شرح سنن أبي داود [587]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي فقام إليه رسول الله بمشقص...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستئذان.

حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أو مشاقص، قال: فكأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يختله ليطعنه) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الاستئذان.

أي: الاستئذان للدخول على الإنسان، أي: أن الإنسان يسلم ويستأذن للدخول ثم يدخل إن أذن له، هذا هو المقصود بالاستئذان الذي ترجم له أبو داود رحمه الله.

والاستئذان فائدته ألا يحصل الدخول من الشخص فيرى ما لا يريد صاحب البيت أن يراه غيره، فيحتاج الأمر إلى استئذان حتى يكون صاحب المحل قد تنبه وأخفى الشيء الذي يريد ألا يطلع عليه غيره، أو يكون الناس على غرة فيحصل من الاستئذان عدم الاطلاع على شيء من العورات، ومن أجل كون الإنسان لا يدخل إلا وقد أذن له؛ لأنه قد يكون الإنسان مشغولاً وعنده ظروف تضطره ألا يستقبل أحداً.

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: وضع عينه ينظر من في الداخل، فالرسول صلى الله عليه وسلم تنبه له وأخذ مشقصاً وهو نصل طويل، فكان يختله ليصيب عينه التي حصل منها العدوان في حال عدوانها.

قوله: [ (فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله) ] يعني: أنه يسير إليه برفق من أجل أن يصل إليه حتى يطعنه بهذا المشقص الذي معه صلى الله عليه وسلم.

وهذا يدلنا على تحريم النظر في بيوت الناس، ومن أجل ذلك جاء الاستئذان لمن يريد أن يدخل حتى لا يحصل منه الوقوع على شيء من العورات أو النظر إلى شيء لا يريد صاحب البيت أن ينظر إليه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي فقام إليه رسول الله بمشقص...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله بن أبي بكر ].

هو عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

هو جده أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات.

شرح حديث (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فقد هدرت عينه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل عن أبيه حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فقد هدرت عينه) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة في إهدار عين من اطلع على دار قوم بغير إذنهم، وهذا من قوله صلى الله عليه وسلم والأول من فعله.

قوله: [ (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فقد هدرت عينه) ] يعني: أنه لا دية له؛ لأنه هو الذي جنى على نفسه، وقد عوقب في حال حصول الجناية منه.

فإذاً: تكون عينه هدراً، فلا ضمان على من فقأها وعلى من أصابها ما دام أنه ينظر في بيت الناس بغير إذنهم.

فالحديث مثل الذي قبله، والأول من فعله، وهذا من قوله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فقد هدرت عينه)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سهيل ].

هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري عنه مقرونة.

[ عن أبيه ].

هو أبو صالح ذكوان ولقبه السمان ويقال له: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن ويبيعهما، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (إذا دخل البصر فلا إذن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني: ابن بلال - عن كثير عن الوليد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل البصر فلا إذن) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل البصر فلا إذن) يعني: أن الإنسان عندما يستأذن يستأذن وهو لا يرى ولا يدخل بصره في بيوت الناس بغير إذنهم، فإن الإذن إنما يكون من أجل البصر، كما جاء في الحديث: (إنما الاستئذان من أجل البصر).

فإذاً: الإنسان يستأذن من أجل ألا يقع بصره على شيء لا يناسب رؤيته، ولا يريد أهل البيت أن يروه، فإذا دخل البصر فلا معنى لذلك الاستئذان ولا فائدة من ورائه، وكون الإنسان يقف بالباب وينظر ثم يستأذن هذا غير صحيح، وإنما يقف في جوانب الباب ويسلم ويستأذن، وإذا أذن له اتجه إلى البيت.

والحديث في إسناده كثير بن زيد وقد ضعف الألباني الحديث بسببه، لكن الرجل حسن حديثه الحافظ ابن حجر كما ذكر ذلك الشيخ ناصر ، وأيضاً أثنى عليه عدد من الأئمة، وتضعيفه لم يأت مفسراً؛ لأن الذين ضعفوه جاء التضعيف عنهم مجملاً، وقد قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، فمثله يحسن حديثه.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا دخل البصر فلا إذن)

قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ].

الربيع بن سليمان المؤذن ثقة، أخرج له أصحاب السنن.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان يعني: ابن بلال ].

هو سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن كثير ].

هو كثير بن زيد وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن الوليد ].

هو الوليد بن رباح، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة مر ذكره.

شرح حديث (...فإنما الاستئذان من النظر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص عن الأعمش عن طلحة عن هزيل قال: (جاء رجل -قال عثمان : سعد -فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن فقام على الباب، قال عثمان : مستقبل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا عنك، أو هكذا، فإنما الاستئذان من النظر) ].

أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو: أن رجلاً وقف في الباب يستأذن فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: هكذا عنك! يعني: يشير إلى أن يكون في جوانب الباب ولا يكون في وجه الباب.

قوله: [ (فإنما الاستئذان من النظر) ]، وهذا يوضح معنى الحديث الذي قبله، يعني: إنما يستأذن الإنسان من أجل البصر، وإذا كان الإنسان يرى فمعنى ذلك أنه لم يحصل منه الشيء الذي يريده صاحب المنزل وهو ألا يطلع أحد على بيته بغير إذنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يذهب إلى جهة يمين الباب أو يساره ولا يكون في وجه الباب، حتى يرى ما بداخله، ثم بين أن الاستئذان من أجل البصر.

تراجم رجال إسناد حديث (...فإنما الاستئذان من النظر)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].

ح للتحول من إسناد إلى إسناد وأبو بكر بن أبي شيبة اسمه عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا حفص ].

هو حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن طلحة ].

هو طلحة بن مصرف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هزيل ].

هزيل وهو ثقة مخضرم، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ قال: جاء رجل قال عثمان : سعد ].

عثمان هو شيخ أبي داود الشيخ الأول أما أبو بكر فقال: جاء رجل، وكأن أبا داود ساقه على إسناد أبي بكر ، ولهذا أشار إلى قول عثمان : إنه سعد يعني: الذي جاء هو سعد.

و هزيل هذا تابعي لم يشهد القصة، فيكون الحديث مرسلاً بالنسبة للطريقة الأولى، وفي الطريقة الثانية قال: إنه سعد ، فيحتمل أن يكون روايه، ويحتمل أن يكون حكاية مثل الأول: جاء سعد أو جاء رجل، وهو بمعنى واحد وأن فيه الإرسال، ولكن الحديث الذي سيأتي ذكر فيه أن ذلك الرجل يروي عن سعد فيكون بذلك متصلاً، ويكون ذلك الرجل المبهم هو هزيل .

فقوله: [ عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد ].

هزيل هو الرجل الذي أبهم، فيكون في الإسناد الأول مسمى وأبهم في الإسناد الثاني، وعلى هذا فيكون متصلاً.

ثم يشهد له حديث سيأتي فيما بعد بمعناه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه لم يكن يستقبل الباب وإنما يكون على يمين الباب أو عن شماله، وهو عن عبد الله بن بسر : (كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه) فهذا أيضاً يشهد له.

وعلى هذا فيكون هذا الحديث متصلاً؛ لأن هذا الرجل روى عن سعد فيكون الرجل الذي أبهم في الإسناد الآتي هو الذي جاء في الإسناد الأول.

و سعد هو: ابن أبي وقاص ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

إسناد حديث (...فإنما الاستئذان من النظر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد رضي الله عنه نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

وهذا هو الإسناد الثاني.

قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ].

هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي داود الحفري ].

وهو عمر بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن سفيان ].

سفيان الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد ].

وقد مر ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستئذان.

حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أو مشاقص، قال: فكأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يختله ليطعنه) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الاستئذان.

أي: الاستئذان للدخول على الإنسان، أي: أن الإنسان يسلم ويستأذن للدخول ثم يدخل إن أذن له، هذا هو المقصود بالاستئذان الذي ترجم له أبو داود رحمه الله.

والاستئذان فائدته ألا يحصل الدخول من الشخص فيرى ما لا يريد صاحب البيت أن يراه غيره، فيحتاج الأمر إلى استئذان حتى يكون صاحب المحل قد تنبه وأخفى الشيء الذي يريد ألا يطلع عليه غيره، أو يكون الناس على غرة فيحصل من الاستئذان عدم الاطلاع على شيء من العورات، ومن أجل كون الإنسان لا يدخل إلا وقد أذن له؛ لأنه قد يكون الإنسان مشغولاً وعنده ظروف تضطره ألا يستقبل أحداً.

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: وضع عينه ينظر من في الداخل، فالرسول صلى الله عليه وسلم تنبه له وأخذ مشقصاً وهو نصل طويل، فكان يختله ليصيب عينه التي حصل منها العدوان في حال عدوانها.

قوله: [ (فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله) ] يعني: أنه يسير إليه برفق من أجل أن يصل إليه حتى يطعنه بهذا المشقص الذي معه صلى الله عليه وسلم.

وهذا يدلنا على تحريم النظر في بيوت الناس، ومن أجل ذلك جاء الاستئذان لمن يريد أن يدخل حتى لا يحصل منه الوقوع على شيء من العورات أو النظر إلى شيء لا يريد صاحب البيت أن ينظر إليه.

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله بن أبي بكر ].

هو عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

هو جده أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع