فتنة الإخلال بالأمن


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عباد الله! إن الأمن نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده الذين آمنوا، قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].

وإنما كان نعمة لأن الإنسان لا يتمكن مع الخوف من عبادة الله عز وجل، والقيام بعمارة الأرض والعيش فيها، وخلافة الله فيها، إن الأمن هو زوال الخوف، والطمأنينة على النفس والمال والعرض.

وإذا كان العمل على تحقيق الأمن واجباً على الحكام والمحكومين في كل بلد، فهو في مثل بلدنا هذه بلد الحرمين أعظم وجوباً وأكثر تأكيداً، إذ إن المسلمين يؤمونها لتأدية ركن من أركان الإسلام لا بد لهم منه لتمام إسلامهم.

ولهذا في الحرمين جاء الشرع بالأمن حتى للشجر والحيوان، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حرم مكة: (لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها).

إن مما يخل بالأمن انحراف الفكر والغلو الذي يتولد عنه ما يسمى في يومنا هذا بالإرهاب.

إن الإرهاب هو الاعتداء المنظم من فرد أو جماعة أو دولة على النفوس البشرية أو الأموال العامة أو الخاصة، بالترويع والإيذاء والإفساد من غير وجه حق.

وحكم هذا الاعتداء في الشريعة معروف، فهو محرم شرعاً، وممنوع عرفاً وعقلاً؛ لأنه عدوان على النفس، وسعي في الأرض بالفساد، قال الله عز وجل: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].

وقد جاءت الشريعة بالمصالح الثلاث: الضرورية والحاجية والتحسينية، والمصالح الضرورية: هي حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل.

قال القرطبي رحمه الله: نهى سبحانه عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم.

وإذا تأملنا هذا الانحراف في الفكر وما تولد عنه من اعتداء، نجد أن له أسباباً:

فمن أسبابه: الخلل في منهج التلقي وأخذ العلم عن كثير ممن انحرف فكره، فتجدهم يأخذون العلم ممن لا علم عنده، ويتركون الراسخين في العلم، فلا يقتدون ولا يهتدون بما هم عليه، وقد دلت النصوص على وجوب تعظيم العلماء والتوجه إلى سؤالهم، قال الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، كما أن على العلماء أن يوسعوا للشباب صدورهم، وأن يتلقفوهم بأيد حانية، تذللهم للحق، وتصرف عاطفتهم إلى ما يرضي الله تعالى، وتوجه طاقتهم إلى ما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير والنفع.

ومن الأسباب: الجهل، والأخذ بظواهر النصوص دون فقه للمعاني، ولا اعتبار بدلالة المفهوم، ولا قواعد الاستدلال التي يعرفها العلماء ويجمعون بسببها بين النصوص، وذلك برد المتشابه إلى المحكم، والمجمل إلى المبين، ويقيدون المطلق بالمقيد، ويخصصون العام بالخاص.

ومن ذلك: الجهل بمقاصد الشريعة، وهي غاياتها والحكم والمعاني والمصالح التي شرعت الأحكام من أجلها، فتجد عند من ضل في فكره التسرع وعدم التأني وعدم الموازنة بين المصالح والمفاسد.

ومن الأسباب أيضاً: كيد الأعداء وظلمهم للمسلمين.

إن العداء بين الحق والباطل قديم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الله عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: هم مقيمون على ذلك غير تائبين ولا نازعين.

وهذا التسلط والظلم من الكفار للمسلمين يحدث عند بعض المسلمين غيرة غير مرشدة، فيتولد عنها هذا الاعتداء.

إن على الأمة المسلمة حكاماً ومحكومين الثبات على الدين وقيمه ومبادئه، فهو أساس وجودها، وسبيل نصرتها على أعدائها.

وعلينا عند حدوث هذا التسلط والظلم من الكفار أن نجتمع وأن لا نفترق، وأن نتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء، وأن نأخذ بأسباب النصر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما ما يتعلق بالتفرق والاختلاف فهو سبيل الانهزام، وهذا ما يريده الأعداء.

ومن الأسباب: التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام، فبعض وسائل الإعلام سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مسموعة في بعض البلاد الإسلامية، نجدها تهزأ بالدين وأهله، وتسخر من القيم الإسلامية وبعض أحكام الشريعة.

إن الإعلام بهذا التوجه يستثير مشاعر المسلمين، ويؤجج بواعث الغضب في نفوسهم، حمية لدينهم وانتصاراً لقيمهم الإسلامية، والواجب أن يقف الإعلام عند حدود رسالته، وأن يكون مصدر خير وإشعاع ومنبر دعوة للقيم والفضائل، ولا يقدم من خلاله إلا ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم.

ومن أسباب هذا الاعتداء: التعصب لجماعة أو لأفراد معينين، فتجد من ضل في فكره لا يأخذ من الدين والعلم والرأي إلا ما جاء عن طريق أولئك الذين يتعصب لهم، ولا يصدر إلا عن رأيهم، ومثل هذا التعصب من التفرق الذي ذمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو من فعل أهل الجاهلية.

ومما اتفقت عليه الأمة الإسلامية أن كل فرد من الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى: واعلم أنه كما يتسبب عن التعصب محق بركة العلم، وزوال ما يترتب عليه من الثواب، كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء، وهتك الحرم، وتمزيق الأعراض.

والواجب أن يغرس في النفوس تعظيم الحق الذي منبعه الكتاب والسنة والصدور عنهما والرد عند الاختلاف إليهما، قال الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ [النساء:59].

ومن الأسباب أيضاً: التقصير في بيان بعض المسائل الشرعية الملحة ومعرفتها عند كثير من الشباب، كقضية التكفير، والولاء والبراء، والجهاد وضوابطه، لاسيما مع تسلط الكفار على بعض بلاد المسلمين.

إن الواجب علينا أن نعرف مثل هذه الأشياء، وأن نتقنها، وأن نسأل عنها.

ومن الأسباب أيضاً: عيش بعض من انحرف فكره في بيئة تحمل أفكار الغلو والتكفير، والاتصال بهذه الفئات عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، والواجب التحذير منها صيانة لأبناء الأمة من مسالك الضلال.

من ذلك: الشحن العاطفي غير الموجه، والواجب على من يتصدى للتعليم والتربية الموازنة بين المصالح والمفاسد، والعناية بالتوازن في البيان والبناء، حتى يكون أثره في من تحت يديه إيجابياً، فيجمع بين تعظيم الحق والرحمة بالخلق.

ومن الأسباب: معاناة كثير من الشباب من الفراغ بأبعاده المختلفة، فالفراغ في حياة الشباب يوجد لديهم القابلية لسائر المؤثرات، سواء المتجهة إلى التفريط والانحلال، أو إلى الإفراط والغلو، فلا بد من إيجاد المحاضن التربوية من أندية طلابية، ومراكز علمية، وبرامج متكاملة، تنمي العقول، وتزكي النفوس، وترقى بالمواهب، وتسهم في غرس القيم الفاضلة في ظل عناية تامة بالإشراف والمتابعة، وهنا ينشأ الشباب نشأة سوية متوازية تبعثهم نحو الأعمال الإيجابية وتحميهم من التوجهات المنحرفة.

أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وبلادنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

أما بعد:

فإن رجال الدولة وموظفيها -سواء علت رتبهم كالأمراء والوزراء والعلماء، أو كانت دون ذلك كرجال الأمن والتعليم وسائر الموظفين- لهم حقوق علينا، فمن حقوقهم زيارتهم والنصيحة لهم، ففي حديث أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).

ومن حقهم: التعاون معهم في تنفيذ أوامرهم وإرشاداتهم، لما فيه مصلحة العباد والبلاد.

ومن حقهم: الدعاء لهم بالتوفيق والسداد.

ومن حقهم: عدم الاعتداء عليهم والذب عن أعراضهم، ومن رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.

إن الاعتداء على رجل الدولة اعتداء على المجتمع كله، ويعظم جرمه إذا كان هذا الاعتداء على مسئول له رتبة عالية، لما يترتب عليه من اختلال النظام وفساد الأمن وحلول الفوضى، ويأبى الله والمؤمنون تسويق مثل هذه الأعمال والرضا بها، فنسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا بلادنا، وأن يصلح ولاة أمرنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم، يا ذا الجلال الإكرام.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم! عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين، أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2892 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2514 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2495 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2438 استماع
غزوة الأحزاب 2376 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2366 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2354 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2351 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2211 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2181 استماع