خطب ومحاضرات
أسباب رفع البلايا والمصائب
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
عباد الله! إن البلايا التي تنزل بالمسلمين والمصائب المتنوعة التي تحل بهم في أبدانهم وأموالهم، سببها معصية الله تعالى ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، فاللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا فاغفر لنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا فارحمنا، ربنا ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا، فاغفر لنا ذنوبنا جميعها، يا أرحم الراحمين.
إن البلاء لا يمكن دفعه، والمصيبة لا يمكن رفعها، إلا بالأخذ بالأسباب المنجية من ذلك، فمن أسباب دفع البلاء ورفعه:
الرجوع إلى الله تعالى، قال الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم:41-43].
وقال سبحانه: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168].
وقال تعالى: وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:48].
وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21].
فارجعوا أيها المسلمون إلى طاعة الله، واجتنبوا معصيته، يدافع الله عز وجل عنكم، وترفع عنكم البلايا والمصائب.
عباد الله! ومن أسباب رفع المصائب: التعرف إلى الله عز وجل في الرخاء، فقد أخرج الترمذي وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك) وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
ولهذا قال بعض السلف رحمهم الله: من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة.
ومن أسباب دفع البلاء والمصائب: التضرع إلى الله تعالى عند وقوع المصيبة، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43].
وقال سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76].
وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف:94].
وقال سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55-56].
عباد الله! ومن أسباب رفع المصائب من الأمراض وغيرها: دعاء الله عز وجل في تفريج الكرب، فإن الله لا يرد من دعاه، ولا يخيب من رجاه، فادعوا الله عز وجل وتضرعوا إليه.
ومن أسباب ذلك: التوكل على الله عز وجل، وحقيقة التوكل: تفويض الأمر إليه مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة، والجزم بأن الله على كل شيء قدير، الذي له الخلق والأمر، والذي يقول للشيء: كن فيكون، والذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
فعلى المسلم دائماً وأبداً أن يعلق قلبه بالله عز وجل رغبة ورهبة، وخوفاً ورجاء ومحبة، فمن توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3]، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:49].
وليحذر المسلم العُجب عند عمل الصالحات، فإن هذا محبط للعمل، ولقد لقن الله المؤمنين درساً يوم حنين حينما أعجبوا بكثرتهم، وظنوا أنها كافية في نصرهم، قال الله عز وجل: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة:25-26].
قال بعض العلماء: عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع: عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قوله تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، والله تعالى يقول: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ [الأنبياء:84]. وعجبت لمن أصابه حزن وغم كيف يغفل عن قوله تعالى: أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، والله تعالى يقول: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]، وعجبت لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن قوله تعالى: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44]، والله تعالى يقول: فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [غافر:45]، وعجبت لمن كان خائفاً كيف يغفل عن قوله تعالى: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، والله تعالى يقول: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174]!.
إن التوكل على الله سبب للهداية للحق، وسبب للوقاية من الشر، أخرج الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: (بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: كفيث ووقيت، وتنحى عنه الشيطان).
ومن أسباب دفع البلاء والمصائب: تقوى الله عز وجل، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3].
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: من أراد دوام العافية فليتق الله.
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أحسن في ليله كفي في نهاره.
فاتقوا الله أيها المسلمون! وتواصوا بها.
قيل لرجل من التابعين عند موته: أوصنا، فقال: أوصيكم بخاتمة سورة النحل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].
صنائع المعروف
وفي الترمذي أيضاً من حديث معاذ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).
وصنائع المعروف هي: الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف، من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة أو تحمل دين أو بعضه أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة، هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:91].
فأحسنوا أيها المسلمون، ولا تحقروا من المعروف شيئاً، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
أسأل الله عز وجل أن يدفع عنا وعن إخواننا المسلمين في كل مكان المصائب والبلايا والآفات، اللهم اكفنا شرور ذنوبنا ومعاصينا وشؤمها، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
التوبة والاستغفار
عباد الله! ومن أسباب رفع الآفات والمصائب: الاستغفار، فإن الاستغفار مرضاة للرب ومنجاة من سخطه، قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].
ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وقال سبحانه: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
ومن أسباب دفع المصائب: التوبة إلى الله عز وجل، قال الله عز وجل: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا [التوبة:74].
وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
فتوبوا إلى ربكم واستغفروه يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [هود:3-4].
عباد الله! ومن أسباب دفع المصائب والآفات في الأموال والأبدان: صنائع المعروف مع الآخرين، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وفي الترمذي: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء).
وفي الترمذي أيضاً من حديث معاذ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).
وصنائع المعروف هي: الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف، من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة أو تحمل دين أو بعضه أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة، هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:91].
فأحسنوا أيها المسلمون، ولا تحقروا من المعروف شيئاً، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
أسأل الله عز وجل أن يدفع عنا وعن إخواننا المسلمين في كل مكان المصائب والبلايا والآفات، اللهم اكفنا شرور ذنوبنا ومعاصينا وشؤمها، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الصيام | 2893 استماع |
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم | 2514 استماع |
مداخل الشيطان على الإنسان | 2495 استماع |
الأمن مطلب الجميع [2] | 2438 استماع |
غزوة الأحزاب | 2377 استماع |
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم | 2366 استماع |
دروس من قصة موسى مع فرعون | 2354 استماع |
دروس من الهجرة النبوية | 2352 استماع |
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء | 2211 استماع |
حقوق الصحبة والرفقة | 2182 استماع |