شرح سنن أبي داود [518]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إنه سيكون في أمتي أقوام يكذّبون بالقدر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- قال: أخبرني أبو صخر عن نافع قال: كان لـابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: وأنه كان له صديق يكاتبه من أهل الشام، وأنه بلغه عنه أنه يقول بشيء من القدر، فكتب إليه: لا تكاتبني؛ فإني سمعت أنك تتكلم بشيء من القدر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر).

أي: أن ابن عمر رضي الله عنه أراد أن يترك مراسلته وصداقته؛ لأنه سمع عنه أنه يتكلم في القدر.

وقد ساق ابن عمر رضي الله عنه حديث جبريل الشهير عن أبيه وذلك لما جاءه اثنان من العراق، وقالا: إنه ظهر قبلنا أناس يقولون بالقدر، فقال: إذا لقيتموهم فأخبروهم أنني بريء منهم، وأنهم برآء مني، ثم ساق حديث جبريل الطويل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول حديث في (صحيح مسلم ) في كتاب الإيمان منه، وساقه من أجل قوله: (وتؤمن بالقدر خيره وشره).

تراجم رجال إسناد حديث (إنه سيكون في أمتي أقوام يكذّبون بالقدر)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن يزيد ].

هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- ].

سعيد بن أبي أيوب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو صخر ].

هو حميد بن زياد، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في (مسند علي ) وابن ماجة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح أثر الحسن البصري (... إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الجراح حدثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء، قال: (قلت للحسن: يا أبا سعيد ! أخبرني عن آدم؛ أللسماء خلق أم للأرض؟ قال: لا، بل للأرض، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له منه بد، قلت: أخبرني عن قوله تعالى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163]؟ قال: إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم) ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن البصري رحمة الله عليه، وذلك أن خالد الحذاء سأله فقال: (يا أبا سعيد ! أخبرني عن آدم؛ أللسماء خلق أم للأرض؟ قال: بل للأرض) أي: أن الله أسكنه الأرض وجعله خليفة فيها.

قوله: [ قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له منه بد ] أي: لم يكن له بد من أن يأكل من الشجرة؛ لأن الله قدر ذلك، وما دام أنه قدر فلا بد من وقوع المقدر، فلا يقال: إنه يمكن أن يعتصم أو يمتنع من الأكل بعدما وجد الأكل، وبعدما وجد المقدر، فهذا الجواب جواب عظيم، فالشيء المقدر الذي قد وقع بالفعل لا يقال: إنه يمكن خلافه؛ ولهذا قال رحمة الله عليه: (لم يكن له منه بد)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)؛ لأن ما قدره الله لا بد وأن يكون، فلا يصح أن يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، فما الذي يدريك أنه سيكون؟ إذ إنك قد تريد شيئاً ولا يقع، ولكن ما قدر فهو كائن، ولهذا قال الحسن رحمة الله عليه هنا في قضية الأكل من الشجرة: (لم يكن له منه بد)، (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك).

قوله: [ قلت: أخبرني عن قوله تعالى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163]؟ قال: إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم ].

وهذا أيضاً يبين الإيمان بالقدر، وأن قوله: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ [الصافات:162] أي كون الشياطين أو المضلين يفتنون غيرهم، ولا يفتنون أحداً إلا وقد كتب الله أنه يُفتن، وليس معنى ذلك: أنهم يوجدون هذه الفتن وليس لله تقدير لها، بل إن كل ما يحصل من هداية وضلالة فإنما يكون بقضاء الله وقدره، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17] فما قدره الله من خير أو شر، وما قدره الله من هداية أو ضلال فلابد أن يكون.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري (إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ].

عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في (مسند مالك ) وابن ماجة.

[ حدثنا حماد بن زيد ].

هو حماد بن زيد البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد الحذاء ].

هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحذاء لقب، وسبب تلقيبه بذلك أنه كان يجالس الحذائين، وهذه -كما يقولون- نسبة إلى أدنى مناسبة؛ لأن الأصل في الحذاء أنه هو الذي يبيع الأحذية، أو هو الذي يصنعها، وأما أن يلقب بذلك من يجلس عند الحذائين فهذا لا يسبق إلى الذهن، وهذا مثلما قالوا في يزيد الفقير، فالمتبادر إلى الذهن أن الفقير هو من الفقر، وهذا ليس مراداً، وإنما سبب ذلك أنه كان يشكو من فقار ظهره، فقيل له: الفقير. وقيل في سبب تلقيب الحذاء بهذا اللقب: أنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، احذ على كذا، أي: أنه كان يرسم له على مقدار النعل في الجلد شيئاً ثم يقول له: احذ عليه، أي: قص على مقدار هذا الذي رسمته لك، ثم يأتي بالمقص فيقص على هذا الرسم، فيطلع على مقدار الرجل، وهذا تقدير، ويقال له: خلق، وهو بمعنى التقدير، ولهذا يقول الشاعر:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ

ـض القوم يخلق ثم لا يفري

يعني: أنت تقدر ثم تنفذ طبقاً لتقديرك، وغيرك يقدر ولكنه عندما يريد أن يقص فإن قصه لا يستقيم، فتجده يدخل ويخرج، فتكون فيه تعاريج.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر الحسن البصري في قوله تعالى (ولذلك خلقهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا خالد الحذاء عن الحسن في قوله تعالى: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:119] قال: خلق هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه ].

أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ : خلق هؤلاء لهذه، أي: خلق أهل السعادة للجنة، وأهل الشقاوة للنار، أي: أنه قد سبق قضاء الله وقدره بأن الأشقياء للنار، وأن السعداء للجنة، لكن لا يقال: إنهم مجبورون على هذا، بل لهم عقول وإرادة ومشيئة، وقد رُغِّبوا ورُهِّبوا، فمن أقدم على سلوك الطريق الموصل إلى الجنة انتهى إليها، ومن أقدم على سلوك الطريق الموصل إلى النار انتهى إليها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، وكما قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] أي: بينا له طريق الخير والشر.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في قوله تعالى (ولذلك خلقهم)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا خالد الحذاء عن الحسن ].

خالد الحذاء والحسن قد مر ذكرهما.

شرح أثر الحسن البصري في قوله (إلا من هو صال الجحيم) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا إسماعيل حدثنا خالد الحذاء قال: قلت للحسن: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163] قال: إلا من أوجب الله تعالى عليه أنه يصلى الجحيم ].

وهذا مثل الأثر السابق، وقوله: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163] أي: إلا من قدر الله وقضى عليه أنه يصلى الجحيم، فهذا هو الذي يفتنه المضلون، وأما من لم يُكتب عليه ذلك فإنه لا يحصل له، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلى بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف).

تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في قوله (إلا من هو صال الجحيم) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا أبو كامل ].

هو أبو كامل الجحدري، وهو فضيل بن حسين، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا خالد الحذاء عن الحسن ].

خالد الحذاء والحسن قد مر ذكرهما.

شرح أثر الحسن (لأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقول: الأمر بيدي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هلال بن بشر حدثنا حماد أخبرني حميد قال: كان الحسن يقول: (لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي) ].

أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن حيث قال: (لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي) أي: أنه يخلق فعله، وأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لم يقدر عليه شيئاً، بل إن الخالق لكل شيء هو الله تعالى، فهو يفعل بمشيئته وإرادته، ولكن لا يخرج بذلك عن مشيئة الله وإرادته، والمقصود من ذلك: نفي القول بالقدر الذي يقول به القدرية، وهو أن الإنسان يخلق فعله ويوجد فعله، وأن الله لم يقدر عليه شيئاً.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن (لأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقول: الأمر بيدي)

قوله: [ حدثنا هلال بن بشر ].

هلال بن بشر، ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا حماد أخبرني حميد ].

حماد هو ابن زيد، وهو ثقة، وقد مر ذكره.

[ عن حميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن مر ذكره.

شرح أثر الحسن البصري في قوله (هل من خالق غير الله) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد قال: قدم علينا الحسن مكة، فكلمني فقهاء أهل مكة أن أكلمه في أن يجلس لهم يوماً يعظهم فيه، فقال: نعم، فاجتمعوا فخطبهم، فما رأيت أخطب منه، فقال رجل: يا أبا سعيد ! من خلق الشيطان؟ فقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر، قال الرجل: قاتلهم الله! كيف يكذبون على هذا الشيخ؟! ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن، وهو أنه قدم مكة فقال حميد: إن أهل مكة طلبوا منه أن يكلمه بأن يذكرهم ويعظهم، فأجاب إلى ذلك، قال فاجتمعوا إليه، قال: فما رأيت أخطب منه، أي: أبلغ وأفصح منه، فقال له رجل: من خلق الشيطان؟ فقال: سبحان الله! هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]؟! ثم قال: الله خلق الخير وخلق الشر، فقال الرجل: قاتلهم الله كيف يكذبون على هذا الشيخ؟! أي: كأنه نُسب إليه أنه يقول بشيء من القدر، ولهذا اختبره وسأله هذا السؤال؛ حتى يعرف هل الأمر كما يقولون أو أنه بخلاف ما يقولون، فلما تبين له أن الأمر بخلاف ما يقال دعا على أولئك الذين ينسبون إليه تلك المقولة.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد عن الحسن ].

كلهم مر ذكرهم.

شرح أثر الحسن البصري في قوله: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن حميد الطويل عن الحسن : كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [الحجر:12] قال: الشرك ].

أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن في قوله تعالى: كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [الحجر:12] قال: الشرك ] أي: أن كل شيء مقدر، فالهداية مقدرة، والغواية مقدرة، وشرك المشرك واقع بقضاء الله وقدره، وإيمان المؤمن واقع أيضاً بقضاء الله وقدره، لكن لا يقال: إنه مجبور وليس له إرادة ومشيئة، وإنما يحصل ذلك بمشيئته وإرادته التي لا تخرج عن مشيئة الله وإرادة الله.

قوله: [ حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن حميد عن الحسن ].

كلهم مر ذكرهم.

شرح أثر الحسن البصري في قوله: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن رجل قد سماه غير ابن كثير عن سفيان عن عبيد الصيد عن الحسن في قول الله عز وجل: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54] قال: بينهم وبين الإيمان ].

أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن قال: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54] قال: الإيمان.

قيل: إن ذلك يكون عند البعث، فالإيمان لا ينفعهم إذا شاهدوا العذاب.

والإسناد الأول فيه رجل مبهم، وقد سماه غير ابن كثير عن سفيان وأنه عبيد الصيد، وهو صدوق، أخرج له أبو داود.

وهذا الأثر يضعفه الشيخ الألباني، ولعل وجه ذلك: أن الرجل الذي سمى المبهم عبيد بن الصيد هو أيضاً مبهم، فقد قال في الإسناد: عن ابن كثير عن سفيان، وقد سماه غير ابن كثير عن سفيان ...

شرح أثر ابن عون قال (يكذبون على الحسن كثيراً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا سليم عن ابن عون قال: كنت أسير بالشام فناداني رجل من خلفي فالتفت فإذا رجاء بن حيوة ، فقال: يا أبا عون ! ما هذا الذي يذكرون عن الحسن ؟! قال: قلت: إنهم يكذبون على الحسن كثيراً ].

أورد المصنف هذا الأثر عن ابن عون وهو يشبه ذلك الجواب الذي قاله ذلك الرجل بمكة، وذلك لما قال: قاتلهم الله، كيف يكذبون على هذا الشيخ؟ فقال رجاء بن حيوة: ما هذا الذي نسمعه عن الحسن ؟ قال: إنهم يكذبون عليه كثيراً، والمقصود من ذلك: أنه نسب إليه شيء من القدر، وقد تبين أنه سليم من ذلك.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عون قال (يكذبون على الحسن كثيراً)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا سليم ].

سليم هو ابن أخضر وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

[ عن ابن عون ].

ابن عون هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن مر ذكره.

شرح أثر أيوب السختياني (كذب على الحسن ضربان من الناس...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد سمعت أيوب يقول: كذب على الحسن ضربان من الناس: قوم القدر رأيهم، وهم يريدون أن يُنَفِّقوا بذلك رأيهم، وقوم له في قلوبهم شنآن وبغض، يقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟ ].

أورد المصنف هذا الأثر عن أيوب السختياني أنه قال: كذب على الحسن ضربان من الناس -أي: صنفان من الناس- قوم أهل قدر يريدون أن يجروه إليهم وأن ينفقوا باطلهم بنسبة ذلك إلى الحسن، وقوم في قلوبهم شنآن -أي: بغض، فهم يضيفون إليه ما لم يقل به- فيقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟

تراجم رجال إسناد أثر أيوب السختياني (كذب على الحسن ضربان من الناس)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت أيوب ].

هو أيوب السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر قرّة بن خالد (... لا تُغلبوا على الحسن فإنه كان رأيه السنة والصواب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى أن يحيى بن كثير العنبري حدثهم قال: كان قرة بن خالد يقول لنا: يا فتيان! لا تغلبوا على الحسن فإنه كان رأيه السنة والصواب ].

أورد المصنف هذا الأثر عن قرة بن خالد أنه قال: يا فتيان! لا تغلبوا على الحسن، فإن رأيه السنة والصواب.

أي:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- قال: أخبرني أبو صخر عن نافع قال: كان لـابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: وأنه كان له صديق يكاتبه من أهل الشام، وأنه بلغه عنه أنه يقول بشيء من القدر، فكتب إليه: لا تكاتبني؛ فإني سمعت أنك تتكلم بشيء من القدر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر).

أي: أن ابن عمر رضي الله عنه أراد أن يترك مراسلته وصداقته؛ لأنه سمع عنه أنه يتكلم في القدر.

وقد ساق ابن عمر رضي الله عنه حديث جبريل الشهير عن أبيه وذلك لما جاءه اثنان من العراق، وقالا: إنه ظهر قبلنا أناس يقولون بالقدر، فقال: إذا لقيتموهم فأخبروهم أنني بريء منهم، وأنهم برآء مني، ثم ساق حديث جبريل الطويل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول حديث في (صحيح مسلم ) في كتاب الإيمان منه، وساقه من أجل قوله: (وتؤمن بالقدر خيره وشره).

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن يزيد ].

هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- ].

سعيد بن أبي أيوب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو صخر ].

هو حميد بن زياد، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في (مسند علي ) وابن ماجة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.