خطب ومحاضرات
الحث على الزواج والتحذير من عوائقه
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فيا أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه، وراقبوه دوماً ولا تعصوه.
عباد الله! من القضايا الاجتماعية التي عني بها الإسلام عناية بالغة، ورعاها رعاية فائقة، وجاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث عليها والترغيب فيها؛ سنية الزواج، قال الله عز وجل: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). ولما يترتب على الزواج من مصالح الدين والدنيا، ولما له من الحكم السامية، والمنافع المتعددة، والمعاني الكريمة، فمن مصالحه الكثيرة: الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم وبسائر الأنبياء والمرسلين.
ومن مصالحه: تكوين الأسر، وتأسيس القبيلة، وغض الأبصار، وتحصين الفروج، وكثرة النسل بقاء للنوع الإنساني، وتحقيقاً لمباهاة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن الزواج أمر محبب إلى النفوس، تقتضيه الفطرة السوية، ويحث عليه الشرع الحنيف، ويتطلبه العقل الصحيح، ويألفه الطبع السليم، به تتعارف القبائل والأسر، وتتكون الشعوب، وتتكاثر الأمم، فيه الراحة النفسية والطمأنينة القلبية والتقلب بين أعطاف النعيم، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية، ويكفيه أنه آية من آيات الله الدالة على حكمته، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه، قال الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
عباد الله! لقد عاد أمر الزواج من سنة نبوية وضرورة بشرية -عليها تلكم المصالح- وعبادة عظيمة -إذا أخلصت فيها النية- إلى مشكلة اجتماعية لا من حيث هو، وإنما من حيث ما أحدثه الناس فيه، مما لا يمت إليه بصلة، ولا يرتبط به شرعاً؛ نتيجة الانسياق وراء الأعراف والعادات المخالفة للشرع، والبحث عن المفاخرة والمباهاة على حساب الشرع الحنيف، والأخذ برأي من فطر على النقص.
عباد الله! لقد كثر الحديث عن معضلات الزواج، وطفحت فيه الكتابات والمقالات، وملأت قلوب الناس ومسامعهم، وشغلت أوقاتهم، وبحت حناجر الغيورين على مجتمعهم من التحذير مما يصاحب كثيراً من الزواجات من المشكلات والتعقيدات، بل والمحرمات والمنكرات، والتقاليد والمخالفات، والشكليات المخالفة للشرع، والتفاخر والمباهاة في الكماليات.
لقد رسم ديننا الإسلامي الحنيف المنهج الواضح في أمر الزواج بالمبادرة إليه، والحث على الاقتصاد فيه، روى الإمام أحمد والبيهقي من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم النساء بركة، أيسرهن مؤونة) فالذين يخالفون هذا المنهج بالتأخير والتسويف، والإثقال والتعقيد إنما يخالفون منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، والمسلم الحق لا يرضى لنفسه بذلك أبداً.
عزوف الشباب عن الزواج لأسباب واهية
ثم أقولها وبحق: ماذا ينفع المرأة شهاداتها إذا بقيت بلا زوج، وأصبحت أيماً؟! لم تسعد في حياتها بزوج وأولاد يكونون لها ذخراً في الحياة وبعد الممات.
فوصيتي للشباب من ذكور وإناث أن يفكروا جدياً في موضوع الزواج، متى تيسر لهم أمره، وألّا يتعلقوا بأمور مثالية في زعمهم، تكون حجر عثرة بينهم وبين ما يرومون من سعادة وينشدون من خير ونجاة، وألّا يتذرعوا بما يسمونه بتأمين المستقبل، فإن المستقبل بيد الله عز وجل، وعنده وحده العلم به.
وكذلك لا يحتجوا بمادة الرزق، فإنها من عند الله سبحانه وتعالى، مع بذل الأسباب في ذلك، قال الله عز وجل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: التمسوا الغنى في النكاح.
فعزوف الشباب من الذكور والإناث عن الزواج له مضاره وعواقبه الوخيمة، لا سيما في زمننا هذا الذي كثرت فيه أسباب الفتنة، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة بعد الله عز وجل إلا اللجوء إلى الزواج الشرعي.
وإنك لتأسف أن تجد بعض الناس قد تأخر به السن وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج، وما كثر الفساد إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين فيه، لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة، ويقضي على العفة والحياء؛ مما يرى ويقرأ ويسمع من ألوان الفساد، مما قذفت به المدنية المنحرفة، وما لفظته الحضارة الزائفة، وحدث ولا كرامة عما تبثه كثير من وسائل الإعلام، والقنوات الفضائية، وشبكات المعلومات، مما تئن منه الفضيلة ويندى له الجبين، والله المستعان.
منع النساء من زواج الأكفاء
فهناك بعض الأولياء هداهم الله خانوا الأمانة التي في أعناقهم من بناتهم بمنعهن من الأزواج من الأكفاء، ديناً وخلقاً وأمانة، فقد يتقدم إليهم الخاطب الكفء في دينه وأمانته وخلقه فيماطلونه، ويعتذرون له بأعذار واهية، وينظرون فيه إلى أمور شكلية وجوانب كمالية، ويسألون عن ماله ووظيفته ومكانته، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته.
فأين الرحمة عند هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يفكرون في العواقب والنتائج المزرية؛ مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟ وماذا لو ردوهم عن الزواج وهم في شوق إليه؟ كيف سيكون رد الفعل عندهم؟
فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله في من تحت أيديكم من البنات والأخوات، بادروا بتزويجهن متى تقدم الخاطب الكفء في دينه وخلقه، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73]، وعضل النساء ورد الأكفاء فيه جناية على النفس وعلى البنت وعلى الخاطب وعلى المجتمع كله والأمة بأسرها، وقد صرح العلماء رحمهم الله بأنه محرم.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله ضابط العضل، وأن الولي متى رد الكفء الذي بذل ما يصح مهراً ولو مرة واحدة سقطت ولايته، وقالوا أيضاً: متى تكرر الرد منه فإنه يفسق ويكون غير مقبول الشهادة.
غلاء المهور
ومما يؤسف له أن يكون سبب ذلك طمع بعض الأولياء، ومطالبتهم بمهر كبير لو جلس الزوج شطر حياته في جمع ذلك لما استطاع، فيا سبحان الله! إلى هذا الحد بلغ الطمع وحب الدنيا عند بعض الناس، وكيف تعرض المرأة الحرة الكريمة سلعة للبيع والشراء!
عباد الله! إن المهر في الإسلام وسيلة لا غاية، ومغزى لا جباية، وإن المغالاة فيه له آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على كل عاقل من تعطيل الزواج، ولم يقف الشرف عند بعض الأولياء عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن يشترط شروطاً ليست في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن يبذل للأب شيئاً من المال وللأم شيئاً آخر ولبعض الإخوة والأخوات، ونحو ذلك مما هو خروج عن منهج السلف الصالح.
قال عمر رضي الله عنه: لا تغالوا صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد في الصحيحين: (التمس ولو خاتمًا من حديد، فلما لم يجد، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على وزن نواة من ذهب.
وأنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، (فقد جاءه رجل فقال: يا رسول الله! إني تزوجت امرأة على أربع أواق من الفضة -يعني: مائة وستين درهماً، وهي تعادل في وقتنا هذا ما يقرب من ثلاثمائة ريال سعودي- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك).
فالله المستعان! كيف بحال المغالين اليوم الذين يجب الأخذ على أيديهم، وبذل الجهد لتوعيتهم وتعقلهم؟ وكان الله في عون الشباب ذوي الدخل المحدود.
الترغيب في تزويج الآباء لأبنائهم
وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن التزويج من النفقة كالطعام والشراب والكساء والسكن الذي يجب أن يكون على الوالد، فترى الأب يعضل ولده عن الزواج كما أنه يعضل بنته عن الزواج، ويلهث ذلك الشاب وراء الجمعيات الخيرية، وجمعيات مساعدة راغبي الزواج، ويضطر إلى الأخذ من الزكوات والصدقات مع غنى والده، ونسي هذا الوالد أن نفقة الزواج نفقة مخلوفة فيحرم نفسه ويقصر في واجب ولده.
تكاليف الزواج الباهظة
لماذا كل هذا؟ كيف يعرض المسلم نفسه لسخط الله عز وجل فيكون من زمرة الشياطين؛ لإسرافه وتضييعه الأموال في غير وجهها الشرعي، وأنت مسئول عنها أمام الله عز وجل، قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27].
إنه مما يندى له الجبين أن تصرف أموال طائلة كفيلة أن تسد كفاية قرى عديدة على مناسبة واحدة، في أي سبيل ذلك؟ أضركم وجود المال بين أيديكم؟ ألا تعتبرون بأحوال إخوان لكم في العقيدة ممن لا يجدون ما يسد رمقهم، ولا ما يروي لهم ظمأهم، ولا يواري عوراتهم؟ نعوذ بالله من الكفر بنعمه، ونسأله تعالى أن لا يؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، وإننا والله نخشى عقوبة الله العاجلة قبل الآجلة، كم رؤيت أكوام الأطعمة مهانة مرمية في أماكن النفايات، والعياذ بالله.
فاتقوا الله عباد الله! وتناصحوا فيما بينكم، وتعقلوا كل التعقل في موضوع الزواج، ولا تتركوا الأمر بيد غيركم من السفهاء والقاصرات.
ودعوة للمصلحين والوجهاء، والمربين والمعلمين، وأهل الحل والعقد، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، فالناس لهم تبع، ولا يكن أهل الكفر من النصارى وأهل البدع من الرافضة وغيرهم أحسن حالاً من أهل السنة والجماعة، إذ لا يكلف الزواج عندهم إلا دريهمات معدودة.
أسأله الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! من معضلات الزواج: عزوف كثير من الشباب من الجنسين عن الزواج المبكر؛ ولهم في ذلك حجج واهية، وأسباب أوهى، بعضها يعود إلى المجتمع كله، وبعضها يعود إليهم، وذلك بتعلقهم بآمال وأحلام سرابية، وخيالات وقتية، هي في الحقيقة من إيحاء الشيطان. فبعضهم يتعلق بحجة إكمال الدراسة؛ زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين مواصلة دراستهم، وتلك شبهة واهية، فمتى كان الزواج عائقاً عن التحصيل العلمي؟! بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج يعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر.
ثم أقولها وبحق: ماذا ينفع المرأة شهاداتها إذا بقيت بلا زوج، وأصبحت أيماً؟! لم تسعد في حياتها بزوج وأولاد يكونون لها ذخراً في الحياة وبعد الممات.
فوصيتي للشباب من ذكور وإناث أن يفكروا جدياً في موضوع الزواج، متى تيسر لهم أمره، وألّا يتعلقوا بأمور مثالية في زعمهم، تكون حجر عثرة بينهم وبين ما يرومون من سعادة وينشدون من خير ونجاة، وألّا يتذرعوا بما يسمونه بتأمين المستقبل، فإن المستقبل بيد الله عز وجل، وعنده وحده العلم به.
وكذلك لا يحتجوا بمادة الرزق، فإنها من عند الله سبحانه وتعالى، مع بذل الأسباب في ذلك، قال الله عز وجل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: التمسوا الغنى في النكاح.
فعزوف الشباب من الذكور والإناث عن الزواج له مضاره وعواقبه الوخيمة، لا سيما في زمننا هذا الذي كثرت فيه أسباب الفتنة، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة بعد الله عز وجل إلا اللجوء إلى الزواج الشرعي.
وإنك لتأسف أن تجد بعض الناس قد تأخر به السن وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج، وما كثر الفساد إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين فيه، لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة، ويقضي على العفة والحياء؛ مما يرى ويقرأ ويسمع من ألوان الفساد، مما قذفت به المدنية المنحرفة، وما لفظته الحضارة الزائفة، وحدث ولا كرامة عما تبثه كثير من وسائل الإعلام، والقنوات الفضائية، وشبكات المعلومات، مما تئن منه الفضيلة ويندى له الجبين، والله المستعان.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الصيام | 2892 استماع |
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم | 2514 استماع |
مداخل الشيطان على الإنسان | 2494 استماع |
الأمن مطلب الجميع [2] | 2438 استماع |
غزوة الأحزاب | 2376 استماع |
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم | 2366 استماع |
دروس من قصة موسى مع فرعون | 2354 استماع |
دروس من الهجرة النبوية | 2351 استماع |
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء | 2210 استماع |
حقوق الصحبة والرفقة | 2181 استماع |