شرح سنن أبي داود [349]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأموال.

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس المعنى قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه قال: أرسل إلي عمر رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يا مال ! إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم قلت: لو أمرت غيري بذلك فقال: خذه، فجاءه يرفأ ، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في العباس وعلي رضي الله عنهما؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، قال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا -يعني علياً - فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين! اقض بينهما وأرحهما. قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك، فقال عمر رحمه الله: اتئدا، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي وعباس رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ فقالا: نعم. قال: فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وكان الله أفاء على رسوله بني النضير، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال.

ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس وعلي رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم.

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة)، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، فوليها أبو بكر ، فلما توفي أبو بكر قلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها، فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي.

قال أبو داود : إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، يريد أبو داود رحمه الله من هذه الترجمة ما اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاه دون أن يقسم من الأموال، وذلك في الأموال الثابتة التي يستغل ريعها مع بقاء أصلها، وهي الأراضي.

وكل ما أورده أبو داود هنا يتعلق بشيء ثابت، وقوله: من الأموال، يريد به هذا المعنى، وهناك اصطفاء في غير الأموال بغير هذا المعنى، وهو الاصطفاء في السبي، كما حصل لـصفية رضي الله تعالى عنها حيث اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ولكن الترجمة هنا يراد بها ما يتعلق بالأموال، والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقاه دون أن يقسم ودون أن يباع، وإنما يستفاد من ثمنه مع بقاء أصله، بحيث يستفاد من غلته ومن ثمرته، وليس معنى ذلك أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه بمثابة المال الذي يملكه، فإن المقصود من ذلك أنه أبقاه لينفق على نفسه منه وعلى أهل بيته، وما يبقى يكون في مصالح المسلمين، والمقصود بكونه من الصفايا أنه بقي واستفيد منه بصفة مستمرة، ولم يقسم ويوزع بين الناس، ولم يبع ويتصرف في قيمته، وإنما بقيت أصوله ويستفاد من غلته وثمرته على مر السنين.

أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض بني النضير، وهي مما أفاؤه الله على رسوله من غير قتال كما قال الله عز وجل: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وهذه الأموال أبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله قوت سنة، وذلك القوت كان ينتهي في وقت قريب؛ لكثرة بذله صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، فلا يبقى في بيته شيء مما كان يدخره لمدة السنة؛ لأنه كان ينتهي قبل ذلك؛ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجود والكرم والبذل والإحسان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وما بقي بعد ذلك ينفقه في مصالح المسلمين.

أورد أبو داود هذا الحديث الطويل الذي فيه أن مالك بن أوس بن الحدثان دعاه عمر رضي الله عنه ليأتي إليه وذلك بعدما ارتفع النهار، فجاء إليه وقال: إنه دفت دافة من قومك، وإني قد أمرت لهم بشيء فأعطهم إياه ووزعه عليهم، والمقصود بالدافة: الذين جاءوا يدفون مسرعين يريدون الإحسان والعطاء لما حصل لهم من فقر وحاجة، فطلب مالك بن أوس أن يعفيه من ذلك، حتى لا يتحمل الأمانة، فقال: خذه، وليس فيه أنه أعفاه، وإنما أمره بأخذه، والذي يظهر أنه هو الذي تولى ذلك؛ لأنه ما جاء شيء يفيد بأن عمر اختار غيره وأسنده إلى غيره.

ويرفأ هو الذي كان على الباب يخبر بمن يستأذن فقال: هل لك -يا أمير المؤمنين- في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد ، وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فدخلوا عليه، ثم بعد ذلك جاء يخبره عن علي والعباس رضي الله عنهما وأنهما يستأذنان، فدخلا عليه، وكانت بينهما خصومة، فقال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا يعني: علياً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذين جاءوا من قبل قالوا: اقض بينهما وأرحهما يا أمير المؤمنين! قال مالك : فيخيل لي أنهما قدموهم ليكونوا عوناً لهم على أن يحقق عمر رضي الله عنه الذي يريده علي والعباس ؛ لأنهم قالوا: اقض بينهما وأرحهما.

فقال عمر : ائتدا يعني: تمهلا وانتظرا، فقبل أن يذكر الجواب فيما طلبا أراد أن يمهد لذلك، وأن يبين ما حصل فيما مضى فيما بينه وبينهما.

الأنبياء لا يورثون

قوله: [ ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ].

أي: أقبل عمر رضي الله عنه على هؤلاء الرهط الأربعة الذين هم: عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير رضي الله تعالى عنهم، فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم.

وهذا الحديث يدل على أن الأنبياء لا يورثون، فلا يورث عنهم المال؛ لأنهم ما جاءوا لجمع المال وتوريثه لأقربائهم، وإنما جاءوا بالحق والهدى لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهذا هو ميراثهم، وهو ميراث مبذول لكل من أراده، ولكل من وفقه الله لأن يحصل العلم النافع المستمد من الكتاب والسنة، ولهذا جاء في الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فهم ما جاءوا لجمع المال وتحصيله ثم كونهم يخلفونه وراءهم ليرثه أقرباؤهم، فالله تعالى لم يجعل الأنبياء كغيرهم من الناس الذين يورث عنهم المال، فما يخلفونه يكون صدقة ولا يكون ميراثاً لأقربائهم، قال بعض أهل العلم في تعليل ذلك: أصحاب الأموال بعض الأقرباء يتمنى أن يموتوا ليرثوهم، وهذا إذا حصل بالنسبة للأنبياء يكون خطيراً في حق من يتمنى ذلك، فصارت شريعة الله عز وجل في حق رسله أنه لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم النافع الذي به الهداية للصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور.

ثم التفت إلى علي والعباس رضي الله تعالى عنهما وقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ فقالا: نعم. يعني: أنهما يعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث، ما تركناه صدقة).

ثم قال: [ فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6] ].

قوله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني: من يهود بني النضير، فإن الأموال التي تركوها أخذها المسلمون بلا قتال، وإنما هي فيء، والفيء لا يخمس، وإنما يكون على نظر الإمام يصرفه في مصالح المسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفق على نفسه وأهله من هذا المال ويدخر من ذلك قوت سنة، ثم الباقي يكون أسوة المال الذي يكون في بيت المال، أي: يصرف في مصالح المسلمين، فهو لم يدخره له ولم يملكه، وإنما هو محبوس دون أن يوزع ودون أن يباع، وإنما ينفق على نفسه منه صلى الله عليه وسلم وعلى أهله لمدة سنة، وما وراء ذلك فإنه ينفقه في سبيل الله أسوة سائر الأموال التي تكون في بيت المال.

ثم إن عمر رضي الله عنه بعد أن ذكر ما يتعلق بكون الأنبياء لا يورثون وبعد أن أقر الرهط الذين حضروا عنده، وكذلك علي والعباس رضي الله تعالى عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة)، بعد ذلك ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أبقى هذا المال ولم يقسمه أنه ما اختص به دون الناس، وإنما كان يأخذ منه نفقته ونفقة أهله سنة، والباقي أسوة المال يصرفه في مصالح المسلمين ويقسمه في مصارف بيت المال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ثم سأل الرهط الأربعة هل يعلمون ذلك؟ فأقروا بذلك، وسأل علياً والعباس رضي الله عنهما هل يعلمان ذلك؟ فأقرا بذلك، ثم قال عمر رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته قام بهذا المال على هذا الوجه، وهو الإنفاق منه على أهله، والباقي أسوة المال، وإن أبا بكر رضي الله عنه لما قام مقامه قال: أنا ولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأتصرف في هذا المال الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يتصرف فيه، وإن علياً رضي الله عنه جاء يطلب ميراث زوجته فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء العباس يطلب ميراثه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبا بكر قرأ عليهم الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو قوله: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة).

ثم إن عمر رضي الله عنه لما توفي أبو بكر قام بالأمر من بعده، وقام بصرف المال الذي كان يصرفه أبو بكر وفقاً لما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يصرفه مدة من خلافته على هذا النحو، ثم إن علياً والعباس رضي الله تعالى عنهما جاءا إليه وهما متفقان وأمرهما جميع، وطلبا منه أن يدفع هذه الأموال لهما ليقوما بصرفها وفقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها، فأخذ عليهم العهد أن يقوما بذلك على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه دفعه إليهما، فصارا يقومان بذلك، ثم إنه حصل منهما ما جاء في هذا الحديث بحضور هؤلاء الرهط، أن يقسم بينهما النظارة على هذه الأموال، وأن يجعل كل واحد منهما على قسم من هذه الأموال، وعمر رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تبقى على ما كانت عليه، وهما لما طلبا أن يتوليا ذلك ولاهما جميعاً، وصارت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق على قسمة هذه الأموال بينهما بحيث يتولى هذا على شيء وهذا على شيء، وإنما تبقى كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولاها واحد أو أكثر على طريقة واحدة وعلى منهج واحد بحيث يكون التوزيع للجميع من واحد سواء الخليفة أو من طلبا أن يقوما بهذا الأمر، وجعلت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق عمر رضي الله عنه على أن يقسم هذا المال بينهما؛ لأنه لو قسم المال بينهما لظن على مر السنين والدهور أن المال الذي بيد العباس ميراثه، والذي بيد علي ميراث زوجته، ولكنه لما بقي مال واحد يتصرف فيه الناظر تصرفاً واحداً زال ذلك الاحتمال الذي يخشى من قسمة المال بينهما.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث لورثه زوجاته أمهات المؤمنين، ولكان لهن الثمن، وسيأتي حديث فيه أنهن أردن أن يرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر ليعطيهن الثمن من هذه الأموال.

وفي هذا الحديث جاء علي يطلب ميراث زوجته فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وجاء العباس يطلب ميراثه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث فإن الزوجات يكون لهن الثمن، وللبنت النصف، والباقي للعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، والعباس كان أقرب قريب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته؛ لأنه عمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عم الرجل صنو أبيه) أي: مثل أبيه.

قوله: [ فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها، فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك ].

المقصود بقوله: بغير ذلك أي: قسمتها بينهم على أن يتولى هذا النظارة على النصف، وهذا على النصف، وهذا هو المقصود بالذي يختصمون فيه، لا أنهما يريدان الميراث؛ لأنهما يعرفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث)، وقد سبق أنهما أقرا بذلك، وبينا أنهما يعلمان ذلك، وإنما الشيء الجديد الذي جاءا من أجله هو قسمة النظارة بينهما، بحيث يكون هذا له الإشراف على النصف، وهذا له الإشراف على النصف، وقد أوضح هذا أبو داود رحمه الله بعد الحديث، وبين أن المقصود من مجيئهما إنما هو قسمة النظارة بينهما، لا أن المقصود من ذلك طلب الميراث.

قوله: [ والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي ].

يعني: بغير الذي كنت دفعته إليكما على أن تقوما بصرفها طبقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها دون قسمة حتى تقوم الساعة، والمقصود ساعته يعني حتى يموت؛ لأن من مات فقد قامت قيامته وقامت ساعته، وليس المقصود من ذلك قيام الساعة آخر الدنيا؛ لأن قوله: لا أقضي بينكما حتى تقوم الساعة يعني: ما دمت حياً، والساعة أحياناً يراد بها قيام الساعة التي تكون في نهاية الزمان، والتي يموت فيها من كان حياً في نهاية الدنيا، وعند ذلك يتساوى الذين ماتوا من قديم الزمان والذين ماتوا في آخر الزمان، وأحياناً يراد بقيام الساعة الموت.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ ومحمد بن يحيى بن فارس ].

محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا بشر بن عمر الزهراني ].

بشر بن عمر الزهراني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني مالك بن أنس ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مالك بن أوس بن الحدثان ].

مالك بن أوس بن الحدثان له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمر ].

عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بكر ].

أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمم وخير الأمم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وحديث أبي بكر عند أصحاب الكتب الستة.

تابع شرح حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة)

قول مالك بن أوس : [ أرسل إلي عمر حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رُماله ].

رِماله أو رُمالِه يعني: على سرير ليس عليه فراش، وإنما كان جسده مفضياً إلى رماله وهي الحبال التي تكون بين الخشب، ويجلس عليها الذي يجلس على السرير، والمعنى أنه لم يكن عليه فراش.

قوله: [ فقال حين دخلت عليه: يا مال ].

هذا ترخيم، يعني: يا مالك ، حذفت الكاف، واللام تكسر أو تضم يا مالُ أو يا مالِ.

قوله: [ فجاءه يرفأ ].

يرفأ هذا هو الحاجب الذي يكون على الباب، ويخبر عمر بمن يستأذن، واتخاذ الوالي البواب أو الحاجب ليعرف من يأتي يستأذن؛ حتى يأذن أو لا يأذن أمر سائغ؛ لأنه قد يكون مشغولاً، وقد يكون هناك ما هو أهم من ذلك.

والفيء منه شيء يقسم، وشيء يبقى، والذي يبقي يستفاد من غلته هو المقصود بكونه من الصفايا.

وهذا الحديث يتعلق بأموال بني النضير التي قال الله عز وجل فيها: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أي: من اليهود فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ يعني: هذا لا يطلب قسمته كما تقسم الغنائم؛ لأن الغنائم تقسم على الغانمين، فيكون لهم أربعة أخماس، والخمس الباقي يصرف في الأصناف التي ذكرها الله في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، أما الفيء فهو إلى الإمام له أن يقسمه، وله أن يبقيه، وله أن يتصرف فيه بما يراه في مصالح الناس، ويكون للإمام نصيب في الفيء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من الفيء ما يكفيه وأهله لمدة سنة، وهذا النصيب باق لذرية النبي صلى الله عليه وسلم.

طريق آخر لحديث: (لا نورث ما تركنا صدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بهذه القصة قال: وهما -يعني علياً والعباس رضي الله عنهما- يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أموال بني النضير.

قال أبو داود : أراد ألا يوقع عليه اسم قسم ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو كما تقدم إلا أن فيه إشارة إلى أن هذه الأموال من يهود بني النضير.

تراجم رجال إسناد الطريق الآخر لحديث: ( لا نورث ما تركنا صدقة)

قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ].

يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، ومحمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وأما المحاربي فهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا محمد بن ثور ].

محمد بن ثور ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن معمر ].

معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن مالك بن أوس ].

مر ذكرهما.

شرح حديث: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة المعنى أن سفيان بن عيينة أخبرهم عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته).

قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة، فما بقي جعل في الكراع وعدة في سبيل الله عز وجل، قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال عمر : [ (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب) ].

الإيجاف: هو الإسراع.

قال: [ (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته) ].

يعني: اصطفاها بأن تبقى ينفق على أهل بيته منها، وما بقي جعله في الكراع والعدة في سبيل الله، والكراع هو الخيل، والعدة أي: للجهاد في سبيل الله.

[ قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة ].

يعني: أحد الشيخين -وهو أحمد بن عبدة -قال: ينفق على أهله قوت سنة، وقال الشيخ الأول: ينفق على أهل بيته.

[ قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ].

يعني: أنه ساقه على لفظ

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأموال.

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس المعنى قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه قال: أرسل إلي عمر رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يا مال ! إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم قلت: لو أمرت غيري بذلك فقال: خذه، فجاءه يرفأ ، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في العباس وعلي رضي الله عنهما؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، قال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا -يعني علياً - فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين! اقض بينهما وأرحهما. قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك، فقال عمر رحمه الله: اتئدا، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي وعباس رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ فقالا: نعم. قال: فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وكان الله أفاء على رسوله بني النضير، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال.

ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس وعلي رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم.

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة)، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، فوليها أبو بكر ، فلما توفي أبو بكر قلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها، فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي.

قال أبو داود : إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، يريد أبو داود رحمه الله من هذه الترجمة ما اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاه دون أن يقسم من الأموال، وذلك في الأموال الثابتة التي يستغل ريعها مع بقاء أصلها، وهي الأراضي.

وكل ما أورده أبو داود هنا يتعلق بشيء ثابت، وقوله: من الأموال، يريد به هذا المعنى، وهناك اصطفاء في غير الأموال بغير هذا المعنى، وهو الاصطفاء في السبي، كما حصل لـصفية رضي الله تعالى عنها حيث اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ولكن الترجمة هنا يراد بها ما يتعلق بالأموال، والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقاه دون أن يقسم ودون أن يباع، وإنما يستفاد من ثمنه مع بقاء أصله، بحيث يستفاد من غلته ومن ثمرته، وليس معنى ذلك أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه بمثابة المال الذي يملكه، فإن المقصود من ذلك أنه أبقاه لينفق على نفسه منه وعلى أهل بيته، وما يبقى يكون في مصالح المسلمين، والمقصود بكونه من الصفايا أنه بقي واستفيد منه بصفة مستمرة، ولم يقسم ويوزع بين الناس، ولم يبع ويتصرف في قيمته، وإنما بقيت أصوله ويستفاد من غلته وثمرته على مر السنين.

أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض بني النضير، وهي مما أفاؤه الله على رسوله من غير قتال كما قال الله عز وجل: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وهذه الأموال أبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله قوت سنة، وذلك القوت كان ينتهي في وقت قريب؛ لكثرة بذله صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، فلا يبقى في بيته شيء مما كان يدخره لمدة السنة؛ لأنه كان ينتهي قبل ذلك؛ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجود والكرم والبذل والإحسان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وما بقي بعد ذلك ينفقه في مصالح المسلمين.

أورد أبو داود هذا الحديث الطويل الذي فيه أن مالك بن أوس بن الحدثان دعاه عمر رضي الله عنه ليأتي إليه وذلك بعدما ارتفع النهار، فجاء إليه وقال: إنه دفت دافة من قومك، وإني قد أمرت لهم بشيء فأعطهم إياه ووزعه عليهم، والمقصود بالدافة: الذين جاءوا يدفون مسرعين يريدون الإحسان والعطاء لما حصل لهم من فقر وحاجة، فطلب مالك بن أوس أن يعفيه من ذلك، حتى لا يتحمل الأمانة، فقال: خذه، وليس فيه أنه أعفاه، وإنما أمره بأخذه، والذي يظهر أنه هو الذي تولى ذلك؛ لأنه ما جاء شيء يفيد بأن عمر اختار غيره وأسنده إلى غيره.

ويرفأ هو الذي كان على الباب يخبر بمن يستأذن فقال: هل لك -يا أمير المؤمنين- في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد ، وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فدخلوا عليه، ثم بعد ذلك جاء يخبره عن علي والعباس رضي الله عنهما وأنهما يستأذنان، فدخلا عليه، وكانت بينهما خصومة، فقال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا يعني: علياً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذين جاءوا من قبل قالوا: اقض بينهما وأرحهما يا أمير المؤمنين! قال مالك : فيخيل لي أنهما قدموهم ليكونوا عوناً لهم على أن يحقق عمر رضي الله عنه الذي يريده علي والعباس ؛ لأنهم قالوا: اقض بينهما وأرحهما.

فقال عمر : ائتدا يعني: تمهلا وانتظرا، فقبل أن يذكر الجواب فيما طلبا أراد أن يمهد لذلك، وأن يبين ما حصل فيما مضى فيما بينه وبينهما.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع