شرح سنن أبي داود [181]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستغفار.

حدثنا النفيلي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا عثمان بن واقد العمري عن أبي نصيرة عن مولىً لـأبي بكر الصديق عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ].

قوله: [ باب في الاستغفار ] الاستغفار هو من الدعاء؛ لأن قول الإنسان: اللهم اغفر لي دعاء يطلب به من الله المغفرة.

أورد المصنف رحمه الله في هذا الباب أحاديث في الاستغفار وأحاديث في الدعاء على سبيل العموم؛ لأن الاستغفار نوع من أنواع الدعاء.

قوله: [ (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ]، الإصرار: هو البقاء على الذنب والإصرار عليه، أما الاستغفار فلا يكون معه الإصرار، ولو عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة، لكن هذا الحديث ضعيف وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتج به؛ لأن لفظه فيه نكارة، إذ كيف يكون غير مصر ولو عاد إلى الذنب سبعين مرة؟! فما فائدة الاستغفار الذي يكون معه مواصلة الذنب والاستمرار فيه حتى يبلغ هذا المبلغ في الكثرة؟!

فالحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه مولىً لـأبي بكر وهو مبهم.

وقال الحافظ: هو أبو رجاء مولى أبي بكر وهو مجهول.

إذاً: فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كون الاستغفار يكون معه تخفيف الذنوب والتخلص من الذنوب فقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: أن الكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتتلاشى وتضمحل؛ لأن الإنسان عندما يرتكب كبيرة ويستغفر الله ويندم عليها ويخاف الله عز وجل، فإن الذنب يتلاشى ويضمحل.

قوله: (ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: الصغيرة مع الإصرار والمداومة عليها وقلة الحياء والخوف من الله عز وجل تتضخم وتكبر وتعظم؛ لما صحبها من قلة الحياء وقلة المبالاة، وكون الإنسان يستمر على تلك الذنوب التي هي صغائر قد يلحقها بالكبائر من ناحية قلة الحياء وقلة المبالاة بها.

وهذا هو معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار).

تراجم رجال إسناد حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة)

قوله: [ حدثنا النفيلي ].

هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا مخلد بن يزيد ].

مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا عثمان بن واقد العمري ].

عثمان بن واقد العمري صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن أبي نصيرة ].

هو مسلم بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن مولىً لـأبي بكر ].

وهو مبهم، وقد ذكر الحافظ في التقريب أنه أبو رجاء ، وقال: إنه مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن أبي بكر الصديق ].

أبو بكر هو عبد الله بن عثمان رضي الله عنه، وهو غير مشهور باسمه ولكنه مشهور بكنيته ولقبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو ليس له ولد اسمه بكر ولكنه اشتهر بهذه الكنية، كما أن عمر رضي الله عنه ليس له ولد اسمه حفص وقد اشتهر بهذه الكنية، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وقد قال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مقالة تدل على علو قدره وعظيم منقبته، وذلك قبل أن يموت بخمس ليال، كما جاء في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).

فقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) أخبر فيه عن أمر لا يكون أن لو كان كيف يكون، وهو دال على عظم شأن أبي بكر وعلو منزلته وعظيم قدره، وهو أفضل الصحابة على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي بردة عن الأغر المزني رضي الله عنه- قال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة) ].

قوله: [ (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) ] يغان فسر بأنه يغطى، وقيل: إن المقصود بذلك ما يحصل له من السهو، وأنه يستغفر الله عز وجل في اليوم سبعين مرة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

أما وجه استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وهل يدخل في مسألة وقوع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الذنوب؟

فالعلماء اتفقوا على أن الكبائر لا تقع منهم، وأما الصغائر فهناك خلاف بين أهل العلم، والقائلون بإثباتها يقولون: إنه يترتب عليها زيادة كمالهم من ناحية أنهم يستغفرون ويدعون، وأن الله يرفع شأنهم، ويعلي قدرهم، ويعظم منزلتهم.

ومن العلماء من يقول: إنه قد يقع منهم خلاف الأولى، ومن ذلك الشيء الذي عوتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فيما يتعلق بقصة الأعمى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2] وكذلك فيما يتعلق بأسارى بدر، وغير ذلك من الأشياء التي جاءت في القرآن والتي عوتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قيل: إن استغفاره صلى الله عليه وسلم من العبادة لله عز وجل، وكذلك تعليم الأمة أن يفعلوا ذلك، وأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر وهو القدوة والأسوة، وهم الذين يذنبون ويحتاجون إلى أن يستغفروا من ذنوبهم وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ ومسدد حدثنا حماد ].

هو حماد بن زيد إذا جاء مسدد وسليمان بن حرب عن حماد فالمراد به حماد بن زيد ، وإذا جاء موسى بن إسماعيل ومسدد عن حماد فالمراد به حماد بن سلمة .

وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بردة ].

هو أبو بردة بن أبي موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن الأغر المزني ].

الأغر المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث، وهو عند مسلم وأبي داود فقط. لكن له عند البخاري في الأدب المفرد، وعند النسائي في عمل اليوم والليلة.

شرح حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: [ (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم).

يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار في المجلس الواحد، وفي الحديث السابق كان يخبر عن نفسه أنه كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وهنا كان الصحابة يعدون له في المجلس الواحد أنه كان يقول هذا الذكر أو هذا الدعاء مائة مرة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا أبو أسامة ].

هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن مالك بن مغول ].

مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن محمد بن سوقة ].

محمد بن سوقة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني حدثني أبي عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعت أبي يحدثنيه عن جدي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ].

أورد أبو داود حديث زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ].

يعني: من قال ذلك غفر له وإن فرّ من قتال الكفار، ومن المعلوم أن الفرار من الزحف هو أحد الموبقات السبع التي جاءت في حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات، ومنها: الفرار من الزحف)، ويكون المعنى مستقيماً إذا كان المقصود أنه تاب من جميع الذنوب ومنها الفرار من الزحف، وإلا فإن مجرد الاستغفار والإنسان باق على الذنب لا ينفع، وهو مثل ما تقدم في الحديث الضعيف الذي فيه: (وإن عاد في اليوم سبعين مرة) وإنما ينفع ذلك مع التوبة من الذنب، فبدون توبة من الذنب يوجد إشكال، يعني: كونه تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار ولو فر من الزحف وإن لم يتب من ذلك الذنب وهو مصر عليه، لكن إذا كان المقصود به الاستغفار من جميع الذنوب والتوبة منها والندم على ما حصل منه. نعم، تغفر له ذنوبه، أما أن يوجد منه الاستغفار بلسانه ولم يتب من بعض الذنوب لا يقال: إنها تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار وهو مصر عليها.

وهذا الحديث فيه أربعة مقبولون، وفيه إشكال من هذا المعنى الذي أشرت إليه، وإلا على معنى التوبة من جميع الذنوب فإن كل الذنوب تغفر ولو كان الفرار من الزحف.

والحديث صححه الألباني كما سيأتي وجه تصحيحه له.

تراجم رجال إسناد حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي المنقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني ].

حفص بن عمر بن مرة الشني مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ حدثني أبي عمر بن مرة ].

عمر بن مرة مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ سمعت بلال بن يسار بن زيد ].

بلال بن يسار مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ سمعت أبي يحدثنيه عن جدي ].

أبوه هو يسار وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي .

أما جده فهو صحابي أخرج له أبو داود والترمذي .

وجه تصحيح الألباني لحديث (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو غفر له وإن كان قد فر من الزحف)

ذكرت أن الشيخ الألباني رحمه الله صحح الحديث، ولما كان في رجاله أربعة وصف كل منهم بأنه مقبول، وكل منهم خرج له أبو داود والترمذي وهم: حفص بن عمر بن مرة ، وأبوه، وبلال بن يسار بن زيد ، وأبوه، وكل منهم مقبول، والمقبول هو الذي لا يعتد بحديثه إلا إذا توبع .

وقد أورد الشيخ الألباني ذلك الحديث في السلسلة الصحيحة رقم (2727)، وذكره عن جماعة من الصحابة منهم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدرها بحديث عبد الله بن مسعود ، والحديث الذي أورده من طريق عبد الله بن مسعود صحيح، وهو مثل ما جاء في هذا إلا أنه زاد (ثلاثاً): (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثاً، غفرتْ ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف).

وعلى هذا فهذه الطريق -مع ما فيها من الرجال المتكلم فيهم- عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة مع تلك الطريق الصحيحة التي أوردها الشيخ الألباني وإسنادها صحيح.

وكذلك ذكره عن جماعة من الصحابة إلا أن حديث عبد الله بن مسعود هو الذي يعتمد عليه في ذلك، وعلى هذا فالحديث صحيح ولكن لا يكون معناه: أنه من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه ولو كان فاراً من الزحف إذا كان مصراً على المعاصي؛ لأن الاستغفار النافع هو الذي يكون معه الندم والخوف والخجل والتوبة من الذنوب التي ارتكبها والإقلاع عنها فهذا هو الذي يغفر له، وأما الذي يستغفر الله وهو مصر على المعصية، متى ما وجد سبيلاً إليها انقض إليها، فمثل هذا لا يقال: إنه ينفعه أن يقول: أستغفر الله بلسانه مع أن قلبه منطو على خلاف ما جاء في لسانه.

شرح حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الحكم بن مصعب حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من لزم الاستغفار) ] يعني: أكثر منه وكان ملازماً له .

قوله: [ (جعل الله له من كل ضيق مخرجاً) ] يعني: الشدة والمصائب التي تحل بالإنسان يجعل الله له من ذلك الضيق الذي يحصل بسببها مخرجاً.

قوله: [ (ومن كل هم فرجاً) ] يعني: يجعل له فرجاً من كل شيء يهمه ويزعجه، بحيث يسلم ويخلص من ذلك، ويفرج الله عنه بسبب الاستغفار .

قوله: [ (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ] يعني: يأتيه الرزق من حيث لا يفكر ولا يخطر بباله.

والحديث فيه رجل مجهول، وهو الحكم بن مصعب ، فهو غير صحيح من ناحية الإسناد، ولكن معناه جاء به القرآن من حيث التقوى، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:2-3] .

وأيضاً جاء فيما يتعلق بالاستغفار أنه سبب لحصول الرزق، كما قال الله عز وجل عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] يعني: أنه يترتب على الاستغفار حصول هذه الأمور، ومنها حصول الرزق، بأن ينزل الله عليهم الأمطار التي تنبت بها الأشجار الزروع، وتحيا بها الأرض بعد موتها، وكذلك يمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات أنهاراً.

فهذا القرآن دل على ذلك، لكن الحديث من ناحية الإسناد غير صحيح، وقد ضعفه الألباني رحمه الله؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول.

تراجم رجال إسناد حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...)

قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ].

هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن .

[ حدثنا الوليد بن مسلم ].

الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ حدثنا الحكم بن مصعب ].

الحكم بن مصعب مجهول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ].

محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن .

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها (اللهم آتنا في الدنيا حسنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ح وحدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل المعنى عن عبد العزيز بن صهيب أنه قال: (سأل قتادة أنساً رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

وزاد زياد : وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن قتادة سأله: (أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر؟) ].

أي: أي دعاء كان يكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أكثر من غيره؟ فقال: [ (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ] هذا دعاء عظيم جمع بين خير الدنيا والآخرة؛ لأن حسنة الدنيا كل خير وكل سعادة، وكل ما هو نافع في هذه الحياة فهو من حسنة الدنيا، وكل ما يحصل في الآخرة من نعيم وبهجة كل ذلك من حسنة الآخرة، ثم بعد ذلك من يحصل على حسنة الآخرة يسلم من عذاب النار، فهذا دعاء جاء به القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يدعو به، وجاء من طريق زياد -شيخ أبي داود الثاني-: أن أنساً رضي الله تعالى عنه كان إذا أراد أن يدعو بدعوة واحدة اقتصر على هذا الدعاء: (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وإذا أراد أن يدعو بجملة من الأدعية يدعو بهذا الدعاء مع هذه الأدعية، أي: أنه كان لا يترك هذا الدعاء سواء دعا بدعوة واحدة أو دعا بدعوات كثيرة، فقد كان رضي الله عنه لا يفرط فيه ولا يغفل عنه، وذلك لكونه يجمع خير الدنيا والآخرة، كذلك هذا الدعاء يقال ما بين الركنين في الطواف.

تراجم رجال إسناد حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها اللهم آتنا في الدنيا حسنة...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عبد الوارث ].

هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ ح وحدثنا زياد بن أيوب ].

ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وزياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود