شرح سنن أبي داود [059]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة].

هذا هو الكتاب الثاني من الكتب التي اشتمل عليها كتاب السنن لـأبي داود ، وأول كتاب هو كتاب الطهارة، وكما قد عرفنا فيما مضى أن الأبواب المتعلقة بالطهارة -سواءٌ كانت إزالة نجاسة أم رفع الحدث الأصغر أم رفع الحدث الأكبر أم الاغتسال من الحيض- كلها أوردها تحت هذا الكتاب الذي هو كتاب الطهارة، وبعض أهل العلم يقسم هذا الكتاب إلى عدة كتب، فيذكر كتاب الوضوء على حدة، وكتاب غسل الجنابة على حدة، وكتاب الحيض على حدة، كما فعل الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وجرت عادة العلماء من محدثين وفقهاء أنهم في كتب الأحكام يبدءون بالطهارة؛ ولأنه شرط للصلاة، ولأنها لا تصح الصلاة إلا إذا وجدت الطهارة من رفع الحدث الأصغر بالماء الذي هو الوضوء، أو الأكبر بالاغتسال، أو التيمم عندما لا يوجد الماء، أو يوجد ولكن يكون هناك ضرر باستعماله، ثم إنه بعد ذلك أتى بكتاب الصلاة، وهو الكتاب الثاني كما قد عرفنا.

معنى الصلاة لغة واصطلاحاً

الصلاة في اللغة: الدعاء، والدعاء لا شك في أنه من جملة ما اشتملت عليه الصلاة، فالتعريف اللغوي تعريف للصلاة بذكر شيء مما هو موجود تحتها، وقد تكون المعاني اللغوية أوسع وأعم وتكون المعاني الشرعية جزءاً من جزئيات المعاني اللغوية، وقد يكون المعنى الشرعي مشتملاً على المعنى اللغوي وزيادة على ذلك؛ لأن الصلاة هنا في اللغة الدعاء، والصلاة الشرعية -كما هو معلوم- هي أفعال وأقوال تشتمل على الدعاء وعلى غير الدعاء، لكن الدعاء موجود فيها بكثرة، فعند دخول الإنسان في الصلاة يقول: (الله أكبر)، وهو دعاء وعبادة، ثم يأتي بالاستفتاح، وهو دعاء وعبادة، أو دعاء مسألة، مثل قوله: (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) فهذا دعاء عبادة، وقوله: (اللهم! باعد بيني وبين خطاياي ...) هذا دعاء مسألة، ثم بعد ذلك الركوع فيه دعاء، والرفع من الركوع فيه دعاء، والسجود فيه دعاء، وبين السجدتين هناك دعاء، وفي التشهدين دعاء عبادة ودعاء مسألة، فالدعاء في الصلاة يوجد بكثرة، بل إن أقوال الصلاة هي إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة.

أما الصلاة في الاصطلاح فهي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. هذا هو تعريف الصلاة الشرعي.

فهي مبدوءة بـ (الله أكبر) ومختومة بـ (السلام عليكم ورحمة الله)، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم).

أما المعنى الثاني -وهو كون المعاني اللغوية واسعة، بحيث يكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي- فمثل الصيام، فالصيام في اللغة: الإمساك، فأي إمساك يقال له: صيام. وفي الشرع: إمساك مخصوص وهو الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وفي اللغة يقال لأي إمساك: صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، والإمساك عن الأكل صيام، والدواب إذا أمسكت يقال عنها: إنها صيام، كما قال الشاعر:

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما

فالصيام في اللغة لفظ عام يشمل كل إمساك، وفي الشرع إمساك مخصوص.

والحج لغة: القصد مطلقاً، فأي قصد يقال له: حج. وفي الشرع: قصد مخصوص، وهو قصد البيت للإتيان بأعمال مخصوصة.

والعمرة لغة: الزيارة. فأي زيارة يقال لها: عمرة، وفي الشرع: زيارة البيت لأفعال مخصوصة، وعلى هذا فإن المعاني اللغوية أحياناً تكون أشمل وأوسع، ويكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي، وأحياناً يكون المعنى الشرعي أشمل أوسع ويكون أطلق عليه المعنى الشرعي لأن المعنى اللغوي موجود فيه، فالدعاء موجود في الصلاة بكثرة في ركوعها وسجودها وجلوسها وقيامها.

مكانة الصلاة وعظمتها في الإسلام

إن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والإسلام بني على خمسة أركان،كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وفي حديث ابن عمر وغيرهما، ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).

وفي حديث جبريل أنه قال: (أخبرني عن الإسلام. قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، فالصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والشهادتان هما الأساس وهما الركن الركين الذي كل عمل أو كل ركن سواه لا ينفع إلا إذا كان مستنداً إليه مبنياً عليه؛ لأنه إذا لم توجد الشهادتان فأي عمل من الأعمال لا قيمة له، أو وجدت شهادة أن لا إله إلا الله ولم توجد شهادة أن محمداً رسول الله معها من حين بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة؛ فإن أي عمل لا ينفع صاحبه ما دام أنه لم يستند على هذا الأساس الذي هو الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والصلاة شأنها عظيم في الإسلام، وقد جاءت آيات وأحاديث تدل على عظم شأنها وأن شأنها أركان الإسلام بعد الشهادتين.

فمما ورد في بيان عظم شأنها: أن الله تعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في السماء، ولم يفرضها عليه وهو في الأرض وإنما فرضت عليه وهو في السماء -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه- ليلة المعراج، وفرضت عليه أولاً خمسين صلاة، وقد استسلم وانقاد وسلم الأمر لله ونزل لينفذ الذي أمر به، ولكنه لما مر بموسى بن عمران وهو في السماء السادسة عرض عليه وأشار عليه بأن يرجع إلى الله عز وجل ويسأله التخفيف، وقال: إنه قد كُلِّف بنو إسرائيل بأشياء ومع ذلك ما قاموا بها، فأشار عليه أن يرجع ويسأل التخفيف، فحصل ذلك، وتكررت المراجعة حتى صارت خمساً، وقال الله عز وجل: (هن خمس في العمل وخمسون في الأجر)، وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيصلي الإنسان خمس صلوات في اليوم والليلة وتكون عن خمسين صلاة.

إذاً: فرضت عليه وهو في السماء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ونسخ العدد من خمسين إلى خمس قبل التمكن من الامتثال، وهذا يبين مدى استسلام الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده لأمر ربه، وأنه لما فرض عليه خمسين صلاة استعد للتنفيذ، ولكن الله خفف قبل أن يحصل التكليف على الناس، فخففت من خمسين إلى خمس والرسول صلى الله عليه وسلم في السماء قبل أن ينزل إلى الأرض، ففي هذا دليل على النسخ قبل التمكن من الامتثال.

ومثل هذا قصة الذبيح إسماعيل، حيث نسخ الأمر بالذبح قبل التمكن من الامتثال وقد حصل الاستسلام والانقياد من الذابح والمذبوح، وكل منهما استسلم لله عز وجل، ففائدة ذلك هو حصول وظهور استسلام الرسولين المكلفين بذلك، وهما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام حيث استسلم وانقاد للقيام بخمسين صلاة فرضت عليه، وكذلك إبراهيم الخليل حيث أمر بذبح ابنه فأقدم على ذلك ونسخ الحكم قبل التنفيذ.

إذاً: فائدة ذلك -كما عرفنا- هو الاستسلام والإذعان والاستعداد للتنفيذ، وظهور الطاعة والقيام بتنفيذ ما طلب تنفيذه، فمما يدل على عظم شأن الصلاة أنها فرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء.

ومما يدل على عظم شأنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنها عمود الإسلام، وذلك في حديث معاذ بن جبل الطويل الذي فيه عدة أمور، حيث قال له: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وقوله: إنها عمود الإسلام يدل على عظم شأنها؛ إذ أن البنيان لا يتم ولا يقوم إلا على عمد، وكذلك الخيمة لا تقوم إلا على عمود أو على أعمدة، وإذا نزع العمود أو سقط العمود سقط البناء الذي عليها، كل هذا يدلنا على عظم شأن الصلاة في الإسلام.

ومما يدل على عظم شأنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنها آخر ما يفقد من الدين في هذه الحياة، حيث يقول: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة) والشيء إذا فقد أوله بقي منه شيء، لكن إذا فقد آخره لا يبقى منه شيء.

ومما يدل على عظم شأن الصلاة: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، حيث يقول: (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة)، فإن حصل النجاح في تلك المحاسبة فما سواها تابع لها، وإن حصلت خسارة فإنه يكون فيما سوى ذلك أخسر.

ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها في آخر حياته، يقول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم) يعني أنه يحث ويحرض على القيام بالصلاة وعلى الإحسان إلى من هم في ملك اليمين.

ثم يقول علي رضي الله عنه: (وهؤلاء الكلمات هن آخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: أن علياً رضي الله عنه بعد أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام لم يسمعه بعد ذلك.

ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) فهذا يدل على عظم شأن الصلاة وأن تركها كفر.

ومما يدل على عظم شأنها أن الله تعالى أخبر أن الذين يدخلون سقر عندما يدخلون فيها ويسألون: ما الذي أوصلكم إلى سقر؟ يجيبون في أول ما يجيبون بأنهم لم يكونوا يصلون، قال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43]، فهذا من الأسباب التي توصل إلى سقر والعياذ بالله.

والحاصل أن أمر الصلاة عظيم وشأنها كبير، وقد جاءت النصوص الكثيرة الدالة على عظم شأنها، ثم هي تكون في اليوم والليلة خمس مرات، وهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، وهي علامة الإيمان وعلامة الاستسلام والانقياد لأمر الإسلام، والإنسان إذا صاحب إنساناً يستطيع أن يعرف أنه من أولياء الله أو أنه من أعداء الله خلال أربع وعشرين ساعة، فإن رآه يصلي فهي علامة خير، وإن رآه لا يصلي فهي علامة شر، بخلاف بقية الأركان، فإنه لا يعرف حال الإنسان فيها كما يعرف في الصلاة؛ لأن الزكاة لا تجب في السنة إلا مرة واحدة، ولا تجب إلا على الأغنياء، والصيام لا يجب في السنة إلا شهراً واحداً، والحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، لكن الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، فهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، فهذا كله يبين لنا عظم شأن الصلاة وأهميتها، وأنها رأس مال المسلم، وأن عليه أن يحافظ عليها وأن يعنى بها وأن لا يتهاون فيها؛ لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد عرفنا جملة من الأدلة الدالة على عظيم شأنها وعظم منزلتها في الإسلام.

الصلاة في اللغة: الدعاء، والدعاء لا شك في أنه من جملة ما اشتملت عليه الصلاة، فالتعريف اللغوي تعريف للصلاة بذكر شيء مما هو موجود تحتها، وقد تكون المعاني اللغوية أوسع وأعم وتكون المعاني الشرعية جزءاً من جزئيات المعاني اللغوية، وقد يكون المعنى الشرعي مشتملاً على المعنى اللغوي وزيادة على ذلك؛ لأن الصلاة هنا في اللغة الدعاء، والصلاة الشرعية -كما هو معلوم- هي أفعال وأقوال تشتمل على الدعاء وعلى غير الدعاء، لكن الدعاء موجود فيها بكثرة، فعند دخول الإنسان في الصلاة يقول: (الله أكبر)، وهو دعاء وعبادة، ثم يأتي بالاستفتاح، وهو دعاء وعبادة، أو دعاء مسألة، مثل قوله: (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) فهذا دعاء عبادة، وقوله: (اللهم! باعد بيني وبين خطاياي ...) هذا دعاء مسألة، ثم بعد ذلك الركوع فيه دعاء، والرفع من الركوع فيه دعاء، والسجود فيه دعاء، وبين السجدتين هناك دعاء، وفي التشهدين دعاء عبادة ودعاء مسألة، فالدعاء في الصلاة يوجد بكثرة، بل إن أقوال الصلاة هي إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة.

أما الصلاة في الاصطلاح فهي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. هذا هو تعريف الصلاة الشرعي.

فهي مبدوءة بـ (الله أكبر) ومختومة بـ (السلام عليكم ورحمة الله)، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم).

أما المعنى الثاني -وهو كون المعاني اللغوية واسعة، بحيث يكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي- فمثل الصيام، فالصيام في اللغة: الإمساك، فأي إمساك يقال له: صيام. وفي الشرع: إمساك مخصوص وهو الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وفي اللغة يقال لأي إمساك: صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، والإمساك عن الأكل صيام، والدواب إذا أمسكت يقال عنها: إنها صيام، كما قال الشاعر:

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما

فالصيام في اللغة لفظ عام يشمل كل إمساك، وفي الشرع إمساك مخصوص.

والحج لغة: القصد مطلقاً، فأي قصد يقال له: حج. وفي الشرع: قصد مخصوص، وهو قصد البيت للإتيان بأعمال مخصوصة.

والعمرة لغة: الزيارة. فأي زيارة يقال لها: عمرة، وفي الشرع: زيارة البيت لأفعال مخصوصة، وعلى هذا فإن المعاني اللغوية أحياناً تكون أشمل وأوسع، ويكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي، وأحياناً يكون المعنى الشرعي أشمل أوسع ويكون أطلق عليه المعنى الشرعي لأن المعنى اللغوي موجود فيه، فالدعاء موجود في الصلاة بكثرة في ركوعها وسجودها وجلوسها وقيامها.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع