شرح سنن أبي داود [156]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الاضطجاع بعدها.

حدثنا مسدد وأبو كامل وعبيد الله بن عمر بن ميسرة قالوا: حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه).

فقال له مروان بن الحكم : أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال عبيد الله في حديثه قال: لا، قال: فبلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه. قال: فقيل لـابن عمر : هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب الاضطجاع بعدها ] أي: بعد ركعتي الفجر.

والاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشق الأيمن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، وأنه يضطجع على شقه الأيمن بعد أن يصلي ركعتين، وقد قيل في حكمة ذلك: إن المقصود به الفصل بين النفل والفرض، وقيل: إن المقصود به كونه يتهجد في الليل، فيكون في اضطجاعه شيء من الراحة بعد أن يصلي ركعتين قبل أن يصلي الفجر.

وقد جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة بدأ به المصنف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، وهذا يدل على ما دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم، لكن بعض أهل العلم قال: إن هذا يكون في حق من يصلي في البيت، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكان ابن عمر إذا رأى أحداً يفعل ذلك في المسجد يحصبه، أي: يرميه بالحصباء، وذلك أن الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في البيت، قالوا: ومن الحكمة من كونه كان يتهجد في الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وجاء عنه أنه كان يترك ذلك في بعض الأحيان، كما جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فبعض أهل العلم قال: إنه مشروع ومستحب، لاسيما إذا كان الفعل ممن يصلي بالليل، ويقوم بالليل، فإنه يفعل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك في البيت إذا كان صلى الركعتين في البيت كما كان صلى الله عليه وسلم يصليهما، وكان يضطجع هذا الاضطجاع في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان كان لا يضطجع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

فأورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، فقال له مروان بن الحكم : [ أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ ].

وكأن هذا السؤال فيه الإشارة إلى الفصل، وأن المقصود بالركعتين الفصل بين النافلة والفريضة، وأنه إذا صلى الركعتين في البيت ومشى فإن هذا فصل، قال: ألا يجزيه ذلك؟ فقال: أبو هريرة : لا يجزيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، يعني: يصلي ركعتين في بيته ويضطجع ثم يمشي.

فالذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاضطجاع، وحديث أبي هريرة بعض أهل العلم تكلم فيه من جهة عبد الواحد بن زياد ، ومن جهة أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة ، لكن عبد الواحد بن زياد يحتمل تفرده ولا يضعف الحديث به، ولكن الحديث يحمل على من صلى في البيت النافلة، فإنه يضطجع، وأما من يأتي إلى المسجد ويصلي في المسجد ثم يضطجع فليس هناك شيء يدل على فعله، وهديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو أنه كان يفعل ذلك في البيت.

قوله: [ فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه ].

يعني بذلك هذا الحديث الذي حدث به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [ أكثر أبو هريرة على نفسه ] يعني: أكثر من رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال هذا قيل له: [ أتنكر شيئاً مما قال؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا ].

يعني: اجترأ وكان يروي الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبنا فكثر حديثه وقل حديثنا بالنسبة لحديثه، ولما بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما ذنبي إذا كنت قد حفظت وهم قد نسوا.

و أبو هريرة رضي الله عنه -كما هو معلوم- هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، مع أنه لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وكان إسلامه عام خبير، في السنة السابعة، ولكن هذه الكثرة التي قد حصلت لها أسباب:

أولاً: كونه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وكان غيره من الصحابة يذهبون إلى أعمالهم، ويذهبون إلى تجارتهم وإلى بساتينهم، فيحضرون ويغيبون عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.

وأما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان ملازماً لمجلسه، بل يصحبه في ذهابه وإيابه، وأكله وشربه، وكان فقيراً، وكان يتبعه من أجل الاستفادة منه، ومن أجل أن يحصل القوت، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتحمل الشيء الكثير، ولو كانت المدة وجيزة بالنسبة لغيره ممن كان أسلم قديماً ولم ينقل عنه الحديث مثلما نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فكان ذلك من أسباب حفظه وكونه يحفظ، مع أنه ما كان يكتب، ولكن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له كانت من أسباب حفظه الحديث، وهذا الذي كان يحصله لملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً رضي الله عنه وأرضاه.

الأمر الثالث: أنه كان في المدينة، بخلاف غيره من الصحابة، فإن كثيراً منهم تفرقوا في الآفاق والبلاد، ومن المعلوم أن المدينة يرد إليها الناس، ويصدرون عنها، ويأتون إليها من كل جهة، ومن المعلوم أن من كان في المدينة من الصحابة كان من يأتي من خارجها يحرص على اللقاء به، وأخذ ما عنده، وإذا كان صحابياً وعنده أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بها أبا هريرة ، فيأخذون منه، ويعطونه، فكان ذلك من أسباب كثرة حديثه رضي الله عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ وأبو كامل ].

أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ وعبيد الله بن عمر بن ميسرة ].

عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ قالوا: حدثنا عبد الواحد ].

هو عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث هو من روايته عن الأعمش .

[ حدثنا الأعمش ].

الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي صالح ].

هو أبو صالح ذكوان السمان مشهور بكنيته واسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، كان يجلب الزيت والسمن فقيل له: السمان ، ويقال له: الزيات ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة ، وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث (كان رسول الله إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني..)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا بشر بن عمر حدثنا مالك بن أنس عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته من الليل فإن كانت مستيقظة حدثها، أي: تحدث معها وتكلم معها، وإن كانت نائمة أيقظها، أي: لتصلي الوتر، وتصلي صلاتها في آخر الليل، والتي آخرها الوتر، ثم صلى ركعتين واضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه فيصلي ركعتين، ثم يخرج، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي ركعتين، أي: الفجر، ثم يضطجع بعدها، وإذا جاءه المؤذن خرج؛ لأنه كان يصلي ويضطجع قبل أن يأتيه المؤذن، وإذا جاء المؤذن خرج؛ لأنه قد حصل منه الاثنان: الركعتان، والاضطجاع بعدهما.

وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يضطجع بعد الركعتين اللتين في آخر صلاته من الليل، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، وقد جاء في الأذان الأول أنه يستيقظ النائم ويرجع القائم، فالقائم الذي كان يتهجد يستريح استعجالاً لصلاة الفجر، والذي كان نائماً يقوم حتى يصلي وتره، ويتسحر إن كان يريد أن يصوم، حتى إذا جاء الأذان الثاني يكون قد فرغ من وتره وسحوره، وقد جاء في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، وجاء في بعضها -كما سيأتي- أنه كان إذا صلى ركعتين إن وجدها قائمة حدثها وإلا اضطجع.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظه حدثني..)

قوله: [ حدثنا يحيى بن حكيم ].

يحيى بن حكيم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا بشر بن عمر ].

بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مالك بن أنس ].

هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم أبي النضر ].

سالم أبي النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].

هو أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (كان النبي إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عمن حدثه - ابن أبي عتاب أو غيره - عن أبي سلمة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع، وإن كنت مستيقظة حدثني) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كانت مستيقظة حدثها وإلا اضطجع.

وهذا يفيد أنه كان يترك الاضطجاع في بعض الأحيان؛ لأنه إن كانت مستيقظة حدثها وإلا اضطجع، وهذا فيه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر منه صلى الله عليه وسلم، ويفيد هذا الحديث بأنه كان في بعض الأحيان وليس دائماً.

تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان].

وسفيان هو: ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زياد بن سعد ].

زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عمن حدثه - ابن أبي عتاب - أو غيره ].

يعني: لا يدرى من الذي حدثه، هل هو ابن أبي عتاب أو غير ابن أبي عتاب ؟ ومعناه أنه غير جازم بالشخص الذي حدثه به، لا يدرى هل هو هذا أو هذا، ومن المعلوم أن الأمر إذا دار بين شخصين أحدهما معروف والثاني غير معروف، وأنه يحتمل هذا وهذا فإنه لا يعتمد عليه، ولا يعول عليه، لكن الحديث جاء في صحيح البخاري بهذا اللفظ، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ابن أبي عتاب هو زيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن أبي سلمة قال: قالت عائشة ].

أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.

شرح حديث (خرجت مع النبي لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس العنبري وزياد بن يحيى قالا: حدثنا سهل بن حماد عن أبي مكين حدثنا أبو الفضل -رجل من الأنصار- عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى وسلم لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله). قال زياد بن يحيى : قال: حدثنا أبو الفضيل ].

أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أنه خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه) يعني: ليصلي -أو حركه برجله-يعني: ليوقظه، والحديث فيه هذا الرجل المجهول الذي هو أبو الفضل رجل من الأنصار، فهو غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كون الإنسان ينبه النائم، ويوقظه للصلاة إذا رآه نائماً هذا أمر مطلوب، ولكن هذا الحديث بهذا الإسناد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (خرجت مع النبي لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة..)

قوله: [ حدثنا عباس العنبري ].

عباس هو: ابن عبد العظيم العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ وزياد بن يحيى ].

زياد بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قالا: حدثنا سهل بن حماد ].

سهل بن حماد ، صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.

[عن أبي مكين ].

أبو مكين هو: نوح بن ربيعة ، صدوق أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن أبي الفضل رجل من الأنصار ].

أبو الفضل مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ عن مسلم بن أبي بكرة ].

مسلم بن أبي بكرة ، صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن أبيه ].

أبوه هو: أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ قال زياد بن يحيى : قال: حدثنا أبو الفضيل ].

زياد هو شيخ أبي داود الثاني، قال: [ حدثنا أبو الفضيل ]، يعني الرجل من الأنصار، فبدل أن يقول: أبو الفضل ، قال: أبو الفضيل ، وهو مجهول، سواء أكان أبا الفضل أم أبا الفضيل .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الاضطجاع بعدها.

حدثنا مسدد وأبو كامل وعبيد الله بن عمر بن ميسرة قالوا: حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه).

فقال له مروان بن الحكم : أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال عبيد الله في حديثه قال: لا، قال: فبلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه. قال: فقيل لـابن عمر : هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب الاضطجاع بعدها ] أي: بعد ركعتي الفجر.

والاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشق الأيمن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، وأنه يضطجع على شقه الأيمن بعد أن يصلي ركعتين، وقد قيل في حكمة ذلك: إن المقصود به الفصل بين النفل والفرض، وقيل: إن المقصود به كونه يتهجد في الليل، فيكون في اضطجاعه شيء من الراحة بعد أن يصلي ركعتين قبل أن يصلي الفجر.

وقد جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة بدأ به المصنف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، وهذا يدل على ما دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم، لكن بعض أهل العلم قال: إن هذا يكون في حق من يصلي في البيت، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكان ابن عمر إذا رأى أحداً يفعل ذلك في المسجد يحصبه، أي: يرميه بالحصباء، وذلك أن الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في البيت، قالوا: ومن الحكمة من كونه كان يتهجد في الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وجاء عنه أنه كان يترك ذلك في بعض الأحيان، كما جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فبعض أهل العلم قال: إنه مشروع ومستحب، لاسيما إذا كان الفعل ممن يصلي بالليل، ويقوم بالليل، فإنه يفعل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك في البيت إذا كان صلى الركعتين في البيت كما كان صلى الله عليه وسلم يصليهما، وكان يضطجع هذا الاضطجاع في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان كان لا يضطجع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

فأورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، فقال له مروان بن الحكم : [ أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ ].

وكأن هذا السؤال فيه الإشارة إلى الفصل، وأن المقصود بالركعتين الفصل بين النافلة والفريضة، وأنه إذا صلى الركعتين في البيت ومشى فإن هذا فصل، قال: ألا يجزيه ذلك؟ فقال: أبو هريرة : لا يجزيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، يعني: يصلي ركعتين في بيته ويضطجع ثم يمشي.

فالذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاضطجاع، وحديث أبي هريرة بعض أهل العلم تكلم فيه من جهة عبد الواحد بن زياد ، ومن جهة أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة ، لكن عبد الواحد بن زياد يحتمل تفرده ولا يضعف الحديث به، ولكن الحديث يحمل على من صلى في البيت النافلة، فإنه يضطجع، وأما من يأتي إلى المسجد ويصلي في المسجد ثم يضطجع فليس هناك شيء يدل على فعله، وهديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو أنه كان يفعل ذلك في البيت.

قوله: [ فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه ].

يعني بذلك هذا الحديث الذي حدث به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [ أكثر أبو هريرة على نفسه ] يعني: أكثر من رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال هذا قيل له: [ أتنكر شيئاً مما قال؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا ].

يعني: اجترأ وكان يروي الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبنا فكثر حديثه وقل حديثنا بالنسبة لحديثه، ولما بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما ذنبي إذا كنت قد حفظت وهم قد نسوا.

و أبو هريرة رضي الله عنه -كما هو معلوم- هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، مع أنه لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وكان إسلامه عام خبير، في السنة السابعة، ولكن هذه الكثرة التي قد حصلت لها أسباب:

أولاً: كونه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وكان غيره من الصحابة يذهبون إلى أعمالهم، ويذهبون إلى تجارتهم وإلى بساتينهم، فيحضرون ويغيبون عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.

وأما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان ملازماً لمجلسه، بل يصحبه في ذهابه وإيابه، وأكله وشربه، وكان فقيراً، وكان يتبعه من أجل الاستفادة منه، ومن أجل أن يحصل القوت، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتحمل الشيء الكثير، ولو كانت المدة وجيزة بالنسبة لغيره ممن كان أسلم قديماً ولم ينقل عنه الحديث مثلما نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فكان ذلك من أسباب حفظه وكونه يحفظ، مع أنه ما كان يكتب، ولكن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له كانت من أسباب حفظه الحديث، وهذا الذي كان يحصله لملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً رضي الله عنه وأرضاه.

الأمر الثالث: أنه كان في المدينة، بخلاف غيره من الصحابة، فإن كثيراً منهم تفرقوا في الآفاق والبلاد، ومن المعلوم أن المدينة يرد إليها الناس، ويصدرون عنها، ويأتون إليها من كل جهة، ومن المعلوم أن من كان في المدينة من الصحابة كان من يأتي من خارجها يحرص على اللقاء به، وأخذ ما عنده، وإذا كان صحابياً وعنده أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بها أبا هريرة ، فيأخذون منه، ويعطونه، فكان ذلك من أسباب كثرة حديثه رضي الله عنه وأرضاه.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ وأبو كامل ].

أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ وعبيد الله بن عمر بن ميسرة ].

عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ قالوا: حدثنا عبد الواحد ].

هو عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث هو من روايته عن الأعمش .

[ حدثنا الأعمش ].

الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي صالح ].

هو أبو صالح ذكوان السمان مشهور بكنيته واسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، كان يجلب الزيت والسمن فقيل له: السمان ، ويقال له: الزيات ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة ، وعن الصحابة أجمعين.

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا بشر بن عمر حدثنا مالك بن أنس عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته من الليل فإن كانت مستيقظة حدثها، أي: تحدث معها وتكلم معها، وإن كانت نائمة أيقظها، أي: لتصلي الوتر، وتصلي صلاتها في آخر الليل، والتي آخرها الوتر، ثم صلى ركعتين واضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه فيصلي ركعتين، ثم يخرج، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي ركعتين، أي: الفجر، ثم يضطجع بعدها، وإذا جاءه المؤذن خرج؛ لأنه كان يصلي ويضطجع قبل أن يأتيه المؤذن، وإذا جاء المؤذن خرج؛ لأنه قد حصل منه الاثنان: الركعتان، والاضطجاع بعدهما.

وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يضطجع بعد الركعتين اللتين في آخر صلاته من الليل، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، وقد جاء في الأذان الأول أنه يستيقظ النائم ويرجع القائم، فالقائم الذي كان يتهجد يستريح استعجالاً لصلاة الفجر، والذي كان نائماً يقوم حتى يصلي وتره، ويتسحر إن كان يريد أن يصوم، حتى إذا جاء الأذان الثاني يكون قد فرغ من وتره وسحوره، وقد جاء في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، وجاء في بعضها -كما سيأتي- أنه كان إذا صلى ركعتين إن وجدها قائمة حدثها وإلا اضطجع.

قوله: [ حدثنا يحيى بن حكيم ].

يحيى بن حكيم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا بشر بن عمر ].

بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مالك بن أنس ].

هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم أبي النضر ].

سالم أبي النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].

هو أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2893 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2838 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2734 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2707 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2697 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2657 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع