الشعلة التي أضاءت ذهني
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
الشعلةُ التي أضاءتْ ذهنيمن محارب للإسلام والقرآن إلى معتنق لهما، ومدافع عنهما، ومتحمل في سبيلهما المشقة والعناء، ومضحٍّ من أجلهما بالدنيا العريضة، والمنزلة الراقية بين قومه، هذه حال بعض من هداهم القرآن الكريم من ظلام الكفر إلى نور الإسلام.
إنه كتاب عجب، وكلام معجز، فمهما حاربه أعداؤه، وتفننوا في تشويهه وصد الناس عنه فإنه يثبت لهم في كل زمان أنه القول الغالب الثابت على أفق التأثير رغم كل الحروب التي وجهوها نحوه، بل يبرهن لهم صدق ذلك بإقبال صناديد أعدائه على الإيمان به، واعتناق دين الإسلام، وتحولهم من محاربين أشداء له إلى منافحين أقوياء، مع شدة الصعوبات التي يلقونها في سبيل ذلك، وكثرة الإغراءات التي تبعدهم عنه.
وهنا يحق لنا أن نقول بكل ثقة ويقين: إن هذا الكتاب سيبقى عبر الأجيال منارة إشعاع توصل نور الهداية لكل أحد، ولن يقتصر نوره الوهاج على المعرضين غير المعادين، بل سيصل إلى قلوب ألد أعدائه إن شاء الله ذلك، فإن أراد الله هداية ذلك العدو فسيغسل قلبه من أدران البغض والعداوة، ويحلِّيه بطهر الحب والموالاة، وما ذلك على القرآن العظيم بعزيز.
لقد أشعلت النصرانية الحديثة حروبًا متنوعة على الإسلام والقرآن؛ لنزع ذلك من قلوب المسلمين، أو تشكيكهم فيهما، ولصد الناس عن الإقبال عليهما، ولكن الله تعالى يريهم كل يوم كثرة الإقبال على الإسلام والإيمان بالقرآن من المجتمعات النصرانية أكثر من غيرها من المجتمعات، بل إن مما يؤرقهم، ويطفئ بعض جذوات حروبهم أن يقبل على الإسلام: قسسهم، وكبار أحبارهم ورهبانهم.
فهذا إبراهيم خليل أحمد أستاذ العقائد واللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط، والراعي للكنيسة الإنجيلية، والسكرتير للإرسالية الألمانية السويسرية بأسوان والمبشر بالمسيحية بين المسلمين في الخمسينيات يهديه القرآن، ويدخله الإسلام، فمن هو إبراهيم هذا، وما قصة إسلامه، وما هي الآية التي كانت مفتاح إسلامه؟
هو[1]: إبراهيم خليل فلوبوس (وغيَّره بعد الإسلام إلى: إبراهيم خليل أحمد)، ولد في الإسكندرية عام: 1919م ، وتربى في بيت نصراني، ودرس الدين النصراني حتى تخرج من كلية اللاهوت.
وكان مما درسه بعمق: تاريخ الحركة التنصيرية بين المسلمين، ودراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتركيز على الفرق التي خرجت عن الإسلام أمثال: الإسماعيلية والعلوية والقاديانية والبهائية، وكان الهدف من ذلك كله هو زيادة المعرفة والخبرات لمحاربة القرآن بالقرآن والإسلام بالنقاط السوداء في تاريخ المسلمين، يقول عن نفسه: كنا نحاور الأزهريين وأبناء الإسلام بالقرآن لنفتنهم، فنستخدم الآيات مبتورة عن سياق النص، ونخدم بهذه المغالطة أهدافنا، وهناك كتب لدينا في الموضوع، وعلى هذا المنهج كانت رسالتي في الماجستير تحت عنوان: " كيف ندمر الإسلام بالمسلمين".
وعن قصة إسلامه يقول: في إحدى الأمسيات من عام: 1955م سمعت القرآن مذاعًا بالمذياع وسمعت قوله تعالى: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن:1-2].فكانت هاتان الآيتان بمنزلة الشعلة التي أضاءت ذهني وقلبي للبحث عن الحقيقة، وفي تلك الأمسية عكفت على قراءة القرآن حتى أشرقت شمس النهار، وكأن آيات القرآن نور يتلألأ، وكأنني أعيش في هالة من النور، ثم قرأت مرة ثانية فثالثة حتى وجدت قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف:157].
إلى أن قال: يكفي أنني لم أدرس الإسلام في البداية إلا لكي أعرف كيف أطعنه وأحاربه، ولكن النتيجة كانت عكسية، فبدأ موقفي يهتز، وبدأت أشعر بصراع داخلي بيني وبين نفسي، واكتشفت أن ما كنت أبشر به وأقوله للناس كله زيف وكذب، ثم أعلن إسلامه بعد ذلك بعد أمور ذكرها في قصة إسلامه.
إن هاتين الآيتين الكريمتين: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن:1-2].
أنارتا لإبراهيم طريق النجاة؛ لما تحويان من وصف عظيم للقرآن الكريم، حتى أقبل عليه الجن فسمعوه وأنصتوا له، وأثنوا عليه بهذا الثناء الذي يدعو غيرهم إلى أن يقبلوا على هذا الكتاب العجيب ليرشدهم إلى الإيمان، ومعنى الآيتين:
"قل -أيها الرسول-: أوحى الله إليَّ أنَّ جماعة من الجن قد استمعوا لتلاوتي للقرآن، فلما سمعوه قالوا لقومهم: إنا سمعنا قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره، يدعو إلى الحق والهدى، فصدَّقنا بهذا القرآن وعملنا به، ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحدًا في عبادته"[2].
دروس من قصة الهداية:
1- بيان القوة التأثيرية لهذا الكتاب العجب الذي يخطف القلوب بسماع آية منه أو آيتين، مما يجعل منه الوسيلة العظمى لدعوة الخلق إلى الله تعالى.
2- الكافر المنصف إذا درس القرآن دراسة متعمقة عرف أنه الحق فهداه إلى دين الإسلام، وكم أسلم بهذه الطريق من الكافرين.
3- إذا أراد الله تعالى الهداية لعبد ساقه إليه ولو كان من أشد أعدائه؛ فقلوب عباده بين يديه يقلبها كيف يشاء.
4- لا ييأس المسلم من عرض الإسلام بصورة حسنة على الكفار ولو كانوا من أعظم محاربيه.
بيان جَلَد أعداء الإسلام في محاربته، والاتجاه إلى حربه من داخله؛ لينطلقوا من نقاط الضعف في عمل المسلمين به، حتى يجعلوا ذلك قاعدة لهدمه وتشكيك الناس بصلاحيته واستقامته.
[1] ينظر: عظماء أسلموا، الصادق أحمد عبد الرحمن (16-21)، بواسطة: هذا هو القرآن العظيم د.
محمد الشريف ( 31-33).
[2] التفسير الميسر، إعداد نخبة من العلماء(10/ 273).