شرح سنن أبي داود [145]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها:

حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها ] والمقصود بقوله: [بجماع] ما يجمع النصوص الواردة في صلاة الاستسقاء والتفاريع المتعلقة بها من كون أن فيها خطبة، وفيها صلاة، وفيها رفع يدين، وفيها تحويل رداء، وغيرها من الفروع التي بهذه الأبواب، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أبواباً قليلة، ولكن هذه الأبواب تدل على هذه الفروع التي أشار إليها، فجمع أحاديث الاستسقاء في مكان واحد وفرعها إلى أبواب، كما هو الشأن في الكتب الأخرى، ككتاب العيدين وكتاب الجمعة وغير ذلك؛ لأنه يأتي بالأبواب أو الموضوعات المتعلقة بالجمعة في مكان واحد ويفرعها في الأبواب المختلفة ثم يورد تحت كل باب الأحاديث التي تتعلق بتلك الترجمة التي يترجم لها.

وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء يشرع الخروج لها إلى العراء؛ لأن النبي صلى عليه وسلم خرج بهم لأداء تلك الصلاة، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، فصلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، وهي كالعيدين، بل جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه صلاها كما يصلي العيد، والعيد يجهر فيه بالقراءة، وكذلك الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، والصلوات التي تكون في النهار جامعة، وتكون إما أسبوعية كصلاة الجمعة، أو سنوية كصلاة العيدين أو على حسب المناسبات كصلاة الاستسقاء، كل هذه يجهر فيها بالقراءة، ودعا وحول رداءه صلى الله عليه وسلم، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، قيل: وذلك تفاؤل لتغير الحال من القحط إلى الجدب، ومن الضيق إلى الرخاء.

وقوله: [(ورفع يديه)] يدلنا على أن الدعاء في الاستسقاء ترفع فيه الأيدي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، ولم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، فدل هذا على أن دعاء الاستسقاء من المواضع التي ترفع فيه اليدان.

قوله: [(واستقبل القبلة)] يعني: بعدما خطب الناس تحول إلى القبلة، وحول رداءه ودعا، وجاء في بعض الأحاديث أن الناس حولوا أرديتهم تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن تحويل الرداء ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام ولغيره من الناس، وقد عرفنا فيما مضى أن الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ثم جاءه جبريل وأخبره أن في نعليه شيئاً من الأذى خلع نعليه في الصلاة، فالصحابة خلعوا نعالهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ من الصلاة سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، وهكذا حول رداءه فحولوا أرديتهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

والإمام في حال الخطبة يدعو وهو مستقبل الناس، ولكنه بعدما ينهي الخطبة يتحول إلى جهة القبلة في مكانه ويحول رداءه ويدعو، والناس أيضاً يحولون أرديتهم ويدعون.

تراجم رجال إسناد حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين..)

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ].

أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود .

[حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عباد بن تميم ].

هو عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمه ].

هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي ذئب ويونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه رضي الله عنه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل. قال سليمان بن داود : واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين. قال ابن أبي ذئب : وقرأ فيهما. زاد ابن السرح : يريد الجهر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة ودعا وحول رداءه ورفع يديه.

قوله: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل) ] كان هذا بعدما خطب.

قوله: [ قال سليمان بن داود : واستقبل القبلة ]

سليمان بن داود هو أحد الشيخين لـأبي داود في الحديث، قال: [واستقبل القبلة] يعني: حينما حول رداءه استقبل القبلة ودعا.

قوله: [ ثم صلى ركعتين ] أي أن الصلاة بعد الخطبة وبعد الدعاء، والرواية السابقة تفيد أن الصلاة كانت قبل؛ لأنه خرج فصلى بهم ثم خطب بهم، وسيأتي عن عبد الله بن عباس أنه صلى بعد الخطبة، وهذا يفيدنا أن الخطبة جاء ما يدل على أنها قبل وما يدل على أنها بعد، والأمر في ذلك واسع.

قوله: [ قال ابن أبي ذئب : وقرأ فيهما. وزاد ابن السرح : يريد الجهر ].

يعني أنه جهر فيهما بالقراءة، وليس المراد مجرد القراءة ولو كانت سرية، وقد جاء التنصيص على الجهر في الرواية السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ وسليمان بن داود ].

هو سليمان بن داود المصري المهري أبو الربيع، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .

[ أخبرنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني ابن أبي ذئب ].

هو محمد بن الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ويونس ].

هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب أخبرني عباد بن تميم عن عمه ].

مر ذكر الثلاثة في الرواية السابقة.

شرح حديث: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي - عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده لم يذكر الصلاة، قال: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وهو مختصر، وفيه أنه لم يذكر الصلاة، وإنما ذكر الدعاء وتحويل الرداء، وذكر أنه حول رداءه فجعل عطافه الأيمن على شقه الأيسر، وعطافه الأيسر على شقه الأيمن، والعطاف هو جانب الرداء، يعني أنه جعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، ثم دعا الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (وحول رداءه فعجل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ].

محمد بن عوف ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي- ].

عمرو بن الحارث الحمصي مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

[ عن عبد الله بن سالم ].

عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له الترمذي وأبو داود والنسائي .

[ عن الزبيدي ].

هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده ].

محمد بن مسلم هو الزهري ، وذكر هنا باسمه، وقبل ذلك ذكر بنسبته، وهو مشهور بنسبته الزهري ، وبنسبته إلى جده شهاب ، فكثيراً ما يقال: ابن شهاب ، وكثيراً ما يقال: الزهري ، ولكنه أحياناً يأتي باسمه فيقال: محمد بن مسلم .

وقول محمد بن عوف : [قرأت في كتاب عمرو بن الحارث ] يعني أنه أخذه من كتابه، لكنه معلوم من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم ، وقد جاء عنه من طرق متعددة، والذي جاء في هذا الطريق موجود في تلك الطرق،وهذه وجادة، وقد تكون مناولة إذا أعطاه كتابه.

شرح حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم أن عبد الله بن زيد قال: (استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت قلبها على عاتقه) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت عليه خميصة سوداء، والخميصة هي رداء أو كساء مربع له أعلام في أطرافه، ولما أراد أن يقلبها ويجعل أسفلها أعلاها ثقلت عليه، فجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وهذا يفيد أنه إذا كان الشيء متساوياً أسفله وأعلاه كالرداء فإنه يقلبه ويجعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وإلا فإنه يجعل ما على الشمال على اليمين، وذلك مثل الجبة والمشلح وما إلى ذلك.

والإنسان الذي ما عليه إلا شماغ يشرع له أن يحول الشماغ، ويجعل ما كان باطناً ظاهراً؛ لأن الشماغ والغترة مثل الرداء تماماً، وكذلك من كان لابساً طاقية -قلنسوة- يمكن له أن يقلبها.

تراجم رجال إسناد حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد العزيز ].

هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمارة بن غزية ].

عمارة بن غزية لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد ].

هنا ذكر عمه باسمه، وفي الرواية السابقة قال: عن عمه، وهنا قال: عن عبد الله بن زيد ، وهو عمه.

شرح حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً حتى أتى المصلى)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة نحوه، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليد بن عتبة -قال عثمان : ابن عقبة - وكان أمير المدينة إلى ابن عباس رضي الله عنهما أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى -زاد عثمان : فرقى على المنبر، ثم اتفقا- ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد).

قال أبو داود : والإخبار للنفيلي والصواب ابن عتبة ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً، يعني: ليس لابساً أحسن الثياب ومتجملاً، وإنما لبس ألبسة مبتذلة ليست جميلة كما يكون بالنسبة للجمعة والعيدين، متواضعاً لله عز وجل، متضرعاً إليه، يعني: يضرع إليه ويسأله ويلح عليه في الدعاء.

قوله: [ زاد عثمان فرقى على المنبر ].

أي: شيخه الثاني، وقد جاء في بعض الروايات أنه أمر بمنبر فوضع.

قوله: [ ولم يخطب خطبكم هذه ] هذا لا ينفي أصل الخطبة، ولكنه ينفي النوع، فالنفي منصب على القيد دون المقيد؛ لأن القيد هو (هذه) يعني: على هذا النحو، ولم ينف أصل الخطبة، فالخطبة أصلها ثابت، والذي نفاه إنما هو الهيئة والكيفية والنوع الذي كانوا يفعلونه، ولعل ذلك نوع خاص يختلف عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس فيه نفي الخطبة، ولكنه نفي للكيفية والهيئة والصفة التي كانت عليها خطبهم التي كانوا يخطبونها.

قوله: [ ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ] يعني أنه خطب ولم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم نزل.

قوله: [ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد ] هذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، ويدل -أيضاً- على أنه يكبر فيها كما يكبر في العيد، وبعض أهل العلم قال: تصلى بدون تكبير، لكن قول ابن عباس : [كما يصلي العيد] يدلنا على أنها تماثل العيد، والعيد فيه تكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، فيكبر فيها كما يكبر في العيد؛ لأن المشابهة تقتضي أن يكون المشبه مثل المشبه به، وصلاة العيد فيها تكبيرات فصلاة الاستسقاء يكون فيها تكبيرات.

هذا وليس لصلاة الاستسقاء سنة قبلية ولا بعدية، والظاهر أن الدعاء يكون وهم واقفون، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا واقفاً، والناس قلبوا أرديتهم ودعوا وقوفاً ولم يجلسوا.

ونفي الخطبة هنا مثل ما جاء في حديث الجمعة أنه ليس للحيطان ظل يستظل به، فلم ينف أصل الظل، وإنما نفي الظل الذي يتمكن الناس من الاستظلال به، فالنفي للقيد لا للمقيد، وهنا النفي للقيد لا للمقيد.

تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى)

قوله: [ حدثنا النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ وعثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ نحوه ].

أي أن رواية عثمان بن أبي شيبة نحو رواية النفيلي .

[ حدثنا حاتم بن إسماعيل ].

حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة ].

هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة مقبول، أخرج له أصحاب السنن.

[ أخبرني أبي ]

هو صدوق أخرج له أصحاب السنن.

[ قال: أرسلني الوليد بن عتبة -وفي رواية ابن أبي شيبة : ابن عقبة- ].

يعني: جعل بدل التاء قافاً، وهو الوليد بن عتبة كما قال أبو داود في الآخر: [ والصواب ابن عتبة ]، أي: كما قاله النفيلي ، وليس ابن عقبة كما قاله عثمان بن أبي شيبة ، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان كان أميراً على المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

[ إلى ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود : والإخبار للنفيلي ].

يعني: السياق إنما هو للنفيلي .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها:

حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها ] والمقصود بقوله: [بجماع] ما يجمع النصوص الواردة في صلاة الاستسقاء والتفاريع المتعلقة بها من كون أن فيها خطبة، وفيها صلاة، وفيها رفع يدين، وفيها تحويل رداء، وغيرها من الفروع التي بهذه الأبواب، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أبواباً قليلة، ولكن هذه الأبواب تدل على هذه الفروع التي أشار إليها، فجمع أحاديث الاستسقاء في مكان واحد وفرعها إلى أبواب، كما هو الشأن في الكتب الأخرى، ككتاب العيدين وكتاب الجمعة وغير ذلك؛ لأنه يأتي بالأبواب أو الموضوعات المتعلقة بالجمعة في مكان واحد ويفرعها في الأبواب المختلفة ثم يورد تحت كل باب الأحاديث التي تتعلق بتلك الترجمة التي يترجم لها.

وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء يشرع الخروج لها إلى العراء؛ لأن النبي صلى عليه وسلم خرج بهم لأداء تلك الصلاة، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، فصلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، وهي كالعيدين، بل جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه صلاها كما يصلي العيد، والعيد يجهر فيه بالقراءة، وكذلك الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، والصلوات التي تكون في النهار جامعة، وتكون إما أسبوعية كصلاة الجمعة، أو سنوية كصلاة العيدين أو على حسب المناسبات كصلاة الاستسقاء، كل هذه يجهر فيها بالقراءة، ودعا وحول رداءه صلى الله عليه وسلم، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، قيل: وذلك تفاؤل لتغير الحال من القحط إلى الجدب، ومن الضيق إلى الرخاء.

وقوله: [(ورفع يديه)] يدلنا على أن الدعاء في الاستسقاء ترفع فيه الأيدي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، ولم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، فدل هذا على أن دعاء الاستسقاء من المواضع التي ترفع فيه اليدان.

قوله: [(واستقبل القبلة)] يعني: بعدما خطب الناس تحول إلى القبلة، وحول رداءه ودعا، وجاء في بعض الأحاديث أن الناس حولوا أرديتهم تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن تحويل الرداء ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام ولغيره من الناس، وقد عرفنا فيما مضى أن الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ثم جاءه جبريل وأخبره أن في نعليه شيئاً من الأذى خلع نعليه في الصلاة، فالصحابة خلعوا نعالهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ من الصلاة سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، وهكذا حول رداءه فحولوا أرديتهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

والإمام في حال الخطبة يدعو وهو مستقبل الناس، ولكنه بعدما ينهي الخطبة يتحول إلى جهة القبلة في مكانه ويحول رداءه ويدعو، والناس أيضاً يحولون أرديتهم ويدعون.

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ].

أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود .

[حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عباد بن تميم ].

هو عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمه ].

هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.