شرح سنن أبي داود [478]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عثمان الشحام قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس، والجالس خيراً من القائم، والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي، قال: يا رسول الله! ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على حرة ثم لينج ما استطاع النجاء) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة ]، يعني: الدخول فيها والعمل على وجودها وإذكاء نارها، والحرص على حصولها، هذا هو السعي في الفتنة، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالتحريض والتهييج وحصول الكلام الذي يحرك الناس ويجعلهم يقدمون على الفتن، ويقومون بفعل الفتن والمشاركة فيها، كل ذلك سعي في الفتنة، فالداخل في الفتنة بفعله هو ساع في الفتنة، والداعي إليها والمحرض عليها والمهيج إليها ومحرك الناس إليها أيضاً كذلك هو ساع في الفتنة، وكل ذلك لا يجوز، ومن حظ المسلم الناصح لنفسه ألا يكون سبباً في الفتنة، وألا يتسبب في الفتن، وألا يثير فتنة، ومن سوء حظه أن يثير الفتن، وأن يكون سبباً في وجودها وإيقاد نارها وحصول الضرر بها.

أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستكون فتنة يكون الجالس فيها خيراً من القائم) يعني: كل من كان أبعد عنها فهو خير ممن هو أقرب إليها، فالقاعد فيها الذي ما تحرك ولكنه دخل فيها خير من القائم؛ لأن القاعد دون القائم الذي يرى ما لا يرى القاعد، ويبصر ما لا يبصر القاعد، فالقاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي.

قوله: [ (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع خيراً من الجالس) ] المضطجع الذي ما دخل فيها، ولا نظر إليها، ولا فكر فيها.

قوله: [ (والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي)]، الذي يجري ويركض ويسرع من أجل الفتن وإذكائها وإيقاد نارها وحصولها، فالناس متفاوتون، وكل من كان أبعد عن الفتن فهو أسلم من غيره.

قوله: [ (قال: ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله) ]، يعني: في الفلاة، ليعتزل ويبتعد عن هذه الفتن، فيكون في البر مع إبله يرعاها ويشرب من لبنها، أو مع غنمه إذا كان له غنم يرعاها ويشرب من درها، أو له أرض يغرسها ويزرعها ويكون بعيداً عن الفتن، وبعيداً عن المصائب التي تحل بالناس.

قوله: [ (فمن لم يكن له شيء من ذلك؟) ]، يعني: لا يستطيع العزلة ولا الذهاب؛ لأنه ليس له شيء يخرج إليه وينشغل به، فهو يحذر أن يقع في الفتنة، وإذا كان له سيف فليعمد إلى حرة فليضرب به عليها ليكون ذلك فيه اطمئنانه إلى عدم دخوله في الفتنة، وعدم استعماله السيف لقتل المسلمين في الفتن، معنى ذلك كله: التحريص على الابتعاد عن الفتنة، وألا يكون عنده الوسائل التي تجعله يدخل فيها، وهو إما أن يكون ذلك إشارة إلى ابتعاده عن الفتن، أو أنه يحصل ذلك فعلاً حتى لو أراد أن يدخل لم تكن عنده الوسيلة أو القدرة التي يكون مشاركاً فيها، وكل ذلك حث على الابتعاد عن الفتن، والحذر من الوقوع فيها، ومن الدعوة إليها، ومن التحريض عليها؛ لأن كل ذلك من السعي في الفتن.

تراجم رجال إسناد حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عثمان الشحام ].

عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة ].

مسلم بن أبي بكرة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن أبيه ].

هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا مفضل عن عياش عن بكير عن بسر بن سعيد عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: (فقلت: يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن كابني آدم، وتلا يزيد : لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ.. [المائدة:28] الآية) ].

أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وهو يتعلق بالذي قبله، من حيث الفتنة وحصولها، قال: (أرأيت إن بسط يده إلي ليقتلني؟ قال: كن كابني آدم) يعني: ابني آدم أحدهما أراد أن يقتل الآخر، والثاني قال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] فكونك تكون مقتولاً خير من أن تكون قاتلاً، وهذا يكون وإذا صار الإنسان كذلك فهو شيء محمود، وإن أراد أن يدافع عن نفسه فليدفع بما هو أسهل وبما هو أخف، ولا يلجأ إلى الأشد إلا إذا لم يجد بداً من ذلك، ولكن كونه يكون مقتولاً أو معتدى عليه أو مظلوماً خير من أن يكون ظالماً.

تراجم رجال إسناد حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني...)

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي ].

يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا مفضل ].

هو مفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عياش ].

هو عياش بن عباس ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن بكير ].

هو بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بسر بن سعيد ].

بسر بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي ].

حسين بن عبد الرحمن الأشجعي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ أنه سمع سعد بن أبي وقاص ].

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه(... قتلاها كلهم في النار ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي حدثنا شهاب بن خراش عن القاسم بن غزوان عن إسحاق بن راشد الجزري عن سالم حدثني عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه وابصة ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر بعض حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: (قتلاها كلهم في النار) ، قال فيه: قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج، حيث لا يأمن الرجل جليسه، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان رضي الله عنه طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك رضي الله عنه فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله عنه ].

أورد أبو داود حديث ابن مسعود وحديث خريم بن فاتك رضي تعالى الله عنهما وهو يتعلق بحديث أبي بكرة المتقدم قال: (قتلاها كلهم في النار) يعني: القاتل والمقتول كلهم في النار.

قوله: [ قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج ].

الهرج الذي هو كثرة القتل.

قوله: [ حيث لا يأمن الرجل جليسه ].

يعني: تكثر الخيانة وتقل الأمانة، ولا يأمن الإنسان جليسه، فقد يعتدي عليه، وقد يكون سبباً في الاعتداء عليه.

قوله: [ قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك ].

يعني: لا تطلق لسانك في الفتنة ولا تمد يدك إليها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) .

قوله: [ وتكون حلساً من أحلاس بيتك ].

يعني: تلازم البيت، والحلس هو الفراش والوطاء الذي يوضع في البيت، فهو ثابت في البيت حتى يحرك من مكانه، ويقال للإنسان: (حلس بيته) إذا كان ملازماً له كالفراش الذي هو ملازم للأرض ولا يتحرك منها إلا إذا حرك من مكان إلى مكان، وهذا فيه إشارة إلى الابتعاد عن الفتنة، وأن الإنسان لا يكون مع أهلها وإنما يكون ملازماً لبيته.

قوله: [ فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره ].

يعني: حصل خوف من أن تكون هذه هي الفتنة قد وقعت، وقد حصلت.

قوله: [ فركبت حتى أتيت دمشق فلقيت خريم بن فاتك فحدثته فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ].

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه (... قتلاها كلهم في النار ...)

قال: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].

عمرو بن عثمان هو الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أبي ].

أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا شهاب بن خراش ].

شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .

[ عن القاسم بن غزوان ].

القاسم بن غزوان مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن إسحاق بن راشد الجزري ].

إسحاق بن راشد الجزري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن سالم ].

قال الحافظ : يحتمل أن يكون ابن أبي الجعد وهو ثقة، أو ابن أبي المهاجر ثقة، أو ابن عجلان ثقة، وإلا فمجهول، أخرج له أبو داود .

يعني: أنه مهمل ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه، ويقال له: مهمل، وهو يحتمل هؤلاء الثلاثة، وإلا فيكون مجهولاً غير معروف.

[ حدثني عمرو بن وابصة الأسدي ].

صدوق أخرج له أبو داود .

[ عن أبيه وابصة ].

هو وابصة بن معبد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن ابن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود؛ لأن فيه تسعة أشخاص، وأربعة منهم أخرج لهم أبو داود وحده، وهم: شهاب والقاسم وسالم وعمرو بن وابصة .

فهؤلاء تسعة أشخاص، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود ، وأعلى الأسانيد عنده أربعة.

[ فلقيت خريم بن فاتك ].

خريم بن فاتك صحابي، أخرج له أصحاب السنن، لكنه في طبقة الصحابة فهو وابن مسعود في طبقة واحدة.

الجمع بين قوله: (المقتول خير من القاتل) وقوله: (قتلاها كلهم في النار)

قد يرد سؤال هو: كيف نجمع بين هذا وحديث: (المقتول خير من القاتل)، وهنا قال: (قتلاها كلهم في النار

الجواب: هذا الحديث ضعفه الألباني ، ولو صح فإنه مثلما في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه).

شرح حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قِسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل -يعني: على أحد منكم- فليكن كخير ابني آدم) ].

أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو متفق مع مواضع من مع الأحاديث التي مرت.

[ قوله: (إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم) ].

القسي هي: الأقواس التي هي من أدوات الحرب في ذلك الوقت.

قوله: [ (وقطعوا أوتاركم) ]، الأوتار هي للأقواس.

قوله: [ (واضربوا سيوفكم بالحجارة)، ] معناه: حتى لا يكون عندكم سلاح، ولا يكون هناك مجال للمشاركة في الفتنة.

قوله: [ (فإن دخل على أحد منكم) ] ، يعني: في بيته، وأريد قتله، فليكن كخير ابني آدم الذي قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة:28-29].

تراجم رجال إسناد حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ].

هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن جحادة ].

محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن بن ثروان ].

عبد الرحمن بن ثروان صدوق ربما خالف، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن هزيل ].

هزيل ثقة مخضرم، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن أبي موسى الأشعري ].

هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...)

قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر رضي الله عنهما في طريق من طرق المدينة، إذ أتى على رأس منصوب فقال: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا، فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً قال: كنت مع ابن عمر في طريق من طرق المدينة، ومر على رأس منصوب، يعني: أنه قد قتل، فقال ابن عمر: (شقي قاتل هذا، ثم لما أدبر قال: وما أرى هذا إلا قد شقي) يعني: المقتول.

ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا).

أي: أن المقتول يمد رقبته له؛ لأنه إذا قتل يكون في الجنة والقاتل يكون في النار ويبوء القاتل بإثمه وإثم القتيل، كما قد حصل من أحد ابني آدم الذي قتل أخاه.

قوله: [ (فليقل هكذا) ] قال في الشرح: هو إشارة إلى مد عنقه، والحديث ضعيف، ففيه عبد الرحمن بن سميرة وهو مقبول ثم أيضاً قوله: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله، فليقل هكذا فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) . إذا كان المقصود به المقتول فهذا لا يكون متفقاً مع ما جاء في آخر الحديث من قوله: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي.

أي المقتول، وهذا لا يتفق مع الاستدلال الذي جاء في الآخر، وما ذكره في عون المعبود من أن المقصود به ابن الزبير يرد عليه بأمرين: الأمر الأول: أن ابن الزبير كان في مكة وليس في المدينة.

والأمر الثاني: لا يمكن أن يقال في ابن الزبير : قد شقي .

قوله: [ أتى على رأس منصوب ] .

يعني: مقتول ومصلوب كله أو أن الرأس نفسه معلق على حدة.

وقوله: [ فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي]، لا يعتبر تأكيداً لكلامه السابق؛ لأنه قال (وما أرى هذا) أي: المقتول (إلا قد شقي)، وهذا يمكن أن يتفق مع حديث: (القاتل والمقتول في النار) ، الذي سيأتي، لكن كونه يأتي بعده : (القاتل في النار والمقتول في الجنة)، لا يتطابق مع هذا الكلام، وأيضاً كونه يفسر بـابن الزبير أيضاً لا يستقيم.

تراجم رجال إسناد حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو عوانة ].

هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن رقبة بن مصقلة ].

رقبة بن مصقلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة أخرج له في التفسير.

[ عن عون بن أبي جحيفة ].

عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - ].

عبد الرحمن بن سميرة مقبول أخرج له أبو داود وحده.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال: أبو داود : رواه الثوري عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ].

يعني: هذه النقول التي بعد ذلك فيها اختلاف في أبي عبد الرحمن ، هل هو سمير أو سميرة أو سبرة، يعني عدة وجوه قيلت في اسم أبي عبد الرحمن هذا.

[ قال: أبو داود رواه الثوري ].

الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ].

هذا شك: سمير أو سميرة .

[ ورواه ليث بن أبي سليم عن عون ].

ليث بن أبي سليم صدوق اختلط جداً، فلم يتميز وترك. أخرج حديثه البخاري تعلي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عثمان الشحام قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس، والجالس خيراً من القائم، والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي، قال: يا رسول الله! ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على حرة ثم لينج ما استطاع النجاء) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة ]، يعني: الدخول فيها والعمل على وجودها وإذكاء نارها، والحرص على حصولها، هذا هو السعي في الفتنة، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالتحريض والتهييج وحصول الكلام الذي يحرك الناس ويجعلهم يقدمون على الفتن، ويقومون بفعل الفتن والمشاركة فيها، كل ذلك سعي في الفتنة، فالداخل في الفتنة بفعله هو ساع في الفتنة، والداعي إليها والمحرض عليها والمهيج إليها ومحرك الناس إليها أيضاً كذلك هو ساع في الفتنة، وكل ذلك لا يجوز، ومن حظ المسلم الناصح لنفسه ألا يكون سبباً في الفتنة، وألا يتسبب في الفتن، وألا يثير فتنة، ومن سوء حظه أن يثير الفتن، وأن يكون سبباً في وجودها وإيقاد نارها وحصول الضرر بها.

أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستكون فتنة يكون الجالس فيها خيراً من القائم) يعني: كل من كان أبعد عنها فهو خير ممن هو أقرب إليها، فالقاعد فيها الذي ما تحرك ولكنه دخل فيها خير من القائم؛ لأن القاعد دون القائم الذي يرى ما لا يرى القاعد، ويبصر ما لا يبصر القاعد، فالقاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي.

قوله: [ (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع خيراً من الجالس) ] المضطجع الذي ما دخل فيها، ولا نظر إليها، ولا فكر فيها.

قوله: [ (والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي)]، الذي يجري ويركض ويسرع من أجل الفتن وإذكائها وإيقاد نارها وحصولها، فالناس متفاوتون، وكل من كان أبعد عن الفتن فهو أسلم من غيره.

قوله: [ (قال: ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله) ]، يعني: في الفلاة، ليعتزل ويبتعد عن هذه الفتن، فيكون في البر مع إبله يرعاها ويشرب من لبنها، أو مع غنمه إذا كان له غنم يرعاها ويشرب من درها، أو له أرض يغرسها ويزرعها ويكون بعيداً عن الفتن، وبعيداً عن المصائب التي تحل بالناس.

قوله: [ (فمن لم يكن له شيء من ذلك؟) ]، يعني: لا يستطيع العزلة ولا الذهاب؛ لأنه ليس له شيء يخرج إليه وينشغل به، فهو يحذر أن يقع في الفتنة، وإذا كان له سيف فليعمد إلى حرة فليضرب به عليها ليكون ذلك فيه اطمئنانه إلى عدم دخوله في الفتنة، وعدم استعماله السيف لقتل المسلمين في الفتن، معنى ذلك كله: التحريص على الابتعاد عن الفتنة، وألا يكون عنده الوسائل التي تجعله يدخل فيها، وهو إما أن يكون ذلك إشارة إلى ابتعاده عن الفتن، أو أنه يحصل ذلك فعلاً حتى لو أراد أن يدخل لم تكن عنده الوسيلة أو القدرة التي يكون مشاركاً فيها، وكل ذلك حث على الابتعاد عن الفتن، والحذر من الوقوع فيها، ومن الدعوة إليها، ومن التحريض عليها؛ لأن كل ذلك من السعي في الفتن.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عثمان الشحام ].

عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة ].

مسلم بن أبي بكرة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن أبيه ].

هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2727 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2696 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع