خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب القضاء [2]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويشترط في القاضي عشر صفات: كونه بالغاً, عاقلاً, ذكراً, حراً، مسلماً, عدلاً، سميعاً, بصيراً, متكلماً، مجتهداً ولو في مذهبه، وإذا حكَّم اثنان بينهما رجلاً يصلح للقضاء نفذ حكمه في المال والحدود واللعان وغيرها.
باب آداب القاضي: ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، حليماً ذا أناة وفطنة، وليكن مجلسه في وسط البلد فسيحاً، ويعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه ودخولهما عليه.
وينبغي أن يحضر مجلسه فقهاء المذاهب، ويشاورهم فيما يشكل عليه.
ويحرم القضاء وهو غضبان كثيراً، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش، أو هم أو ملل، أو كسل أو نعاس أو برد مؤلم، أو حر مزعج، وإن خالف فأصاب الحق نفذ. ويحرم قبول رشوة وكذا هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته إذ لم تكن له حكومة.
ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود.
قال رحمه الله: ولا ينفذ حكمه لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له، ومن ادعى على غير برزة لم تحضر، وأُمرت بالتوكيل، وإن لزمها يمين أرسل من يحلفها، وكذا المريض.
باب طريق الحكم وصفته:
إذا حضر إليه الخصمان قال: أيكما المدعي؟ فإن سكت حتى يبدأ جاز، فمن سبق بالدعوى قدمه، فإن أقر له حكم له عليه، وإن أنكر قال للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت، فإن أحضرها سمعها وحكم بها، ولا يحكم بعلمه ].
تقدم لنا جملة من أحكام القضاء، فمن ذلك: ذكرنا تعريف القضاء في اللغة والاصطلاح، والفرق بين القضاء والإفتاء، وكذلك حكم تنصيب القاضي، وكذلك حكم تولية القضاء، وأيضاً ما يتعلق بوظيفة القاضي.. إلى آخره، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويشترط في القاضي عشر صفات: كونه بالغاً, عاقلاً, ذكراً, حراً..) إلى آخره.
يقول المؤلف رحمه الله: (ويشترط في القاضي عشر صفات: كونه بالغاً، عاقلاً).
الشرط الأول والثاني: البلوغ والعقل
ويدل لذلك أن غير المكلف لا ينظر لنفسه فكيف ينظر لغيره، ولأن غير المكلف تحت ولاية غيره فلا يكون والياً على غيره، إذ أن القضاء نوع من الولاية، فغير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون والياً على غيره.
الشرط الثالث: الذكورية
هذه الصفة الثالثة، أن يكون ذكراً، وعلى هذا فلا يصح تولية المرأة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ودليلهم على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، ولأن الولايات العامة كالقضاء ونحوها مبنية على كمال العقل والدين، والمرأة فيها نقص في عقلها وفي دينها؛ ولأن مجلس القضاء يغشاه أيضاً كثير من الرجال، فكيف تباشره المرأة؟
والرأي الثاني رأي الحنفية حيث يقولون: يصح أن تتولى القضاء في الأمور التي تقبل شهادتها فيها، أي: في الأمور التي تقبل فيها شهادة المرأة.
ودليلهم على ذلك: القياس على الشهادة، كما أنها تقبل شهادتها فكذلك تصح توليتها القضاء في الأمور التي تقبل شهادتها.
ويجاب عن هذا: بأن هناك فرقاً بين الشهادة والقضاء, فالشهادة مجرد إخبار بخلاف القضاء، فإن القضاء يحتاج إلى تصور المسألة.
وكذلك الشهادة تكون عارضة، والمرأة ليست دائماً تشهد، بخلاف القضاء فإنه يكون دائماً.
وعلى هذا فالصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله.
وعند الطبري وابن حزم أنه يصح أن تتولى المرأة القضاء مطلقاً للعمومات، وهذا ضعيف لما تقدم.
الشرط الرابع: الحرية
هذا الشرط الرابع: أن يكون حراً، وعلى هذا فالرقيق لا يصح أن يكون قاضياً، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ قالوا: لأن الرقيق مشغول بخدمة سيده.
والرأي الثاني: أنه يصح أن يتولى القضاء إذا أذن له سيده؛ لأننا ما دمنا نقول: بأنه مشغول بحقوق سيده فإذا أذن له سيده انتفت العلة، وهذا القول هو الصواب.
وعند الحنفية يصح أن يتولى الرقيق القضاء لكن لا تنفذ أحكامه إلا إذا عتق، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب في هذه المسألة أنه: إذا أذن له سيده كما قاله بعض الحنابلة فإنه يصح أن يتولى القضاء.
الشرط الخامس: الإسلام
هذا الشرط الخامس، يشترط أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولا شك أن القضاء فيه علو، والله عز وجل يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ؛ ولأن الكافر لا يؤمن على قضايا المسلمين.
الشرط السادس: العدالة
هذا الشرط السادس: أن يكون عدلاً، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، فقوله: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ [الحجرات:6] أمر بالتبين من خبر الفاسق، فلا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله، بل لا بد أن يتبين قوله، فالله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، فإذا كان الفاسق أمر الله عز وجل بأن يتبين خبره فكيف يكون قاضياً؟ لأنه إذا كان قاضياً نحتاج إلى أن نتبين خبره.
والرأي الثاني: أن العدالة ليست شرطاً، وهذا قال به بعض الحنفية وبعض المالكية، وهو أنه يصح أن يكون فاسقاً؛ لأن ركن العمل هو الأمانة والقوة: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26].
وعلى هذا إذا كان أميناً على قضاياه فيصح أن يتولى القضاء، وهذا القول يظهر والله أعلم أنه هو الصواب، لكن مع ذلك يتحرى العدل، لكن قد يحتاج إلى الفاسق ما دام أنه أمين.
الشرط السابع: السمع
هذا الشرط السابع: أن يكون سميعاً، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين، فلا بد أن يسمع لكي يفرق بين الإقرار والإنكار.. إلى آخره.
وعند المالكية: يصح أن يتولى الأصم القضاء للعمومات، والذي يظهر والله أعلم هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، لأن كوننا نرتب قاضياً أصم هذا فيه مشقة على الناس، حتى ولو قضى الأصم ما دام أنه عالم وقضى في بعض المسائل العرضية هذا ممكن يقال: يصح، لكن كوننا نرتبه قاضياً عاماً للناس هذا فيه مشقة، وكما تقدم أنه لا يسمع كلام الخصمين، ولا يفرق بين الإقرار والإنكار وكيف يسمع الشهادة، وكيف يناقش الشهود.. إلى آخره.
الشرط الثامن: البصر
هذا هو الشرط الثامن: أن يكون بصيراً؛ لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه، وهذا أيضاً هو قول جمهور أهل العلم.
وعند المالكية يصح أن يكون الأعمى قاضياً، و(النبي صلى الله عليه وسلم ولى
فالصحيح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه المالكية وهو أنه يصح أن يكون الأعمى قاضياً، والقول: بأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه هذا غير صحيح، بل كما سيأتينا التفريق بين المدعي والمدعى عليه، وأنه يتمكن الأعمى من معرفة المدعي من المدعى عليه.. إلى آخره.
الشرط التاسع: القدرة على الكلام
هذا الشرط التاسع، وعلى هذا فالأخرس الذي لا يتكلم لا يصح أن يتولى القضاء؛ لما تقدم في الأصم، وهذا ما عليه جماهير العلماء خلافاً للمالكية.
فجمهور العلماء يشترطون أن يكون متكلماً؛ لأن الأخرس لا يمكن أن يناقش الشهود، ولا يمكنه أيضاً أن ينطق بالحكم، وليس كل الناس يعرفون إشارته ويفهمون إشارته، خلافاً للمالكية.
والصحيح في ذلك أنه لا يصح تولية الأخرس لما تقدم في الأصم الذي لا يسمع؛ لما يترتب على ذلك من المشقة، وقد يصح لو كان في مسائل عارضة.
الشرط العاشر: الاجتهاد
هذا الشرط العاشر: أن يكون مجتهداً، وعلى هذا إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فلا يصح أن يولى القضاء.
وهذا ما عليه أكثر أهل العلم، بأنه يشترط أن يكون مجتهداً؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالتحاكم إلى ما أنزله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بالتقليد، وعلى هذا لا بد أن يكون مجتهداً.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنه لا يشترط أن يكون مجتهداً، فيصح أن يولى غير المجتهد.
وهذا القول هو الأقرب، واليوم لا يمكن أن يولى المجتهد الذي بلغ رتبة الاجتهاد في علم الفقه والسنة وأصول الفقه، ومواضع الإجماع، والناسخ والمنسوخ.. إلى آخر ما ذكره العلماء رحمهم الله في شروط المجتهد، هذا صعب جداً.
والصواب في ذلك كما قال بعض أهل العلم: للضرورة أنه يولى غير المجتهد، لكن القاضي لا يجوز له أن يقضي إلا بالعلم، ولا يجوز له أن يقضي بالجهل، بل كما يفعل الآن القضاة يسمع من الخصمين ثم بعد ذلك يدرس المسألة، وبعد أن يدرس المسألة ويعرف كلام العلماء في هذه المسألة يحكم بين الخصمين حسب دراسته لهذه المسألة.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو في مذهبه).
المؤلف رحمه الله خفف المسألة بأن جعل المجتهد ليس الاجتهاد المطلق؛ وإنما يكفي أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه الذي يقلده، فيراعي ألفاظ إمامه، ويقلد كبار المذهب، ويحكم بذلك.
والصواب في ذلك: أنه يجتهد فيما دل عليه الكتاب والسنة، فيسمع من الخصمين كما سبق، ويتصور القضية ويدرسها، ثم بعد ذلك يحكم بين الخصمين.
أما القول بأنه لا بد أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه الذي يقلده ويراعي ألفاظه ويقلد كبار المذهب ويحكم بذلك.. إلى آخره فهذا لا يجوز، بل القاضي متعبد بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].
هذه شروط القاضي، ولا يشترط في القاضي أن يكون كاتباً، حتى ولو كان غير كاتب أو كان غير ورع أو غير زاهد فإنه يصح له أن يولى القضاء.
الشرط الأول: كونه بالغاً عاقلاً، هذا الشرط الأول من شروط تولية القاضي، فلا يصح تولية غير البالغ، وكذلك أيضاً: عاقلاً، فلا يصح تولية المجنون.
ويدل لذلك أن غير المكلف لا ينظر لنفسه فكيف ينظر لغيره، ولأن غير المكلف تحت ولاية غيره فلا يكون والياً على غيره، إذ أن القضاء نوع من الولاية، فغير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون والياً على غيره.
قال: (ذكراً).
هذه الصفة الثالثة، أن يكون ذكراً، وعلى هذا فلا يصح تولية المرأة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ودليلهم على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، ولأن الولايات العامة كالقضاء ونحوها مبنية على كمال العقل والدين، والمرأة فيها نقص في عقلها وفي دينها؛ ولأن مجلس القضاء يغشاه أيضاً كثير من الرجال، فكيف تباشره المرأة؟
والرأي الثاني رأي الحنفية حيث يقولون: يصح أن تتولى القضاء في الأمور التي تقبل شهادتها فيها، أي: في الأمور التي تقبل فيها شهادة المرأة.
ودليلهم على ذلك: القياس على الشهادة، كما أنها تقبل شهادتها فكذلك تصح توليتها القضاء في الأمور التي تقبل شهادتها.
ويجاب عن هذا: بأن هناك فرقاً بين الشهادة والقضاء, فالشهادة مجرد إخبار بخلاف القضاء، فإن القضاء يحتاج إلى تصور المسألة.
وكذلك الشهادة تكون عارضة، والمرأة ليست دائماً تشهد، بخلاف القضاء فإنه يكون دائماً.
وعلى هذا فالصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله.
وعند الطبري وابن حزم أنه يصح أن تتولى المرأة القضاء مطلقاً للعمومات، وهذا ضعيف لما تقدم.
قال: (حراً).
هذا الشرط الرابع: أن يكون حراً، وعلى هذا فالرقيق لا يصح أن يكون قاضياً، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ قالوا: لأن الرقيق مشغول بخدمة سيده.
والرأي الثاني: أنه يصح أن يتولى القضاء إذا أذن له سيده؛ لأننا ما دمنا نقول: بأنه مشغول بحقوق سيده فإذا أذن له سيده انتفت العلة، وهذا القول هو الصواب.
وعند الحنفية يصح أن يتولى الرقيق القضاء لكن لا تنفذ أحكامه إلا إذا عتق، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب في هذه المسألة أنه: إذا أذن له سيده كما قاله بعض الحنابلة فإنه يصح أن يتولى القضاء.
قال: (مسلماً).
هذا الشرط الخامس، يشترط أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولا شك أن القضاء فيه علو، والله عز وجل يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ؛ ولأن الكافر لا يؤمن على قضايا المسلمين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2817 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2731 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2677 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2644 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2639 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2557 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2554 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |