شرح سنن أبي داود [240]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الولي.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات- فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الولي].

أي: الولي الذي يتولى عقد النكاح للزوج على امرأة، فإنه لابد من وجود ولي لها يتولى ذلك، ولا تتولى هي ذلك بنفسها، ولا يتولاه أجنبي عنها ليس من مواليها إلا بتوكيل من الولي، والولاية في النكاح كانت موجودة في الجاهلية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا في الجاهلية يأتي الرجل إلى الرجل فيخطب وليته منه فيزوجها إياه، فكان هذا الحكم الذي هو لزوم الولي في النكاح من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام.

الحكمة في اعتبار الولي في النكاح وأدلة اشتراطه في الكتاب والسنة

ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالقول والفعل والتقرير، وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتراط الولي كما في الحديث الذي أورده أبو داود وغيره، وجاء ذلك في القرآن الكريم أيضاً، وجاء أيضاً التقرير لهذا الحكم الذي كان في الجاهلية، وأنه من الأحكام التي كانت موجودة وأقرها الإسلام.

وهو شيء محمود؛ لأن في ذلك إبعاد المرأة عن الظهور بالاشتغال بالزواج والحياء يغلب عليهن، فكان أن جاء الكتاب والسنة باشتراط الولي في النكاح، وأنه لابد من ولي للمرأة يعقد النكاح لها على من يتزوجها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، وذلك في قول الله عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، وهو خطاب للأولياء، فلو كانت المرأة يمكنها أن تعقد لنفسها أو يقوم بذلك أحد من غير أوليائها لما كان هناك حاجة إلى أن ينهى الأولياء عن العضل، حين يعضلونهن أن ينكحن أزواجهن، وذلك أن الآية نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان له أخت زوجها من قريب لها ثم طلقها، ولما انتهت عدتها جاء يخطبها، فحلف معقل أن لا يزوجها إياه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ أي: الذين طلقوهن وانتهت عدتهن. أما إذا كان طلقها وهي باقية في العدة فالأمر إلى الزوج؛ لأن له حق الرجعة، ولكنه إذا خرجت المرأة من العدة صار خاطباً من الخطاب إن شاءت أن تعود إليه فوليها لا يمنعها من ذلك، وإن شاءت أن لا تقبله ورغبت في شخص آخر سواه فإن لها ذلك.

فهذه الآية الكريمة فيها نهي الأولياء عن العضل، وهو امتناعهم عن أن يزوجوا الأزواج المطلقين إذا رضيت النساء بهؤلاء الأزواج الذين طلقوهن، فيلزم الولي بأن يعقد لها على زوجها الذي طلقها وانتهت عدتها وأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فالآية واضحة الدلالة على أن الولاية لازمة؛ لأنها لو لم تكن لازمة لما كان هناك حاجة إلى أن ينهوا، بل هي تتصرف في نفسها لو كان الأمر إليها، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فيها من الأحاديث ما أورده أبو داود في هذا الباب، فقد أورد أحاديث تدل على أنه لابد من الولي في النكاح.

فأورد أولاً حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات-) ] أي أنه قال: باطل، باطل، باطل. كرر ذلك للتأكيد، قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].

فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)] يدل على أن الولاية شرط في النكاح، وأن العقد إذا عقد من غير ولي فإنه يكون باطلاً، وكون المرأة تعقد لنفسها أو توكل أحداً يعقد لها وهي التي تتولى ذلك بغير إذن الموالي فإنه يكون باطلاً كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على العموم، والمعنى أن أي امرأة حصل لها ذلك بغير ولي فإن النكاح يكون باطلاً، ويكون لاغياً كأنه لم يكن؛ لأنه فقد هذا الشرط الذي هو الولي في النكاح.

والمقصود بقوله: [ (إذن مواليها) ] كونهم يعقدون أو يأذنون لأحد أن يعقد، أي: إما أن يعقد الولي بنفسه أو يأذن لأحد أن يعقد نيابة عنه. فالمقصود به أن النكاح لا يصح إذا لم يكن من ولي أو وكيل لولي، وليس المقصود به أن المرأة لها أن تزوج نفسها بإذن وليها؛ لأنها ليست لها الولاية في عقد الزواج لنفسها.

والولي هو الذي يكون من عصبتها الأولى فالأولى، أي: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا على حسب الترتيب، وغير العصبة لا يكونون أولياء، لا ذوو الأرحام ولا الذين يرثون بالفرض كالإخوة لأم.

ولابد في الولي الذي يتولى العقد من البلوغ، ويقدم الأصول على غيرهم، ويقدم الفروع على الحواشي، ولو عقد الولي الأدنى مع وجود الأعلى صح إذا أقره، فإذا تنازل من له الحق لمن هو دونه صح العقد.

إبطال العقد الخالي عن الولي

ثم قال: [ (فإن دخل بها) ] يعني: إن دخل عليها بهذا العقد الذي هو غير صحيح [ (فلها المهر بما أصاب منها) ] يعني: هذا الذي دفعه لها مهراً لا يرجع إليه ما دام أنه أصابها وجامعها؛ لأن لها ذلك بما استحل من فرجها.

وإذا اشتجر الأولياء -بمعنى أنهم اختلفوا أو عضلوا- فإن الولاية تنتقل إلى السلطان [ (فالسلطان ولي من لا ولي له) ]، وهذا يدلنا -أيضاً- على أن المرأة لا حق لها في عقد النكاح؛ إذ جعل الشرع الحق في ذلك للأولياء، ثم تنتقل للسلطان ولا تنتقل إليها، فالأمر يرجع إلى الأولياء، ثم إن كانوا لا يوجدون أو يوجدون ولكنهم عاضلون وممتنعون من تحقيق رغبتها وتزويجها بمن هو أهل للزواج منها فإن ذلك الأمر ينتقل إلى السلطان، لقوله: [ (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ].

تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)

قوله: [حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان بن موسى ].

سليمان بن موسى صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.

[ عن الزهري ].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ؛ لأن الستة الأولين متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر . وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . فـعروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا الاصطلاح، ويأتي ذكرهم به للاختصار إذا كانوا متفقين، وذلك بدلاً من قولهم: فلان وفلان... إلخ.

كما ذكروا في زكاة العروض، حيث قالوا فيها: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. أي: قال بوجوب الزكاة في عروض التجارة الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وكلمة (الفقهاء السبعة) تطلق على هؤلاء السبعة لتغني عن سرد أسمائهم.

[ عن عائشة ].

عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي حدثنا ابن لهيعة عن جعفر -يعني ابن ربيعة - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

قال أبو داود : جعفر لم يسمع من الزهري ، كتب إليه ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال: [ بمعناه ] يعني: بمعنى اللفظ السابق؛ لأن كلمة (بمعناه) تعني أنه موافق في المعنى وليس مطابقاً في الألفاظ، بخلاف ما إذا قيل: (مثله) أو (بمثله) فإنه مطابق في اللفظ والمعنى، فأحال إلى المتن السابق ولكن قال: [ بمعناه ]، أي: بمعنى المتن السابق وليس بألفاظه. ويعتبر هذا الإسناد مقوياً للأول ومسانداً له.

تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها...) من طريق ثانية

قوله: [حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[حدثنا ابن لهيعة ].

هو عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق، اختلط لما احترقت كتبه، ولكن ذكر العلماء أن من الرواة من سمع منه قبل الاختلاط، ومنهم العبادلة الأربعة: عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرئ المكي ، هؤلاء الأربعة سماعهم منه أو روايتهم عنه صحيحة؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط، وهنا الرواية لأحد هؤلاء الأربعة، ومن الذين صح سماعهم عنه قتيبة بن سعيد أيضاً.

و ابن لهيعة صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم مقروناً وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

وأما النسائي فإنه لا يخرج له مستقلاً، بل ولا يسميه عندما يكون موجوداً في إسناد مقروناً بغيره، فيبهمه فيقول: (حدثنا فلان حدثنا فلان عن فلان ورجل آخر) فهو لم يخرج له مستقلاً، وإذا ذكر إسناداً فيه ابن لهيعة لا يسمي ابن لهيعة ، بل يقول: (ورجل آخر).

[ عن جعفر ].

هو جعفر بن ربيعة ، وهو المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وزيادة: (يعني ابن ربيعة ) -كما هو معلوم- زادها من دون تلميذ جعفر هذا؛ لأن تلميذه الذي هو ابن لهيعة قال: (جعفر )، وما زاد، لكن الذي دونه والذي قبله -وهو عبد الله بن مسلمة أو أبو داود أو من دون أبي داود - هو الذي أتى بزيادة (يعني ابن ربيعة) لأن كلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى ابن لهيعة التلميذ، وقائله من دون ابن لهيعة .

وهذا من دقة المحدثين وعنايتهم واهتمامهم بالمحافظة على الألفاظ وعلى الصيغ التي تأتي؛ لأن من دون ابن لهيعة لو قال: (جعفر بن ربيعة ) لظن أن هذا كلام ابن لهيعة ، وابن لهيعة ما قال: (جعفر بن ربيعة ) بل قال: (جعفر ) فقط، فمن دون ابن لهيعة أراد أن يوضح هذا المهمل، وهذا يسمى في علم المصطلح (المهمل) حيث يذكر اسمه ولا يذكر اسم أبيه، أو اسمه واسم أبيه ولا يذكر اسم جده، أو نسبته إذا كان ملتبساً بغيره، فهذا يسمونه (المهمل)، وهذا -كما قلت- من عناية العلماء ودقتهم، وأنهم يحافظون على الألفاظ، وإذا أراد من دون التلميذ أن يوضح ذلك الشخص المهمل فإنه يأتي بكلمة (يعني) حتى يعرف أنها ليست من التلميذ.

قوله: [ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

ابن شهاب وعروة وعائشة قد مر ذكرهم جميعاً.

الكتابة واعتبارها في التحمل عند علماء الحديث

قوله: [ قال أبو داود : جعفر لم يسمع من الزهري ، كتب إليه ].

معلوم أن هذا الإسناد يقوي ويؤيد الإسناد الأول السابق الذي قبل هذا، وقوله: [لم يسمع من الزهري ، كتب إليه] لا يؤثر؛ لأن الكتابة معتبرة؛ لأنه وإن لم يسمع فيكفي أن يكون كتب إليه، والكتابة كانت معتبرة عند المحدثين، وقد كان ذلك موجوداً عند الصحابة، كما في حديث المغيرة بن شعبة ومعاوية في قصة كاتبه وراد في الذكر بعد الصلاة، فإنه قال: (كتب إليه).

وكذلك البخاري استعملها في موضع واحد عن شيخه محمد بن بشار حيث قال: (كتب إلي محمد بن بشار )، فالكتابة طريق معتمدة للرواية لكنها ليست سماعاً.

فهذا الكلام ليس فيه قدح في الرواية، ولكن فيه بيان للواقع، وأن الرواية ليست عن طريق السماع وإنما هي عن طريق الكتابة.

شرح حديث (لا نكاح إلا بولي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا أبو عبيدة الحداد عن يونس وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي).

قال أبو داود : وهو يونس عن أبي بردة ، وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة ].

أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي)] يعني: لا يعتبر النكاح ولا يصح النكاح إلا بولي. وهذا نفي للصحة، وأنه لا يعتبر ولا يعتد به إلا إذا كان من ولي، وهو دليل من جملة الأدلة على اعتبار الولي، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، وهذا من أدلة السنة على اعتبار الولي في النكاح، وأنه لا يصح إلا بولي، ولا ينعقد النكاح إلا بولي للمرأة يتولى عقد نكاحها.

والولاية في النكاح يعتبرها الجمهور، وبعض الفقهاء يقول بجواز تزويج المرأة نفسها، لكن هذا مخالف لهذه الأحاديث، ومخالف -أيضاً- لما جاء في القرآن في آية فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232].

تراجم رجال إسناد حديث (لا نكاح إلا بولي)

قوله: [حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ].

محمد بن قدامة بن أعين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو عبيدة الحداد ].

عبد الواحد بن واصل ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[عن يونس ].

هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

إسرائيل ].

هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بردة ].

هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو مشهور بكنيته، قيل: اسمه عامر . وقيل غير ذلك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي موسى ].

هو عبد الله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ قال أبو داود : وهو يونس عن أبي بردة ، وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة ].

معناه أن يونس يروي عن أبي بردة من غير واسطة أبي إسحاق ، وأما إسرائيل فهو يروي عن أبي إسحاق عن أبي بردة ، وهذا لا يؤثر، فقد قالوا: إن يونس سمع من أبي بردة . ومعنى هذا أنه متصل، فالطريق الأولى فيها علو والطريق الثانية فيها نزول، والطريق النازلة أقوى من الطريق العالية؛ لأن إسرائيل في روايته عن جده أبي إسحاق مقدم على أبيه، إذ إنه ثقة وأبوه صدوق يهم قليلاً.

شرح حديث تزويج النجاشي أم حبيبة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها، وكان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي عندهم ].

أورد أبو داود حديث أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما: أن النجاشي زوجها للرسول صلى الله عليه وسلم وكانت عندهم بأرض الحبشة. ومحل الشاهد من إيراد الحديث في باب الولي قوله: [ وزوجها النجاشي ] يعني أنه كان هو ملك الحبشة وكان هو السلطان، وليس لها ولي، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمري ، وهو الذي وكله في قبول الزواج عنه صلى الله عليه وسلم، فيكون النجاشي هو الولي، ويكون الذي قبل الزواج للرسول صلى الله عليه وسلم هو عمرو بن أمية الضمري ، فمحل الشاهد منه قوله: [فزوجها النجاشي ] وهذا يدل على اعتبار الولي، وأيضاً هو مثل ما تقدم (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).

وقوله: [ عن أم حبيبة أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها ].

يعني: كانت مع عبيد الله بن جحش ، وكان مسلماً كما كانت هي مسلمة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم تنصر زوجها وهلك نصرانياً -والعياذ بالله- بعد أن ارتد عن الإسلام، وبقيت هناك، فزوجها النجاشي للنبي صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث تزويج النجاشي أم حبيبة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم

قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].

هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن عروة ].

مر ذكرهما.

[عن أم حبيبة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، واسمها رملة بنت أبي سفيان ، حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان وتوضيح لحديث طلب أبي سفيان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته أم حبيبة

وقد جاء حديث في صحيح مسلم فيه أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، قال: تؤمرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، وتجعل معاوية كاتباً بين يديك، وتتزوج أم حبيبة .

وهذا يخالف ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا.

فإن

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الولي.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات- فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الولي].

أي: الولي الذي يتولى عقد النكاح للزوج على امرأة، فإنه لابد من وجود ولي لها يتولى ذلك، ولا تتولى هي ذلك بنفسها، ولا يتولاه أجنبي عنها ليس من مواليها إلا بتوكيل من الولي، والولاية في النكاح كانت موجودة في الجاهلية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا في الجاهلية يأتي الرجل إلى الرجل فيخطب وليته منه فيزوجها إياه، فكان هذا الحكم الذي هو لزوم الولي في النكاح من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام.

ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالقول والفعل والتقرير، وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتراط الولي كما في الحديث الذي أورده أبو داود وغيره، وجاء ذلك في القرآن الكريم أيضاً، وجاء أيضاً التقرير لهذا الحكم الذي كان في الجاهلية، وأنه من الأحكام التي كانت موجودة وأقرها الإسلام.

وهو شيء محمود؛ لأن في ذلك إبعاد المرأة عن الظهور بالاشتغال بالزواج والحياء يغلب عليهن، فكان أن جاء الكتاب والسنة باشتراط الولي في النكاح، وأنه لابد من ولي للمرأة يعقد النكاح لها على من يتزوجها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، وذلك في قول الله عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، وهو خطاب للأولياء، فلو كانت المرأة يمكنها أن تعقد لنفسها أو يقوم بذلك أحد من غير أوليائها لما كان هناك حاجة إلى أن ينهى الأولياء عن العضل، حين يعضلونهن أن ينكحن أزواجهن، وذلك أن الآية نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان له أخت زوجها من قريب لها ثم طلقها، ولما انتهت عدتها جاء يخطبها، فحلف معقل أن لا يزوجها إياه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ أي: الذين طلقوهن وانتهت عدتهن. أما إذا كان طلقها وهي باقية في العدة فالأمر إلى الزوج؛ لأن له حق الرجعة، ولكنه إذا خرجت المرأة من العدة صار خاطباً من الخطاب إن شاءت أن تعود إليه فوليها لا يمنعها من ذلك، وإن شاءت أن لا تقبله ورغبت في شخص آخر سواه فإن لها ذلك.

فهذه الآية الكريمة فيها نهي الأولياء عن العضل، وهو امتناعهم عن أن يزوجوا الأزواج المطلقين إذا رضيت النساء بهؤلاء الأزواج الذين طلقوهن، فيلزم الولي بأن يعقد لها على زوجها الذي طلقها وانتهت عدتها وأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فالآية واضحة الدلالة على أن الولاية لازمة؛ لأنها لو لم تكن لازمة لما كان هناك حاجة إلى أن ينهوا، بل هي تتصرف في نفسها لو كان الأمر إليها، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فيها من الأحاديث ما أورده أبو داود في هذا الباب، فقد أورد أحاديث تدل على أنه لابد من الولي في النكاح.

فأورد أولاً حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات-) ] أي أنه قال: باطل، باطل، باطل. كرر ذلك للتأكيد، قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].

فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)] يدل على أن الولاية شرط في النكاح، وأن العقد إذا عقد من غير ولي فإنه يكون باطلاً، وكون المرأة تعقد لنفسها أو توكل أحداً يعقد لها وهي التي تتولى ذلك بغير إذن الموالي فإنه يكون باطلاً كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على العموم، والمعنى أن أي امرأة حصل لها ذلك بغير ولي فإن النكاح يكون باطلاً، ويكون لاغياً كأنه لم يكن؛ لأنه فقد هذا الشرط الذي هو الولي في النكاح.

والمقصود بقوله: [ (إذن مواليها) ] كونهم يعقدون أو يأذنون لأحد أن يعقد، أي: إما أن يعقد الولي بنفسه أو يأذن لأحد أن يعقد نيابة عنه. فالمقصود به أن النكاح لا يصح إذا لم يكن من ولي أو وكيل لولي، وليس المقصود به أن المرأة لها أن تزوج نفسها بإذن وليها؛ لأنها ليست لها الولاية في عقد الزواج لنفسها.

والولي هو الذي يكون من عصبتها الأولى فالأولى، أي: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا على حسب الترتيب، وغير العصبة لا يكونون أولياء، لا ذوو الأرحام ولا الذين يرثون بالفرض كالإخوة لأم.

ولابد في الولي الذي يتولى العقد من البلوغ، ويقدم الأصول على غيرهم، ويقدم الفروع على الحواشي، ولو عقد الولي الأدنى مع وجود الأعلى صح إذا أقره، فإذا تنازل من له الحق لمن هو دونه صح العقد.

ثم قال: [ (فإن دخل بها) ] يعني: إن دخل عليها بهذا العقد الذي هو غير صحيح [ (فلها المهر بما أصاب منها) ] يعني: هذا الذي دفعه لها مهراً لا يرجع إليه ما دام أنه أصابها وجامعها؛ لأن لها ذلك بما استحل من فرجها.

وإذا اشتجر الأولياء -بمعنى أنهم اختلفوا أو عضلوا- فإن الولاية تنتقل إلى السلطان [ (فالسلطان ولي من لا ولي له) ]، وهذا يدلنا -أيضاً- على أن المرأة لا حق لها في عقد النكاح؛ إذ جعل الشرع الحق في ذلك للأولياء، ثم تنتقل للسلطان ولا تنتقل إليها، فالأمر يرجع إلى الأولياء، ثم إن كانوا لا يوجدون أو يوجدون ولكنهم عاضلون وممتنعون من تحقيق رغبتها وتزويجها بمن هو أهل للزواج منها فإن ذلك الأمر ينتقل إلى السلطان، لقوله: [ (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ].

قوله: [حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان بن موسى ].

سليمان بن موسى صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.

[ عن الزهري ].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ؛ لأن الستة الأولين متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر . وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . فـعروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا الاصطلاح، ويأتي ذكرهم به للاختصار إذا كانوا متفقين، وذلك بدلاً من قولهم: فلان وفلان... إلخ.

كما ذكروا في زكاة العروض، حيث قالوا فيها: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. أي: قال بوجوب الزكاة في عروض التجارة الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وكلمة (الفقهاء السبعة) تطلق على هؤلاء السبعة لتغني عن سرد أسمائهم.

[ عن عائشة ].

عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع