شرح سنن أبي داود [170]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن.

حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين من بني عبد كلال عن عمرو بن العاص رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان).

قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إحدى عشرة سجدة). وإسناده واه ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب تفريع أبواب السجود] أي: سجود التلاوة، وكم سجدة في القرآن، يعني: كم عدد السجدات في القرآن التي يسجد بها، والتي إذا بلغها الإنسان وهو يقرأ القرآن سجد بها، و(أل) هنا عوض عن المضاف إليه، أي: بدلاً من أن يقول سجود التلاوة، قال: السجود.

وكم سجدة في القرآن، أي: كم سجدات في القرآن؟

أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، ذكر ابن حزم في مراتب الإجماع -والذي علق عليه ابن تيمية وتتبعه في بعض الأشياء، وهذا من المواضع التي حكى فيها الإجماع- على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة.

ثم هذه السجدات الخمس عشرة عشر منها لا خلاف بين أهل العلم فيه، وخمس هي محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يسجد فيها كلها، والمختلف فيها الصحيح فيها ثبوت السجود فيها، وبهذا يكون القول الراجح أن الخمس عشرة سجدة التي أجمع على أنه ليس هناك شيء أكثر منها أنها محل سجود للتلاوة.

والخمس التي هي محل خلاف هي: سجدات المفصل الثلاث، وسجدة (ص)، والسجدة الثانية من الحج، وأما ما سواها وهي العشر الباقية فمتفق عليها، والغالب على السجدات التي هي محل إجماع أن السجود فيها جاء على سبيل الإخبار، وأكثر السجدات المختلف فيها جاءت بصيغة الأمر: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وفي الحج: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان، وهذه الخمس التي ذكرها عمرو رضي الله عنه أربع منها هي محل خلاف، والأولى من سجدتي الحج هذه باتفاق العلماء، ويضاف إلى الأربع التي جاءت في كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه سجدة (ص)، فإنها أيضاً من محل الخلاف.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي ].

هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن أبي مريم ].

ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا نافع بن يزيد ].

نافع بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن الحارث بن سعيد العتقي ].

الحارث بن سعيد العتقي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن منين ].

عبد الله بن منين وثقه يعقوب بن سفيان ، وبعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث بسبب عبد الله بن منين هذا، وقد أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عمرو بن العاص ].

عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل المشهور، وهو من دهاة العرب، وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، وعند ذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك، فذكر أشخاصاً ولم يذكره، فسكت بعد ذلك رضي الله عنه، وكأنه فهم أن هذا التأمير يدل على تقديم وتفضيل، ولكن يكفيه شرفاً وفضلاً أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما من يقول: إنه من المنافقين فقد آذى نفسه بمثل هذا الكلام لما تكلم في عمرو بن العاص وفي غيره من الصحابة، وهذا من الكلام الساقط الذي لا يليق لا ينبغي أن يتفوه به وأن يتكلم به، ومع الأسف الشديد أن سيد قطب هو الذي قال: إن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من المنافقين.

رواية أن عدد السجدات إحدى عشرة سجدة

[ قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إحدى عشرة سجدة) وإسناده واه ].

ثم أشار أبو داود رحمه الله إلى حديث روي عن أبي الدرداء ، وأن القرآن فيه إحدى عشرة سجدة، قال: وإسناده واهٍ. معناه: ضعيف شديد الضعف، فلا حجة به ولا قيمة له، وإنما السجدات هي خمس عشرة، وليست إحدى عشرة.

و أبو الدرداء هو عويمر بن زيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه أن عقبة بن عامر رضي الله عنه حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما). ].

أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، كأن هذا السؤال فيه إشارة إلى السجدة المختلف فيها؛ لأن سؤاله معناه: أن واحدة معروفة وهو يريد أن يتحقق من الثانية، فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، وهذا يدل على تأكد السجود، ولكن قوله: (فلا يقرأهما) يمكن أن يُحمل -والله أعلم- على أن الإنسان لا يقرأهما في الصلاة؛ حتى لا يحتاج إلى سجود، وأما كونه يقرأهما في غير الصلاة فهذا أمر مطلوب أن الإنسان يقرأ القرآن كله، ولكن كونه يختارهما ثم لا يسجد فيهما أنه لا يناسب، أو أن المقصود منه بيان عظم شأن السجود، وأنه لا ينبغي أن يتهاون فيه، ويدل الحديث على تأكده وجوبه عند من يقول بوجوبه، وإن كان المشهور عند جمهور العلماء أن سجود التلاوة كله سنة، وليس بواجب، وأن من سجد قد أصاب، ومن لم يسجد فلا شيء عليه كما جاء ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.

تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ].

أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

ابن وهب مر ذكره.

[ أخبرني ابن لهيعة ].

ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق احترقت كتبه، وراوية العبادلة عنه ومنهم عبد الله بن وهب أعدل وأثبت من غيرها، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه ].

مشرح بن هاعان مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ أن عقبة بن عامر ].

عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث ذكره الألباني في ضعيف السنن، ولكنه أحال على المشكاة، وذكر في المشكاة تصحيحه، وقال: إنه عند أبي داود من رواية عبد الله بن وهب ، وبذلك تكون روايته مستقيمة، فالحديث صحيح. هكذا قال.

بقي الكلام في مشرح أو أنه عنده شواهد أخرى، لكنه ما أشار إلى الشواهد، وإنما أشار إلى رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة .

والترمذي والمنذري تكلموا في مشرح هذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن.

حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين من بني عبد كلال عن عمرو بن العاص رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان).

قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إحدى عشرة سجدة). وإسناده واه ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب تفريع أبواب السجود] أي: سجود التلاوة، وكم سجدة في القرآن، يعني: كم عدد السجدات في القرآن التي يسجد بها، والتي إذا بلغها الإنسان وهو يقرأ القرآن سجد بها، و(أل) هنا عوض عن المضاف إليه، أي: بدلاً من أن يقول سجود التلاوة، قال: السجود.

وكم سجدة في القرآن، أي: كم سجدات في القرآن؟

أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، ذكر ابن حزم في مراتب الإجماع -والذي علق عليه ابن تيمية وتتبعه في بعض الأشياء، وهذا من المواضع التي حكى فيها الإجماع- على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة.

ثم هذه السجدات الخمس عشرة عشر منها لا خلاف بين أهل العلم فيه، وخمس هي محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يسجد فيها كلها، والمختلف فيها الصحيح فيها ثبوت السجود فيها، وبهذا يكون القول الراجح أن الخمس عشرة سجدة التي أجمع على أنه ليس هناك شيء أكثر منها أنها محل سجود للتلاوة.

والخمس التي هي محل خلاف هي: سجدات المفصل الثلاث، وسجدة (ص)، والسجدة الثانية من الحج، وأما ما سواها وهي العشر الباقية فمتفق عليها، والغالب على السجدات التي هي محل إجماع أن السجود فيها جاء على سبيل الإخبار، وأكثر السجدات المختلف فيها جاءت بصيغة الأمر: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وفي الحج: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان، وهذه الخمس التي ذكرها عمرو رضي الله عنه أربع منها هي محل خلاف، والأولى من سجدتي الحج هذه باتفاق العلماء، ويضاف إلى الأربع التي جاءت في كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه سجدة (ص)، فإنها أيضاً من محل الخلاف.

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي ].

هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن أبي مريم ].

ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا نافع بن يزيد ].

نافع بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن الحارث بن سعيد العتقي ].

الحارث بن سعيد العتقي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن منين ].

عبد الله بن منين وثقه يعقوب بن سفيان ، وبعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث بسبب عبد الله بن منين هذا، وقد أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عمرو بن العاص ].

عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل المشهور، وهو من دهاة العرب، وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، وعند ذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك، فذكر أشخاصاً ولم يذكره، فسكت بعد ذلك رضي الله عنه، وكأنه فهم أن هذا التأمير يدل على تقديم وتفضيل، ولكن يكفيه شرفاً وفضلاً أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما من يقول: إنه من المنافقين فقد آذى نفسه بمثل هذا الكلام لما تكلم في عمرو بن العاص وفي غيره من الصحابة، وهذا من الكلام الساقط الذي لا يليق لا ينبغي أن يتفوه به وأن يتكلم به، ومع الأسف الشديد أن سيد قطب هو الذي قال: إن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من المنافقين.

[ قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إحدى عشرة سجدة) وإسناده واه ].

ثم أشار أبو داود رحمه الله إلى حديث روي عن أبي الدرداء ، وأن القرآن فيه إحدى عشرة سجدة، قال: وإسناده واهٍ. معناه: ضعيف شديد الضعف، فلا حجة به ولا قيمة له، وإنما السجدات هي خمس عشرة، وليست إحدى عشرة.

و أبو الدرداء هو عويمر بن زيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه أن عقبة بن عامر رضي الله عنه حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما). ].

أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، كأن هذا السؤال فيه إشارة إلى السجدة المختلف فيها؛ لأن سؤاله معناه: أن واحدة معروفة وهو يريد أن يتحقق من الثانية، فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، وهذا يدل على تأكد السجود، ولكن قوله: (فلا يقرأهما) يمكن أن يُحمل -والله أعلم- على أن الإنسان لا يقرأهما في الصلاة؛ حتى لا يحتاج إلى سجود، وأما كونه يقرأهما في غير الصلاة فهذا أمر مطلوب أن الإنسان يقرأ القرآن كله، ولكن كونه يختارهما ثم لا يسجد فيهما أنه لا يناسب، أو أن المقصود منه بيان عظم شأن السجود، وأنه لا ينبغي أن يتهاون فيه، ويدل الحديث على تأكده وجوبه عند من يقول بوجوبه، وإن كان المشهور عند جمهور العلماء أن سجود التلاوة كله سنة، وليس بواجب، وأن من سجد قد أصاب، ومن لم يسجد فلا شيء عليه كما جاء ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.