شرح سنن أبي داود [206]


الحلقة مفرغة

شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب اللقطة.

باب التعريف باللقطة.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة قال: (غزوت مع زيد بن صوحان وسليمان بن ربيعة فوجدت سوطا، فقالا لي: اطرحه، فقلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فحججت فمررت على المدينة، فسألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقلت: لم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها ووكاءها ووعاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها)، وقال: ولا أدري أثلاثاً قال: (عرفها)، أو مرة واحدة؟ ].

أورد أبو داود كتاب اللقطة.

واللقطة: هي الشيء الذي يلتقط مما يضيع على أهله، ويقال: غالباً ما تكون في غير المواشي، فالمواشي يقال لها: ضالة في الغالب، وأما غيرها من النقود وما أشبهها فيقال لها: لقطة.

ثم أورد أبو داود في الترجمة: باب تعريف اللقطة، فالإنسان إذا وجد لقطة فإنه يجب عليه أن يعرف بها أي: ينادي أنه وجد شيئاً مفقوداً، فمن كان له فليأت إليه، فإن ذكر أوصافه كما هو عليه فإنه يعطيه إياه.

وأما مدّة التعريف باللقطة، فقد جاء في حديث أبي بن كعب هذا أنها ثلاث سنوات، فقد جاء إليه فقال: عرفها حولاً، ثم جاء فقال: عرفها حولاً، ثم قال: عرفها حولاً.

وجاء في أحاديث أخرى عن غير أبي بن كعب أنه يعرفها حولاً واحداً، وقد أجمع العلماء على أنه يكفي تعريف حول واحد، وأنّ ذلك مجزئ، وقد جمع بعض أهل العلم بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في غيره أن هذا الحديث يحمل على ما إذا كان الملتقط موسراً لا يحتاج إليها، فإنه ينادي عليها ثلاث سنوات؛ لعل صاحبها يأتي بعد تلك المناداة في مدة ثلاث سنوات فيعطيها إياه، وأما إذا لم يكن موسراً فإنه يكتفى بتعريفها سنة واحدة، وقالوا: إن أبياً كان موسراً لذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكرر التعريف لعدة سنوات.

وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وذلك أن سويد بن غفلة رحمة الله عليه وجد سوطاً فأخذه، وكان معه شخصان هما: زيد بن صوحان وسليمان بن ربيعة فقالا: اتركه، فقال: لا، بل آخذه فإن وجدت صاحبه وإلا ارتفقت به، أي: استفدت منه، فأخذه، فلما حج قدم المدينة، فلقي أبي بن كعب رضي الله عنه فسأله فقال: إنني وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عرفها حولاً) أي: نادِ عليها حولاً.

قوله: (فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولاً) يعني: حولاً ثانياً، (قال: فعرفتها حولاً ثم أتيته قال: عرفها حولاً).

قوله: (ثم أتيته -يعني: بعد ثلاث سنوات- فقلت: لم أجد من يعرفها).

قوله: [ (فقال: احفظ عددها ووكاءها، ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) ] أي: عدد النقود، ونوعها من الذهب أو الفضة، وإذا كانت من النقود المعاصرة فقد تكون دولارات، أو دنانير ورقية، أو ريالات، وإذا كانت ريالات فقد تكون من فئة الريال، أو الخمسة، أو العشرة، أو العشرين، أو الخمسين، أو المائة، أو المائتين، أو الخمسمائة، فالمراد أن يعرف عددها وفئاتها. قوله: (ووعاءها) وهو القماش أو الجلد الذي جعلت فيه، والوكاء الذي ربطت به، فكل هذه الأشياء يعرفها، ثم ينفقها ويستعملها إن لم يأت صاحبها، ولكن إن جاء صاحبها فيما بعد، ووصفها على النحو الذي هي عليه فإنه يعطيه إياها، ويدفعها إليه.

وجاء في بعض الروايات: أنه يعرف عفاصها ووكاءها في الأول، وكل ذلك حق، فيعرف عددها وعفاصها ووكاءها في البداية؛ حتى إذا جاء أحد يسأل عنها في مدة التعريف، وذكر أوصافها فإنه يعطيه إياها، ويمكن أيضاً أن يكون ذلك من أجل التحقق والمحافظة عليها، فإنه إذا صرفها أو أضافها إلى ماله فقد ينساها بعد ذلك، فيكون محتفظاً بالعدد والصفات، فإذا جاء صاحبها فيما بعد يسأل عنها وذكر أوصافها، فإنه يعطيه إياها، فكلا المعنيين صحيح، فيعرف أوصافها في الأول، ويعرفها في الآخر؛ من أجل الإبقاء عليها، والمحافظة على تلك الصفات حتى تصل إلى صاحبها فيما بعد إذا جاء.

تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب في اللقطة

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

محمد بن كثير مر ذكره.

[ أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل ].

شعبة مر ذكره، وسلمة بن كهيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سويد بن غفلة ].

سويد بن غفلة ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وقد ذكرت فيما مضى عنه وعن المعرور بن سويد -وكل منهما من المخضرمين- أن أحدهما كان يصلي بالناس قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وأن الآخر كان عمره مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية، وقد رجعت إلى المصادر التي ذكرت ذلك فوجدت أن المعرور بن سويد هو الذي كان أسود شعر الرأس واللحية، وكان عمره مائة وعشرين سنة، ذكر ذلك النووي في (شرح مسلم) وفي (التقريب).

وأما سويد بن غفلة فهو الذي كان يصلي بالناس قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، فكل منهما كان عمره مائة وعشرين، ذكر هذا أبو نعيم في ترجمته في (حلية الأولياء)، وذكر أخباراً عنه منها: أنه تزوج وعمره مائة وست عشرة سنة، رحمة الله عليه.

[ عن أبي بن كعب ].

أبي بن كعب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

اللقطة التي تعرف واللقطة التي لا تعرف وكيفية التعريف

واستنفاق السوط ليس فيه بأس كما جاء في حديث علي رضي الله عنه أنه وجد ديناراً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنفقه، ثم جاء بعد ذلك شخص يسأل عنه فأمره أن يعطيه إياه، ولم يأمره بالتعريف، فدل هذا على أن الشيء اليسير لا يحتاج إلى تعريف، لكن إن جاء أحد يسأل عنه فإنه يعطيه إياه.

ولو وجد شيئاً مما يستهلك كالسواك مثلاً فصار يتسوك فيه فإنه يدخل في الكلام السابق.

إذاً: فكل ما كان مقداره يسيراً فإنه يستنفقه بدون تعريف، وأما ضابط اليسير فقيل: إنه عشرة دراهم، وقيل: دينار؛ لأن الحديث الذي جاء عن علي وسيذكره المصنف فيه ذكر الدينار، فلم يأمره بتعريفه، فدل على أن الدينار وهو اثنا عشر درهماً لا يحتاج إلى تعريف.

وأما كيفية التعريف، فإنه ينادى عليه في المجامع وفي الأماكن التي وجد فيها، ويذكر أنه وجد لقطة فمن كانت له فليأت، وليذكر أوصافها حتى تدفع إليه، ولو علق إعلاناً عند أبواب المسجد، وفي الوحدات السكنية فلا بأس بهذا فإنه كافٍ، بل هذا من أوضح التعريف؛ لأن هذا شيء مستمر، وأما التعريف بالمناداة فقد يسمع الصوت بعضهم دون الآخرين.

ولو عرفها سنة فلم يأت صاحبها فله أن يستخدمها، ولكن إن جاء صاحبها فيما بعد ووصفها فإنه يعطاها، فإن كانت عينها موجودة فإنه يعطيه إياها، وإلا فإنه يعطيه ثمنها ولو أن يستلف.

شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة من طريق ثانية وتراجم رجالها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة بمعناه، قال: (عرفها حولا) وقال: ثلاث مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين؟ ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى الاختلاف فيه، وأنه وقع فيه شك فقال: [ قال: (عرفها حولا) وقال ثلاث مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين؟ ]، لكن الرواية السابقة فيها: أنه ثلاثة أحوال.

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].

يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة بمعناه ].

شعبة مر ذكره.

شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سلمة بن كهيل بإسناده ومعناه، قال في التعريف قال: عامين أو ثلاثة، قال: (اعرف عددها ووعاءها ووكاءها، زاد: فإن جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها فادفعها إليه)].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه حولان أو ثلاثة، وأنه يعرف عددها ووكاءها، وأنه إذا جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها -أي: وصفها وصفاً مطابقاً لما هي عليه- فإنه يدفعها إليه، وهذه الزيادة تدل على أن صاحب اللقطة إذا وصفها بما يطابق ما هي عليه فإن ذلك كافٍِ، ولا يحتاج إلى أن يقيم بينة.

وقال بعض أهل العلم: إن هذه الرواية فيها تفرد، وإنّ أبا داود قال عنها: إنها غير محفوظة، فإذاً: إذا لم يطمئن الإنسان إلى صدق المدعي فعليه أن يطلب البينة، لكن الزيادة صحيحة وثابتة، وهي موجودة في صحيح مسلم، وأيضاً حماد بن سلمة الذي تفرد بها ثقة يحتمل تفرده، وهو أيضاً لم ينفرد بها بل قد توبع على ذلك، تابعه سفيان الثوري وزيد بن أبي أنيسة ، فكلاهما ذكر هذه الزيادة وهي: (فإن عرف وكاءها وعفاصها فادفعها إليه).

وهذه الرواية موجودة في صحيح مسلم، فهي ثابتة ومعتبرة، فيكفي في اللقطة أن يذكرها صاحبها بما هي عليه؛ لأن الإنسان إذا وصفها بتفاصيلها وقال: إن مقدارها كذا، وهي من النوع الفلاني، وهي من فئة كذا، وهي مربوطة في وعاء كذا وكذا، فإن ذلك يدل على صدقه، وأنها له.

تراجم رجال إسناد حديث أبي في اللقطة من طريق ثالثة

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا سلمة بن كهيل بإسناده ومعناه ].

قد مر ذكر سلمة .

[ قال أبو داود : ليس يقول هذه الكلمة إلا حماد في هذا الحديث يعني: (فعرف عددها) ].

يعني: أن هذا مما انفرد به حماد بن سلمة ، وسيأتي أيضاً أنه انفرد عن أشخاص آخرين غير سلمة بن كهيل وقال: إنها غير محفوظة يعني هذه الزيادة، لكن الزيادة ثابتة في صحيح مسلم، وأيضاً فـحماد بن سلمة لم ينفرد بل قد توبع، وسيذكر المصنف هذا فيما بعد مرة ثانية.

شرح حديث زيد بن خالد في اللقطة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللقطة؟ قال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. فقال: يا رسول الله! فضالة الغنم؟ فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: يا رسول الله! فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه وقال: ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتيها ربها)].

أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: عرفها حولاً)، فهنا ذكر حولاً فقط، ولم يذكر أحوالاً أخرى.

قوله: (ثم اعرف عفاصها ووكاءها) (العفاص): هو الوعاء الذي تكون فيه.

قوله: (ثم استنفق بها) يعني: أنفقها على نفسك، وتصرف فيها كيف شئت، لكن إن جاء صاحبها فأدها إليه، أي: تؤدي إليه قيمتها إذا كانت عينها غير موجودة.

وهذا الحديث كما عرفنا ذكر فيه التعريف سنة، وقد أجمع العلماء على أنه يكفي سنة واحدة، وعرفنا التوفيق بينه وبين حديث أبي بن كعب .

ثم سأله عن ضالة الغنم؟ فقال: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: لا تتركها؛ لأنها لا تمتنع من السباع، (فهي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: أنّ أمرها إما أن يئول إلى أن تكون لك، وذلك إذا عرفتها فلم يأت أحد يعرفها، فإنها ستكون لك، وإن جاء صاحبها الذي يملكها فأعطها إياه، فتكون لأخيك، وإن لم يأخذ هذا ولا هذا فإن الذئب هو الذي يعتدي عليها ويهلكها، إذاً فهي لا تخلو من هذه الثلاث حالات: إما أن تأخذها فهي لك، أو لأخيك، وإما أن تتركها فهي للذئب، أو لملتقط آخر، وهذا جاء في بعض التفسير لهذا الحديث في قوله: أو لأخيك، أن المراد به ملتقط آخر يأخذها إن تركتها، أي: إما أن يأتيها ملتقط آخر، أو يأتيها صاحبها، أو تكون للذئب، ففيه الدلالة على أخذها، ولكن مع التعريف، وليس معنى ذلك أنه يأخذها رأساً، فهي ليست ملكاً له، ولكن بعد أن يعرفها سنة فإن له أن ينفقها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك أعطاه إياها، وإن لم يأت فإنها ملك له.

قوله: (قال: يا رسول الله! فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أن ضالة الإبل لا تصلح أن تكون لقطة، لذلك لما سأله عن ضالة الإبل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه أو احمرت وجنتاه فقال: (ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها) فهي ترد الماء وتأكل الشجر، أي: لا شأن لك بها فاتركها؛ لأنها تمتنع من السباع، وتصبر على الظمأ لفترة، وتقدر على مشي المسافات الطويلة حتى ترد الماء، فهي ليست كالغنم الضعيفة التي لا تمتنع من السباع، ولهذا قال عنها: (هي لك أو لأخيك أو للذئب)، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجز التقاط الإبل، لكن قال بعض أهل العلم: إنها إذا كانت هزيلة بحيث لا تمتنع من السباع فإنه -والحالة هذه- يمكن أن تؤخذ وتعامل معاملة الغنم؛ لأن الوصف الذي يكون في الإبل من القوة والتحمل ليس فيها فقد يؤدي تركها وعدم التقاطها إلى هلاكها، وإلى افتراس السباع لها.

والحديث فيه تفريق بين اللقطة والضالة؛ فقد أطلق على ما يتعلق بالدراهم والدنانير لقطة، وأطلق على ما يتعلق بالإبل والغنم ضالة.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد في اللقطة

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].

إسماعيل بن جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].

ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو المشهور بـربيعة الرأي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد مولى المنبعث ].

يزيد مولى المنبعث صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن خالد الجهني ].

زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث زيد بن خالد من طريق ثانية وتراجم رجالها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني مالك بإسناده ومعناه، زاد: (سقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر) ولم يقل: (خذها) في ضالة الشاء، وقال في اللقطة: (عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) ولم يذكر: (استفق) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه فروقاً يسيرة.

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

ابن السرح هو: أحمد بن عمرو بن السرح مصري ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ بإسناده ومعناه ].

أي: بإسناده المتقدم، ومعناه المتقدم.

[ قال أبو داود : ورواه الثوري وسليمان بن بلال وحماد بن سلمة عن ربيعة مثله لم يقولوا: (خذها)].

ثم ذكر طرق أخرى عن ربيعة ، لم يقولوا فيها: (خذها) يعني: كما جاءت في الرواية السابقة.

[ قال أبو داود : رواه الثوري وسليمان بن بلال ].

الثوري هو: سفيان بن سعيد وقد مر ذكره، وسليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحماد بن سلمة عن ربيعة ] مر ذكرهما.

شرح حديث زيد بن خالد من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع وهارون بن عبد الله ، المعنى قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك يعني: ابن عثمان عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن اللقطة؟ فقال: (عرفها سنة، فإن جاء باغيها فأدها إليه، وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء باغيها فأدها إليه) ].

ثم أورد أبو داود حديث زيد بن خالد وهو كالأحاديث السابقة من أنها تعرف سنة، وأنه بعد ذلك يعرف العفاص والوكاء ثم يأكلها، فإن جاء صاحبها فيما بعد فإنه يؤديها إليه إن كانت موجودة، وإلا فإنّه يؤدي قيمتها إذا كانت متقومة، أو مثلها إذا كانت غير متقومة كالنقود.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد من طريق ثالثة

قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ].

محمد بن رافع النيسابوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ وهارون بن عبد الله].

هارون بن عبد الله هو: الحمال البغدادي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا ابن أبي فديك ].

ابن أبي فديك هو: محمد بن إسماعيل بن مسلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الضحاك يعني: ابن عثمان ].

الضحاك بن عثمان وهو صدوق يهم أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن بسر بن سعيد ].

بسر بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وفي صحيح مسلم قبل بسر بن سعيد : أبو النضر سالم المدني ، أي: أنّه بين الضحاك وبين بسر بن سعيد أبو النضر ، وأبو النضر هذا ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن خالد الجهني ].

زيد بن خالد الجهني ومر ذكره.

وكأن هذا الإسناد فيه سقط؛ لأن أبا النضر من شيوخ الضحاك ومن تلاميذ بسر بن سعيد ، ولم يذكر الضحاك في تلاميذ بسر بن سعيد كما في تهذيب الكمال، والألباني لما ذكر هذا الحديث في (صحيح أبي داود) قال: بزيادة أبي النضر عن بسر وهو الصواب.

شرح حديث زيد بن خالد في اللقطة من طرق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن أبيه يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر نحو حديث ربيعة. قال: وسئل عن اللقطة فقال: تعرفها حولاً، فإن جاء صاحبها دفعتها إليه، وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أفضها في مالك، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه)].

أورد حديث زيد بن خالد وهو مثل الحديث المتقدم، ثم قال: (أفضها في مالك) يعني: اجعلها ضمن مالك، واصنع بها ما تصنعه بمالك، لكن إن جاء صاحبها فيما بعد فأدها إليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة بإسناد قتيبة ومعناه وزاد فيه: (فإن جاء باغيها فعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه)، وقال حماد أيضا: عن عبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله.

قال أبو داود : وهذه الزيادة التي زاد حماد بن سلمة في حديث سلمة بن كهيل ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وربيعة : (إن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) ليست بمحفوظة (فعرف عفاصها ووكاءها).

وحديث عقبة بن سويد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا قال: (عرفها سنة)، وحديث عمر بن الخطاب أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عرفها سنة) ].

مر حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه من طرق، وذكر أبو داود هنا بعض الطرق التي أحال فيها على الطرق السابقة، وأشار إلى بعض الألفاظ التي فيها، منها: أنه يعرفها سنة، وأن له بعد السنة أن يستفيد منها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه إن كانت ما زالت موجودة، وإن كانت غير موجودة غرم له قيمتها، ثم ذكر بعد ذلك هذه الزيادة التي سبق أن مرت في بعض الطرق عن سلمة بن كهيل ، وقد زادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب اللقطة.

باب التعريف باللقطة.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة قال: (غزوت مع زيد بن صوحان وسليمان بن ربيعة فوجدت سوطا، فقالا لي: اطرحه، فقلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فحججت فمررت على المدينة، فسألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقلت: لم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها ووكاءها ووعاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها)، وقال: ولا أدري أثلاثاً قال: (عرفها)، أو مرة واحدة؟ ].

أورد أبو داود كتاب اللقطة.

واللقطة: هي الشيء الذي يلتقط مما يضيع على أهله، ويقال: غالباً ما تكون في غير المواشي، فالمواشي يقال لها: ضالة في الغالب، وأما غيرها من النقود وما أشبهها فيقال لها: لقطة.

ثم أورد أبو داود في الترجمة: باب تعريف اللقطة، فالإنسان إذا وجد لقطة فإنه يجب عليه أن يعرف بها أي: ينادي أنه وجد شيئاً مفقوداً، فمن كان له فليأت إليه، فإن ذكر أوصافه كما هو عليه فإنه يعطيه إياه.

وأما مدّة التعريف باللقطة، فقد جاء في حديث أبي بن كعب هذا أنها ثلاث سنوات، فقد جاء إليه فقال: عرفها حولاً، ثم جاء فقال: عرفها حولاً، ثم قال: عرفها حولاً.

وجاء في أحاديث أخرى عن غير أبي بن كعب أنه يعرفها حولاً واحداً، وقد أجمع العلماء على أنه يكفي تعريف حول واحد، وأنّ ذلك مجزئ، وقد جمع بعض أهل العلم بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في غيره أن هذا الحديث يحمل على ما إذا كان الملتقط موسراً لا يحتاج إليها، فإنه ينادي عليها ثلاث سنوات؛ لعل صاحبها يأتي بعد تلك المناداة في مدة ثلاث سنوات فيعطيها إياه، وأما إذا لم يكن موسراً فإنه يكتفى بتعريفها سنة واحدة، وقالوا: إن أبياً كان موسراً لذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكرر التعريف لعدة سنوات.

وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وذلك أن سويد بن غفلة رحمة الله عليه وجد سوطاً فأخذه، وكان معه شخصان هما: زيد بن صوحان وسليمان بن ربيعة فقالا: اتركه، فقال: لا، بل آخذه فإن وجدت صاحبه وإلا ارتفقت به، أي: استفدت منه، فأخذه، فلما حج قدم المدينة، فلقي أبي بن كعب رضي الله عنه فسأله فقال: إنني وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عرفها حولاً) أي: نادِ عليها حولاً.

قوله: (فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولاً) يعني: حولاً ثانياً، (قال: فعرفتها حولاً ثم أتيته قال: عرفها حولاً).

قوله: (ثم أتيته -يعني: بعد ثلاث سنوات- فقلت: لم أجد من يعرفها).

قوله: [ (فقال: احفظ عددها ووكاءها، ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) ] أي: عدد النقود، ونوعها من الذهب أو الفضة، وإذا كانت من النقود المعاصرة فقد تكون دولارات، أو دنانير ورقية، أو ريالات، وإذا كانت ريالات فقد تكون من فئة الريال، أو الخمسة، أو العشرة، أو العشرين، أو الخمسين، أو المائة، أو المائتين، أو الخمسمائة، فالمراد أن يعرف عددها وفئاتها. قوله: (ووعاءها) وهو القماش أو الجلد الذي جعلت فيه، والوكاء الذي ربطت به، فكل هذه الأشياء يعرفها، ثم ينفقها ويستعملها إن لم يأت صاحبها، ولكن إن جاء صاحبها فيما بعد، ووصفها على النحو الذي هي عليه فإنه يعطيه إياها، ويدفعها إليه.

وجاء في بعض الروايات: أنه يعرف عفاصها ووكاءها في الأول، وكل ذلك حق، فيعرف عددها وعفاصها ووكاءها في البداية؛ حتى إذا جاء أحد يسأل عنها في مدة التعريف، وذكر أوصافها فإنه يعطيه إياها، ويمكن أيضاً أن يكون ذلك من أجل التحقق والمحافظة عليها، فإنه إذا صرفها أو أضافها إلى ماله فقد ينساها بعد ذلك، فيكون محتفظاً بالعدد والصفات، فإذا جاء صاحبها فيما بعد يسأل عنها وذكر أوصافها، فإنه يعطيه إياها، فكلا المعنيين صحيح، فيعرف أوصافها في الأول، ويعرفها في الآخر؛ من أجل الإبقاء عليها، والمحافظة على تلك الصفات حتى تصل إلى صاحبها فيما بعد إذا جاء.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2886 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2830 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2726 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2687 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2676 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2672 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2642 استماع