شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريق مَنْ فَرّق من الفقهاء بين مخالطة الطاهرات للماء وتغييرها له بين ما وضع قصداً وما وضع لغير قصد، أو بمقره أو بممره، وأنه يسلبه الطهورية في الأول دون الثاني.

والصحيح: أن الحكم فيهما واحد، وأن الماء باق على طهوريته حتى تغيره النجاسة، وأن تفريقهم المذكور يدل على ضعف القول من أصله؛ لأنه تفريق بين متماثلين، فكلها قد غيرها الطاهر تغييراً ممازجاً].

يقول: هذا الفرق ضعيف، أعني: من فرق بين ما وضع قصداً فيسلبه الطهورية، وما وضع لغير قصد فلا يسلبه الطهورية، يعني: إذا تغير الماء الطهور بشيء طاهر، فإن كان وضع هذا الشيء الطاهر فيه قصداً سلبه الطهورية وانتقل من كونه مطهراً إلى كونه طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره، وإن كان لم يوضع قصداً فإنه لا يسلبه الطهورية، مثال ذلك: قالوا: المتساقط في الماء من أوراق الأشجار وغيرها إذا تغير فيه الماء لا يسلبه الطهورية؛ لأنه لم يوضع قصداً، فلو كان عندنا ماء وتساقط فيه أوراق الأشجار فالمشهور عندنا من المذهب أنه لا يسلبه الطهورية، لكن لو أخذت هذه الأشياء ووضعتها فيه قصداً فإن هذا يسلبه الطهورية، ويقول الشيخ رحمه الله: هذا الفرق يعني: كونه وضع بقصد أو وضع بغير قصد ضعيف.

والصواب في ذلك أنه ما دامت صفة الماء المطلق باقية ولم ترتفع عنه فإن طهوريته لا تزال باقية، فنقول: إذا تغير الماء الطهور بشيء طاهر: فإن سلبه اسم الماء المطلق فإنه في هذه الحالة لا يكون مطهراً، أما إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه واسم الماء المطلق لا يزال باقياً فإنه لا يسلبه الطهورية، وهذا هو الصحيح.

وكذلك أيضاً ما تغير بالمقر أو بالممر، يعني: الماء إذا مر على شيء طاهر فتغير فهذا لا يسلبه الطهورية، فلو كان عندنا ماء يجري وتغير بشيء طاهر فلا يسلبه الطهورية، وأما إذا كان لا يجري بمقره وتغير بشيء طاهر فيقول المؤلف رحمه الله: يسلبه الطهورية، والصواب كما تقدم أنه لا فرق.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: كراهة السواك للصائم بعد الزوال لا قبله، والصحيح استحبابه للصائم قبل الزوال وبعده كما هو ظاهر الأدلة، ولم يصح حديث يدل على الفرق].

أيضاً هذا على المشهور من المذهب وكذلك أيضاً مذهب الشافعي أن السواك للصائم بعد الزوال مكروه، وأما قبل الزوال فقالوا: لا يكره، ففرقوا ما بين بعد الزوال وما قبل الزوال فقالوا: بعد الزوال يُكره وما قبل الزوال لا يُكره، ويقول الشيخ: لا فرق، والصحيح أنه لا يُكره لا قبل الزوال ولا بعد الزوال، والحديث الوارد الذي فرق بين ما قبل الزوال وما بعد الزوال وهو حديث علي : ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي )، هذا حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمومات الأدلة تدل على أن السواك مشروع قبل الزوال وبعد الزوال للصائم مثل حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب )، وطهارة الفم ورضا الرب مطلق للصائم ولغير الصائم قبل الزوال وبعد الزوال، وأيضاً حديث أبي هريرة : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، وأيضاً ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء )، وهذا يشمل الصلاة قبل الزوال والصلاة بعد الزوال، للصائم ولغير الصائم، فيشمل أيضاً الوضوء للصائم ولغير الصائم قبل الزوال وبعد الزوال، ولهذا عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن السواك للصائم؟ قالت: هذا سواكِي بيدي، وورد أيضاً من حديث عامر بن ربيعة : ( من خير خصال الصائم: السواك )، والصحيح أنه لا فرق كما ذكر المؤلف رحمه الله.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين البيع والإجارة، وأن العيب في المبيع موجب للرد أو الأرش، والعيب في الإجارة موجب لخيار الرد دون الأرش، ويحق لـابن نصر الله رحمه الله أن يقول: والفرق بينهما عسر، وقد تعبنا في الفرق فلم يحصل، والصواب: أن الجميع حكمها واحد في الأرش وفي الرد].

المشهور من المذهب أن الإنسان إذا اشترى سلعة، كسيارة مثلاً ثم وجد في هذه السلعة عيباً فإنه مُخير بين أن يرد هذه السلعة ويأخذ الثمن الذي دفعه، وبين أن يمسك هذه السلعة ويأخذ الأرش، يعني: قيمة العيب، وقيمة العيب: قسط ما بين قيمة الصحة والفساد من الثمن، فهو بالخيار إما أنه يأخذ قيمة العيب أو أنه يرد السلعة ويسترجع ما دفعه من ثمن، هذا بالنسبة للبيع، أما بالنسبة للإيجار فلا يثبتون الأرش، فلو أن إنساناً استأجر سيارة كل يوم بمائة ريال ثم بعد ذلك وجد بها عيباً يُنقص الأجرة فبدلاً من أن تكون الأجرة مثلاً بمائة ريال تكون الأجرة بتسعين ريالاً فيقولون: لا يثبت له الأرش فهو مُخير بين أن يمسك بلا أرش أو يفسخ عقد الإجارة، وأما كونه يمسك ويأخذ الأرش فهذا ليس له، وقد ذكر المؤلف رحمه الله أن هذا الفرق ضعيف، وأن الصحيح أن الأرش ثابت في باب البيع، وفي باب الإجارة، فلو أن إنساناً -مثلاً- استأجر بيتاً بعشرة آلاف ريال لمدة عام ثم وجد بهذا البيت عيباً يُنقص الأجرة، فالصحيح أن له الأرش، وكما أنه لو اشتراه له الأرش فكذلك أيضاً في باب الإجارة له الأرش، فنقول: أنت بالخيار إما أن تأخذ الأرش أو أن ترد هذه السلعة التي استأجرتها وتأخذ ما دفعته من أجرة.. إلخ، فالصواب أنه لا فرق بين البابين وأن الأرش يثبت فيهما.

قال رحمه الله تعالى: [ ونظير هذا: تفريقهم بين الوصية وبين وقف البيت ونحوه بعد موته، وأنه لا يرجع في الثاني دون الأول والصواب: أن الجميع حكمه حكم الوصية، فله الرجوع في كل منهما قبل موته إذا لم يكن مانع ].

الوقف على المذهب لا يصح أن تعلقه؛ لأن العقود -كما سلف- تكون منجزة وليست معلقة لكن يصح أن تُعلق الوقف بموت، يعني: إذا قلت: هذا البيت وقف إذا أنا مت لطلاب العلم، أو على تحفيظ القرآن أو غير ذلك، فيقولون: يصح وينفذ من الآن، وليس لك أن تتصرف فيه، بينما إذا وصى الإنسان فقال: أوصيت أن هذا البيت وقف إذا أنا مت، فالوصية لا تنفذ؛ لأنها تبرع بالمال بعد الموت فلا تنفذ، ففرقوا بين باب الوقف وباب الوصية، والصواب في ذلك أنه لا فرق وأنه إذا قال: هذا وقف إذا أنا مت لا ينفذ إلا بعد الموت، ويجوز للإنسان أن يرجع فيه؛ لأنه تبرع بالمال بعد الموت، وحكمه حكم الوصية.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: الفرق بين العقود فلا يصح تعليقها إلا الوكالات والولايات، وبين الفسوخ فإنه يصح تعليقها].

أيضاً هذا المذهب وهو قول جمهور أهل العلم أن العقود لا يصح أن تُعلق إلا أنهم استثنوا بعض العقود كالوصية يصح أن تُعلق، والوقف إذا كان معلقاً بالموت فيصح، والوكالة يصح أن تُعلق، والإمارة، والقضاء .. إلخ يصح أن تُعلق هذه الأشياء، أما الفسوخ فيصح للإنسان أن يُعلقها، والصواب في ذلك كما قال المؤلف رحمه الله: أنه لا فرق بين العقود والفسوخ، وأن هذه الأشياء كلها يصح تعليقها كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكذلك ابن القيم في إعلام الموقعين.

قال رحمه الله: [والصواب: أن العقود كلها كالفسوخ يصح تعليقها، ولا فرق بينها، والنصوص الصحيحة تشمل الجميع، وأيضاً لا مانع يمنع في الجميع؛ لأن الأصل أن الشروط المقصودة للمتعاقدين والمتفاسخين معتبرة، ما لم تُدخل أهلها في محذور شرعي، ومن أهم الشروط التعليقات فإنها تقصد قصداً صحيحاً].

المؤلف رحمه الله استدل على صحة تعليق العقود بالأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشرط، ولا شك أنه إذا قال: بعتك هذه السيارة إلى شهر رمضان أو إلى شهر ربيع أن هذا شرط، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فهنا أمر الله عز وجل بالإيفاء بالعقد والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط، وأيضاً حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلمون على شروطهم )، والصواب كما ذكر المؤلف رحمه الله أن له أن يُعلق العقد وله أن يُعلق الفسخ، ولا فرق بينهما.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة في الأب: أن له التملك من مال ولده ما شاء بشروطه دون إبراء غريم ابنه، ودون إبراء نفسه من حق ولده، وليس له أن يخالع ابنته بشيء من مالها.

فالصواب: استواء هذه الأمور، بل إن كثيراً منها أحق من التملك من ماله، كخلعها من زوجها المسيء لعشرتها من مالها؛ لمحض مصلحتها].

هذا أيضاً من الفروق الضعيفة، يقول المؤلف رحمه الله تعالى في الهبة: الأب له أن يتملك من مال ولده لكن إذا أراد أن يُبرأ غريم ابنه من مال ولده كدين ونحوه فلا يملك ذلك، فالأب له أن يتملك من مال ولده ما لا يحتاجه الولد ولا يضره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك )، وكذلك أيضاً إذا أراد أن يُبرأ غريم ابنه من الدين، يعني: ابنه يريد من شخص ديناً فأراد أن يُبرئه منه، فيقول المؤلف رحمه الله: إنه يملك ذلك، فكما أنه يملك أن يتملك هذا المال فكذلك أيضاً يملك أن يُبرْأ هذا الدين فكأنه تملكه ثم أبرأ منه، وكذلك أيضاً لو كان على هذا الأب دين لابنه فله أن يُبرئ نفسه منه، فيقول: أبرأت نفسي من دين ابني أو من حق ابني ويبرأ، أما المشهور من المذهب فإنهم يفرقون بين الأمرين، وعند جمهور أهل العلم ليس للأب أن يتملك من مال ولده، يعني: التملك من مال الولد من مفردات مذهب الحنابلة، فهم فرقوا في باب الهبة بين مسألة الديون ومسألة العيون، أي: بين الدين والعين، فقالوا: الدين لا يملك أن يُبرأ غريم ابنه ولا يملك أن يُبرأ نفسه من دين ابنه، لكن له أن يتملك من مال ولده ما يشاء ففرقوا بين الدين والعين، والمؤلف رحمه الله يقول: الصواب أنه ليس هناك فرق.

وكذلك أيضاً قالوا: يجوز للأب أن يخلع ابنته من زوجها من ماله، لكن لا يجوز له أن يخلع ابنته من زوجها من مالها، ويقول الشيخ: الصواب أنه لا فرق، وأنه إذا كانت هناك حاجة للخلع فلا بأس، فإذا كان الزوج مسيئاً لعشرة المرأة فيصح للأب أن يخلع ابنته من ماله دون مالها، كما له أن يخلعها من مالها، وكما أن له أن يتملك من مال ابنته فكذلك أيضاً أن يخلعها من مالها؛ لوجود العشرة السيئة من الزوج.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: إيجاب بعض المعروف من الخدمة للزوج دون بعض، فإرجاع الجميع إلى المعروف من غير فرق هو اللازم، وأن على كل واحد من الزوجين من الحقوق للآخر ما جرى به العرف والعادة من مثله لمثلها، والعرف أصل كبير ترجع إليه كثير من الأحكام والعقود والفسوخ].

هذه أيضاً من الفروق في باب العشرة بين الزوجين، فالمشهور في المذهب أن المرأة يجب عليها أن تخدم نفسها، فيما يتعلق بحوائجها الخاصة لكن فيما يتعلق بحوائج الزوج فلا يجب عليها ذلك، يعني: يجب على المرأة أن تغسل ثياب نفسها وأن تخبز خبزها وأن تعجن عجينها وأن تغسل ماعونها ما دام أن هذه الأشياء خاصة بها، لكن ما يتعلق بخبز الزوج أو عجين الزوج فلا يجب عليها أن تخبز خبز الزوج أو تعجن عجينه أو تغسل ثيابه.. إلخ؛ لأن المعقود عليه منفعة الاستمتاع ففرقوا بين ما يتعلق بالمرأة فيجب عليها أن تخدم نفسها وبين ما يتعلق بالزوج فلا يجب عليها أن تخدم الزوج، يقول الشيخ: هذا فرق ضعيف، ولهذا قال: فإرجاع الجميع إلى المعروف من غير فرق هو اللازم، وأن على كل واحد من الزوجين من الحقوق للآخر ما جرى به العُرف والعادة من مثله لمثلها، والصواب أن المرأة إذا كانت في قوم تخدم نساؤهم أزواجهن فإنه يجب عليها أن تخدم زوجها؛ لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ومن المعروف أن تخدم الزوجة زوجها، والخدمة ليست خاصة بما يتعلق بشأن المرأة، أما إذا كانت من قوم لا تخدم نساؤهم أزواجهن فإنه لا يجب عليها في هذه الحالة أن تخدم زوجها.

قال رحمه الله: [ومن ذلك انعقاد العقود كلها بكل قول أو فعل دل على عقدها وانفساخها كذلك، فمن فرق بين لفظ ولفظ أو عقد وعقد مع استواء الجميع في الدلالة ففرقه ضعيف غير معتبر].

هنا المؤلف رحمه الله أرجع صيغة العقد إلى العُرف وهذا ليس خاصاً بعقد دون عقد بل سائر العقود كذلك، فصيغة العقد تكون راجعة إلى العُرف فإذا دل العُرف على أن هذا العقد ينعقد بكذا وكذا فإنه ينعقد به، وليس هناك صيغة محدودة ومن فرق فقال: هذا العقد ينعقد بما دل عليه العُرف وهذا العقد لا ينعقد إلا بلفظ كذا وكذا، فيقول الشيخ: هذا التفريق ضعيف، ومن ذلك تفريقهم بين البيع والنكاح، فمثلاً ينعقد البيع بل ما دل عليه من الألفاظ نحو: بعتُك، ملكتك.. إلخ، فينعقد بكل ما دل عليه العُرف من الألفاظ، وأما النكاح فقالوا: لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، والصواب كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا فرق، وأن عقد البيع ينعقد بكل ما دل عليه العُرف، وكذلك عقد النكاح أيضاً ينعقد بكل ما دل عليه العُرف.

قال رحمه الله: [ ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين شروط الموقفين والموصين ونحوهم: أن ما وافق منها الشرع اعُتبر وما خالفه ألغي، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، وهذا القول مطرد في كل الشروط كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ].

من الفروق الصحيحة أن ما وافق الشرع من شرط الموقف وشرط الموصي صحيح وما خالفه فباطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط )، أما إن كان صحيحاً فيصح سواء كان هذا الشرط من الموقف أو من الموصي؛ لحديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( المسلمون على شروطهم ).

قال رحمه الله: [وأما الأصحاب فإن كلامهم في بعض الشروط التي تخالف هذا الأصل فيه نظر، وهو ضعيف جداً، ومنها: تسوية الجد والأخوة في باب المواريث ضعيف جداً مع تناقضه].

هذا أيضاً من الفروق الضعيفة وهو: أن لا يُجعل الجد بمنزلة الأب بل يُسوى بين الجد والأخ، في باب الميراث والصواب في ذلك أنه لا فرق، وأن الجد بمنزلة الأب، وأنه يحجب الأخوة مطلقاً، فالأخوة الأشقاء يقوم الجد بحجبهم كما أن الأب يحجبهم؛ لأن الجد أب، وهذا هو مذهب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وهو مذهب أبي حنيفة وهو الصواب، فلو مات ميت عن جد وأخ شقيق فنقول: المال للجد، وأما الأخ الشقيق فإن الجد يحجبه، وكذلك أيضاً لو مات عن جد وأخوين شقيقين أو جد وأخت شقيقة.. إلخ فالصواب أن الجد يحجبهم، وأنهم لا يدخلون معه كما أن الأب يحجب هؤلاء الإخوة فكذلك أيضاً الجد يحجب هؤلاء الإخوة، والمشهور عند الجمهور التفريق، فيقولون: الأب يحجب الأخوة، وأما الجد فلا يحجبهم بل يرثون معه وحينئذ يُنظر، ولهم تفاريق كثيرة فيما يتعلق بباب الجد والأخوة، كأن ينظر ما هو الأحظ للجد هل الأحظ له المُقاسمة أو ثلث جميع المال أو الثلث.. إلخ ومن ينظر في هذه التفريعات يعلم أن التسوية بين الأب والجد في هذا الباب هو الصحيح، وأن التفريق بينهما هو الضعيف؛ لأن هذه التفريعات لو كانت صواباً لجاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع أن أغلب أحكام المواريث جاءت في نص كتاب الله عز وجل.

قال رحمه الله: [ والصواب المقطوع به: تقديم عصوبة الأصول وهم الأب والجد وإن علا على عصوبة فروعهم كالأخوة والأعمام وبنيهم، وهو الأصل المُحكم في كل الأبواب، كما فصّل ذلك في غير هذا الموضع ].

يقول المؤلف رحمه الله: الصواب أننا نُقدم الجد على الأخوة، وأن الجد يحجب الأخوة كما أن الأب يحجبهم، وكما أن الجد يُقدم في غير باب الميراث على الأخوة فكذلك أيضاً يُقدم هنا، فمثلاً في باب ولاية النكاح الذي يتولى عقد النكاح للمرأة أبوها فإن لم يكن فجدها، فإن لم يكن فأبو الجد وإن علا، أما إخوة هذه المرأة فإنهم لا يأتون إلا في المرتبة الثالثة، يعني: بعد الأصول والفروع يأتي الحواشي: الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم.