خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4846"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مسئوليات المسلم
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من تشريف الله سبحانه وتعالى للعبد أن يهديه الصراط المستقيم، وأن ينور قلبه بنور الإيمان، ولا يمكن أن يؤمن الإنسان إلا بهذا التشريف والاجتباء، فلولا هو لما آمن أحد كما قال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:99-100].
وقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:109-111].
لكن هذا الاجتباء والاختيار الرباني تترتب عليه مسئوليات؛ لأنه على قدر التشريف يكون التكليف، فإذا شرف الله عبداً بالعقل رتب على هذا العقل التكليف، وإذا شرفه كذلك بالجوارح أسقط عنه ما كان يقابل نقصها من العذر، وإذا زاده بالعلم والمال والقوة زاده مقابل ذلك مسئوليةً عن غيره، ومسئوليات المؤمن هي على قدر تشريفه، فإن الله سبحانه وتعالى اختاره على الخلائق فاجتباه بنور الإيمان، ونور قلبه به، فجعله من عباده المهيئين لخدمته، الذين استغلهم الله سبحانه وتعالى في طاعته، وهداهم إليه صراطاً مستقيماً، وحينئذ لا بد أن تكون مسئوليته جسيمةً حيال هذا التشريف الذي شرف به.
استشعار الاستخلاف في الأرض
وإن من مسئوليات المؤمن: أنه في هذه الأرض خليفة الله سبحانه وتعالى، فهو يحرص على الإصلاح، ويحارب الفساد بكل ما يستطيعه؛ لأنه يعلم أن ما في الأرض خلق لهذا الجنس البشري، وهو مؤتمن عليه، ومن مسئولياته فيه أن يهيئه للانتفاع، وأن يحفظه، وأن لا يدع من يضيعه بوجه من الوجوه، فالناس في هذه الأرض كركاب السفينة بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فلو أن الذين في أسفلها خرقوها ليستقوا من الماء لكان ذلك سبب غرق الجميع، كما بين ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ).
فهذه الأرض مسئولية مشتركة بين سكانها وكل ما فيها من الخيرات أعد لسكانها جيلاً بعد جيل، وهو كاف لهم جميعاً، لكن إذا حصل الإفساد فيها فسيظهر أثره كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
السعي في إصلاح النفس والرعية
ثم من مسئوليات المؤمن كذلك في هذه الأرض: أن يسعى في إصلاح نفسه، وإصلاح من ولاه الله أمره، فهو يترقى في طريق الاستقامة، وهو يحذر أن يرتد على عقبيه، ويحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويسير في الاتجاه الصحيح حتى يلقى الله، ولا يتم ذلك إلا بعلم ما أمر الله بتعلمه، ثم بالعمل به، ثم بالدعوة إليه، ثم بالصبر على هذا الطريق ونكباته وأزماته حتى يلقى الله تعالى، ويختلف حاله من جيل إلى جيل، ومن وقت إلى وقت باعتبار تعرضه للفتن، فإن في هذه الأرض أماكن هي عرضة للفتن أكثر من غيرها، وفي هذا الزمان أوقات خصصها الله سبحانه وتعالى لما لم يخصص به غيرها من أنواع الفتن، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن بين يدي الساعة أياماً تكثر فيها الفتن، فيكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمر من شدة ما يعاني، وذلك في وقت الغربة الثانية، فإن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) كما أخرج مسلم في الصحيح، وغربته أنواع:
فمنها: ما كان ظاهراً في الغربة الأولى من إنكار الناس على الملتزمين به، وتشويههم لهم، ومحاولة الضغط عليهم لردهم عن دينهم بما يستطيعون من الوسائل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].
ومن مظاهر غربته كذلك: ندرة المضحين في سبيله الذين يؤثرونه على الدنيا.
الاتساء بالجيل الأول في تحمل المسئوليات
ومن مظاهر غربته كذلك: أن يكون أهله غير قائمين بحقه كما نشاهده في هذه الغربة الثانية، فإن هذا الدين هو عدل الله الذي يستحق أهل الأرض أن ينالوا نصيبهم منه، وكان على أهله أن يحملوه فيصلوا به إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكان عليهم أن يبلغوه إلى كل من يستطيعون تبليغه إليه، كما فعل الجيل الأول المبارك الذين حملوا هذا الدين بحق، وكانوا يعرفون معنى المسئولية فيقومون بها؛ ولذلك ( فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوم أحد لما قدم سيفاً فقال: من يأخذه؟ تطاولت إليه الأيدي، فقال: من يأخذه بحقه؟ فتقاصرت الأيدي )؛ لأنهم كانوا أصحاب مسئولية، ويعلمون أن الحق أمر عظيم، ( فتقدم إليه أبو دجانة لكنه يعرفه أنه سيأخذه بحقه، فلما أخذ السيف هزه وأدخل يده في جيبه فأخرج عصابة حمراء فعقدها على وجهه وتقدم يتبختر بين الصفين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله في غير هذا الموضع )، ثم لما وقف في وجه العدو أنشد مرتجلاً قوله:
أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول
ضرب غلام ماجد بهلول
فما زال يتقدم حتى انحسر العدو من بين يديه.
إن هؤلاء الجيل الأول هم الذين أدركوا المسئولية العظيمة التي تحملوها، فحاولوا أداءها بحق، حتى إن عقبة بن نافع الفهري رحمه الله لما وصل إلى ضفاف هذا البحر الذي أنتم عليه، وكان إذ ذاك يسمى بحر الظلمات غرز فيه رمحه، وعاهد الله عز وجل أن لو كان يعلم أن وراءه ذو نفس منفوسة لخاض إليه البحر حتى يبلغه دين الله أو يموت دونه.
قيام الصديق رضي الله عنه بمسئولياته
وهؤلاء الذين تحملوا هذه المسئولية فعلاً كان لتحملهم لها أثر كبير، فهذا الصديق رضي الله عنه لما توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصبح الناس كما وصفهم أنس رضي الله عنه، وارتد العرب عن دين الله وأتاه الخبر، وقف في الناس خطيباً فقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم. وأخرج سيفه من قرابه وكسر قرابه وقال: أينقص هذا الدين وأنا حي؟! فسار على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق به، وعندما أدركه الموت عهد بهذا الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما سئل عن ذلك قيل: بما تجيب ربك؟ قال: إن سئلت قلت: اللهم وليت عليهم خيرهم. فلم يخيب عمر أمله، فسار على طريقه حتى ضرب الناس بعطره كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه التي رآها، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت كأني على فم بئر وبيدي دلو بكرة، فنزعت بها ما شاء الله أن أنزع، ثم تناولها ابن أبي قحافة فانتزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يرحمه -وفي رواية:- والله يغفر له، ثم تناولها ابن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن ).
قيام عمر بن الخطاب بمسئولياته
وعندنا تحمل عمر رضي الله عنه هذه المسئولية رأى أنه لا مجال فيها للمحاباة، ولا لإيثار أحد، وكان يدعو أهل بيته قبل من سواهم، فإذا أراد أن يتقدم إلى الناس في أمر ينهاهم عنه جمع آل بيته، فقال: إني متقدم إلى الناس في هذا الأمر، فهو الذي يحلف به عمر لا ينقل إلي أن أحداً منكم فعله إلا جعلته نكالاً. وقد صح في الصحيح أنه كان اتخذ تسع أوان لأمهات المؤمنين، فكان إذا أراد أن يقسم شيئاً بين أمهات المؤمنين جعل إناء حفصة آخر الآنية، فإذا حصل نقص كان في نصيب حفصة .
وكذلك فإنه رضي الله عنه عند موته قال لابنه عبد الله : إن المسلمين إنما أعطوا هذا الرزق من بيت المال لـأبي بكر ، وأنا أخشى أن لا أكون قد قمت بما كان يقوم به أبو بكر ، فانظر إلى كل شيء أخذته من بيت المال فأعده، فإن وجدت في مال آل عمر سداداً، وإلا ففي بني عدي بن كعب، وإلا ففي أحياء قريش، فلأن يكونوا خصماً لي يوم القيامة أحب إلي من أن يخاصمني المسلمون.
هذا خليفة المسلمين الذي مكث عشر سنوات يملك مشارق الأرض ومغاربها، وتجبى إليه الخيرات من كل جانب، ويعدل في الرعية، ويسوي بينهم، ولم يختلف عليه اثنان، مع ذلك يرد راتباً كان المسلمون أعطوه في وقت الشح والقل لخليفتهم الأول أبي بكر رضي الله عنه، ولم يزد مرتب عمر عليه مع تضاعف الولاية، وتضاعف موارد بيت المال، ومع ذلك يريد أن يخرج منه، ولهذا أمر ابنه عبد الله عند موته أن يجعل خده في الأرض، فجعل يمرغ خده بالأرض ويقول: يا ويح عمر إن لم يغفر الله له، ليتني كنت حيضةً حاضتها أمي، ليتني أخرج من هذا الأمر كفافاً لا علي ولا لي.
قيام عثمان بن عفان بمسئولياته
إنه قد تحمل هذه المسئولية بهذا المستوى، وكذلك بعده جاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان أبو عمرو رضي الله عنه، فعندنا ولي الأمر استشعر عظمة ما حمله، فلما صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه، ثم ارتج عليه فلم يستطع أن يتكلم من هول هذه المسئولية الجسيمة التي تحملها، وهو يستشعر أنه يقف في موقف كان يقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر بعده، ثم عمر ، فسكت طويلاً ثم قال: أنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال، ولئن بقيت لتأتينكم الخطب على وجهها، وسيجعل الله بعد عسر يسراً، واستغفر ونزل.
وقال للمؤمنين عندما جمعهم: إني غني عن بيت مالكم فلن آخذ منه رزقاً وإنما هو مردود عليكم، فمكث إحدى عشرة سنةً وستة أشهر وهو خليفة للمسلمين، وقد تضاعفت الرقعة في أيامه، واتسعت الأموال وكثرت، ومع ذلك لم يأخذ أي راتب من بيت المال استغناء بما أغناه الله به من المال، وكان من أغنياء المهاجرين.
قيام علي بن أبي طالب بمسئولياته
وعندما تولاها علي رضي الله عنه بكى في أول بيعته تذكراً لحقوق المؤمنين، وتحملاً لهذه الأمانة الجسيمة والمسئولية العظيمة، وعندما ذكر بأنه كان قد اتفق عليه الناس وبايعه المهاجرون والأنصار إذ ذاك قال: لكني أتذكر حقوق المؤمنين فما أنا إلا أحدكم، ولكني أثقلكم حملاً، فما أنا إلا أحدكم، يستشعر بعثه هو أمام هذه المسئولية الجسيمة، ولكني أثقلكم حملاً، ثم بعد هذا ينوء بها ويؤدي حقوقها رضي الله عنه وأرضاه، فلما أصيب شهيداً في سبيل الله قيل له: أوص بهذا الأمر إلى أحد فقال: لا أتحمله حياً وميتاً، فامتنع أن يتحمل هذه الأمانة حياً وميتاً، فقال: قد تحملتها حياً فلا أتحملها ميتاً، ولم يعهد بها إلى أي أحد.
الأثر الجميل لاستشعار المسئوليات
وكذلك فإن أفراد المؤمنين عليهم من المسئوليات الجسام العظيمة ما لا بد من استشعاره في تحقيق العبودية لله في الأرض، وفي نشر الدين ونصره، وقد كان الجيل الأول كذلك يستشعرون هذه المسئوليات حتى إنهم إذا أوى أحدهم إلى فراشه، ونام على جنبه، يتذكر هذه المسئوليات، فيجد لها الحلول في نومه كما حصل لـعبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه، ( فإنه كان يعمل في مزرعته وهو يفكر في وسيلة يجمع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين للصلاة، فلما أوى إلى فراشه مرهقاً متعباً رأى رجلاً يحمل ناقوساً فساومه فيه في نومه، فقال: وما حاجتك إليه؟ قال: أريد أن آتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع به المؤمنين على الصلاة، فقال: هل لك في خير من ذلك؟ فعلمه الأذان، فاستيقظ من نومه، فجاء مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ألقه على بلال ؛ فإنه أندى منك صوتاً -وكان بلال صيتاً فصيحاً- فألقاه عليه عبد الله بن زيد ، فما فرح المؤمنون بشيء بعد الإيمان فرحهم بسماع الأذان )، وهذا الصوت العظيم المدوي الذي تنشق له هذه الأرض وتتفتح له أبواب السماء، إذا قام المؤذن ينادي: الله أكبر الله أكبر، كان أثراً من حسنات ذلك الرجل المزارع الذي كان يفكر في طريقة تجمع المؤمنين على الصلاة، ولا يزال هذا الصوت يدوي في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يزال أحسن نداء وشعار يرفع على هذه الأرض، ولن يزال كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وإن من مسئوليات المؤمن: أنه في هذه الأرض خليفة الله سبحانه وتعالى، فهو يحرص على الإصلاح، ويحارب الفساد بكل ما يستطيعه؛ لأنه يعلم أن ما في الأرض خلق لهذا الجنس البشري، وهو مؤتمن عليه، ومن مسئولياته فيه أن يهيئه للانتفاع، وأن يحفظه، وأن لا يدع من يضيعه بوجه من الوجوه، فالناس في هذه الأرض كركاب السفينة بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فلو أن الذين في أسفلها خرقوها ليستقوا من الماء لكان ذلك سبب غرق الجميع، كما بين ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ).
فهذه الأرض مسئولية مشتركة بين سكانها وكل ما فيها من الخيرات أعد لسكانها جيلاً بعد جيل، وهو كاف لهم جميعاً، لكن إذا حصل الإفساد فيها فسيظهر أثره كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].