شرح سنن أبي داود [380]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) ].

قوله: [باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية]، أي: إذا كان النذر في معصية، فبعض أهل العلم يرى أنه لا كفارة عليه، ولكن جاءت أحاديث تدل على أن عليه كفارة، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين).

وقوله: (لا نذر) تحريم للنذر ومنع له ونفي له أن يوجد وهو في معصية، و(لا) نافية للجنس، وهي هنا نافية لجنس النذر، أي: لا نذر يحصل في معصية، فهو خبر بمعنى النهي، أي: لا يجوز أن ينذر في المعصية.

وقوله: (وكفارته) أي: إذا وجد (كفارة يمين) فليس معنى ذلك أنه إذا نذر معصية يتركها فقط، وإنما عليه أن يكفر عن هذه اليمين التي أتى بها في المعصية، وقد جاء في صحيح مسلم حديث: (النذر كفارته كفارة يمين)، وهو حديث مطلق، وهو يدل على أن أي نذر سواء كان في طاعة أو معصية أن كفارته كفارة يمين، ولكن هذا الحديث الذي هنا نص فيه على أن نذر المعصية فيه كفارة يمين.

تراجم رجال إسناد حديث ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين )

قوله: [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر ].

هو إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر القطيعي وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الله بن المبارك ].

هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يونس ].

يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها.

وهذا الحديث صحيح وإسناده في غاية الوضوح.

شرح حديث ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بمعناه وإسناده.

قال أبو داود : سمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك -يعني في هذا الحديث-: حدث أبو سلمة فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة ، وقال أحمد بن محمد وتصديق ذلك ما حدثنا أيوب يعني ابن سليمان ]

أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى وقال: بمعناه وإسناده، أي: بمعنى الحديث وإسناد الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب ].

ابن وهب ويونس وابن شهاب مر ذكرهم.

وقوله: [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك -يعني في هذا الحديث-: حدث أبو سلمة فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة ].

أي: أن الزهري قال: حدث أبو سلمة، فقوله: (حدث أبو سلمة) يفهم منه أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة.

وقوله: [ سمعت أحمد بن شبويه ].

هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، ويأتي ذكره بأسماء متعددة: أحمد بن محمد، وأحمد بن شبويه ، وأحمد بن محمد بن ثابت ، وأحمد بن محمد المروزي ، وهو شخص واحد، وهو ثقة أخرج له أبو داود.

قوله: [ وقال أحمد بن محمد ].

هو ابن شبويه الذي مر.

وقوله: [ وتصديق ذلك ما حدثنا أيوب، يعني ابن سليمان ].

هو أيوب بن سليمان بن بلال القرشي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

إعلال الإمام أحمد لحديث ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين )

[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث، قيل له: وصح إفساده عندك؟ وهل رواه غير ابن أبي أويس ؟ قال: أيوب كان أمثل منه -يعني أيوب بن سليمان بن بلال - وقد رواه أيوب ].

أحمد بن حنبل هو الإمام المعروف المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث، قيل له: وصح إفساده عندك؟ وهل رواه غير ابن أبي أويس ؟ فقال: أيوب كان أمثل منه. أي: أن أيوب بن سليمان بن بلال أمثل من ابن أبي أويس.

شرح حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم أن يحيى بن أبي كثير أخبره عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) ].

هذا الحديث مثل الذي قبله، ولكن الإسناد طويل، وهذا من أنزل الأسانيد؛ لأن فيه عشرة أشخاص.

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس ].

أبو بكر بن أبي أويس هو عبد الحميد بن عبد الله وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن سليمان بن بلال ].

سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي عتيق ].

هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو صدوق أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.

[ وموسى بن عقبة ].

هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

ابن شهاب مر ذكره.

[ عن سليمان بن أرقم ].

سليمان بن أرقم ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن يحيى بن أبي كثير ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة عن عائشة ].

أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.

إعلال أحمد بن محمد المروزي لحديث ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أحمد بن محمد المروزي : إنما الحديث حديث علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أراد أن سليمان بن أرقم وهم فيه، وحمله عنه الزهري ، وأرسله عن أبي سلمة عن عائشة رحمها الله ].

قوله: [ قال أحمد بن محمد المروزي : إنما الحديث حديث علي بن المبارك ].

علي بن المبارك صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير ].

محمد بن الزبير متروك، أخرج له أبو داود في المراسيل والنسائي.

[عن أبيه ].

أبوه لين الحديث، أخرج له النسائي، ولم يذكر أبا داود في التقريب لأنه أخرج له تعليقاً.

[ عن عمران بن حصين ].

هو عمران بن حصين أبو نجيد، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

والحديث من الطريق الأولى صححه الألباني ، والطريق الثانية قال: إنها صحيحة بما قبلها، والحديث في صحيح مسلم ، لكنه عام ليس فيه ذكر المعصية.

وقال الإمام ابن القيم إنه يشمل الطاعة ويشمل المعصية، يعني: الحديث الذي في مسلم، وقال: إنه جاء عن عدد من الصحابة أنهم قالوا: إن النذر بالمعصية فيه كفارة يمين، ولا شك أن كونها تلزمه فيه تأديب، حتى لا يمر مثل هذا الأمر بسلام، ودون أن يكون له تبعات، ودون أن يتحمل شيئاً في ماله بسبب هذا النذر الذي لا يجوز، والذي هو نذر المعصية.

[ قال أبو داود: روى بقية عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن الزبير بإسناد علي بن المبارك مثله ].

أي: بالإسناد الذي قبل هذا.

وقوله: [ روى بقية ].

هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن الأوزاعي ].

هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى عن محمد بن الزبير بإسناد علي بن المبارك مثله ].

يحيى ومحمد بن الزبير وعلي بن المبارك مر ذكرهم.

شرح حديث عقبة بن عامر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرني عبيد الله بن زحر أن أبا سعيد أخبره أن عبد الله بن مالك أخبره أن عقبة بن عامر رضي الله عنه أخبره (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام) ].

أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام)، أي: أن هذا النذر الذي هو عدم الاختمار نذر معصية، وكذلك نذرها أن تحج حافية ليس عليها نعال؛ لأن في ذلك مضرة ومشقة عليها.

وجاء في بعض الروايات: أنها كانت عاجزة، أو غير قادرة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مروها فلتركب ولتختمر)، لأن عدم الركوب يعود عليها بالمضرة، وكونها نذرت ألا تختمر هذا نذر معصية.

وقوله: (ولتصم ثلاثة أيام) قيل: إن المقصود من هذا أنه كفارة يمين، وهذا مبني على أنها غير قادرة؛ لأن الصيام ثلاثة أيام إنما يكون عند العجز عن الرقبة أو عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.

ومن أهل العلم من قال: إنها فدية، وإنه شيء يتعلق بالهدي؛ لأنه جاء في بعض الروايات أنها تذبح هدياً، فقالوا: إن هذه الثلاثة الأيام بدل من الهدي.

وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث لأجل هذه الزيادة التي فيها الأمر بصيام ثلاثة أيام، وقال: إن هذه جاءت من طريق عبيد الله بن زحر، وهو متكلم فيه.

لكن إن صح فهو محمول على أنها غير قادرة على الإطعام، ومن أهل العلم من قال -كما جاء في بعض الروايات الصحيحة التي ستأتي-: إنه أمرها أن تهدي، فيكون الصيام بدلاً عن الهدي، والهدي فدية عن تركها المشي الذي نذرته، ولا أدري ما وجهه؛ لأن النذر جاء أن كفارته كفارة يمين، وأما كونها فدية فقد ذكر بعض أهل العلم أنه على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الإلزام.

وأما الكفارة فتلزمها ما دام أنها خالفت نذرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين).

تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة ...)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان ].

يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: أخبرني عبيد الله بن زحر ].

عبيد الله بن زحر صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ أن أبا سعيد أخبره ].

هو أبو سعيد الرعيني ، وهو جعثل بن هاعان، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن.

[ أن عبد الله بن مالك أخبره ].

هو عبد الله بن مالك أبو تميم الجيشاني، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهناك عبد الله بن مالك اليحصبي المصري، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن.

والحافظ في التقريب رمز للجيشاني بـ(قد) أي: أخرج له أبو داود في القدر، قال صاحب عون المعبود: وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم وغير واحد أن عبد الله بن مالك اليحصبي المصري يروي عن عقبة بن عامر، وروى عنه أبو سعيد الرعيني ، وأن عبد الله بن مالك أبا تميم الجيشاني الرعيني يروي عن عمر بن الخطاب، وأبي ذر الغفاري ، وأبي نضرة الغفاري، وروى عنه عبد الله بن هبيرة الحضرمي ، وغيره، وجعلوهما اثنين، وهو أولى بالصواب، انتهى.

أي: أن الجيشاني شخص واليحصبي شخص آخر، وأما كون الحافظ رمز له بـ(قد) وذاك رمز له بـ(د) فإن حديث الجيشاني مخرج هنا في السنن.

[ أن عقبة بن عامر أخبره ].

هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

طريق أخرى لحديث عقبة بن عامر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة ...) وتراجم رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: كتب إلي يحيى بن سعيد أخبرني عبيد الله بن زحر مولى لبني ضمرة -وكان أيما رجل- أن أبا سعيد الرعيني أخبره، بإسناد يحيى ومعناه ].

ذكر أبو داود طريقاً أخرى للحديث السابق، وذكر أنها بإسناده ومعناه.

قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ].

مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: كتب إلي يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عبيد الله بن زحر ].

عبيد الله بن زحر مر ذكره.

وقوله: [ وكان أيما رجل ].

هذا ثناء عليه بأنه نعم الرجل.

[ أن أبا سعيد الرعيني أخبره، بإسناد يحيى ومعناه ].

أبو سعيد الرعيني مر ذكره.

شرح حديث ابن عباس في نذر أخت عقبة بن عامر

استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع