شرح سنن أبي داود [552]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله، أي: أن يكون ذلك المجلس الذي قام منه خالياً من ذكر الله، ولم يذكر الله عز وجل فيه، والمقصود من هذا: أن المجالس ينبغي ألا تكون خالية من ذكر الله، وينبغي أن تكون معمورة بذكر الله عز وجل، وألا تكون مجالس لهو وغفلة وسهو وليس فيها ذكر لله سبحانه وتعالى.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله عز وجل فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة).

يعني: أن هذا الذي حصل في هذا المجلس وقاموا منه إنما مثلهم كمثل الذي قام عن جيفة حمار، أي: عن شيء منتن، وحصل في ذلك المجلس شيء خبيث غير طيب، وصار قيامهم عن ذلك المجلس كهذه الهيئة السيئة الخبيثة التي قاموا فيها عن مثل جيفة حمار.

وقوله: (وكان عليهم حسرة) أي: ندامة، يعني: أنهم يندمون على ما حصل منهم في ذلك المجلس الذي عمر باللهو والغفلة، ولاسيما إذا عمر بالخوض والاشتغال والطعن في أعراض الناس، فإن ذلك يكون عليهم حسرة وندامة، ويكون شأنهم يوم القيامة أن يؤخذ من حسناتهم للذين أساءوا إليهم وتكلموا في أعراضهم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المفلس: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).

فهذا يدل على أن المجالس لا يجوز أن تعمر وأن تشغل بالغيبة والنميمة والكلام الفاحش الساقط الهابط الذي ليس بشيء، وإنما تعمر المجالس بذكر الله عز وجل؛ لأنها إذا عمرت بذكر الله حضرتها الملائكة، وإذا عمرت بغير ذلك حضرتها الشياطين، وفرق بين حضور الملائكة وحضور الشياطين، فهذا في غاية الحسن وهذا في غاية السوء.

تراجم رجال إسناد حديث (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل بن زكريا ].

هو إسماعيل بن زكريا الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ].

سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عند البخاري مقرونة، وأبوه أبو صالح ذكوان السمان ويقال: الزيات، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه.

وجه تشبيه المجلس الذي ليس فيه ذكر الله عز وجل بجيفة الحمار

ووجه التشبيه بجيفة الحمار هو الخبث والنتن، وأن الذين لم يعمروا مجالسهم بذكر الله عز وجل، وعمروها بشيء آخر، شأنهم كشأن الذين قاموا عن جيفة حمار، أي: أن هذا مذموم وهذا مذموم، وإذا كان مجلسهم يتعلق بأعراض الناس فيكون معنى ذلك أنهم أكلوا لحوم الناس ونهشوا أعراضهم، وقاموا عن هذه الصورة السيئة الخبيثة وهي أنهم قاموا عن جيفة أو نتن جيفة حمار.

وهذا الحديث يدل على أن المجالس المطلوب فيها والذي ينبغي فيها أن تعمر بذكر الله عز وجل وبما يناسب مما هو مباح، أما إذا عمرت بما هو محرم فإن ذلك يكون بهذه الصورة الذميمة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مشابهة تلك الجلسة أو ذلك الاجتماع بجيفة حمار، فالجيفة هي في حد ذاتها خبيثة، وإذا كانت جيفة حمار فهي أسوأ وأسوأ، وهذا يعني: أن هذا سوء فوق سوء، فهي جيفة، وجيفة حمار، كما يقال: حشف وسوء كيلة.

شرح حديث (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قعد مقعداًلم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من جلس مجلساً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) ، والترة: هي النقص، أي: أنه يكون عليه نقص، كما قال الله عز وجل: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35]، أي: لن ينقصكم؛ لأن الترة هي النقص، ومعنى ذلك: أنهم حصلوا على نقص، وحصلوا على ضرر، وكذلك أيضاً من اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كان عليه من الله ترة، أي: نقص، وهذا ذم وبيان لوء هذا الصنيع، وأن الإنسان في مجلسه يشتغل بذكر الله، أو لا يخلو مجلسه من ذكر الله عز وجل مع وجوب أن يخلو من الأمور المحرمة، وكذلك على الإنسان عندما يضطجع أن يذكر الله عز وجل، ولا يخلو ذلك الاضطجاع من ذكره لله سبحانه وتعالى حتى يكون له ذلك كمالاً وزيادةً في درجاته وحسناته، وإلا فإنه يكون نقصاً عليه.

وقوله: (ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) أي: من اضطجع لأجل النوم، هذا هو المقصود، ويقصد به أيضاً الجلوس، فسواء كان مضطجعاً أو جالساً كل هذا يقال له: جلوس، ولكن الاضطجاع في الغالب يكون معه النوم، والمعنى: أن الإنسان حين يريد أن ينام ويضطجع لا يخلو ذلك الاضطجاع من ذكر الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ...)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عجلان ].

هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وقد ذكر في ترجمته أنه بقي في بطن أمه أربع سنوات، أي: حملت به أمه أربع سنين.

[ عن سعيد المقبري ].

هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة قد مر ذكره.

أهمية ذكر الله عز وجل في المجالس

إذا كان هناك أناس جالسين في المجلس وأحدهم يقول: أستغفر الله وهم يسمعون، فإنهم يكونون مشتركين في هذا، ولكن لا ينبغي أن يكون الذي يذكر الله واحداً منهم وهم يغفلون عن الذكر؛ لأنه قد يكون هناك مجلس يجتمع فيه أناس وواحد منهم يذكر الله عز وجل والباقون ساهون لاهون، فكونه ذكر الله عز وجل لا يكفي عن سهوهم وعن غفلتهم ولهوهم، بل يذكرون الله عز وجل جميعاً.

وإذا كان المجلس في أمر مباح فليس فيه شيء ولكن عند قيامهم يأتون بالذكر المشروع الذي هو كفارة المجلس، هذا هو الذي ينبغي أن يكون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله، أي: أن يكون ذلك المجلس الذي قام منه خالياً من ذكر الله، ولم يذكر الله عز وجل فيه، والمقصود من هذا: أن المجالس ينبغي ألا تكون خالية من ذكر الله، وينبغي أن تكون معمورة بذكر الله عز وجل، وألا تكون مجالس لهو وغفلة وسهو وليس فيها ذكر لله سبحانه وتعالى.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله عز وجل فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة).

يعني: أن هذا الذي حصل في هذا المجلس وقاموا منه إنما مثلهم كمثل الذي قام عن جيفة حمار، أي: عن شيء منتن، وحصل في ذلك المجلس شيء خبيث غير طيب، وصار قيامهم عن ذلك المجلس كهذه الهيئة السيئة الخبيثة التي قاموا فيها عن مثل جيفة حمار.

وقوله: (وكان عليهم حسرة) أي: ندامة، يعني: أنهم يندمون على ما حصل منهم في ذلك المجلس الذي عمر باللهو والغفلة، ولاسيما إذا عمر بالخوض والاشتغال والطعن في أعراض الناس، فإن ذلك يكون عليهم حسرة وندامة، ويكون شأنهم يوم القيامة أن يؤخذ من حسناتهم للذين أساءوا إليهم وتكلموا في أعراضهم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المفلس: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).

فهذا يدل على أن المجالس لا يجوز أن تعمر وأن تشغل بالغيبة والنميمة والكلام الفاحش الساقط الهابط الذي ليس بشيء، وإنما تعمر المجالس بذكر الله عز وجل؛ لأنها إذا عمرت بذكر الله حضرتها الملائكة، وإذا عمرت بغير ذلك حضرتها الشياطين، وفرق بين حضور الملائكة وحضور الشياطين، فهذا في غاية الحسن وهذا في غاية السوء.

قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل بن زكريا ].

هو إسماعيل بن زكريا الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ].

سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عند البخاري مقرونة، وأبوه أبو صالح ذكوان السمان ويقال: الزيات، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2697 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع