شرح سنن أبي داود [198]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (من سأل وله ما يغنيه..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى.

حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) ].

أورد أبو داود باب من يعطى من الصدقة، وحدّ الغنى، يعني: من الذي يعطى من الصدقة وما حدّ الغنى، أي: ومن هو الفقير ومن هو الغني؟

والذي يعطى من الصدقة أعم من كونه فقيراً؛ لأن الصدقة مصارفها ثمانية، فهل لابد أن تكون الزكاة في المصارف الثمانية أو أنه يجوز صرفها في صنف واحد؟

قال بعض أهل العلم: لابد أن توزع على المصارف الثمانية، ومنهم من قال: يكفي توزيعها في صنف واحد كما جاء في حديث معاذ : (تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم) وكما حصل من عمران بن حصين عندما جمعها وأعطاها للفقراء.

وحدُّ الغنى جاء في الحديث الذي أورده أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟)؛ لأنه قال: (وله ما يغنيه) فطلبوا منه أن يفسر قوله: (وله ما يغنيه)، فقال: (خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب) وكأن المقصود من ذلك أنه يسأل في حينه وفي وقته وعنده ما يكفيه، وأما لو كان عند الإنسان خمسون درهماً فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، والمحذور هنا هو أن يسأل الإنسان وعنده شيء يغنيه في يومه وليلته أو أكثر من ذلك كما سيأتي، فالإنسان الذي عنده كفايته لا يسأل في الوقت الذي عنده تلك الكفاية، ولكن إذا نفذ ما عنده فله أن يسأل.

وعلى هذا فذكر هذا العدد ليس قيداً في كون الإنسان لا يعطى من الزكاة وعنده خمسون درهماً، وإنما يتعلق بمنع المسألة، وأن الإنسان لا يسأل وعنده هذا المقدار، لأنه غني في وقته وإن كان ليس عنده شيء يغنيه طوال السنة، ولذلك فهو أهل لأن يعطى من الزكاة، والزكاة تؤخذ في كل عام فيعطى الفقراء ما يكفيهم إلى نهاية العام، ثم إذا جاء العام الآخر أخذت الزكاة فيعطون ما يكفيهم .. وهكذا.

إذاًً: هذا المقدار ليس حداً لكونه لا يعطى من الزكاة، ولكنه حد لكونه لا يسأل؛ لأن عنده شيئاً يغنيه عن السؤال في وقته.

قوله: (خموش، أو خدوش، أو كدوح) هي آثار في الوجه، ومعنى ذلك: أنه سأل وأراق ماء وجهه، فيعاقب يوم القيامة بأن يأتي وهو على هذه الهيئة التي تصير علامة على سؤاله وهو ليس أهلاً لذلك؛ فإنه غني في الوقت الذي سأل فيه.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله ما يغنيه..)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا يحيى بن آدم ].

يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حكيم بن جبير ].

حكيم بن جبير ، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].

محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله ].

هو عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث ضعيف، ففي إسناده حكيم بن جبير ، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ذم المسألة، وعقوبة صاحبها.

وأما سؤال ولاة الأمر، فالذي يبدو أنه لا بأس به إذا كان للإنسان شيء قليل لا يكفيه ولا يغنيه، وأما الذي عنده شيء كثير ولكنه يتكثر فهذا الذي ينبغي له أن يستعفف، وينبغي له ألا يسأل ولاة الأمر.

وفي هذا الوقت يكون عند الإنسان راتب يكفيه، لكنه يريد أن يستزيد، فهذا لو يستعفف لكان خيراً له، فمن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، وأما إذا جاء من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس بأخذه كما في حديث عمر (من غير مسألة ومن غير إشراف نفس) الحديث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال يحيى : فقال عبد الله بن عثمان لـسفيان : حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد حدثناه الزبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].

[ قال: يحيى ].

يحيى بن آدم الذي مر ذكره.

[ فقال عبد الله بن عثمان لـسفيان ].

عبد الله بن عثمان هو البصري وسفيان هو الثوري.

وقوله: (حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير)، أي: الذي أحفظه أنه لا يروى عن حكيم ، يعني: لضعفه، فقال: (حدثناه زبيد) وهو زبيد بن الحارث اليامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

بقي علينا أن نعرف بـعبد الله بن عثمان :

عبد الله بن عثمان الذي يبدو أنه البصري، الذي قيل إنه صاحب شعبة ، قال النسائي : ثقة ثبت أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجة ، ولم يذكر أبا داود لعله لأنه هنا معلق.

شرح حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: (نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسله لنا شيئاً نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك، فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول: لعمري! إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً).

قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية -والأوقية أربعون درهماً- قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال، حتى أغنانا الله عز وجل ].

أورد أبو داود حديث رجل من بني أسد جاء هو وأهله إلى المدينة، فنزلوا في بقيع الغرقد، أي: في منطقة البقيع يعني: ليس معناه أنهم نزلوا في البقيع ولكنهم نزلوا في منطقة البقيع يعني حوله، فقال له أهله: (اذهب إلى رسول الله فسله لنا شيئاً نأكله)، أي: سله لنا طعاماً نأكله.

فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده رجلاً يسأله، فاعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وذكر أنه ليس عنده شيء يعطيه إياه، فغضب ذلك الرجل وقال: لعمري إنك تعطي من شئت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)، والأوقية أربعون درهماً؛ لأن نصاب الفضة خمس أواق، ومقدارها مائتا درهم، فالأوقية إذاً أربعون درهماً.

قوله: (فقد سأل إلحافاً) يعني: سأل وعنده ما يغنيه، فيكون قد ألح في السؤال وهو ليس محلاً لذلك، وهذا في حال وجود ذلك المقدار عنده، وأما إذا لم يكن عنده هذا المقدار فله أن يسأل، وهذا كما هو معلوم شيء، وإعطاؤه من الزكاة شيء آخر، فهو وإن كان ينبغي له ألا يسأل لكنه يُعطي من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة وإن كان عنده أربعون درهماً. فهذا الأسدي الذي جاء كفته هذه المحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الرجل، وذلك عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له هذه المقالة.

قوله: (فقال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية).

الأسدي: نسبة إلى بني أسد، واللقحة هي الناقة، فيشربون من حليبها، وهي عندهم خير من الأوقية التي هي أربعون درهماً.

قوله: (قال: فرجعت ولم أسأله) أي: كفاه ذلك الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله، فجاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعيرٌ أو زبيب فأعطاه منه حتى أغناه الله).

وقد جاء في الحديث الماضي: خمسون، وهنا: أربعون، وهما متقاربان.

وأما مقدار ذلك الآن فالمائتا درهم تعادل ستة وخمسين، فالأربعون أوقية خمُس الستة والخمسين، أي: أحد عشر وخمس من ريالات الفضة، فإذا قيل: إن الريال عُشر الفضة فالعشرة ريالات فضة تصير مائة وعشرة ريال.

ومرجع الإعطاء والكفاية إلى العرف، فبعض الأماكن وبعض الناس تختلف قضية الغنى والفقر عندهم فالأعزب مثلاً ليس كالمتزوج الذي عنده عيال من حيث الغنى والفقر، فتختلف الكفاية بحسب ذلك، وكذلك تختلف كفاية العائلة بحسب عدد أفرادها وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أسلم ].

زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن يسار ].

عطاء بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن رجل من بني أسد ].

أي أنه مبهم، والمبهم والمجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما تؤثر الجهالة في غيرهم، وأما هم فما داموا أنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمجهول فيهم في حكم المعلوم.

[ قال أبو داود : هكذا رواه الثوري كما قال مالك ].

يعني: بهذا اللفظ.

والله تعالى أعلم.

بيان عن حديث (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء)

هناك منشورات فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي ! لا تَنَم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي: قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك من الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك إذا قرأت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله، وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة، وإذا قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم).

أقول: لما قال علي رضي الله عنه هذا الكلام هل سلم من الخصوم؟! فالدنيا يوجد فيها خصوم، وهذا الكلام فيه مبالغة، ثم هذه أمور غيبية، فيكفي الناس ما صح وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية والأعمال الصالحة، وأما الأشياء التي فيها مبالغات، والتي ليس لها أساس من الصحة فالبعد عنها أسلم.

شرح حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية -قال هشام : خير من أربعين درهماً- فرجعت فلم أسأله شيئاً، زاد هشام في حديثة: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين درهماً) ].

سبق بعض الأحاديث المتعلقة بذكر من يُعطى من الصدقة، ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)، والأوقية -كما هو معلوم- هي أربعون درهماً.

(فقلت: ناقتي الياقوتة)، اسم ناقته ياقوتة، (خير من أوقية) يعني: أنه يملك شيئاً كثيراً. (قال هشام : خير من أربعين درهماً) يعني: أن قتيبة قال: (أوقية)، وهشام قال: (أربعون درهماً) وهما بمعنى واحد؛ لأن الأوقية أربعون درهماً.

قوله: (فرجعت فلم أسأله شيئاً) أي: أنه لما سمع هذا الكلام اكتفى به.

وزاد هشام في حديثه: (وكانت الأوقية في عهده صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً) أي أنه قال هذا ليبين أن الأوقية هي هذا المقدار من الدراهم.

قد يفهم من هذا الحديث أن أبا سعيد هو صاحب القصة، ويفهم منه أيضاً أن صاحب القصة هو ذلك الرجل الذي جاء وسأل كما في الحديث السابق، فليس في هذا الحديث أن أبا سعيد سأل، وإنما أخبر بأنه سمع هذا الكلام، فيحتمل أن يكون المقصود بهذا الكلام هو أبا سعيد ، ويحتمل أن يكون المقصود به الرجل السابق صاحب بني أسد.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد أحلف)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وهشام بن عمار ].

هشام بن عمار صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ].

عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب السنن، وابن أبي الرجال كنية أبيه: أبو الرجال ، وهو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، وقيل له: أبو الرجال ؛ لأنه ولد له عشرة من البنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، وأما كنيته: فـأبو عبد الرحمن ، وهذا من جنس أبي الزناد ، فإنه لقب، واسمه: عبد الله بن ذكوان ، وكنيته: أبو عبد الرحمن ، فكل من أبي الزناد وأبي الرجال لقب على صيغة الكنية، وكل منهما يكنى بأبي عبد الرحمن.

[ عن عمارة بن غزية ].

عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ].

عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

معنى الإلحاف في السؤال

قال الواحدي : الإلحاف في اللغة: هو الإلحاح في المسألة، قال الزجاج : معنى ألحف شمل بالمسألة، والإلحاف في المسألة: هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة كاشتمال اللحاف في التغطية.

وقال غيره: الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل، إذا مشى في لحف الجبل، وهو أصله، فكأنه استعمل للخشونة في الطلب.

وهذه قسوة وخشونة في الطلب، وليس هناك سهولة ولين، وهذا كالذي ذهب ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما قال له: (لا أجد ما أعطيك، قال: إنك تعطي من شئت)، فهذه هي الخشونة في الطلب.

شرح حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين قال: حدثنا محمد بن المهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي حدثنا سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أنه قال: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية رضي الله عنه فكتب لهما بما سألا، فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانه فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية رضي الله عنه بقوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار. وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم.

فقالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه ).

وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم. وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ التي ذكرت ].

وأورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه، فكتب لهما بطلبهما، فأخذ الأقرع بن حابس الكتاب ولفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة بن حصن فإنه جاء وقال: إني لا أدري ما في هذا الكتاب، وإني أشبّه بـالمتلمس الذي حمل الصحيفة وهو لا يدري ما فيها، وقصة المتلمس : أن رجلين يقال لأحدهما: المتلمس جاءا إلى أمير من الأمراء أو كبير من الكبراء، فحصل منهما هجر له، ثم كتب لكل واحد منهما كتاباً إلى بعض عماله، وكان الكتاب مشتملاً على قتل كل واحد منهما إذا وصلا إلى ذلك العامل، فأما أحدهما فذهب بذلك الكتاب إلى العامل ففتحه العامل وقتله، وأما هذا ففتح الكتاب في الطريق ووجد فيه أنه سيقتل، فمزق الكتاب وهرب، فصار يقال للذي يحمل شيئاً فيه حتفه ومضرته: كحامل صحيفة المتلمس .

فـعيينة يقول: إنني لا أدري ما فيها، فلعلي أكون حاملاً صحيفة المتلمس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)، وفي رواية (يستكثر من جمر جهنم)، يعني: أن سؤال الإنسان وعنده ما يغنيه يعود عليه بالمضرة، ويعاقب على ذلك، وأنه إنما يستكثر من جمر جهنم، ويكون ذلك قلةً وكثرةً على حسب استكثاره من السؤال والطلب وعنده ما يغنيه.

قوله: (فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال النفيلي: قالوا: وما الغنى الذي لا تكون معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) يعني: في ذلك اليوم، فالإنسان الذي عنده طعام يومه وليلته ثم يسأل بعد ذلك فإنه يكون عند ذلك سائلاً وهو غني.

وقد رواه النفيلي على عدة أوجه مختصرة، وهنا أشار أبو داود إلى هذه الروايات المتعددة التي حدث بها النفيلي ، فذكر كل فقرة على حدة، وبألفاظ مختلفة.

قوله: (أن يكون عنده شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم) هو مثل الذي قبله: أن يكون عنده ما يغديه ويعشيه.

قوله: (وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ)، يعني: مرة هكذا، ومرة هكذا، وهنا جمعها وأشار إلى ألفاظها المختلفة.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا مسكين ].

مسكين وهو ابن بكير الحراني، وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا محمد بن المهاجر ].

محمد بن المهاجر ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ربيعة بن يزيد ].

ربيعة بن يزيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي كبشة السلولي ].

أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا سهل بن الحنظلية ].

سهل بن الحنظلية صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي .

[ عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ].

عيينة بن حصن والأقرع بن حابس زعيمان وكبيران من كبار قومهما، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما لتأليف قلوبهما.

وقد يستشكل بعضهم هذه العبارة: (فقال: يا محمد! أتر