

وفي هذه الآية الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من الملائكة وغيرهم من المخلوقين.

قال: (وقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22]).

قُلِ [سبأ:22]. الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. يعني: قل للمشركين.

زَعَمْتُمْ [سبأ:22] يعني: زعمتم أنهم آلهة من دونه، يعني: من سوى الله عز وجل.

لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ [سبأ:22].

مثقال: بمعنى وزن.

ذَرَّةٍ [سبأ:22] الذرة هي النملة الصغيرة.

فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22] فإذا كان هؤلاء المشركون الذين يعبدون من دون الله عز وجل لا يملكون وزن هذه الذرة -يعني: النملة الصغيرة- في السماوات ولا في الأرض دل ذلك على بطلان عبادتهم من دون الله عز وجل؛ إذ إنهم لا يملكون شيئاً ولا يملكون الشفاعة، فدل ذلك على بطلان عبادتهم من دون الله عز وجل، وأن ما يتمسك به هؤلاء المشركون من هذه الشبهة -وهي أن عبادتهم تقربهم إلى الله عز وجل زلفى- أن الله سبحانه وتعالى أبطل هذه الشبهة؛ فهذه الشبهة لكونهم لا يملكون شيئاً في السماوات ولا في الأرض.

حكم طلب الشفاعة من أهل القبور والأضرحة

بقينا في مسألة وهي: طلب الشفاعة من أهل القبور والأضرحة، يعني: طلب الحي من الأموات أن يشفعوا له عند الله عز وجل، وتقدم لنا ما يتعلق بدعاء الأموات، وأن دعاء الأموات شرك، لكن إذا طلب من الميت أن يشفع له عند الله عز وجل، هنا لم يصرف له عبادة من العبادات، وإنما طلب له أن يشفع له عند الله عز وجل فهل هذا من الشرك الأكبر أو أنه من قبيل البدع؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنه شرك أكبر؛ لأن الأموات لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا يستجيبون لهم، كما قال الله عز وجل: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22].

والرأي الثاني ذهب إليه عبد الرحمن بن حسن ، وكذلك الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن قالوا بأن هذا ليس من قبيل الشرك الأكبر، وإنما هو من قبيل البدع والشرك الأصغر؛ لأن هذا الحي الذي ذهب إلى صاحب القبر وطلب منه الشفاعة عند الله عز وجل لم يصرف له عبادة، وإنما طلب منه الشفاعة عند الله عز وجل، وهذه الوسيلة وسيلة محدثة، والوسائل توقيفية -يعني: ما يتوسل به المسلم في دعائه هذا توقيفي- وإذا كان كذلك فإن هذا يكون من قبيل البدع، وهو وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، وتقدم لنا في ضابط الشرك الأصغر: أن الشرك الأصغر هو كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر من الأقوال والأفعال والعقائد وجاء في النص تسميته شركاً، وهذا يظهر والله أعلم أنه أقرب.

والله أعلم، وصلى الله وسلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب التوحيد [18] 2633 استماع
شرح كتاب التوحيد [22] 2370 استماع
شرح كتاب التوحيد [10] 2286 استماع
شرح كتاب التوحيد [36] 2244 استماع
شرح كتاب التوحيد [8] 2178 استماع
شرح كتاب التوحيد [19] 2167 استماع
شرح كتاب التوحيد [6] 2043 استماع
شرح كتاب التوحيد [29] 2021 استماع
شرح كتاب التوحيد [7] 1877 استماع
شرح كتاب التوحيد [27] 1825 استماع