شرح سنن أبي داود [464]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الانتعال.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز ، حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الانتعال ] أي: في لبس النعال.

وأورد حديث جابر رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل).

فقوله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من النعال ) يستفاد منه أن الإنسان خاصة المسافر -كما جاء في الحديث أنه في السفر- يجعل معه نعالاً من باب الاحتياط، إذ إنه قال: (أكثروا من النعال )، ومعنى ذلك أن الإنسان يأخذ حاجته من النعال في سفره، سواء الذي يلبسه أو الذي يحمله معه على سبيل الاحتياط.

وفي هذا الزمان مع سهولة المواصلات ووجود النعال في كل مكان يحل فيه الإنسان، فيمكن أن يحصل ذلك عن طريق الشراء، إذا لم يحمل معه زيادة على ما يستعمله؛ وذلك لأنه إذا حصل أن فسدت نعلاه أو انقطعتا، فإنه يكون عنده شيء يقوم مقام ذلك؛ لأن الإنسان إذا مشى بغير نعال، فإنه يعرض رجليه للضرر بأن يطأ على شوك، أو على زجاج، أو يطأ على شيء يلحق به ضرراً.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)؛ لأن الانتعال مثل الركوب، ومعلوم أن الإنسان الراكب تسلم رجلاه من الضرر الذي يكون في الأرض؛ لأنه راكب ورجلاه لا تمسان الأرض؛ فكذلك إذا كان منتعلاً، فإنه بمثابة الراكب؛ لأن هناك شيئاً يحول بينه وبين الأرض وهو النعال، فيسلم مما فيها من ضرر.

وفي هذا الإشارة إلى الأخذ بالأسباب، وأن فعل الأسباب مأمور به ومطلوب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل كما هو معلوم، ومعلوم أيضاً أن اتخاذ النعال من أجل الوقاية مما يحصل في الأرض من ضرر إما من شوك أو من زجاج أو من حر رمضاء إذا كان في شدة الصيف أو غير ذلك من الأمور التي قد تحصل للإنسان ضرر بسببها، فيكون في ذلك وقاية لرجليه.

والتقوى في اللغة -كما يقول العلماء- أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية تقيه منه، وذلك مثل استعمال النعال للوقاية من الأشياء الضارة التي تكون على الأرض، فيتخذ النعال لتقيه ذلك، وتحول بينه وبين ذلك الشيء الذي يضره.

فالحديث دليل على الأخذ بالأسباب وأن الأخذ بها لا ينافي التوكل، وفيه أن الإنسان يأخذ في سفره ما يحتاج إليه من نعال وغيرها احتياطاً، لأن السفر مظنة أن يضطر إليها خلال الطريق.

وكذلك أيضاً فيه بيان فوائد النعال وأن المنتعل كالراكب، وأن الراكب يأمن من الأضرار التي تكون في الأرض كونه راكباً على الدابة؛ وكذلك الذي يكون منتعلاً قد اتخذ ما يقيه من الضرر الذي يكون في الأرض.

تراجم رجال إسناد حديث (أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)

قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي الزناد ].

هو عبد الرحمن بن أبي الزناد ، صدوق أخرج له في البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن، وأبو الزناد أبوه، واسمه عبد الله بن ذكوان ، وأبو الزناد لقب وأما كنيته فهو أبو عبد الرحمن يكنى بابنه هذا ولقبه على صيغة الكنية.

[ عن موسى بن عقبة ].

موسى بن عقبة المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان له قبالان.

وقيل في معنى القبالين: هما الخيوط التي تكون في مقدم النعل، والتي تكون بين الأصابع، يعني: متصلة بالشسع الذي يكون على جانبي وظهر القدم.

وذكر بعضهم أن كل رجل لها قبال، وهو الذي يكون بين الوسطى والتي تليها يعني: أنه سير يكون بين الإصبعين الوسطى والتي تليها.

وقيل: إنهما قبالان لكل رجل، فيكون بين الإبهام وبين التي تليها سير، وبين الوسطى والتي تليها سير آخر، فتكون كل رجل فيها قبالان، كما قاله بعض أهل اللغة.

وهو غير الشراك، فالشراك: هو الشسع، الذي يكون معترضاً.

تراجم رجال إسناد حديث (أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان)

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عن أبي داود ، وهي رباعيات.

شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائماً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى أخبرنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن ينتعل الرجل قائماً.

والمقصود كما هو واضح من لفظ الحديث: أن ينتعل الإنسان وهو جالس؛ وذلك لأنه يكون أسهل وأرفق به.

والحديث فيه النهي عن الانتعال قائماً، وقيل: إن سبب ذلك أنه قد يؤدي إلى سقوطه إذا أراد أن يشد نعليه وهو قائم، ويحتاج إلى معالجتها بيده وقد يؤدي بذلك إلى سقوطه؛ ولكنه إذا كان جالساً يكون أريح؛ أما إذا كان الأمر لا يحتاج إلى عناء وإلى مشقة، ولا يشق عليه لبسه وهو قائم كما هو موجود في كثير من النعال التي لا تحتاج إلى أن تشد، وإنما يدخل الإنسان قدمه فيها، فإنه لا بأس بلبسه قائماً، ويكون النهي محمولاً على ما إذا كان يترتب عليه مضرة، أو يخشى أن يترتب عليه مضرة، أما إذا كان ما يخشى حصول مضرة فإنه لا بأس بذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائماً)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى ].

محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى هو الملقب: صاعقة ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ أخبرنا أبو أحمد الزبيري ].

هو محمد بن عبد الله ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إبراهيم بن طهمان ].

إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير عن جابر ].

أبو الزبير مر ذكره، وجابر قد مر ذكره.

الحكم على الحديث وبيان عموم معناه

والحديث فيه عنعنة أبي الزبير ، وهو مدلس.

وعنعنة المدلسين في غير الصحيحين إذا لم يوجد ما يدل على الاتصال تكون مؤثرة، بخلاف ما إذا كانت في الصحيحين؛ لأن صاحب الصحيح اشترط الصحة فيما يذكره وفيما يأتي به، وإذا كان خارج الصحيحين لا يسلم من المقال.

إذا كان الحديث ليس له إلا الإسناد الذي فيه عنعنة أبي الزبير فعنعنته في غير الصحيحين مؤثرة، وإن صح فهو محمول على ما ذكرت، والألباني يصححه، ولكنه محمول على ما ذكرت من ناحية ما قد يحصل بسببه من الضرر، وأنه قد يحصل الوقوع.

وذكر الرجل لا مفهوم له؛ وكذلك ذكره في الحديث الذي سبق: (فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)، فهو أيضاً لا مفهوم له؛ لأن حكم الرجال والنساء واحد، ولا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام إلا فيما يأتي نص خاص يميز الرجال عن النساء، أو يميز النساء عن الرجال، وإلا فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء فذكر الرجل في الحديثين اللذين وردا في هذا الباب لا مفهوم لهما؛ لأن الرجال والنساء في ذلك سواء، ولكن الغالب أن الخطاب مع الرجال، فمن أجل ذلك جاء ذكر الرجل، وهذا كثيراً ما يأتي في الأحاديث النبوية، مثل (نهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين.. إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)، يعني: وكذلك المرأة، ومثل: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، ومثله المرأة فالأصل عموم التشريع إلا ما خصه الدليل.

نُهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، للتنزيه، ومثل هذه الأمور في الآداب الغالب أنها للتنزيه.

شرح حديث (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة، لينتعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة، لينتعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً)، هذا يدل على أن من آداب الانتعال أن الإنسان عليه أن ينتعل في رجليه جميعاً، وهو إما أن يحفيهما جميعاً أو ينتعل فيهما جميعاً، أما أن يمشي برجل انتعلت ورجل حافية، فهذا هو الذي جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عنه؛ وذلك أنه يترتب على ذلك محاذير:

منها: أن توازن الإنسان لا يحصل إذا كان لابس النعل في إحدى رجليه والأخرى حافية، وقد تكون مشيته كمشية الأعرج، لأن إحداهما عالية والأخرى منخفضة، وغير المنتعلة تتأثر فيكون ماشياً على حذر وعلى حرص على مراقبة تلك الرجل حتى لا يصيبها شيء؛ بخلاف ما إذا كان الإنسان قد نعلهما جميعاً أو أحفاهما جميعاً، فإن التوازن موجود، وقد سلم من تبعة الحفا لإحدهما والانتعال للأخرى.

وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذه المسألة، وهي النهي عن أن يكون الإنسان بعضه في الظل وبعضه في الشمس؛ لأن ذلك يكون له تأثير على الجسد؛ لأن بعضه قد يصيبه برودة لأنه في الظل، وبعضه يصيبه حرارة لأنه في الشمس، فهو إما أن يكون في الشمس كله أو يكون في الظل كله، وكذا من ينام أو يضطجع بعضه في الشمس وبعضه في الظل، ففيه ذلك المحذور الذي هو مثل محذور نعل أحد الرجلين وإحفاء أحدهما.

ومثل ذلك أيضاً القزع الذي يكون فيه حلق بعض الرأس وترك بعض الرأس، فهذا أيضاً لا يجوز؛ ولهذا جاء في قصة لأحد أبناء جعفر لما حلقوا بعض رأسه قال: (احلقوه كله أو دعوه كله)، معناه: أن الرأس يعامل معاملة واحدة فإما أن يحلق كله أو يبقى كله، ولا يحلق بعضه ويترك بعضه.

تراجم رجال إسناد حديث (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.

[ عن مالك ].

عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، المشهورة من مذاهب أهل السنة، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزناد ].

عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعرج ].

هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

العلة في النهي عن الانتعال بنعل واحدة وترك الرجل الأخرى حافية

أورد الشيخ الألباني رحمه الله حديثاً صحيحاً عند الطحاوي ، فيه: أن العلة من النهي عن لبس نعل واحدة أنها مشية الشيطان، والحديث ذكره في السلسلة الصحيحة.

وهذا تعليل بالنص، بالإضافة إلى هذه المعاني التي ذكرها العلماء.

شرح حديث (إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه، ولا يمش في خف واحد، ولا يأكل بشماله) ].

أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه، وهو بمعنى الحديث الأول الذي قبله، وفيه ذكر هذه الهيئة في الانتعال، والإشارة إلى طروئها، وهي كون الإنسان لابساً نعليه ثم ينقطع الشسع، فلا يمش في الرجل الأخرى حتى يصلحه، وهذا يفيد أنه في جميع الأحوال لا تتخذ هذه الطريقة التي هي الانتعال بإحدى الرجلين دون الأخرى، ولو كان ذلك طارئاً، ومن باب أولى إذا لم يكن طارئاً.

ثم أيضاً مما ذكروه في بيان العلة من ذلك: أنه إذا كان يمشي بنعل واحدة فهذا يستدل به على قلة الرأي، وعلى خلل في العقل، وأن من يفعل مثل هذا قد يتهم في عقله، لأن هذه هيئة قبيحة غير حسنة.

فالحديث هنا يدل على أنه في جميع الأحوال حتى في حالة انقطاع شسع إحدى النعلين فإنه يحفي الرجل الثانية، بحيث يمشي حافي الرجلين، ولا يمشي بالنعل الثانية حتى يصلح الأولى فيمشي فيهما، سواء كان ذلك طارئاً أو كان ذلك من غير طروء، كأن يكون ذلك ابتداء، فكل ذلك لا يجوز، وإذا حصل النهي عنه فيما إذا كان طارئاً كانقطاع شسع إحدى النعلين، فمن باب أولى أن يبتدئ المشي منتعلاً لإحدى الرجلين دون الأخرى.

[ (ولا يمش في خف واحد) ].

الخف مثل النعل، فلا يمشي الشخص في نعل ولا في خف واحد، لكن في الخفين جميعاً أو في النعلين جميعاً، والخف مثل النعل، إلا أن الخف كما هو معلوم يغطي الرجل ويمسح عليه بخلاف النعل.

وكذلك لا يستعمل الجورب الواحد على رجل والأخرى بلا جورب؛ لأن الجورب مثل النعل والخف.

[ (ولا يأكل بشماله)].

أيضاً: مما جاء الحديث بمنعه الأكل بالشمال، وورد في بعض الأحاديث: (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)، وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو: هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو الزبير عن جابر ].

وقد مر ذكرهما.

وهذا من الرباعيات، عند أبي داود .

شرح حديث (من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن هارون عن زياد بن سعد عن أبي نهيك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (من السنة إذا خلع الإنسان نعليه أن يضعهما بجنبه) يعني: لا يضعهما أمامه ولا عن يمينه ولا من ورائه، وإنما يضعهما بجنبه.

قيل: إنها لا توضع في اليمين؛ إكراماً لجهة اليمين، ولا يضعهما أمامه؛ لأنه يكون مستقبلاً لهما، ولا خلفه لئلا يذهب وينساهما، أو تسرقان فلا يشعر بهما؛ لكن الحديث في إسناده ضعف، وهو غير ثابت؛ لأن في سنده عبد الله بن هارون ، وهو مقبول، يعني: فهو غير ثابت.

[ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من السنة) ].

الصحابي عندما يقول: (من السنة) فإنه له حكم الرفع، أي أنه مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الحديث في إسناده ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث (من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنيه)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا صفوان بن عيسى ].

صفوان بن عيسى ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الله بن هارون ].

عبد الله بن هارون مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

[ عن زياد بن سعد ].

زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي نهيك ].

أبو نهيك هو عثمان بن نهيك ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين...) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ولتكن اليمين أولهما ينتعل وآخرهما ينزع) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ولتكن اليمنى أولهما تنتعل وآخرهما تنزع).

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يبدأ باليمين في جميع الأمور التي هي محل تكريم، وتستعمل الشمال في الأمور التي بخلاف ذلك، فيبدأ باليمين في اللبس -عندما يلبس النعلين أوالخفين أو الثوب- وكذلك عند دخول المسجد، وكذلك في جميع الأمور التي من شأنها التكريم، فإنه يبدأ باليمين، واليمنى هي التي تكرم، ولهذا كان نصيبها في التكريم أنه يبدأ بها عند اللبس، وعند النزع يبدأ باليسرى ثم تنزع اليمنى بعد ذلك، فيكون نصيبها من اللبس ومن التكريم أوفر من اليسرى؛ لأنه بدأ بها قبل اليسرى، وأيضاً ختم بها فصارت اليسرى أقل منها حظاً وأقل منها شأناً في ذلك؛ لأن تلك زادت عليها بالبداية وزادت عليها بالنهاية، وكذلك أيضاً في دخول المسجد والخروج منه، فإن اليمين تكرم بأن يبدأ دخول المسجد بها، ثم أيضاً تكرم بأن تكون اليسرى هي التي تخرج أولاً، وتبقى اليمنى فيكون نصيبها أكثر من المسجد والمكث فيه.

[ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ].

هؤلاء مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره وترجله ونعله قال: مسلم : وسواكه، ولم يذكر: في شأنه كله).

قال أبو داود : رواه عن شعبة معاذ ولم يذكر (سواكه) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله).

أي: في الأمور التي تحتاج إلى تكريم، فيبدأ بالشق الأيمن إذا جاء للترجل، وكذلك عند لبس النعل، وكذلك لبس الثوب، وهكذا في شأنه كله، والمقصود ما هو محل تكريم، ومن ذلك الوضوء والسواك.

[ قال مسلم : وسواكه ].

هو أحد شيخيه، وهو مسلم بن إبراهيم.

(وسواكه) يعني: يحب التيمن أيضاً في سواكه، فيبدأ بالشق الأيمن من فمه.

يعني: أن مسلماً ذكر سواكه.

[ ولم يذكر: في شأنه كله ].

يعني: عنده تلك الزيادة وعنده نقص، والنقص هو أنه لم يذكر: [ وفي شأنه كله ].

وأما حفص فإنه لم يذكر السواك.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ ومسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأشعث بن سليم ].

الأشعث بن سليم وهو ابن أبي الشعثاء ، ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو سليم بن الأسود ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مسروق ].

مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود : رواه عن شعبة محمد بن الصباح البزاز ، حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الانتعال ] أي: في لبس النعال.

وأورد حديث جابر رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل).

فقوله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من النعال ) يستفاد منه أن الإنسان خاصة المسافر -كما جاء في الحديث أنه في السفر- يجعل معه نعالاً من باب الاحتياط، إذ إنه قال: (أكثروا من النعال )، ومعنى ذلك أن الإنسان يأخذ حاجته من النعال في سفره، سواء الذي يلبسه أو الذي يحمله معه على سبيل الاحتياط.

وفي هذا الزمان مع سهولة المواصلات ووجود النعال في كل مكان يحل فيه الإنسان، فيمكن أن يحصل ذلك عن طريق الشراء، إذا لم يحمل معه زيادة على ما يستعمله؛ وذلك لأنه إذا حصل أن فسدت نعلاه أو انقطعتا، فإنه يكون عنده شيء يقوم مقام ذلك؛ لأن الإنسان إذا مشى بغير نعال، فإنه يعرض رجليه للضرر بأن يطأ على شوك، أو على زجاج، أو يطأ على شيء يلحق به ضرراً.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)؛ لأن الانتعال مثل الركوب، ومعلوم أن الإنسان الراكب تسلم رجلاه من الضرر الذي يكون في الأرض؛ لأنه راكب ورجلاه لا تمسان الأرض؛ فكذلك إذا كان منتعلاً، فإنه بمثابة الراكب؛ لأن هناك شيئاً يحول بينه وبين الأرض وهو النعال، فيسلم مما فيها من ضرر.

وفي هذا الإشارة إلى الأخذ بالأسباب، وأن فعل الأسباب مأمور به ومطلوب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل كما هو معلوم، ومعلوم أيضاً أن اتخاذ النعال من أجل الوقاية مما يحصل في الأرض من ضرر إما من شوك أو من زجاج أو من حر رمضاء إذا كان في شدة الصيف أو غير ذلك من الأمور التي قد تحصل للإنسان ضرر بسببها، فيكون في ذلك وقاية لرجليه.

والتقوى في اللغة -كما يقول العلماء- أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية تقيه منه، وذلك مثل استعمال النعال للوقاية من الأشياء الضارة التي تكون على الأرض، فيتخذ النعال لتقيه ذلك، وتحول بينه وبين ذلك الشيء الذي يضره.

فالحديث دليل على الأخذ بالأسباب وأن الأخذ بها لا ينافي التوكل، وفيه أن الإنسان يأخذ في سفره ما يحتاج إليه من نعال وغيرها احتياطاً، لأن السفر مظنة أن يضطر إليها خلال الطريق.

وكذلك أيضاً فيه بيان فوائد النعال وأن المنتعل كالراكب، وأن الراكب يأمن من الأضرار التي تكون في الأرض كونه راكباً على الدابة؛ وكذلك الذي يكون منتعلاً قد اتخذ ما يقيه من الضرر الذي يكون في الأرض.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع