شرح سنن أبي داود [264]


الحلقة مفرغة

شرح حديث أم عطية ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني هشام بن حسان ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله -يعني: ابن بكر السهمي - عن هشام -وهذا لفظ ابن الجراح - عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط أو أظفار).

قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً)، وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، وقد ذكرنا فيما مضى أن الإحداد هو الامتناع من الزينة والطيب، فالمرأة المعتدة للوفاة تجتنب الطيب، وتجتنب استعمال الزينة في الثياب وغيرها، ولا تلبس ثياب الزينة سواءً كانت مصبوغة أو غير مصبوغة، وإنما تلبس لباساً لا زينة فيه، ولا تتجمل، ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تختضب، فكل هذه الأمور التي هي زينة تجتنبها المرأة المعتدة للوفاة.

وأورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)، وقد سبق أن مر هذا الحديث عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها، وعن زينب بنت جحش ، وعن أم حبيبة كل منهما جاء عنها مثل ما جاء في حديث أم عطية : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).

وذكرنا فيما مضى أن قوله: (أربعة أشهر وعشراً) إنما هو لغير الحامل، وأما الحامل فإن انتهاء عدتها يكون بوضع الحمل، وأجلها هو وضع الحمل طالت المدة أم قصرت، وأما غير الحامل فسواء كانت ممن تحيض أو كانت صغيرة أو آيسة، أو كانت مدخولاً بها أو غير مدخولاً بها فكل واحدة منهن تعتد أربعة أشهر وعشراً.

وقوله: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)، يعني: أنه مصبوغ للزينة، وقوله: (إلا ثوب عصب) قيل: هو الذي جمعت خيوطه قبل أن ينسج وحزمت وصبغت ثم بعد ذلك نسجت، يعني: أنه لم يصبغ وهو منسوج فيكون مصبوغاً للزينة، وإنما صبغت خيوطه قبل أن ينسج، وقد ربط وحزم وصبغ محزوماً مربوطاً ثم فك الحزام ونسج، فمثل ذلك مستثنى؛ لأن الصبغ لم يكن بعد النسيج ولم يفعل للزينة، وإنما فعل في أول الأمر بحيث كانت خيوطه مصبوغة.

قوله: (ولا تكتحل)، لأن الاكتحال زينة، وقد سبق أن مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة جاءت تسأل عن بنتها توفي زوجها فقالت: إنها اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: (لا)، ثم ذكر قصة المرأة في الجاهلية وأنها كانت تمكث المدة الطويلة، وأن الإسلام إنما جاء بأربعة أشهر وعشر) وهي قليلة.

قوله: (ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها) يعني: إذا جاء طهرها من الحيض فإنها تستعمل نوعاً من الطيب تضعه في مكان النتن حتى يذهب أثر الرائحة المنتنة، وإلا فإنها لا تتطيب، وهذا مستثنى من منع استعمالها للطيب، ويكون قوله: (طيباً) مخصوصاً وليس أي طيب تستعمله المرأة في هذه الحال.

قوله: (بنبذة من قسط أو أظفار) يعني: بشيء يسير من قسط أو أظفار، والمقصود بذلك: نوع من الطيب معروف عندهم.

[ قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً).

يعقوب هو شيخ أبي داود الأول، وهو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي .

وقوله: [ وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ].

يعني: أن يعقوب زاد على الشيخ الثاني قوله: (ولا تختضب)، وهذا فيه النهي عن الخضاب؛ لأن الخضاب زينة وجمال تتجمل المرأة به.

تراجم رجال إسناد حديث أم عطية ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... )

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ].

يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي سنة (252هـ)، ومثله محمد بن بشار ومحمد بن المثنى فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وكانت وفاتهم جميعاً في سنة واحدة قبل وفاته بأربع سنوات.

[ حدثنا يحيى بن أبي بكير ].

يحيى بن أبي بكير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إبراهيم بن طهمان ].

إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: حدثني هشام بن حسان ].

هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني ].

لفظة (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد، وعبد الله بن الجراح القهستاني صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ عن عبد الله يعني: ابن بكر السهمي ].

عبد الله بن بكر السهمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام،وهذا لفظ ابن الجراح ].

يعني: عبد الله بن الجراح الذي في الإسناد الثاني، والإسناد الأول أنزل من الإسناد الثاني؛ لأن أبا داود بينه وبين هشام بن حسان ثلاثة أشخاص، وفي الإسناد الثاني بينه وبينه شخصان اثنان، والغالب أن الإسناد العالي يذكر أولاً، ثم يذكر الإسناد النازل، ولكنه هنا عكس القضية، ولعل السبب في ذلك أن الإسناد النازل فيه شخص متكلم فيه وهو: عبد الله بن الجراح وهو شيخه، وأما رجال الإسناد الأول: يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان فكل هؤلاء ثقات خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

إذاً: ففي النازل قوة؛ فأحياناً يقدم النزول على العلو لقوة في النازل ولضعف في العالي، أو لشيء من الكلام في العالي، ولهذا يقول -أظنه السيوطي-:

وربما يعرض للمفوق ما

يجعله مساوياً أو قدما

يعني: أن النازل قد يعرض له شيء يجعله مقدماً، كأن يكون الرجال كلهم ثقات، والعالي يكون فيه شيء من الضعف.

[ عن حفصة ].

حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم عطية ].

أم عطية هي نسيبة بنت كعب رضي الله تعالى عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... ) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله ومالك بن عبد الواحد المسمعي قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهما.

قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب)، وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ].

أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى وأحال على الرواية السابقة فقال: بهذا الحديث وليس بمثل حديثهما، يعني: ليس مماثلاً له تماماً؛ لأن قوله: (بهذا الحديث) قد يفهم منه أنه مساوٍ له، ولكنه قال: وليس في تمام حديثهما، يعني: أنه ليس مطابقاً له تماماً.

وقوله: [ قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب) ].

يزيد هو ابن هارون شيخ المسمعي هذا، قال: ولا أعلمه إلا قال: (ولا تختضب)، يعني: أن هذه زيادة من جهة المسمعي ، وهناك زيادة من جهة يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهنا قال: (لا أعلمه إلا قال) وكأن المسألة فيها شك وليس فيها جزم من جهة المسمعي .

وقوله: [ وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ].

هارون هو شيخه الأول، وهو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وروايته هذه مثل رواية الشيخ الثاني في الإسناد الأول الذي قال: (إلا ثوب عصب)، يعني: أنه استثنى ثوب عصب.

قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ].

هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ ومالك بن عبد الواحد المسمعي ].

مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ قالا: حدثنا يزيد بن هارون ].

يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام عن حفصة عن أم عطية ].

هشام وحفصة وأم عطية قد مر ذكرهم في الإسناد السابق.

شرح حديث أم سلمة ( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل) ].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في بيان أمور تجتنبها المحدة وهي: أنها لا تلبس المعصفر من الثياب، وهو الذي صبغ بالعصفر، ولا الممشق: وهو الذي صبغ بصبغ يقال له: المشق أو الممشق.

وقوله: (ولا الحلي) يعني: لا تلبس الحلي ولا تلبس الزينة.

وقوله: (ولا تختضب) يعني: لا تختضب بالحناء في اليدين أو الرجلين.

وقوله: (ولا تكتحل) الكحل قد مرت روايات متعددة فيه؛ ونهي عنه لأنه زينة.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة ( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ... )

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل ].

يحيى بن أبي بكير وإبراهيم بن طهمان مر ذكرهما، وبديل هو ابن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن الحسن بن مسلم ].

الحسن بن مسلم بن يناق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن صفية بنت شيبة ].

صفية بنت شيبة لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم سلمة ].

هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء -قال أحمد : الصواب: بكحل الجلاء- فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال: ما هذا يا أم سلمة ؟! فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله! ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟! قال: بالسدر تغلفين به رأسك) ].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه: أن المغيرة بن الضحاك قال: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، والجلاء قيل: هو الأثمد الذي يجلو العينين ويجملهما، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه المنع من ذلك، وفيه: أن امرأة جاءت وقالت: إن ابنتها مات زوجها وأنها تشتكي عينها أفنكحلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر)، ثم ذكر العمل الذي كانوا يعملونه في الجاهلية من أن المرأة كانت تمكث سنة كاملة في حالة سيئة، وأن الإسلام جاء بأمر يسير وشيء سهل ومدة تعتبر ثلث المدة التي كانت في الجاهلية تقريباً.

وهذا الحديث فيه أنها تستعمل الكحل إذا كان في أمر لابد منه، وأنها تضعه بالليل وتمسحه بالنهار، وكذلك ما ذكرته أم سلمة عن استعمالها للصبر في عينيها عندما مات أبو سلمة وهي في عدتها منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يشب الوجه) يعني: أنه يجمل ويظهر الوجه بمظهر حسن، وأمرها بأن تفعله بالليل وتمسحه بالنهار.

ولكن هذا الحديث مخالف للحديث الذي مر وهو صحيح فقد منعها فيه من الاكتحال، وأيضاً هذا الحديث في إسناده مجهولان ومقبول، إذاً فهو ليس بحجة ولا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أم سلمة ؛ لأن الإسناد إليها فيه هاتان المجهولتان والرجل المقبول الذي دونهما، والمقبول لا يحتج به إلا إذا وجد من يعضده، ولو وُجد من يعضد هذا فإنه لا حجة فيه؛ لأن الإسناد فيه هاتان المرأتان المجهولتان، إذاً فالحديث غير صحيح فلا يعارض الحديث الذي سبق أن تقدم في أن المرأة لا تكتحل، وأنها إنما كانت تريد أن تفعل ذلك للعلاج في أمر لابد منه، ولهذا قالت: اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال: (لا).

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني مخرمة ].

هو مخرمة بن بكير ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن أبيه ].

أبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: سمعت المغيرة بن الضحاك ].

المغيرة بن الضحاك مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها ].

أم حكيم بنت أسيد مجهولة، أخرج لها أبو داود والنسائي ، وكذلك أمها مجهولة، أخرج لها أبو داود .

[ عن أم سلمة ].

أم سلمة مر ذكرها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني هشام بن حسان ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله -يعني: ابن بكر السهمي - عن هشام -وهذا لفظ ابن الجراح - عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط أو أظفار).

قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً)، وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، وقد ذكرنا فيما مضى أن الإحداد هو الامتناع من الزينة والطيب، فالمرأة المعتدة للوفاة تجتنب الطيب، وتجتنب استعمال الزينة في الثياب وغيرها، ولا تلبس ثياب الزينة سواءً كانت مصبوغة أو غير مصبوغة، وإنما تلبس لباساً لا زينة فيه، ولا تتجمل، ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تختضب، فكل هذه الأمور التي هي زينة تجتنبها المرأة المعتدة للوفاة.

وأورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)، وقد سبق أن مر هذا الحديث عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها، وعن زينب بنت جحش ، وعن أم حبيبة كل منهما جاء عنها مثل ما جاء في حديث أم عطية : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).

وذكرنا فيما مضى أن قوله: (أربعة أشهر وعشراً) إنما هو لغير الحامل، وأما الحامل فإن انتهاء عدتها يكون بوضع الحمل، وأجلها هو وضع الحمل طالت المدة أم قصرت، وأما غير الحامل فسواء كانت ممن تحيض أو كانت صغيرة أو آيسة، أو كانت مدخولاً بها أو غير مدخولاً بها فكل واحدة منهن تعتد أربعة أشهر وعشراً.

وقوله: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)، يعني: أنه مصبوغ للزينة، وقوله: (إلا ثوب عصب) قيل: هو الذي جمعت خيوطه قبل أن ينسج وحزمت وصبغت ثم بعد ذلك نسجت، يعني: أنه لم يصبغ وهو منسوج فيكون مصبوغاً للزينة، وإنما صبغت خيوطه قبل أن ينسج، وقد ربط وحزم وصبغ محزوماً مربوطاً ثم فك الحزام ونسج، فمثل ذلك مستثنى؛ لأن الصبغ لم يكن بعد النسيج ولم يفعل للزينة، وإنما فعل في أول الأمر بحيث كانت خيوطه مصبوغة.

قوله: (ولا تكتحل)، لأن الاكتحال زينة، وقد سبق أن مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة جاءت تسأل عن بنتها توفي زوجها فقالت: إنها اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: (لا)، ثم ذكر قصة المرأة في الجاهلية وأنها كانت تمكث المدة الطويلة، وأن الإسلام إنما جاء بأربعة أشهر وعشر) وهي قليلة.

قوله: (ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها) يعني: إذا جاء طهرها من الحيض فإنها تستعمل نوعاً من الطيب تضعه في مكان النتن حتى يذهب أثر الرائحة المنتنة، وإلا فإنها لا تتطيب، وهذا مستثنى من منع استعمالها للطيب، ويكون قوله: (طيباً) مخصوصاً وليس أي طيب تستعمله المرأة في هذه الحال.

قوله: (بنبذة من قسط أو أظفار) يعني: بشيء يسير من قسط أو أظفار، والمقصود بذلك: نوع من الطيب معروف عندهم.

[ قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً).

يعقوب هو شيخ أبي داود الأول، وهو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي .

وقوله: [ وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ].

يعني: أن يعقوب زاد على الشيخ الثاني قوله: (ولا تختضب)، وهذا فيه النهي عن الخضاب؛ لأن الخضاب زينة وجمال تتجمل المرأة به.

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ].

يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي سنة (252هـ)، ومثله محمد بن بشار ومحمد بن المثنى فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وكانت وفاتهم جميعاً في سنة واحدة قبل وفاته بأربع سنوات.

[ حدثنا يحيى بن أبي بكير ].

يحيى بن أبي بكير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إبراهيم بن طهمان ].

إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: حدثني هشام بن حسان ].

هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني ].

لفظة (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد، وعبد الله بن الجراح القهستاني صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ عن عبد الله يعني: ابن بكر السهمي ].

عبد الله بن بكر السهمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام،وهذا لفظ ابن الجراح ].

يعني: عبد الله بن الجراح الذي في الإسناد الثاني، والإسناد الأول أنزل من الإسناد الثاني؛ لأن أبا داود بينه وبين هشام بن حسان ثلاثة أشخاص، وفي الإسناد الثاني بينه وبينه شخصان اثنان، والغالب أن الإسناد العالي يذكر أولاً، ثم يذكر الإسناد النازل، ولكنه هنا عكس القضية، ولعل السبب في ذلك أن الإسناد النازل فيه شخص متكلم فيه وهو: عبد الله بن الجراح وهو شيخه، وأما رجال الإسناد الأول: يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان فكل هؤلاء ثقات خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

إذاً: ففي النازل قوة؛ فأحياناً يقدم النزول على العلو لقوة في النازل ولضعف في العالي، أو لشيء من الكلام في العالي، ولهذا يقول -أظنه السيوطي-:

وربما يعرض للمفوق ما

يجعله مساوياً أو قدما

يعني: أن النازل قد يعرض له شيء يجعله مقدماً، كأن يكون الرجال كلهم ثقات، والعالي يكون فيه شيء من الضعف.

[ عن حفصة ].

حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم عطية ].

أم عطية هي نسيبة بنت كعب رضي الله تعالى عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله ومالك بن عبد الواحد المسمعي قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهما.

قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب)، وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ].

أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى وأحال على الرواية السابقة فقال: بهذا الحديث وليس بمثل حديثهما، يعني: ليس مماثلاً له تماماً؛ لأن قوله: (بهذا الحديث) قد يفهم منه أنه مساوٍ له، ولكنه قال: وليس في تمام حديثهما، يعني: أنه ليس مطابقاً له تماماً.

وقوله: [ قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب) ].

يزيد هو ابن هارون شيخ المسمعي هذا، قال: ولا أعلمه إلا قال: (ولا تختضب)، يعني: أن هذه زيادة من جهة المسمعي ، وهناك زيادة من جهة يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهنا قال: (لا أعلمه إلا قال) وكأن المسألة فيها شك وليس فيها جزم من جهة المسمعي .

وقوله: [ وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ].

هارون هو شيخه الأول، وهو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وروايته هذه مثل رواية الشيخ الثاني في الإسناد الأول الذي قال: (إلا ثوب عصب)، يعني: أنه استثنى ثوب عصب.

قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ].

هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ ومالك بن عبد الواحد المسمعي ].

مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ قالا: حدثنا يزيد بن هارون ].

يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام عن حفصة عن أم عطية ].

هشام وحفصة وأم عطية قد مر ذكرهم في الإسناد السابق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل) ].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في بيان أمور تجتنبها المحدة وهي: أنها لا تلبس المعصفر من الثياب، وهو الذي صبغ بالعصفر، ولا الممشق: وهو الذي صبغ بصبغ يقال له: المشق أو الممشق.

وقوله: (ولا الحلي) يعني: لا تلبس الحلي ولا تلبس الزينة.

وقوله: (ولا تختضب) يعني: لا تختضب بالحناء في اليدين أو الرجلين.

وقوله: (ولا تكتحل) الكحل قد مرت روايات متعددة فيه؛ ونهي عنه لأنه زينة.

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل ].

يحيى بن أبي بكير وإبراهيم بن طهمان مر ذكرهما، وبديل هو ابن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن الحسن بن مسلم ].

الحسن بن مسلم بن يناق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن صفية بنت شيبة ].

صفية بنت شيبة لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم سلمة ].

هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.