الشاب المبارك


الحلقة مفرغة

لقد اعتنى الإسلام بالأسرة والحياة الزوجية اعتناءً بالغاً، وما ذاك إلا لعظيم شأنها في بناء المجتمع المسلم، فإنه إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، ومن عناية الإسلام بها أن شرع وأوجب على كل من الزوجين تجاه صاحبه حقوقاً وواجبات يجب أن يؤديها كما أمر الله تعالى، فللزوج على زوجته حقوق، كما أن للزوجة على زوجها حقوقاً، إذا قام كل منهما بما يجب عليه ساد الوئام والوفاق بينهما، ورفرفت السعادة في جنبات حياتهما، وينبغي أن يسود بينهما التسامح وعدم المشاحة فيما حدث من تقصير أو تفريط.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وإني لأسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء الذي ما ظننت أن حضوره بهذا العدد المبارك ألا يدع لإخواننا الحاضرين ذنباً إلا غفره، ولا هماً إلا فرجه، ولا ديناً إلا قضاه، ولا توبةً إلا قبلها بمنه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتنا في الله: وأنا في الطريق إليكم تجولت بفكري في كثير من المجالس والاستراحات والمناسبات والرَّدَهَات وأماكن اللقاء والاجتماع، فرأيت الناس لا يخرجون في لقاءاتهم عن أمور، لقاؤكم هذا هو أجَلُّها وأكرمُها وأشرفُها وأعلاها منزلةً وأكرمُها جناباً عند الله سبحانه وتعالى، وما ذاك إلا أنكم اجتمعتم على غير أنساب بينكم، ولا مصالح تجمعكم، ولا مقاصد من حطام الدنيا الفاني ألفتكم، وإنما جمعكم جميعاً أن تمجدوا الله وتثنوا عليه، وتحمدوه وتكبروه وتسبحوه، وتتفكروا فيما شرع الله لكم أن يتفكر فيه، وأن تصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تتذاكروا حديثه وسنته وأثره وسمته وهديه صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يقول أن ثمة مجلس أرقى وأجل وأكرم وأكمل من مجلسكم هذا؟! ليس على وجه الأرض مجلس أجل وأعلى من مجلسٍ يُذكر الله عز وجل فيه ويُصَلَّى فيه على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكون الحديث مرتبطاً بالوحي المعصوم بكلامه سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ثم يا أيها الأحبة: لما أكرمكم الله بالاجتماع على هذه المقاصد وطهَّر مجالسكم من مقاصد دنيئة أو تافهة أو ليست بشيء يذكر؛ عندما اجتمعتم إليه تذكّروا أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمكم بهذا وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً.

ما أكثر الشباب! ولكن أين هم؟! ما أكثر الرجال! ولكن أين هم؟! ما أكثر المجالس! ولكن ما هي؟!

إذا تأملتم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري هو من جوامع الكلم ومن جوامع الحكم التي خُصَّ بها نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح جلي.

أنت تعد الكثيرين من الناس، ثم إذا أردت أن تخرج من بينهم واحداً يُعْتَمَد عليه بعد الله في الشدائد، أو يُعَوَّل عليه بعد الله في الملمات أو يُدَّخَر عند الكربات لم تجد أحداً، وما ذاك إلا أن الناس أعداد كالأصفار إلا النوادر منهم الذين هم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).

كم عدد الشباب! وانظر من هم الصالحون من بينهم، كم عدد الشباب الذين يملئون الشوارع ذهاباً وإياباً وغدواً ورواحاً! ولكن من هو الذي يكون بركة على نفسه وبركة على أهله وعلى أسرته ومجتمعه؟! الكثير من شبابنا اليوم كما قال الأول:

وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيـرنا     حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ

الآن لو سمعنا صوت فرامل سيارة على الشارع فكلنا تنصرف رقبته باتجاه الشارع، وأسماعنا تنصت، وتبدأ الخيالات تتصور أهو حادث انقلاب سيارة، حالة تصادم، وهل سلموا، أو لم يسلموا، وافترض مثلاً أن رجلاً جاء إلينا وقال: يا ناس! يا شباب! يا من اجتمعتم في هذا المكان! يوجد شاب نزل من سيارته، أو فحط بسيارته، أو صارت عنده مشكلة وهو الآن في حالة نزيف ونريد منكم أن تنقذوه؛ هل سيتردد منكم أحد أن يتبرع بقطرات من دمه لإنقاذ حياة هذا الشاب؟

الجواب: لا. كلنا بحكم إسلامه، بحكم أنه محسوب على الإسلام والمسلمين قد يكون اسمه: عبدالله أو عبد الرحمن أو عبد العزيز أو عبد الملك أو أي اسم من الأسماء، ولإسلامه خرجنا نسعفه نريد أن ننقذ حياته، ثم لما تبرع هذا الجمع بدمه لهذا الشاب الذي نزف بعد الحادث ودبت الحياة إلى جسمه من جديد، هنا نسأل هذا الشاب ونسأل أنفسنا: ماذا قدم هذا الشاب في طاعة الله عز وجل؟ ماذا قدم لدين الله سبحانه وتعالى؟ ماذا قدم لنفسه في مرضاة الله؟ ماذا قدم لوالديه؟ ماذا قدم لأمته .. لمجتمعه .. لدعوته .. لعقيدته .. لدينه؟ الجواب كما قال الأول:

وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيـرنا     حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ

يوم أن صار عليه الحادث فُجِعنا وهرعنا وذهبنا نتبرع له من أجل إنقاذ حياته، ولما أنقذنا حياته ما وجدناه قد نفعنا بشيء، بل ربما لم يسلم الناس من شره، بل ربما عاد مصيبة وشؤماً وشراً وبلاءً على نفسه يوبقها ويهلكها بالذنوب والمعاصي، وعلى والديه بالعقوق .. وعلى رحمه بالقطيعة .. وعلى جيرانه بالإساءة .. وعلى دينه باللامبالاة .. وعلى المسلمين بعدم الاهتمام، وقس على ذلك صوراً وأمثالاً من اللامبالاة التي نجدها في شبابنا، ويعدون على أمة الإسلام، نحن حينما نقول: عدد المسلمين مليار ونصف مليار، أي: ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم هل كل هؤلاء هم الذين تمتلئ بهم المساجد؟! هل كل هؤلاء هم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً؟! هل كل هؤلاء يتحاكمون إلى شريعة الله عند الشجار والنزاع؟! هل كل هؤلاء هم البررة الأطهار الأخيار الأبرار هل .. هل .. إلخ؟! لا. القلة من هؤلاء بل لا تكاد توجِد من الألف واحداً، وكما قال الشاعر أولاً:

يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح     هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

يعني: ينادي المسلمين.

يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح     هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

هل نجد من ألف مسلم مسلماً واحداً؟! هل نجد من ألف شاب شاباً واحداً؟!

هل نجد من آلاف المتسكعين والضائعين والمفسدين والفاسقين واللامبالين والعابثين والهازلين؛ هل نخرج واحداً من أمة الإسلام نقول: هذا هو الجاد بين الهازلين! هذا هو العابد بين الضائعين! هذا هو المجاهد بين المستسلمين! هذا هو الصابر بين المتسخطين؟!

ستجد حتى الواحد من الألف لا يكاد يوجد، وتجد من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر : (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).

إذاً نحن نبحث عن الشاب المسلم المبارك، أما ذلك المسلم الذي يُحسب ولا ينفع، يُعد ولا يشفع، إن أصيب قيل: أيها الناس! أعطوه، وإن جاع قيل: أيها الناس! أطعموه، وإن ظمئ قيل: أيها الناس! اسقوه، وإن عري قيل: أيها الناس! اكسوه، إلى غير ذلك، هؤلاء ماذا يقدمون؟! تجد الواحد منهم كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].

إذا الواحد منهم في لحظة خطر ومرض وأنين ووجع وألم وسقم ويئن: آه .. آه .. من الأمراض يقول: يا ألله، وفي تلك اللحظات ربما يلتفت يتوضأ ليصلي، ربما يحاسب نفسه ويعد نفسه أن يستقيم؛ لكن: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ [يونس:12] لما رفع الله عنه البلاء وكشف عنه الداء وجرت العافية في دمه: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] ما كأن مصيبة أصابته، بل تجده يبارز ربه بألوان الذنوب والمعاصي، وتلك -وايم الله- من أعظم المصائب.

أحبتنا! نحن نريد من هؤلاء الألف: الشاب المبارك الذي ينفع الله به كما قال عيسى عليه السلام، أو كما أخبر سبحانه في سورة مريم عن عيسى عليه السلام: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ [مريم:31] نحن نريد ذاك الشاب المبارك أينما كان، المبارك في مسجده .. المبارك في مدرسته .. المبارك في تعليمه .. المبارك في حيه .. في أسرته .. في عمله .. في تجارته .. في ذهابه وإيابه، هذا هو الذي نريده، أما هذه الأعداد فماذا تقدم؟ أما أن نجد صوراً بلا حقائق فماذا تنفع الصور بلا حقائق؟!

أبو الحسن الندوي رحمه الله من علماء الإسلام؛ كتب كتاباً وهو من الكتب الفكرية النافعة، ونحن إذ نوصي الشباب أن يقرءوا القرآن وتفسيره والسنة وشروحها؛ لكن أيضاً نوصي بقراءة بعض الكتب التي تنفع؛ يقول: إن الصور لا تغني من الحقائق شيئاً، تجد الطفل الصغير يدخل في متحف من المتاحف فيجد أسداً محنطاً فيدخل الطفل يده بين فكي الأسد، بل يتحسس أنياب الأسد بأنامله، بل وتجد هذا الطفل يمتطي صهوة الأسد ويتمسك بلمته ولا يخشاه ولا يخافه، سبحان الله! أسد سبع مفترس مخيف، لو زأر لاهتزت القلوب من زئيره، كيف هذا الطفل يحوم حوله! وربما يستلقي تحته! ما الذي حدث؟! الجواب واضح: لأن هذا الأسد صورة، لكن دع قطاً يدخل فجأة، تجد هذا الطفل يصرخ، بل لو وجد وَزَغَاً أو صرصاراً أو خنفساء تجد هذا الطفل يخاف ويصرخ ويهرع، سبحان الله! هو يتقلب على الأسد والآن يخشى من صرصار أو خنفساء أو غيره، الجواب واضح: لأن هذا حقيقةُ صرصارٍِ، حقيقة خنفساء، حقيقة قط، أما هذا الأسد فهو صورة.

فكثير من شبابنا اليوم هم صور والحقائق تكاد تكون قد انطمرت، نحن لا ننفي عن حقيقة الإسلام حتى لا يقول أحد: إن هؤلاء الشباب يكفرون الناس، أو هؤلاء الشباب ييئسون من صلاح الناس، لكن نقول كما قال تعالى: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] من كثرة ما كسبوا من السماع والرؤية والكلام والغفلة والقعود عن الصلوات، والبخل في الصدقات و.. و.. إلى غير ذلك، تراكم على أنفسهم طبقات من المنكرات أصبحت الحقيقة مندرسة مطمورة مختفية تحت طبقات الذنوب والمعاصي.

حقيقة الإسلام الموجودة عند الشباب هي مستقرة في القلوب، ولا أحد يكفرهم؛ لكن أين أثرها .. في الأمر بالمعروف .. في النهي عن المنكر .. في الاستقامة .. في الصلاة .. في الطاعة .. في العبادة .. في الدعوة؛ في السمت الحسن: في .. في .. إلى آخره، لا تجد لها أثراً، ولما غابت الحقائق أصبح هذا الكم الكبير لا يؤثر ولا يضر شيئاً.

الآن أعداء الإسلام هل يخافون من الصائعين الضائعين من المسلمين؟! هل يخافون من الذين يتسكعون فيما يسمى بالفيديو كليب والأغاني وملاحقة الماجنات والراقصات؟! هل يخاف أعداء الإسلام من الذين يقضون حياتهم مع العراة والكاسيات العاريات والمعاكسات والضياع؟! لا يخشى أعداء الإسلام من هؤلاء، يخشى أعداء الإسلام من مسلمٍ حقيقي يعرفون أنه يحمل هماً للإسلام وينتظر موعداً لنصرة الإسلام، فهذا هو الشاب الذي يخشاه أعداء الأمة.

أحبتنا في الله: كل واحد منكم يمكن أن يكون هماً يؤرق الكفار، كل واحد منكم يمكن أن يكون قَلَقاً لا يغادر عقول الكفار، كل واحد منكم يمكن أن يكون عدداً صحيحاً وليس صفراً على الشمال، وذلك إذا صدقت نيته مع الله عز وجل .. إذا صدق إقباله على دين الله .. إذا صدق طلبه للعلم في مرضاة الله .. إذا صدق اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إذا صدق سعيه في الدعوة إلى الله وبيان الحق وتوضيحه وسهولته لعباد الله عز وجل أما ما سوى ذلك فكما قال الأول:

فحسبك خمسة يُبْكَى عليهـم     وباقي الناس تخفيف ورحمه

ابن باز وبركة عمره

الشيخ ابن باز لما توفي -أسأل الله أن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يجمعنا به وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنكم ولأننا جميعاً نحبه في الله، والله قد وعد المتحابين في الله كما في الحديث الصحيح في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله- سماحة الشيخ ضجت الدنيا عليه في أنحاء العالم في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وقارة آسيا وصُلِّي عليه صلاة الغائب وهو رجل واحد؛ لكن لما كان يحمل هموم أمة ولما كان أمة، لما كانت نفسه أمة في رجل، ولما كان صادقاً مع الله سبحانه وتعالى جعل الله شأنه هماً في عقول العرب والعجم والسود والبيض والسمر والصفر وغيرهم، حتى الآن المجالس وهي تتحدث في مناقبه، وعلمه، وعفوه، وكرمه، وجوده، وحلمه، وفضله، و... إلخ، كيف؟

لما أصبح رجلاً مباركاً، والبركة أمر مطلوب، وإلا فالعدد بدون بركة لا فائدة منه، لو قال لك رجل: أسأل الله أن يرزقك عشرين ولداً، وأسأل الله ألا يبارك في واحد منهم، هل تسرك هذه الدعوة؟! هل يسرك أن يكون لك عشرون ولداً ليس في أحدهم بركة؟! لا والله، بل كلهم عبء عليك صرف، ونفقات ومشكلات، وكل يوم من أجل هذا جارُّون بك إلى المخفر أو إلى الشرطة أو إلى العسكر، أو يميناً أو شمالاً، هذا دَعَسَ، وهذا صَدَمَ، وهذا اخَتَطَفَ، وهذا ضَرَبَ، وهذا آذَى، وهذا سَرَقَ، لكن يسرك أن يكون لك ولو ولدٌ واحدٌ قد بارك الله فيه، ذكراً كان أو أنثى: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً [النساء:11].

إذاً البركة في الشاب مطلوبة، لو أن واحداً قال: أسأل الله أن يرزقك مائة مليون، وأسأل الله ألا يبارك لك فيها، يمكن أن تنفق كل هذه الملايين في ترميم المصائب والمشكلات التي صارت كالسيل المنهمر المتتابع على أم رأسك، فلا تتلذذ من هذه الأرقام والملايين في شيء أبداً.

لو قيل لك: نسأل الله أن يعطيك كذا وكذا وكذا، كم من شاب قال: آه، لو تزوجتُ فلانة الفلانية التي يصدق عليها قول الشاعر:

عراقية العينين نجدية الحشى     حجازية الأطراف هندية الشعرِ

الجميلة الممتازة هذه لو تزوجتُها لدخلتُ السعادة من أوسع أبوابها، وهب أنك تزوجتها ولم يكتب لك بركة فيها، ما الذي يكون؟ ستكون آخر عهدك وعلمك بالسعادة، تقول: الله .. قبل أن أرى هذا الوجه القَذِر كنت أنام مرتاحاً، وأستيقظ مرتاحاً، وآكل مرتاحاً، وأخرج مرتاحاً، لما دخلت هذه الجميلة الكحيلة العسيلة النحيلة ال.. ال.. إلى آخره ضيَّعَت علينا السعادة وأصبح لا هم لنا إلا حل مشكلاتها، يوم ذاهب بها إلى أهلها، ويوم آتٍ بها، ويوم نوصلها، وهذه حياتك معها.

كن رجلاً مباركاً

ليست القضية أن تملك أموالاً أو أولاداً أو زوجاتٍ بل القضية أن تكون رجلاً مباركاً ينفع الله بك أينما كنت، ومستحيل أن تكون فيك بركة إلا إذا تمسكت بشرع الله ودينه وسنة نبيه، هل يمكن أن تكون البركة في معصية الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في الإعراض عن ذكر الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في شخص لا يشهد الصلاة مع الجماعة؟! هل يمكن أن تكون البركة في عاقٍ لوالديه أو قاطع لرحمه أو آكل للحرام أو متربص بالناس، يريد أن يقفز إلى حرمات يسخطها الله ولا يرضاها فهل يمكن في هذا بركة؟!

الجواب: لا. إذاً لينظر كل واحد منا موقعه، نحن لن نتكلم اليوم لنقول عن الناس فيهم وفيهم، نريد أن نتكلم عن أنفسنا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

دواؤك فيك وما تشعرُ     وداؤك منك وما تبصرُ

وتحسب أنك جسم صغير     وفيك انطوى العالم الأكبرُ

إن الله تحدى بك خلقه، وإن الله قد جعل فيك معجزات عظيمة وقال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ [فصلت:53] في الكون وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53].

هذه النفس التي أنت تتنقل بها إن شئت أن تقول: إنها ثروة فهي ثروة، بعض الشباب يقول: أنا فقير.. أنا مسكين.. أنا ما عندي في الرصيد ألف ريال أنا.. أنا.. أنا.. أنا..!

أجل أيها الشاب الفقير الذي لا ترى نعم الله إلا في المال! أيها المسكين لا يرى أن النعمة إلا في النقود! أيها المسكين الذي لا يعرف أن النعمة إلا في كذا! هل تريد أن ننزع منك الكبد ونعطيك ملياراً مقابلها، هل تريد أن ننزع منك يديك لتبقى معوقاً عن الحركة بهما ونجعل الملعقة في فمك؟! هل تريد أن نعطيك ونعطيك؟! لا. لا تقبل بذلك.

إذاً أنت بنك متحرك، يداك مليارات، ولا ترضى أن تباع بمليارات، رجلاك بالمليارات، وأسأل الله أن يخلف على إخواننا الذين فقدوا من عافيتهم ما فقدوا بقضاء الله وقدره وأن يرزقهم الصبر والاحتساب حتى يكون مآلهم الجنة، وبشراهم عند الله إن صدقوا الاحتساب بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، هل تريد أن تباع العين والأخرى بمليار ومليارات.

إذاً لا تنظر إلى المال فأنت عندك من الأموال في بدنك ما الله به عليم، ولا تنظر إلى الجاه أو المنصب فكم من أناس قد بلغوا فيها ما بلغوا وما نفعوا، ورب أناس ليس لهم في الأرض مناصب ولا مراكز ولا جاه ولا أحساب ولا أنساب نفع الله بهم نفعاً عظيماً.

الشيخ ابن باز لما توفي -أسأل الله أن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يجمعنا به وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنكم ولأننا جميعاً نحبه في الله، والله قد وعد المتحابين في الله كما في الحديث الصحيح في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله- سماحة الشيخ ضجت الدنيا عليه في أنحاء العالم في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وقارة آسيا وصُلِّي عليه صلاة الغائب وهو رجل واحد؛ لكن لما كان يحمل هموم أمة ولما كان أمة، لما كانت نفسه أمة في رجل، ولما كان صادقاً مع الله سبحانه وتعالى جعل الله شأنه هماً في عقول العرب والعجم والسود والبيض والسمر والصفر وغيرهم، حتى الآن المجالس وهي تتحدث في مناقبه، وعلمه، وعفوه، وكرمه، وجوده، وحلمه، وفضله، و... إلخ، كيف؟

لما أصبح رجلاً مباركاً، والبركة أمر مطلوب، وإلا فالعدد بدون بركة لا فائدة منه، لو قال لك رجل: أسأل الله أن يرزقك عشرين ولداً، وأسأل الله ألا يبارك في واحد منهم، هل تسرك هذه الدعوة؟! هل يسرك أن يكون لك عشرون ولداً ليس في أحدهم بركة؟! لا والله، بل كلهم عبء عليك صرف، ونفقات ومشكلات، وكل يوم من أجل هذا جارُّون بك إلى المخفر أو إلى الشرطة أو إلى العسكر، أو يميناً أو شمالاً، هذا دَعَسَ، وهذا صَدَمَ، وهذا اخَتَطَفَ، وهذا ضَرَبَ، وهذا آذَى، وهذا سَرَقَ، لكن يسرك أن يكون لك ولو ولدٌ واحدٌ قد بارك الله فيه، ذكراً كان أو أنثى: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً [النساء:11].

إذاً البركة في الشاب مطلوبة، لو أن واحداً قال: أسأل الله أن يرزقك مائة مليون، وأسأل الله ألا يبارك لك فيها، يمكن أن تنفق كل هذه الملايين في ترميم المصائب والمشكلات التي صارت كالسيل المنهمر المتتابع على أم رأسك، فلا تتلذذ من هذه الأرقام والملايين في شيء أبداً.

لو قيل لك: نسأل الله أن يعطيك كذا وكذا وكذا، كم من شاب قال: آه، لو تزوجتُ فلانة الفلانية التي يصدق عليها قول الشاعر:

عراقية العينين نجدية الحشى     حجازية الأطراف هندية الشعرِ

الجميلة الممتازة هذه لو تزوجتُها لدخلتُ السعادة من أوسع أبوابها، وهب أنك تزوجتها ولم يكتب لك بركة فيها، ما الذي يكون؟ ستكون آخر عهدك وعلمك بالسعادة، تقول: الله .. قبل أن أرى هذا الوجه القَذِر كنت أنام مرتاحاً، وأستيقظ مرتاحاً، وآكل مرتاحاً، وأخرج مرتاحاً، لما دخلت هذه الجميلة الكحيلة العسيلة النحيلة ال.. ال.. إلى آخره ضيَّعَت علينا السعادة وأصبح لا هم لنا إلا حل مشكلاتها، يوم ذاهب بها إلى أهلها، ويوم آتٍ بها، ويوم نوصلها، وهذه حياتك معها.

ليست القضية أن تملك أموالاً أو أولاداً أو زوجاتٍ بل القضية أن تكون رجلاً مباركاً ينفع الله بك أينما كنت، ومستحيل أن تكون فيك بركة إلا إذا تمسكت بشرع الله ودينه وسنة نبيه، هل يمكن أن تكون البركة في معصية الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في الإعراض عن ذكر الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في شخص لا يشهد الصلاة مع الجماعة؟! هل يمكن أن تكون البركة في عاقٍ لوالديه أو قاطع لرحمه أو آكل للحرام أو متربص بالناس، يريد أن يقفز إلى حرمات يسخطها الله ولا يرضاها فهل يمكن في هذا بركة؟!

الجواب: لا. إذاً لينظر كل واحد منا موقعه، نحن لن نتكلم اليوم لنقول عن الناس فيهم وفيهم، نريد أن نتكلم عن أنفسنا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

دواؤك فيك وما تشعرُ     وداؤك منك وما تبصرُ

وتحسب أنك جسم صغير     وفيك انطوى العالم الأكبرُ

إن الله تحدى بك خلقه، وإن الله قد جعل فيك معجزات عظيمة وقال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ [فصلت:53] في الكون وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53].

هذه النفس التي أنت تتنقل بها إن شئت أن تقول: إنها ثروة فهي ثروة، بعض الشباب يقول: أنا فقير.. أنا مسكين.. أنا ما عندي في الرصيد ألف ريال أنا.. أنا.. أنا.. أنا..!

أجل أيها الشاب الفقير الذي لا ترى نعم الله إلا في المال! أيها المسكين لا يرى أن النعمة إلا في النقود! أيها المسكين الذي لا يعرف أن النعمة إلا في كذا! هل تريد أن ننزع منك الكبد ونعطيك ملياراً مقابلها، هل تريد أن ننزع منك يديك لتبقى معوقاً عن الحركة بهما ونجعل الملعقة في فمك؟! هل تريد أن نعطيك ونعطيك؟! لا. لا تقبل بذلك.

إذاً أنت بنك متحرك، يداك مليارات، ولا ترضى أن تباع بمليارات، رجلاك بالمليارات، وأسأل الله أن يخلف على إخواننا الذين فقدوا من عافيتهم ما فقدوا بقضاء الله وقدره وأن يرزقهم الصبر والاحتساب حتى يكون مآلهم الجنة، وبشراهم عند الله إن صدقوا الاحتساب بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، هل تريد أن تباع العين والأخرى بمليار ومليارات.

إذاً لا تنظر إلى المال فأنت عندك من الأموال في بدنك ما الله به عليم، ولا تنظر إلى الجاه أو المنصب فكم من أناس قد بلغوا فيها ما بلغوا وما نفعوا، ورب أناس ليس لهم في الأرض مناصب ولا مراكز ولا جاه ولا أحساب ولا أنساب نفع الله بهم نفعاً عظيماً.

يقول ابن أدهم رحمه الله:

إذا ما مات ذو علم وتقـوى     فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المـولى     بحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتىً كثير الجـود مَحْلٌ     فإن بقاءه قَسْمٌ ونعمه

وموت العابد القوَّام ليلاً     يناجي ربه بكل ظلمه

وموت الفارس الضرغام هـدمٌ     فقد شهدت له بالنصر عزمه

فحسبك خمسة يُبكى عليهـم     وباقي الناس تخفيف ورحمه

أنت أنت، هل تستطيع أن تقول إنك ممن يُبكى عليه، ويُذكر بخير بعد موته؟! أم أن يقال: والله مسكين، ظاهرة طبيعية كوجود أي كائن حي وجد على الدنيا فترة ثم انتهى واختلط ترابه ودمه وجسمه ومخه ولحمه وعظمه بالأرض ولم يحقق أي شيء، لكن تستطيع أن تكون عالماً .. تستطيع أن تكون مربياً .. تستطيع أن تكون مجاهداً .. تستطيع أن تتولى مهمة، لا يُشترط أن تكون حاكماً تحكم البلاد طولاً وعرضاً، وقد تكون كذلك، وقد تكون مسئولاً في أي قضية من القضايا في أي جانب من الجوانب فينفع الله بك نفعاً عظيماً، قد تستطيع أن تكون عابداً قواماً مجاهداً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فحينئذ تكون من هؤلاء الذين:

فحسبك خمسة يُبكى عليهـم     وباقي الناس تخفيف ورحمه

مشكلة شباب الإسلام اليوم وأقولها بكل مرارة أن كثيراً من الطيبين أصبحوا أعداداً لا حقيقة لها، نعم.. جزاه الله خيراً على تدينه واستقامته لكن ماذا يقدم؟! ماذا يجدي؟! لا دعوة، لا أَمْر بمعروف ولا نَهْي عن منكر، لا نَفْع ولا تربية، بل غفلة مطبقة وفيه من الضعف والخور والجبن والكسل ما الله به عليم.

والعجيب كما قال أبو بكر الصديق لـعمر بن الخطاب : [أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام] لما كان قبل استقامته وقبل توبته كان لا يدع شراً إلا ركبه، ولا فتنة إلا وقف على رأسها، ولما مَنَّ الله عليه بالهداية أصبح حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، لا يقدم ولا يؤخر، أين تلك الشيطانية.. أين تلك العربجة! أين تلك الشدة! أين ذاك الحماس! أين ذاك النشاط! أين تلك الهمة التي تقطع المسافات الطويلة ذهاباً وإياباً؟!

أولاً قبل أن يهتدي الرجل يضرب له واحدٌ فقط ضربتين ببوق السيارة إلا والغترة على جنبة.

إلى أين؟

قال: الذي تريد، إن أردت الطائف هيا نذهب.

لا توجد مشكلة، الآن يأتي أحد إخوانه:

يا أخي الحبيب! هيا بنا إلى محاضرة .. درس .. دعوة.

يا شيخ! مريض، دعني هذه الأيام، دعنا مرتاحين عند هذا المكيف.

يا بن الحلال! هيا نمشي، عندنا عمل ودعوة، مكتب الجاليات يحتاج إلى أناس يتابعون هؤلاء المسلمين الجدد.

والله -يا أخي- لا أعرف لهذا الشيء.

يا أخي! عندنا مجال دعوي آخر لنشارك فيه.

والله يا أخي أخاف.

ثم يصبح همه ماذا يقول الناس فيه، وإذا وجدت الشاب يهمه رأي الآخرين فيه فاعلم أنه قد احترق.

يا أخي الحبيب! كن مثل المتنبي :

أنام ملء جفوني عن شواردها     ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

يقول: أنا أقول الكلمة أفجرها، أرمي بها بين الناس ثم أنام.

نريد أن يكون لك فعل، نريد أن يكون لك دور في بعض مكاتب الدعوة، كان المكتب ميتاً جاء شاب واحد فكأنما نفخت فيه الروح من جديد مع أنه ما زِيْد في دخلها ولا في مساعداتها ولا في طباعة كتبها ولا.. ولا..؛ لكن جاءها شاب مبارك، فنفع الله به.

ولذا فإننا نقول: البركة أمر مطلوب، حتى أنك تلاحظ مسألة البركة في عبادتك إذا أثنيت على الله: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، بل في طعامك، فإذا مد الإنسان يده إلى الطعام قال: باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، تسأل الله البركة في اللقيمات لأن الله إن جعل فيها بركة كانت سبباً في نشاطك على العبادة، وكانت سبباً في قوتك على الطاعة، وإن كانت مجرد ملء بطون ودورة هضمية انتهت بلا فائدة، بل إنك إذا دُعيت إلى مأدبة عند قوم ثم أحببت أن تدعو لهم بما جاء في السنة، تقول: اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم.

نلاحظ -يا أحبابي- أن البركة أمر مطلوب، نحن نريد أن نكون مباركين كما أن الإنسان يدعو بالبركة في الطعام والشراب، بل إذا هنَّأت أحداً بالزواج وعلمتَ أنه عُقِدَ له على امرأة قلت: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، تدعو بالبركة له، وتدعو بالبركة عليه، وتسأل الله أن يجمع بينه وبين زوجته بخير؛ لأن اللقاء بينهما إذا لم يكن مباركاً، من أول أسبوع فسوف يصدر صَك طلاق لها.

والسبب في كثير من مشكلات الطلاق -هذه تحويلة عاجلة- أن الكثير يتزوج ليس لقصد العفاف: (ثلاثة حق على الله عونهم... ومنهم: الناكح يريد العفاف) أقول: هذه من الأسباب، ليس كل من طلق معناه أنه لا يريد العفاف؛ لكن من أسباب فشل كثير من الزيجات أن كثيراً منهم يتزوج ولم يكن مريداً حقاً شرع الله في العفاف.

مسألة البركة مهمة، في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أم هانئ! اتخذي غنماً فإن فيها بركة) هذا ملاحظ! البركة اليوم تجدها في هذه الغُنَيْمات، الشاة تنتج واحداً أو اثنين، إذا سمعنا والله أن هناك نعجة أنجبت ثلاثة لصار شيئاً ورقماً قياسياً، وتسجل مع النعجة (دوللي) المشهورة بالاستنساخ، تسجل في الأرقام القياسية معها، ومع ذلك الناس من آدم إلى يومنا هذا وهم يذبحون في هذه الغنم وهذه النعاج ويأكلون، وما انتهت هذه الغنم؛ لأن الله جعل فيها بركة، الكلبة كم تنجب؟ تنجب تسعة، ولذلك تجد أثداء الكلبة كلها مقسمة (سنترال) على أساس أن تجعل أبناءها يشبعون، فالقضية هي أنها ما فيها بركة، ولذلك تكاد تنقرض الكلاب وقليلة ونادرة جداً، فلما كتب الله البركة في الغنم: (يا أم هانئ! اتخذي غنماً فإن فيها بركة) جعل الله فيها البركة، الناس يأكلون ويضحون ويهدون، ومع ذلك الغنم متوفرة وموجودة، لو أن الناس يأكلون في الكلاب ربع أكلهم في الغنم لانقرضت؛ لأنها ما جعل الله فيها بركة.

بعضاً من الكوريين جاءوا عندنا في المملكة، يوم أن اشتغلوا في الدَّهْن، واللحام، والأشجار، فانتهت الكلاب والحمير عن بكرة أبيها، ابحث الآن على حمار وكلب، لا تجد أبداً إلا ممن قال الله فيه: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الأعراف:179].

فيا أحبابنا: نحن نريد الشاب المبارك.

نريد الشاب الذي يتسع صدره لإخوانه.

نريد الشاب الذي يصلح بين الناس.

نريد الشاب الذي يملأ وقته بما ينفع.

نريد الشاب الذي يغار على دينه.

نريد الشاب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

نريد الشاب الذي أمله في جنة عرضها السماوات والأرض.

نريد.. نريد.. إلى غير ذلك، كل هذا هو الذي نتمناه.

وأنا واثق أن كل واحد منا لو نفض عنه غبار النوم وجدد الثقة بنفسه وأنه قادر على أن يحدث شيئاً، والله لَيُحْدِثنَّ، والله لَيَفْعَلَنَّ، والله لَيَعْمَلَنَّ ولَيَسْتَطِيْعَنَّ، ولكن من الذي يبدأ بأول خطوة على الطريق؟!

الشباب بين مصيبتين:

بين احتقار الذات.

وبين غرور النفس.

فالمغرور مسكين يظن أنه يفعل كل شيء وهو لا يفعل شيئاً.

والذي يحتقر نفسه لا يستطيع أن يتحرك خطوة، ونحن نقول: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29].

نريدك وسطاً:

فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاً     كلا طرفَي قصد الأمور ذميمُ

نريد الشاب المعتدل المتوسط الذي يعيش بنفس طويلة المدى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع