خطب ومحاضرات
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [9]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن, ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها، جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه ).
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار: السنة والسنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم ).
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله: عن جابر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير ).
(عام الفتح) المقصود به فتح مكة، وذلك في السنة الثامنة من الهجرة، في شهر رمضان.
وقوله: ( حرم )، الضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإن التحريم يصدر من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل تأدباً مع الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ( الخمر )، فسرها النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام )، فالخمر هو كل مسكر، وعلى هذا جماهير العلماء خلافاً للحنفية رحمهم الله تعالى.
قال: ( والميتة )، المراد بالميتة: هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية.
( والخنزير )، معروف وهو حيوان خبيث.
( والأصنام )، الأصنام جمع صنم: وهو كل ما عبد من دون الله عز وجل على شكل صورة، والوثن: كل ما عبد من دون الله عز وجل، سواء كان على شكل صورة أو لم يكن.
( قال: فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه يطلى بها السفن) يعني: تجعل طلاء للسفن؛ لأنه إذا طليت السفن من الأسفل لا ينفذ الماء لوجود الدهن.
(ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس) يعني: الناس يدهنون بها الجلود، وكذلك أيضاً يستصبح بها الناس، أي: يجعلونها في المصابيح للإضاءة.
فقال: ( لا، هو حرام )، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قاتل الله اليهود )، أي: لعن الله اليهود: ( إن الله لما حرم عليهم شحومها، جملوه )، يعني: أذابوا الشحوم: (ثم باعوه فأكلوا ثمنه ).
من فوائد الحديث:
هذا الحديث اشتمل على مسائل منها:
التأدب في اللفظ مع الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ( إن الله ورسوله حرم )، ففي هذا التأدب مع الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ( الخمر )، في هذا تحريم بيع الخمر، ويلحق بذلك كل مسكر وكل مفتر، وما يتعلق بالمخدرات؛ لأن هذه الأشياء أعظم ضرراً.
وفي هذا أيضاً: تحريم بيع الميتة، وعندنا استثناءان:
الاستثناء الأول: يتعلق بأعيان الميتات.
والاستثناء الثاني: يتعلق بأجزاء الميتة.
أما الاستثناء الأول: وهو المتعلق بأعيان الميتات فعندنا ميتة البحر فإنه يصح بيعها، وعندنا أيضاً ما لا نفس له سائلة فهذا يصح بيعه، يعني: الذي إذا قتل لا يسيل منه دم هذا يصح بيعه.
الاستثناء الثاني: ما يتعلق بأجزاء الميتة، فيستثنى أولاً: كل ما لا تحله الحياة، يعني: لا يتخلله الدم، ويدخل في ذلك القرون، والأظلاف، والشعر، والوبر، والريش، والصوف، فكل ما لا تحله الحياة فهذا طاهر يصح بيعه.
وثانياً: مما يستثنى من أجزاء الميتة: حليب الميتة وهذا جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإذا لم يتغير بالنجاسة صح بيعه؛ لأنه يرى أنه طاهر.
وثالثاً: جلد الميتة إذا دبغ، وتقدم لنا أنه يطهر، ومتى يطهر ومتى لا يطهر؟
ورابعاً: عظام الميتة، على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقوله: ( والخنزير )، هذا يشمل جميع الخنزير: اللحم والشحم والعظام، فهذه كلها محرمة، ولا يجوز بيع الخنزير هذا، سواء كان حياً أو ميتاً.
( والأصنام )، أيضاً الأصنام التي تعبد من دون الله سبحانه وتعالى يحرم بيعها.
( فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه يطلى بها السفن ) في هذا دليل على أنه يصح الانتفاع بالنجاسات على وجه لا يتعدى، وهو ما يسمى بالمختصات، والمختص: هو ما أباح الشارع الانتفاع به، ولم يجز العقد عليه عقد معاوضة، فهذه المختصات تنتفع بها، لكن لا يجوز لك أن تعقد عليها عقد معاوضة، فشحوم الميتة والميتة والنجاسات كلها ينتفع بها، لكن على وجه لا يتعدى، يعني: لا تؤكل ولا تشرب، لا تصاحب الإنسان في مواضع يجب أن يتجنبها كالصلاة ... إلى آخره، فينتفع بالنجاسات، ينتفع بشحوم الميتة، ينتفع بالميتة، والآن ومع تقدم الصناعة ينتفع بمثل هذه الأشياء، لكن على وجه لا يتعدى.
وفي هذا ما عليه اليهود قاتلهم الله من الحيل، وأن الذي يتحيل على المحرمات أو إسقاط الواجبات فإن فيه شبهاً باليهود، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ).
وفي هذا الحديث أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.
وفيه أيضاً: سمو الشريعة، وإتيانها بمصالح الناس؛ لأن الشريعة إنما حرمت بيع هذه الأشياء لكونها مضرة، والمصلحة في المنع منها.
وفي هذا أيضاً: أن الأصل في البيوع الحل؛ لأن الشارع عدد الأشياء التي تحرم، مما يدل على أن ما عدا ذلك فالأصل فيه الحل.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم)].
السلم في اللغة: التقديم، وسمي بهذا الاسم لتقديم رأس المال في المجلس.
وأما في الاصطلاح فقد عرفه العلماء رحمهم الله بأنه عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
أو نقول: بأنه تقديم الثمن وتأخير المثمن، يعني: صورة السلم تعطيه ألف ريال ويعطيك بعد شهر كذا وكذا من الأقلام صفتها كذا وكذا، أو تعطيه عشرة آلاف ريال، ويعطيك بعد شهر أو شهرين سيارة صفتها كذا وكذا إلى آخره.
ولو أن الناس سلكوا باب السلم ما احتاجوا إلى البنوك، لكن مع الأسف اليوم الناس يسلكون خلاف ما جاءت به الشريعة، وإلا باستطاعة البنك إذا احتاج الإنسان إلى سيولة، أن يعطيه مثلاً مائة ألف ريال وأنت تعطيه سلعة، تعطيه مثلاً ألف كيس رز، مائة ألف ريال حاضر فيه تسعين كيس رز، لكن مؤجل تعطيه مائة ويكسب عشرة أو يكسب عشرين، فتحصل المصلحة لكل من المسلم الذي دفع الدراهم والمسلم إليه، فالذي دفع الدراهم يستفيد رخص السلع، والمسلم إليه الذي أخذ الدراهم يقضي حاجته بالدراهم، إذا كان صاحب مزرعة يسير المزرعة، إذا كان صاحب مصنع يسير المصنع إلى آخره.
فلو سلك باب السلم لاكتفينا عن الربا أو ما يسلكه الناس اليوم من صور العينة والتورقات أو المرابحة للآمر بالشراء ونحو ذلك.
وهذا الحديث تضمن كثيراً من شروط السلم، لعلنا نتكلم عليها.
حكم التصوير
الجواب: التصوير ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون التصوير فوتوغرافياً.
والقسم الثاني: أن يكون التصوير عن طريق آلات بحيث يكون منظراً متحركاً.
فالذي يظهر من سؤاله أن التصوير الذي يسأل عنه هو ما يتعلق بالمناظر المتحركة، كما يوجد في الهواتف النقالة في الفيديو ونحو ذلك، فهل يجوز مثل هذا أو لا يجوز؟ هو ذكر من ضمن سؤاله أن التصوير قد يكون لحفلات غنائية، فنقول: إذا كان لحفلات غنائية فإن هذا لا يجوز، أما إذا كان لغير حفلات غنائية فالذي يظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به، لكن إذا كان يتضمن محذوراً شرعياً فإن هذا غير جائز، والعمل في مثل ذلك نقول: بأنه غير جائز.
حكم من وقع على امرأة وحملت منه ويريد الزواج بها
الجواب: لا يسقط الحمل؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: الزاني له أن يستلحق ولده من الزنا، لكن بشرط أن يكونا قد تابا، فإذا تابا صح له أن يعقد عليها، وحينئذ يكون مستلحقاً لهذا الولد.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] | 2828 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] | 2550 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] | 2543 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] | 2444 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] | 2355 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] | 2236 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] | 2210 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] | 2179 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] | 2149 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] | 2142 استماع |