شرح سنن أبي داود [073]


الحلقة مفرغة

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ)

قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

وهناك شخص آخر يقال له: محمد بن سلمة الباهلي ، ولكنه في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا جاء محمد بن سلمة في شيوخ أبي داود فهو المرادي المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه أبو داود بواسطة فهو الباهلي الحراني .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبي أيوب ].

ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، صدوق، احترقت كتبه فتغير، ورواية عبد الله بن وهب عنه هي من أعدل الروايات، وهو هنا -أيضاً- لم يأت وحده في الرواية، بل جاء مقروناً معه شخصان آخران: حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسعيد بن أبي أيوب المصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، فوجوده في الإسناد لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره.

وابن لهيعة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، والنسائي لم يخرج له، وإنما يذكر النسائي معه غيره ويعبر عنه بقوله: ورجل آخر. فلا يحذفه لأنه موجود في الإسناد، ولكنه يذكره مبهماً؛ لأنه لا يخرج له.

[ عن كعب بن علقمة ].

كعب بن علقمة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عبد الرحمن بن جبير ].

هو عبد الرحمن بن جبير المصري، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد مسلسل بالمصريين؛ لأن كل الرجال فيه مصريون من أوله إلى آخره.

شرح حديث: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ].

أورد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن ]، يعني: بيان الشيء الذي يقوله الإنسان الذي يسمع النداء، أو ماذا يقول حين يسمع النداء، والمقصود أن الإنسان عندما يسمع المؤذن يؤذن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا في (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يستثنى من هذا العموم، ويقول بدل (حي على الصلاة حي على الفلاح): لا حول ولا قوة إلا بالله، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وعلى هذا فحديث أبي سعيد الذي أورده أبو داود تحت هذه الترجمة وهو قوله: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، هو باق على عمومه في جميع ألفاظ الأذان، ويستثنى من ذلك الحيعلتان: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإن السامع يقول بدلاً من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله، فيجمع بين الحيعلة والحوقلة، وإنما يأتي بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) فقط كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر الذي سيأتي.

وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) عندهما، وذلك أن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فالإنسان يذكر الله عز وجل، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر الله أكبر) يقول: (الله أكبر الله أكبر)، وهذا ذكر لله، وإذا قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وإذا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) وإذا قال: (حي على الصلاة) لا يقول: حي على الصلاة؛ لأن قوله: (حي على الصلاة) نداء وطلب من الناس أن يأتوا إلى الصلاة، يعني: هلموا وأقبلوا، فهو ليس ذكراً، وإنما هو دعاء ونداء، وهو الذي يناسب من المؤذن أن يقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) أي: تعالوا، لكن غيره لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ لأنه لا ينادي أحداً وإنما يأتي بكلام مثل الذي يقوله المؤذن، ولكن بدلاً من ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: أن الإتيان للصلاة والتمكن من ذلك لا يكون إلا بحول الله وقوته، ولا حول للإنسان ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإذا قال: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) يقول كما يقول، وعلى هذا فإن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فيقول سامع المؤذن مثل ما يقول المؤذن، إلا جملة: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنها ليست بذكر وإنما هي دعاء ونداء وهي مناسبة من المؤذن وليست مناسبة من غيره، فغيره لا يقول كما يقول وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الحديث خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بالحوقلة عندهما، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وإذا قال: (الصلاة خير من النوم) يقول: الصلاة خير من النوم، مثل ما يقول المؤذن؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول) ] فيدخل تحته أن كل الألفاظ التي يقولها المؤذن يقولها الإنسان، سواء في الإقامة أو في الأذان، حتى الإقامة يقول الإنسان فيها مثل ما يقول المؤذن، فيقول: (قد قامت الصلاة) حين يقول المؤذن: (قد قامت الصلاة)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء في نص خاص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو: (حي على الصلاة حي على الفلاح).

وما جاء عن بعض أهل العلم أنه يقول: (صدقت وبررت) عند قوله: (الصلاة خير من النوم) ليس عليه دليل، وإنما الدليل هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] ولا يستثنى من ذلك إلا: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.

شرح حديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله عز وجل لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ] يعني: إذا سمعتم المؤذن ينادي بالأذان فقولوا مثل ما يقول، وهذا مثل حديث أبي سعيد : (إذا سمعتم النداء -أي: الأذان- فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وهنا قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ]، ويستثنى من ذلك -كما ذكرنا- قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإنه يقال عندها: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وما عد ذلك فإنه يقال كما يقول المؤذن، سواءٌ أكان في الإقامة أم في الأذان في جميع الألفاظ، لعموم حديث أبي سعيد وحديث عبد الله بن عمرو .

وقوله: [ (ثم صلوا علي) ] يعني: قولوا مثل ما يقول المؤذن وبعد ذلك صلوا علي يعني: إذا انتهيتم من المتابعة وقلتم: (لا إله إلا الله) بعد ذلك صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين دعاء له وطلب من الله أن يصلي عليه، وصلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وذكره في الملأ الأعلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ثم بين عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، فإذا صلى الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم مرة يجازيه الله تعالى بأن يصلي عليه عشر مرات، والحسنة بعشرة أمثالها، والجزاء من جنس العمل.

وقوله: [ (ثم سلوا الله لي الوسيلة) ] بين عليه الصلاة والسلام الوسيلة وأنها منزلة خاصة في الجنة لا تتكرر ولا تتعدد، وإنما هي لعبد من عباد الله، ولا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، ويرجو أن يكون هو ذلك العبد، فالوسيلة منزلة خاصة في الجنة، وهي التي تسال للرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: [ (وأرجو أن أكون أنا هو) ] يعني: أرجو أن أكون أنا ذلك العبد الذي تكون له الوسيلة وهي المنزلة المتميزة الخاصة التي تكون في الجنة.

وقوله: [ (فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي) ] يعني: من سأل الله لي الوسيلة بعد الأذان ودعا بهذا الدعاء بعد الأذان فإن هذا من أسباب كون فاعل ذلك وقائل ذلك ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سأل الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل له نصيب من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم متابعة المؤذن

والأمر بمتابعة المؤذن بعض أهل العلم قال عنه: إنه للوجوب. وبعضهم قال: إنه ليس للوجوب. ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله)، أثنى عليه، ولما قال: (لا إله إلا الله) قال: (خرج من النار) قالوا: فهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردد هذه الألفاظ.

والذين قالوا بالوجوب قالوا: إنه ليس فيه ما يدل على أنه لم يقل، وإنما فيه أنه قال هذا في حق ذلك المؤذن، فلا يمنع أن يكون قال ذلك كما هو المعتاد، وقالوا: ويحتمل أن يكون ذلك -أيضاً- قبل أن يشرع للناس أن يقولوا مثل ما يقول المؤذن.

وينبغي للإنسان أن يحرص على أن يأتي بمتابعة المؤذن، وأن لا يغفل عن ذلك.

شرح حديث: (أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح ومحمد بن سلمة قالا: حدثنا ابن وهب عن حيي عن أبي عبد الرحمن -يعني الحبلي - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: [ (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤذنين يفضلوننا) ] يعني: بكونهم يأتون بهذا الذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه) ] يعني: تابع المؤذن فيما يقول وائت بالذكر الذي يقول، ويستثنى من ذلك (حي على الصلاة حي على الفلاح) كما جاء مبيناً في حديث عمر رضي الله عنه.

وقوله: (فإذا انتهيت فسل تعط) يدل على أن الدعاء بعد الأذان من الدعاء الذي يجاب، ولهذا قال: (فسل تعطه) يعني: يسأل الله حاجته وما يريد، فهذا يفيد أنه من مواطن قبول الدعاء؛ لأنه قال: (فسل تعطه) وهو مثل الموطن الذي بين الأذان والإقامة الذي مر في حديث: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة).

وقوله: (يفضلوننا) يعني: لهم هذا الفضل والميزة علينا، فالرسول أرشد إلى أن الإنسان يذكر الله كما يذكرون ويأتي منه هذا الذكر كما يأتي منهم، ويؤجر على ذلك كما يؤجرون على ذلك، لكن كون المؤذنين يتسببون في دعاء الناس ونداء الناس وحضور الناس بسبب دعائهم وتنبيههم وعنايتهم بالأوقات لاشك في أنهم يؤجرون على ذلك، ولكن الإنسان الذي ليس مؤذناً إذا ذكر الله عز وجل بهذا الذكر الذي ذكره المؤذن فإنه يؤجر على هذا الذكر، ولكن المؤذن يتميز على غيره بأنه متسبب في هذا الخير، ومتسبب في دعوة الناس وفي وصول ذلك الصوت إلى الناس، ولكن من سمعه يشارك في الذكر، وأجر الذكر الذي يحصل للمؤذن يكون للذي يردد بعده نصيب منه؛ لأنه يقول مثل ما قال، لكن المؤذن يتميز بكونه دل الناس على الخير، فيؤجر بسبب ذلك، ويشهد له كل رطب ويابس، ويغفر له مدى صوته، وله غير ذلك من الأمور التي تحصل للمؤذنين من الفضل.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ...)

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

[ ومحمد بن سلمة قالا: حدثنا ابن وهب عن حيي ].

محمد بن سلمة وابن وهب مر ذكرهما.

و حيي هو ابن عبد الله المصري صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبي عبد الرحمن -يعني الحبلي- ].

أبو عبد الرحمن هو: عبد الله بن يزيد، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.

شرح حديث: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن الحكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً غفر له) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً غفر له)، وهذا يدل على فضل هذا الذكر عند الأذان، ويحتمل أنه يؤتى به عند الشهادتين، أي: عند قول المؤذن: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) وبعض أهل العلم يقول: إنه يؤتى به بعد الأذان. ولكن الذي يبدو أنه يقال عند ذكر الشهادة.

وقوله: (وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) هذه الأمور الثلاثة التي اشتمل عليها هذا الذكر -وهي: الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً- هي الأصول الثلاثة التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه (الأصول الثلاثة وأدلتها)، أي أن هذه الأصول هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، فهذه الأصول الثلاثة هي التي كتب فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذلك الكتاب العظيم الوجيز النافع المفيد الذي لا يستغني عنه العامي ولا طالب العلم، فطلبة العلم بحاجة إليه والعوام بحاجة إليه، وهو كتاب ينتفع به العوام والخواص؛ لأنه يتعلق بمعرفة الدين ومعرفة أصول الدين، ومعرفة العبد لربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمور التي يسأل عنها في القبر، فالأسئلة في القبر هي عن الأمور الثلاثة، فالإنسان يسأل في قبره عن دينه وربه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذه الأمور الثلاثة -الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً- جاء ذكرها في الأذان، وجاء في أدعية الصباح والمساء، وجاء -أيضاً- في غير ذلك، كما في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً).

تراجم رجال إسناد حديث: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحكيم بن عبد الله بن قيس ].

الحكيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ].

عامر بن سعد بن أبي وقاص ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد -يعني: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله- قال: وأنا وأنا) يعني: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي ].

إبراهيم بن مهدي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ حدثنا علي بن مسهر ].

علي بن مسهر ثقة له غرائب بعد أن أضر، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جهضم قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في متابعة المؤذن والقول مثل ما يقول، وهو مبين لما أجمل في الأحاديث المتقدمة، كقوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) فذاك عام وهذا مفصل ومبين وموضح أن القول يكون مثل قول المؤذن في غير الحيعلتين، وأما الحيعلتان فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وفي هذا الحديث دليل على أنه عند التكبير يجمع بين اللفظين أو بين الجملتين: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فإذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر يقول سامعه: الله أكبر الله أكبر، وهذا فيه أن الجملتين يؤتى بهما معاً.

والحديث ليس فيه ذكر للأذان بأكمله، ولكن ذكر فيه كل جملة تقال، فكما أن التكبير أربع في الأول أتى بتكبيرتين، وكما أن (أشهد أن لا إله إلا الله) تأتي مرتين أتى بها مرة واحدة، وشهادة أن محمداً رسول الله أتى بها مرة واحدة، وحي على الصلاة مرة واحدة، وهكذا؛ لأن المقصود هو بيان المتابعة لا بيان ألفاظ الأذان ومقدار ألفاظ الأذان وأعداد ألفاظ الأذان، وإنما المقصود من ذلك المتابعة، وترك الشيء الذي يكرر؛ لأن المقصود هو التوضيح والبيان لما يقوله، وليس هذا بياناً لألفاظ الأذان وأن الأذان يكون بهذه الألفاظ فقط، وإنما بالبيان هو الذي جاء في الأحاديث المتقدمة.

فحديث عمر إنما سيق هنا لبيان المتابعة للمؤذن، وأن السامع مثل ما يقول، وليس حصراً لألفاظ الأذان في ذلك، وإنما ألفاظ الإقامة هي التي تكون بهذه الطريقة، ويزاد عليها: (قد قامت الصلاة) وأما الأذان فإن التكبير فيه أربع مرات، والشهادة لله بالوحدانية مرتان، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مرتان، وحي على الصلاة مرتان، وحي على الفلاح مرتين، والله أكبر في آخره مرتان، و(لا إله إلا الله) مرة واحدة.

وقوله: [ (ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ] يعني أنه لا يقول السامع: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؛ لأن معناهما طلب من الناس أن يأتوا، إذ المعنى: هلموا وتعالوا. وهذا يقوله المؤذن، لكن السامع لا يقول: (تعالوا)، وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني: لا حول للإنسان ولا قوة ولا يستطيع أن يعمل شيئاً إلا بالله سبحانه وتعالى، فهو الذي يعين وهو الذي يوفق.

وفي آخره: [ (قال: لا إله إلا الله من قبله دخل الجنة) ] يعني أن هذه الألفاظ قالها من قلبه، وليس مجرد شيء قاله باللسان دون أن يصل إلى القلب، بل يتواطأ على ذلك القلب واللسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].

محمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن العنزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن جهضم ].

محمد بن جهضم صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].

إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمارة بن غزية ].

عمارة بن غزية لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف ].

خبيب بن عبد الرحمن بن إساف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حفص بن عاصم بن عمر ].

حفص بن عاصم بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

[ عن جده عمر بن الخطاب ].

جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، فرضي الله عنه و

قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

وهناك شخص آخر يقال له: محمد بن سلمة الباهلي ، ولكنه في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا جاء محمد بن سلمة في شيوخ أبي داود فهو المرادي المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه أبو داود بواسطة فهو الباهلي الحراني .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبي أيوب ].

ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، صدوق، احترقت كتبه فتغير، ورواية عبد الله بن وهب عنه هي من أعدل الروايات، وهو هنا -أيضاً- لم يأت وحده في الرواية، بل جاء مقروناً معه شخصان آخران: حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسعيد بن أبي أيوب المصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، فوجوده في الإسناد لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره.

وابن لهيعة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، والنسائي لم يخرج له، وإنما يذكر النسائي معه غيره ويعبر عنه بقوله: ورجل آخر. فلا يحذفه لأنه موجود في الإسناد، ولكنه يذكره مبهماً؛ لأنه لا يخرج له.

[ عن كعب بن علقمة ].

كعب بن علقمة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عبد الرحمن بن جبير ].

هو عبد الرحمن بن جبير المصري، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد مسلسل بالمصريين؛ لأن كل الرجال فيه مصريون من أوله إلى آخره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ].

أورد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن ]، يعني: بيان الشيء الذي يقوله الإنسان الذي يسمع النداء، أو ماذا يقول حين يسمع النداء، والمقصود أن الإنسان عندما يسمع المؤذن يؤذن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا في (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يستثنى من هذا العموم، ويقول بدل (حي على الصلاة حي على الفلاح): لا حول ولا قوة إلا بالله، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وعلى هذا فحديث أبي سعيد الذي أورده أبو داود تحت هذه الترجمة وهو قوله: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، هو باق على عمومه في جميع ألفاظ الأذان، ويستثنى من ذلك الحيعلتان: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإن السامع يقول بدلاً من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله، فيجمع بين الحيعلة والحوقلة، وإنما يأتي بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) فقط كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر الذي سيأتي.

وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) عندهما، وذلك أن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فالإنسان يذكر الله عز وجل، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر الله أكبر) يقول: (الله أكبر الله أكبر)، وهذا ذكر لله، وإذا قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وإذا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) وإذا قال: (حي على الصلاة) لا يقول: حي على الصلاة؛ لأن قوله: (حي على الصلاة) نداء وطلب من الناس أن يأتوا إلى الصلاة، يعني: هلموا وأقبلوا، فهو ليس ذكراً، وإنما هو دعاء ونداء، وهو الذي يناسب من المؤذن أن يقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) أي: تعالوا، لكن غيره لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ لأنه لا ينادي أحداً وإنما يأتي بكلام مثل الذي يقوله المؤذن، ولكن بدلاً من ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: أن الإتيان للصلاة والتمكن من ذلك لا يكون إلا بحول الله وقوته، ولا حول للإنسان ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإذا قال: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) يقول كما يقول، وعلى هذا فإن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فيقول سامع المؤذن مثل ما يقول المؤذن، إلا جملة: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنها ليست بذكر وإنما هي دعاء ونداء وهي مناسبة من المؤذن وليست مناسبة من غيره، فغيره لا يقول كما يقول وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الحديث خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بالحوقلة عندهما، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وإذا قال: (الصلاة خير من النوم) يقول: الصلاة خير من النوم، مثل ما يقول المؤذن؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول) ] فيدخل تحته أن كل الألفاظ التي يقولها المؤذن يقولها الإنسان، سواء في الإقامة أو في الأذان، حتى الإقامة يقول الإنسان فيها مثل ما يقول المؤذن، فيقول: (قد قامت الصلاة) حين يقول المؤذن: (قد قامت الصلاة)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء في نص خاص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو: (حي على الصلاة حي على الفلاح).

وما جاء عن بعض أهل العلم أنه يقول: (صدقت وبررت) عند قوله: (الصلاة خير من النوم) ليس عليه دليل، وإنما الدليل هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] ولا يستثنى من ذلك إلا: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله عز وجل لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ] يعني: إذا سمعتم المؤذن ينادي بالأذان فقولوا مثل ما يقول، وهذا مثل حديث أبي سعيد : (إذا سمعتم النداء -أي: الأذان- فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وهنا قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ]، ويستثنى من ذلك -كما ذكرنا- قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإنه يقال عندها: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وما عد ذلك فإنه يقال كما يقول المؤذن، سواءٌ أكان في الإقامة أم في الأذان في جميع الألفاظ، لعموم حديث أبي سعيد وحديث عبد الله بن عمرو .

وقوله: [ (ثم صلوا علي) ] يعني: قولوا مثل ما يقول المؤذن وبعد ذلك صلوا علي يعني: إذا انتهيتم من المتابعة وقلتم: (لا إله إلا الله) بعد ذلك صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين دعاء له وطلب من الله أن يصلي عليه، وصلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وذكره في الملأ الأعلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ثم بين عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، فإذا صلى الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم مرة يجازيه الله تعالى بأن يصلي عليه عشر مرات، والحسنة بعشرة أمثالها، والجزاء من جنس العمل.

وقوله: [ (ثم سلوا الله لي الوسيلة) ] بين عليه الصلاة والسلام الوسيلة وأنها منزلة خاصة في الجنة لا تتكرر ولا تتعدد، وإنما هي لعبد من عباد الله، ولا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، ويرجو أن يكون هو ذلك العبد، فالوسيلة منزلة خاصة في الجنة، وهي التي تسال للرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: [ (وأرجو أن أكون أنا هو) ] يعني: أرجو أن أكون أنا ذلك العبد الذي تكون له الوسيلة وهي المنزلة المتميزة الخاصة التي تكون في الجنة.

وقوله: [ (فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي) ] يعني: من سأل الله لي الوسيلة بعد الأذان ودعا بهذا الدعاء بعد الأذان فإن هذا من أسباب كون فاعل ذلك وقائل ذلك ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سأل الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل له نصيب من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.