شرح سنن أبي داود [561]


الحلقة مفرغة

شرح حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأرجوحة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا بشر بن خالد حدثنا أبو أسامة قالا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال بشر :فأتتني أم رومان رضي الله عنها وأنا على أرجوحة، فذهبن بي وهيأنني وصنعنني، فأُتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع، فوقفت بي على الباب فقلت: هيه هيه -قال أبو داود : أي: تنفست- فأدخلت بيتاً فإذا فيه نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة) دخل حديث أحدهما في الآخر ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب في الأرجوحة، وهي التي يلعب بها الصبيان من البنين والبنات، والأرجوحة: أن توضع خشبة على مكان مرتفع كصخرة ونحوها ولها طرفان، ويركب على طرفيها صبيان أو صبيتان ثم يحركانها فتنزل بالأول وترتفع بالثاني، ثم تنزل بالثاني وترتفع بالأول الذي قد نزل.

وأيضاً تكون في مكان عالٍ معلقة ويركب فيها صبي ويحركها إلى الأمام وإلى الخلف، وقد يكون معه شخص آخر في هذه الأرجوحة المعلقة، ولكنها تتحقق وتحصل من شخص واحد بحيث يحركها، وأما الخشبة التي تعرض على شيء فهذه لا يحصل استعمالها إلا من صبيين، ينخفض أحدهما ثم يرتفع الآخر.

وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو في مكة ثم قدم المدينة، ولما أريد إدخالها عليه كانت تلعب في أرجوحة، فجاءتها نسوة وأمها أم رومان، فذهبن بها وأصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أدخلتها أمها عليه ضحىً، وذكرت أنها لما كانت عند الباب كان نفسها ثائراً فقالت: هيه هيه، أي: أن صوتها كان كصوت المبهوت الذي يتنفس فيحصل منه مثل هذا الصوت، ثم انتظرت حتى هدأ نفسها ثم أدخلت عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فبنى بها.

وقوله: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال بشر : فأتتني أم رومان) ].

أم رومان هي أمها.

قوله: [ (وأنا على أرجوحة، فذهبن بي وهيأنني وصنعنني، فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع، فوقفت بي على الباب فقلت: هيه هيه ) قال أبو داود: أي: تنفست ].

أي: أنها قالت هذا لأجل ثوران النفس، فلثوران نفسها ظهر بهذه الصورة، وحصل لها هذا الأمر، فالقول هو بناء على الفعل، وليس معنى ذلك أنها كانت تتكلم بهذا الكلام، وإنما حصل منها هذا الصوت الذي يحصل بسبب ثوران النفس.

قوله: [ (فأدخلت بيتاً فإذا فيه نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة) ، دخل حديث أحدهما في الآخر ].

أي: أن هؤلاء اللاتي أصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلن لها: على الخير والبركة، أي: أنكِ تزوجتِ زواجاً مباركاً، وتدخلين على زوجك وفي ذلك الخير والبركة، ولا شك أن هذا من أعظم الخير والبركة لها أن تحظى بأن تكون حليلة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

والحديث فيه دليل على تزويج الصغيرة، ومن المعلوم أن المرأة تستأذن سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولكن إذا كان الكفء له منزلة عالية من حيث الإيمان والتقى، وأراد الأب ألا يفرط فيه وأن يظفر به ولو كانت الابنة صغيرة فإن ذلك سائغ، كما حصل من أبي بكر في تزويجه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بـعائشة .

ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو بكر وعمر تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من بناتهما، وأما عثمان وعلي فتزوجا من بنات رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقوله: (دخل حديث أحدهما في الآخر) يقصد بذلك شيخي أبي داود ، ومعنى ذلك: أنه لم يميز حديث كل واحد منهما ويبين لفظه، وإنما قال: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا بشر بن خالد ].

هو بشر بن خالد العسكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا أبو أسامة ].

هو أبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قالا: حدثنا هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثمرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

وقد ترتب على هذا الزواج المبارك الخير الكثير لهذه الأمة، فإنها روت الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحفظت السنن ولا سيما في الأمور التي تتعلق بالبيوت، وفي الأمور التي تجري بين الرجل وأهله، مما كان يجري بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نسائه، فإنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها روت الشيء الكثير وحفظت الشيء الكثير، فهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

حكم تزويج الصغيرة

وتزويج الصغيرة إنما يكون لاكتساب الكفء الذي لا يفرط فيه، من جهة الدين والخلق، وليس لأمور أخرى دنيوية، أو ليست مهمة، بل المهم هو الدين والخلق.

وأما الدخول بها فإن كانت تتضرر ويلحقها ضرر فليس لأهلها أن يمكنوا منها، وليس لزوجها أن يسيء إليها وأن يلحق بها ضرراً لا تطيقه ولا تقدر عليه.

والصغيرة التي لم تبلغ إنما تزوج من أجل اكتساب الكفء الذي لا يفرط فيه، ولن يعوض إذا ذهب، أي: أنه يندر ويقل أن يوجد مثله، فهذا هو الذي يحرص عليه، وأما غيره فإنه لا بد من استئذانها، ومعلوم أن الاستئذان إنما يكون للمدركة المميزة التي تعرف مصلحة نفسها وتعقل.

ولو كبرت بعد البلوغ وكرهت هذا الزوج فإن كان صاحب دين وخلق فإنه إذا كرهته لن يحتفظ بها حتى تبلغ وحتى تعترض عليه، بل من كان هذا وصفه ومن كانت هذه منزلته فإنه عندما يجد منها كراهة سيتركها، ولن يحتفظ بها حتى تبلغ وتخاصم.

وكان شيخنا الشيخ عبد الله الخليفي رحمة الله عليه لا يرى تزويج الصغيرة، ولما قيل له في ذلك قال كلمة مستحيلة: إذا جاءك نبي يخطب بنتك فزوجها إياه، وهذا شيء مستحيل لا يقع، ولن يحصل مثلما حصل لـأبي بكر .

شرح حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا أبو أسامة مثله قال: (على خير طائر فسلمتني إليهن، فغسلن رأسي وأصلحنني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحىً فأسلمنني إليه) ].

أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من طريق أخرى في قصة زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النساء دعين بالخير والبركة، وقلن: (على خير طائر) ومعنى ذلك: الحض والنصيب، ولا شك أن هذا حظ عظيم ظفرت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو ظفرها بأن أصبحت زوجة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي كانت به إحدى أمهات المؤمنين، بل هي أحب أمهات المؤمنين إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

ثم قالت: (فسلمتني إليهن) أي: النسوة التي يصلحنها ويهيئنها.

ثم قالت: (فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحىً) أي: أنها حصلت لها مفاجأة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها ضحىً بعدما زفت إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

ثم قالت: (فأسلمنني إليه) أي: أنهن قدمنها إليه، ولكن الذي تولت ذلك هي أمها كما مر في الرواية السابقة أنها وقفت على الباب وأمها معها، وأنها تنفست ذلك التنفس الذي حكته بقولها: (هيه هيه).

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن سعيد ].

إبراهيم بن سعيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا أبو أسامة مثله ].

أبو أسامة مر ذكره، وقوله: (مثله) أي: مثل ما تقدم في الإسناد الأول.

الدعاء للمتزوجين

وفي الحديث الأول أنهن قلن: (على الخير والبركة) وفي الثاني قلن: (على خير طائر) فيمكن أنهن كن مجموعتين: مجموعة قالت كذا، ومجموعة قالت كذا.

والمعنى واحد؛ إذ لا شك أنه خير وبركة، وأكبر حظ ونصيب، وهو أنها أصبحت حليلة خير البشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وهذا من باب التفاؤل، بل هو مجزوم بأنه أعظم خير وأعظم حظ ونصيب لامرأة تتزوج من هو خير الناس.

وأما الآن فينبغي أن يقال للمتزوجين: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، هذا هو الذي ينبغي أن يقال في حال الزواج، أو يقال: زواج مبارك، أو جعله الله زواجاً مباركاً، لكن لا يقال: على خير طائر؛ لأن هذا لا يقال لكل أحد، وإنما قيل هذا لمن تزوجها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس غيرها كذلك.

شرح حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فلما قدمنا المدينة جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة، وأنا مجممة، فذهبن بي فهيأنني وصنعنني، ثم أتين بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع سنين) ].

أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وفيه ألفاظ أخرى، منها: أنها كانت مجممة، أي: أنها كانت ذات جمة، والجمة: هي الشعر، وكانت قد حصل لها مرض فتساقط شعرها، ثم نبت، فكان الذي وصل إليه شعرها في ذلك الوقت أنه كان جمة.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ].

هؤلاء كلهم مر ذكرهم في الإسناد السابق.

شرح حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من طريق رابعة وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن خالد أخبرنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة بإسناده في هذا الحديث قالت: (وأنا على الأرجوحة ومعي صواحباتي، فأدخلنني بيتاً فإذا نسوة من الأنصار، فقلن: على الخير والبركة) ].

وهذا مثل الذي قبله، والإسناد مر ذكره.

شرح حديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من طريق خامسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد -يعني ابن عمرو - عن يحيى -يعني ابن عبد الرحمن بن حاطب - قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، قالت: فوالله! إني لعلى أرجوحة بين عذقين فجاءتني أمي فأنزلتني ولي جميمة..) وساق الحديث].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنهم بعدما قدموا المدينة نزلوا في بني الحارث بن الخزرج، وأنها كانت على أرجوحة بين عذقين، والمراد بالعذق: النخلة، أي: أنها كانت على أرجوحة بين نخلتين، والعذق بفتح العين: النخلة، والعذق بكسرها: القنو الذي هو يكون فيه الثمر.

تراجم رجال إسناد الطريق الخامسة لحديث عائشة في قصة زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].

هو عبيد الله بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا أبي ].

أبوه معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد يعني ابن عمرو ].

هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى يعني ابن عبد الرحمن بن حاطب ].

يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ قال: قالت عائشة ].

عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.

والمؤلف ساق الأحاديث هذه في هذه الترجمة لبيان معنى الأرجوحة التي يلعب بها الصبيان، وإلا فقد سبق أن أورده في كتاب النكاح فيما يتعلق بالزواج.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأرجوحة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا بشر بن خالد حدثنا أبو أسامة قالا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال بشر :فأتتني أم رومان رضي الله عنها وأنا على أرجوحة، فذهبن بي وهيأنني وصنعنني، فأُتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع، فوقفت بي على الباب فقلت: هيه هيه -قال أبو داود : أي: تنفست- فأدخلت بيتاً فإذا فيه نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة) دخل حديث أحدهما في الآخر ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب في الأرجوحة، وهي التي يلعب بها الصبيان من البنين والبنات، والأرجوحة: أن توضع خشبة على مكان مرتفع كصخرة ونحوها ولها طرفان، ويركب على طرفيها صبيان أو صبيتان ثم يحركانها فتنزل بالأول وترتفع بالثاني، ثم تنزل بالثاني وترتفع بالأول الذي قد نزل.

وأيضاً تكون في مكان عالٍ معلقة ويركب فيها صبي ويحركها إلى الأمام وإلى الخلف، وقد يكون معه شخص آخر في هذه الأرجوحة المعلقة، ولكنها تتحقق وتحصل من شخص واحد بحيث يحركها، وأما الخشبة التي تعرض على شيء فهذه لا يحصل استعمالها إلا من صبيين، ينخفض أحدهما ثم يرتفع الآخر.

وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو في مكة ثم قدم المدينة، ولما أريد إدخالها عليه كانت تلعب في أرجوحة، فجاءتها نسوة وأمها أم رومان، فذهبن بها وأصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أدخلتها أمها عليه ضحىً، وذكرت أنها لما كانت عند الباب كان نفسها ثائراً فقالت: هيه هيه، أي: أن صوتها كان كصوت المبهوت الذي يتنفس فيحصل منه مثل هذا الصوت، ثم انتظرت حتى هدأ نفسها ثم أدخلت عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فبنى بها.

وقوله: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال بشر : فأتتني أم رومان) ].

أم رومان هي أمها.

قوله: [ (وأنا على أرجوحة، فذهبن بي وهيأنني وصنعنني، فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع، فوقفت بي على الباب فقلت: هيه هيه ) قال أبو داود: أي: تنفست ].

أي: أنها قالت هذا لأجل ثوران النفس، فلثوران نفسها ظهر بهذه الصورة، وحصل لها هذا الأمر، فالقول هو بناء على الفعل، وليس معنى ذلك أنها كانت تتكلم بهذا الكلام، وإنما حصل منها هذا الصوت الذي يحصل بسبب ثوران النفس.

قوله: [ (فأدخلت بيتاً فإذا فيه نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة) ، دخل حديث أحدهما في الآخر ].

أي: أن هؤلاء اللاتي أصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلن لها: على الخير والبركة، أي: أنكِ تزوجتِ زواجاً مباركاً، وتدخلين على زوجك وفي ذلك الخير والبركة، ولا شك أن هذا من أعظم الخير والبركة لها أن تحظى بأن تكون حليلة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

والحديث فيه دليل على تزويج الصغيرة، ومن المعلوم أن المرأة تستأذن سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولكن إذا كان الكفء له منزلة عالية من حيث الإيمان والتقى، وأراد الأب ألا يفرط فيه وأن يظفر به ولو كانت الابنة صغيرة فإن ذلك سائغ، كما حصل من أبي بكر في تزويجه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بـعائشة .

ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو بكر وعمر تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من بناتهما، وأما عثمان وعلي فتزوجا من بنات رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقوله: (دخل حديث أحدهما في الآخر) يقصد بذلك شيخي أبي داود ، ومعنى ذلك: أنه لم يميز حديث كل واحد منهما ويبين لفظه، وإنما قال: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا بشر بن خالد ].

هو بشر بن خالد العسكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا أبو أسامة ].

هو أبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قالا: حدثنا هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع