خطب ومحاضرات
العولمة والتحديات المعاصرة [1]
الحلقة مفرغة
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].
معاشر المؤمنين: على مشارف القرن الواحد والعشرين وقبل بزوغ فجره بسنواتٍ، يحسن أن نقف على حقيقةٍ مهمةٍ وقضيةٍ خطيرة، وهي أنه يمضي على ظهور هذا الدين أكثر من أربعة عشر قرناً هجرياً لم يضعف ولم ينحرف ولم يضل الطريق، بل يزداد قوةً ومضياً وعطاءً وكثرة أتباع، دينٌ لا يمكن أن يقضي عليه خصومه، أو يوقفون حركته كما يظنون أو يتوهمون؛ تلك أمانيهم وما يضمرون، فبئست من أمانٍ وخسأت من منون.
أربعة عشر قرناً وأمة هذا الدين تجابه التحديات الخطيرة، فتستجيب لها وتخرج منها ظافرةً مرفوعة الرأس، عالية الراية، قامتها فوق الهامات وأهدافها فوق الأهداف، إن هذا الدين، قد واجه أصنافاً وألواناً من العداء والعدوان، مشركي الوثنية بقيادة الملأ من قريش .. اليهود .. المنافقين .. المرتدين .. أدعياء النبوة .. الزعامات الكاذبة .. رءوس الطواغيت في بلاد كسرى وقيصر .. الصليبيين .. المغول .. المستعمرين القدماء والمستعمرين الجدد، موجات إثر موجات يتكسر عنقها الشرس اللجوج على صخرة هذا الدين فترتد زبداً وغثاء، ولا يبقى إلا عطاء هذا الدين الذي ينفع الناس: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].
أربعة عشر قرناً وهم يقاتلون هذا الدين، في محاولةٍ مديدةٍ متواصلة، لرد أبنائه عنه، لا يرضون له، أن يمضي إلى غايته التي رسمها له الله، ولا لأبنائه أن يختاروا طريقاً شرعه الله، أربعة عشر قرناً ونداءات القرآن تحذر وتنذر فما من لحظةٍ سيلقى فيها السلاح، أو يكف الخصم فيها عن البغي والكيد: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].. وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].
فلتقر أعينكم، ولتقرَّ أعين أتباع هذا الدين في أنحاء الدنيا، ولترغم أنوف خصومه؛ فإن النصر لن يكون إلا لهذا الدين: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] تلك حقيقةٌ واضحة، وذلك أمرٌ ينطق به الوحي: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].
حقيقةٌ يؤكدها التاريخ، ويشهد لها أربعة عشر من قرناً من الصراع الذي لا يرحم، والنتيجة الواحدة التي لا تتغير أو تتبدل مهما عظمت التضحيات أو غلا الثمن، فالنصر للإسلام والانتشاء لنوره، هل ثمة من دين أو مذهب اجتاز رحلةً طولها أربعة عشر قرناً؟ أو حتى قرناً واحداً أو اثنين دون أن تتشعب به المسالك، أو تنحرف به الطرق، أو تضل به الأهداف.
عشرات الأجيال والمذاهب، قطعت خطواتٍ لكنها قصيرة، قصيرةً في الزمان والمكان، فما لبثت أن تعرضت لأكثر من محنة، فلم تصمد لها، بل ذابت شموعها أمام حرارة أعدائها، فتمزقت وتشتت وانحرفت عن الطريق وتفرق أتباعها شيعاً وأحزاباً.
لقد أكمل الله هذا الدين على يد رسوله الكريم ليكون دين البشرية الأخير، ومعنى هذا أنه دينٌ أُريد له أن يظل باقياً ما تنفس إنسانٌ على وجه البسيطة، دائماً ما طلعت الشمس من مشرقها، خالداً ما دامت السماوات والأرض، ولن يخشى عليه: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت حجر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيزٍ أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الشرك وأهله).
طيلة هذه القرون التالية وإسلامنا وديننا وعقيدتنا وأمتنا تتعرض لتحدياتٍ أقوى ما جابهت في كثيرٍ من الأحيان، تواجه أعداءً يفوقونها عدداً وعدداً لكن هذا الدين دائماً هو المتصدي لتحدياتها لكن ديننا هو المتقدم بصدره لمجابهتها، المنتصر عليها في نهاية الأمر، وليس ثمة من لا يعرف ما فعله هذا الدين وأتباعه إزاء هجمات الصليبيين وغزوات المغول، رد أولاها على أعقابها، واحتوى الثانية فإذا بالغالب القاهر يتقبل ويقبل الانتماء للدين، الذي يتصور أنه غلبه ثم يخضع له ويطيع.
اسألوا المغول والتتار، جاءوا يريدون أن يبيدوا الإسلام وأهله، فانقلبوا جنوداً له يدينون به، يعتقدون عقيدته، نعم هي تجربةٌ تكاد أن تكون نادرة بين سائر التجارب في التاريخ، أن يخضع غازٍ لمغزو! أن يخضع غالبٌ لمغلوب! لكنها في حقيقة الأمر غلبةٌ لغير الغازي، وانتصارٌ لمن هجم عليه، والسر يكمن في عظمة هذا الدين.
واليوم وديننا يقترب من عقده الثالث من القرن الخامس عشر الهجري، وهو على عتبة القرن الحادي والعشرين الميلادي، يجد نفسه محاصراً بألف تحدٍ وتحد:
ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث |
هذا الدين وأمة هذا الدين تجد نفسها محاصرة، إن الاستعمار الجديد والمادية الملحدة يضيقان الخناق شيئاً فشيئاً بالغزو الفكري والتخريب الأخلاقي، والتدمير الاجتماعي، وتجويع الشعوب، والاستنزاف الاقتصادي، والصهيونية التي أقامت أشد العنصريات في التاريخ سلفاً ووحشيةً وأنانيةً وغروراً، تضع كافة إمكانياتها جنباً إلى جنب، تضع كافة ما أوتيت مع أتباعها وبعضهم لبعضٍ ظهير؛ لسحق هذا الدين وإبادة أتباعه، وإضعافهم أو شلهم على الأقل، وغير هؤلاء وهؤلاء عشراتٌ بل مئات من الضغوط والتحديات، تظن أنها ستهدم هذا الدين، أو ستخرج بنيانه أو تهد أركانه، والسؤال الذي ربما سأله بعض أبناء المسلمين: هل سيقدر هذا الدين هذه المرة أن يخرج من المعركة الطاحنة ظافراً ومنصوراً وأعداؤه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن تحته أعداءٌ آخرون لا تعلمونهم والله يعلمهم:
وسوى الروم خلف جسمك روم فعلى أي جانبيك تميل |
نعم. إنه لمن البديهيات في عمر هذا الدين بالأربعة عشر قرناً وزيادة أن يخرج ظافراً منصوراً حيثما وجد نفسه في وضع المتحدي طال الزمان أم قصر، فالعبرة كما هو معروفٌ بنتائج الأمور وأخرياتها لا ببدايتها، والعبرة ليست بنقص البداية، لكن بكمال النهاية
والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيبة |
هناك ضروبٌ وضروبٌ من التحديات القادمة، ليست جديدةً عن هذا القرن في مضمونها أو جوهرها وحقيقتها، لكنها ربما ظهرت بلونٍ جديد، وشكلٍ غريب، واسمٍ براق، وقال: ابن مضرم : يظن البعض أنها تحديات لا تقهر، لا تبارى ولا تجارى ولا تغلب، وقد نسوا أن الله قد أهلك أمماً هي أقوى من أمم الغرب التي صنعت عابرات القارات، والتي صنعت الغواصة والقنبلة، واكتشفت الحاسب، وبحثت عن أدق العجائب في هذا الكون، إن الله من قبل قد أهلك أمماً أشد منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم:9].
اسمعوا قول الله أيضاً: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ [محمد:13].. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ [الأنعام:6].
أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شكٌ أو ريبٌ في أن الغلبة لهذا الدين؟ أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شك أو ريبٌ أن ما بلغه الأعداء من تقنيتهم ومكتشفاتهم وحضارتهم، سيكون السلاح الذي به يقتلون، والمال الذي يفتك بهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].
نعم. ينفقون أموالاً طائلة على الطابور السادس، وأموالاً طائلة على شراء العقول، وأموالاً طائلة على إفساد الانتماء، وأموالاً طائلة على حربٍ لم تأت بدبابات زاحفة، ولا بطائراتٍ راجمة، ولا بقنابل منفجرة، وإنما هي حرب الفضاء، حرب الإعلام، حرب الصورة والكلمة، ينفقون أموالاً طائلة: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].
أيها الأحبة! طالعتنا منذُ أيامٍ ليست بالقليلة، وما هي علينا بغريبة:
إذا بنيَّ ضرجوني بالدمِ |
من يلق آساد الرجال يُكلمِ |
شنشنةٌ نعرفها من أخزم |
جاءونا بمصطلحٍ جديد اسمه العولمة! فما هي هذه العولمة؟
مصطلحٌ لا تزال كثيرٌ من القنوات، وكثيرٌ من وسائل الإعلام تردده وكثيرٌ من مؤسسات صنع العقول تطرحه وتسوقه إلى المثقفين خاصة، وغيرهم عامة، ما هو مضمون هذه العولمة؟ كلمة جميلة خفيفة على اللسان؛ لكنها تحوي من السم ما يفتك بكل إنسان.
ما هو مضمون هذه العولمة؟ اسمعوا وعوا يا عباد الله! حتى لا تُخدعوا بما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان: (يأتي في آخر الزمان أناسٌ يشربون الخمرة، يسمونها بغير اسمها) وسيأتي قومٌ ينطقون بالعولمة ويتلذذون بها، ويدعون إلى تسويقها، وفتح الأذرعة لاحتضانها، وفتح القلوب لاختزالها، وفتح العقول لتخزينها، وفتح كل شيءٍ يملكونه من أجل ما يظنونه مكسباً حينما يتعاملون معها وبها ولها.
مضمون هذه العولمة: أن يتحول العالم كل العالم إلى قرية كونية واحدة صغيرة، وهذا النمط المطلوب المقصود هو النمط الغربي بنموذجه المادي، تحول العالم إلى قريةٍ واحدة على نمطٍ واحد، في نمطٍ غربيٍ في نموذجه المادي المغرق بحب السيطرة، ومعنى هذا أنه من حق الأمة المسيطرة أن تسعى لفرض ثقافتها وسلوكها ومعتقدها ومصالحها، لماذا؟ ليروج بين حينٍ وآخر أن هذه العولمة ليست شراً محضاً، ففيها مصالح شتى، وفيها فوائد كثيرة، انتقال المعلومات، ونقل التقنية، وتزحلق رءوس الأموال اللازمة، لتنمية البلدان الفقيرة والنامية والأقل نمواً.
هذا ظاهر العولمة، ولكن ما هي شروط العضوية فيها؟! بل ما هي رسوم الاشتراك للدخول إلى مسرحها؟ التي يريد الغرب من أمة الإسلام أن يكونوا مطنطنين مطبلين مقلدين لكل ما فيها!!
العولمة أيها الإخوة: لا تعني انتقال البضائع والخدمات والنقد والمعلومة والشركة والسلوك والثقافة، لا تعني انتقال هذه الأمور منفردةً مستقلةً واحدةً تلو الأخرى لتختار منها ما تشاء! وترفض ما لا ينبغي! وما لا يجوز! وتطرد ما يضر ويهلك، لا. العولمة جملةٌ متسقة متناغمة مرتبطٌ بعضها ببعض، تطبيعٌ في العقول وفي القلوب، وفي الاقتصاد، وفي الإعلام، بل وخلط للعقائد مع المبادئ مع الأخلاق مع العادات مع المذاهب، مع الآراء، مع النظريات.
كما قال الساقط قريبا في مبدئه المسمى: بـالشتيلا (balshtella) اخلطوا عقائد الأديان الخمس، واجعلوها مزيجاً واحداً، لا تجد صراعاً على وجه الأرض: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32] ولا يمكن أن تتلوث عقيدة نقية بوحيٍ معصوم مع عقائد محرفة أو أفكارٍ من زبالة أذهان البشرية.
إن العولمة تعني أن يقدم هذا الطعم كله جملةً واحدة، لا خيار.. لا خيار.. لا إرادة.. لا خيار في الانتقاء فيه، إن العولمة تعني أن تقبل الحاسب مع الموضة، وأن تقبل التقنية مع الثقافة، وأن تقبل النظرية الفيزيائية والكيميائية مع الذوبان الاجتماعي، والانصهار الأسري، والانحطاط الأخلاقي، والتردي فيه مستنقعات الرذيلة، إنها قضيةٌ لا تحتاج إلى ذكاءٍ شديدٍ لنعرف حقيقتها، بل ذكاءٌ فطريٌ يسير، يكفي لتعرف أن العولمة هي الثقافة الغربية النصرانية المادية الكافرة في نموذجها الأشد فجاجةً، والأشد غطرسةً وتعالياً.
العولمة: كلمةٌ رقيقة، لكن أنيابها مفترسة، ومخالبها جارحة، دمرت الاقتصاد في دول شرق آسيا ، ونظمت مؤامرات المرأة والسكان، والبقية قادمة.
العولمة: هي التي جعلت النمور الأسيوية تعيش مرحلةً في هزة اقتصادية غريبة وعجيبة، ونسأل الله أن يجعل العاقبة خيراً للإسلام والمسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
حاجة الأمة الإسلامية إلى إدراك ما يحاك لها
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في الدين بدعة، وكل بدعةٍ في دين الله ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.
أيها المسلمون .. إننا بحاجةٍ إلى مسلمٍ ذكيٍ واعٍ منتبهٍ يقظ ملتفت لما يحاك حوله من مؤامرات، ولما ينصب حوله من فخاخ وشباك، إننا بحاجةٍ إلى مسلمٍ يعتز بدينه، ويدرك حجم المؤامرة على بيته ونفسه وأولاده ومجتمعه، وولاة أمره وأمته، إننا بحاجة إلى مسلمٍ يمارس دوره الذي أكرمه الله به، وشرعه الله له، أما ما تراه من غثاءٍ أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن وينـزع الله المهابة من صدور أعدائكم منكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
أيها الأحبة: الحديث عن العولمة وعن خطرها له بقيةٌ في جمعةٍ قادمة، أسأل الله أن يبصرنا لنرى الأمور بعين البصائر والأبصار، لنرى الحق حقاً ونسأله أن يرزقنا اتباعه، ولنرى الباطل باطلاً ونسأله أن يرزقنا اجتنابه، وألا يجعله مشتبهاً علينا فنظل ونخزى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم آمنا بدورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أهد إمامنا وولي عهده وأصلح حالهم واجمع شملهم، ولا تفرق كلمتهم، وأعنهم وأصلح حالهم مع إخوانهم، ربنا لا تفرح علينا ولا عليهم عدوا،ً ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك بطاعتك وإعلاء كلمتك يا رب العالمين،.
اللهم توفنا على أحسن حالٍ يرضيك عنا، اللهم عاملنا بعفوك، وجازنا بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم اغفر لنا زللنا وهزلنا وجدنا وعمدنا وخطأنا وما أنت أعلم به منا، وما قدمنا وما أخرنا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم اجعل هذه الأيام القادمة، وهذا الفجر الجديد على المسلمين في إندونيسيا ، فجراً يشهد لهم بمزيد تمسكٍ بالإسلام، واجعله اللهم فجراً قادماً يرفع الظلم عن المظلوم، واجعله اللهم فجراً مؤذناً بنصرٍ يجعلهم أمتةً واحدة، يواجهون الكنيسة والنصرانية والتبشير، اللهم أصلح حالهم، واجعل اللهم قوتهم خدمةً للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآله وصحبه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
العولمة والتحديات المعاصرة [3] | 2537 استماع |
العولمة والتحديات المعاصرة [2] | 1567 استماع |