عبادة وليست عادة


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي شرع لعباده المؤمنين ما يقربهم إلى مرضاته وجنانه، وحرم عليهم ما يبعدهم عن سخطه ونيرانه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد..

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى عملاً بأمره ووصيته للأولين والآخرين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين: جمعتكم هذه هي الجمعة اليتيمة في شهر رمضان، وبعد أيام قليلة تستقبلون شهراً كريماً وموسماً عظيماً، رحمة من الله بكم، يوم أن كان في سابق علمه أن أعمار هذه الأمة قصيرة، شرع لهم من العبادات ما ينافس فيه أهل هذه الأمة الأمم السابقة فيكونوا أكثر أعمالاً، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الأولون الآخرون، هم الأولون في الدرجات والبركات الآخرون في الزمان.

فيا عباد الله! لا أشك أن الواحد منكم لا يعلم فضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة التي منَّ الله بها عليكم جميعاً.

لا أظن أن أحداً منكم يجهل أن من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

ولا أظن أن واحداً منكم يجهل أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الصيام لله والله يجزي به، وأن الأعمال مضاعفة والحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لله والله يجزي به، وليس لجزاء الله وفضله عدد ولا حساب، فهو الذي يوفي أجره وفضله لعباده المؤمنين بغير حساب.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الريان باب من أبواب الجنة، باب عظيم أعده الله للصائمين.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن هذا الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الجنة تتزين لعباد الله المؤمنين، والله جل وعلا يقول لجنته: (يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة ويتحولوا إليك).

ولا نظن أن مسلماً يجهل أنه إذا دخل شهر رمضان، أغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنان، وصفدت مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من بني آدم فيما سلف من الزمان.

فيا عباد الله: هذه أمور من الكتاب والسنة كلكم يعلمها، ولا نظن أن أحداً يجهلها، ولكن مع هذا كله لا نجد استجابة ولا نجد فرحاً أو نجد فرحاً يسيراً، والبعض قد يستقبل هذا الشهر وهو على كراهية وبغض لقدومه؛ لأنه يحرمه من ملذاته المحرمة وشهواته الباطلة.

يا عباد الله: اعلموا أن المنة لله عليكم يوم أن شرع لكم في اليوم والأسبوع والسنة عبادات مختلفة تتقربوا بها إلى رضوانه؛ لكي تبلغوا أعلى الدرجات من جنانه، وإلا فإن الله غني عن العباد أجمعين، ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، وما خلقكم ليستعز بكم من ضعف: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان:26].

معاشر المسلمين: بعد هذا لنا وقفات مع أنفسنا ومع إخواننا وشبابنا ورجالنا؛ لكي ننظر حالنا في استقبال هذا الشهر الكريم، إن كنا نحب هذا الشهر ونصدق دعوى المحبة من غير خداع، فإن الذي يستقبل حبيبه يعد ما يناسبه ويقرب ما يليق به، ويجهز ما يناسبه من الأعمال والأقوال والأفعال، ومن كان يستقبل عدواً، أو يتربص ساخطاً أو شامتاً، فتراه لا يبالي على أي حال نزل، وعلى أي هيئة رحل.

وقفة مع الذين أعدوا الشاشات والأفلام لرمضان

فمن الناس من زينوا أفلامهم وهيئوا أجهزتهم، وأعدوا موائدهم ليستقبلوا هذا الشهر بالسهر، ويستقبلوا نهاره بالنوم، هكذا أعدوا سلفاً مائدة استقباله.

ومن الناس من حاسبوا أنفسهم قبل نزوله، وأعدوا أنفسهم تهيأً له، واستعدوا لاستقباله بكل ما يرضي الله جل وعلا، وكل عبادة تليق بهذا الشهر الكريم، فأول ذلك: الاحتساب في صيامه وقيامه. والاحتساب هو: فعل الشيء وقصد الأجر والثواب من عند الله جل وعلا فرحاً به وغبطة بنـزوله، لا تبرماً أو إكراهاً أو في حال من الكراهية أثناء القيام بهذه العبادة، وهذا جلي من قوله صلى الله عليه وسلم: (إيماناً واحتسابا) إيماناً أي: تصديقاً بفريضته، واحتساباً: أي: رغبة وطلباً وحباً واحتساباً للأجر والثواب من عند الله.

لا كما يفعله بعض المسلمين في هذا الزمان، يؤدون كثيراً من العبادات أداء التخلص وليس أداء الاحتساب، فتجده يجعل نفسه أمام الأمر الواقع، فهو مضطر لا محالة لصيام هذا الشهر، ويتمنى لو لم ينـزل به هذا الشهر، خلافاً لمن تراه يزيد في صدقاته وطاعاته؛ شكراً لله أن بلَّغه هذا الشهر، وأن جعله بنزول هذا الشهر من الأحياء الذين يدبون على وجه هذه الأرض؛ لكي يفوز مع الصائمين والقائمين بالأجر العظيم.

وقفة مع الذين يتعبدون بالصوم عبادة تخلص

أيها الإخوة: عبادة التخلص ليست والله عبادة، بل هي ما يفعله بعض الناس إذ يجد ضغوطاً نفسية أو ضغوطاً اجتماعية فيضطر لأداء العبادة مع سائر الناس الذين يؤدونها، ويصعب عليه أن يخالفهم، وإن كان في حقيقة الأمر مؤمن بفريضته ووجوبه، لكنه يتمنى أن لو لم يبلغ هذا الشهر، ويتمنى أن لو لم يفرض هذا الشهر، ويتمنى أنه لم يحرم من الطعام أو الشراب، أو يتمنى أن لم يشرع القيام في هذا الشهر، فتراه يصوم وقد يقوم لأن الناس أمثاله يفعلون ذلك.

فهذه عبادة تخلص وليست عبادة احتساب، ففرقوا في هذه المسألة فالفرق واضح، والبون شاسع، وشتان بين أجر هذا وأجر أو وزر ذاك، شتان بين من يصوم احتساباً وغبطة وفرحاً، وبين من يصوم كراهية، وإنما يصوم وقوفاً أمام الأمر الواقع، وإن كان التخلص أصبح السمة لبعض المسلمين في عباداتهم، فتراه يكبر في الصلاة ويركع ويرفع ويسجد ويسلم، لا يفقه ولا يدري، ولا يعي ولا يتدبر، ولا يخشع ولا يخضع في صلاته، فهذه عبادة تخلص، وليست عبادة لذة واجتهاد واحتساب إلى ما عند الله.

كذلك الذين يصومون هذا الشهر في نوم طويل في النهار، مع ضياعٍ للمفروضات، وسهر عجيب بالليل مع جلوس أمام الأفلام والشاشات والمسلسلات وتتابع الحلقات، وهذا شأنهم، يعدون مائدة السحور ويتهيئون لمائدة الإفطار وما بينهما فهو نوم أو سهر على ما يسخط الله جل وعلا، والأعجب من ذلك -أيها الأحبة- أن بعضهم يمسك عما أباح الله ويفطر على ما حرمه الله جل وعلا.

نعم. شرع الله أن نمسك عن المباحات كالنكاح والطعام والشراب وغير ذلك من سائر المفطرات، فالذين يصومون صوم التخلص يمسكون عن المباحات، لكنهم منذ أن يصبحون إلى أن يفطرون وهم على فطر ما انقطعت نفوسهم عن الإفطار على المحرمات خاصة بعد صلاة العصر، وليبلغ الشاهد الغائب ما نراه من خلو المساجد من الصائمين.. أين الصائمون؟ أين التالون لكتاب الله؟ أين المعتكفون؟

تجد كثيراً من المسلمين أمام الأفلام والمسلسلات والحلقات، أهذه عبادة؟ أهذه فرحة صائم ينتظر بعد لحظات أو سويعات أن يفرح فرحتين، فرحة فطره، وفرحة لقاء ربه؟ أهذه عبادة يا عباد الله من طلوع الشمس إلى زوالها أو إلى قرب العصر، والبعض تجده في نوم عميق وسبات وغطيط، فإذا صلى العصر في بيته أو مع الجماعة سحب أذيال الهزيمة بأقدام ثقيلة يعود إلى بيته لينظر هذه الأفلام والمسلسلات؟ ما هذا التناقض الذي يعيشه كثير من المسلمين في عبادتهم؟ أتصوم عما أباح الله من الطعام والشراب، وتفطر على ألوان صور النساء، وعلى مقاطع الموسيقى؟ أم تفطر على ما حرم الله جل وعلا؟

أي خداع نفسي نمارسه على نفوسنا؟ وأي غفلة نقع فيها؟ وأي استهتار؟ وأي تخلص من هذه العبادة نقضي به وقت الصيام على أي وجه كان، سواء على مرضاة الله أو على سخطه، على ما أحب أو ما شرع، على ما نهى أو ما زجر، لا والله بل إن الكثير منهم يقضون العبادة على ما زجر ونهى، ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تقلب عينيك في صورة امرأة؟ ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تتمتع جهلاً أو شيطنة بمقاطع الغناء واللهو؟ أتظن بعد هذا أن هذه عبادة ترفع؟ أم تظن أنك تنال بها أعلى الدرجات عند الله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ [الجاثـية:21]؟

أيستوي أهل الطاعة وأهل المعصية، وإن كانوا مع أهل الطاعات في ظاهر شكلهم وألوانهم في وقت الإمساك ووقت الإفطار؟ حاسبوا أنفسكم -يا عباد الله- وقدموا أعمالاً ترجونها عند الله جل وعلا، فلو كنت مديراً عاماً، أو رئيساً لدائرة أو مسئولاً عن قسم، ثم تابعت موظفيك في عمل من الأعمال لتنظر تقارير إنجازهم وأعمالهم، ورأيت عملاً مختلطاً، وعملاً مرتجلاً، وعملاً مزيفاً، أو فيه زيادة ونقص، وفيه تقريب وإبعاد، وفيه ألوان مختلطة لرميت بتقريره في وجهه، وقلت: أهذا عمل يستحق الموظف عليه راتبه، أو يستحق أن يكون في شرف الخدمة المدنية، أو يستحق أن يكون من الذين يحسبون على الطاقات العاملة في المجتمع؟ فلله المثل الأعلى.

فمن الناس من زينوا أفلامهم وهيئوا أجهزتهم، وأعدوا موائدهم ليستقبلوا هذا الشهر بالسهر، ويستقبلوا نهاره بالنوم، هكذا أعدوا سلفاً مائدة استقباله.

ومن الناس من حاسبوا أنفسهم قبل نزوله، وأعدوا أنفسهم تهيأً له، واستعدوا لاستقباله بكل ما يرضي الله جل وعلا، وكل عبادة تليق بهذا الشهر الكريم، فأول ذلك: الاحتساب في صيامه وقيامه. والاحتساب هو: فعل الشيء وقصد الأجر والثواب من عند الله جل وعلا فرحاً به وغبطة بنـزوله، لا تبرماً أو إكراهاً أو في حال من الكراهية أثناء القيام بهذه العبادة، وهذا جلي من قوله صلى الله عليه وسلم: (إيماناً واحتسابا) إيماناً أي: تصديقاً بفريضته، واحتساباً: أي: رغبة وطلباً وحباً واحتساباً للأجر والثواب من عند الله.

لا كما يفعله بعض المسلمين في هذا الزمان، يؤدون كثيراً من العبادات أداء التخلص وليس أداء الاحتساب، فتجده يجعل نفسه أمام الأمر الواقع، فهو مضطر لا محالة لصيام هذا الشهر، ويتمنى لو لم ينـزل به هذا الشهر، خلافاً لمن تراه يزيد في صدقاته وطاعاته؛ شكراً لله أن بلَّغه هذا الشهر، وأن جعله بنزول هذا الشهر من الأحياء الذين يدبون على وجه هذه الأرض؛ لكي يفوز مع الصائمين والقائمين بالأجر العظيم.

أيها الإخوة: عبادة التخلص ليست والله عبادة، بل هي ما يفعله بعض الناس إذ يجد ضغوطاً نفسية أو ضغوطاً اجتماعية فيضطر لأداء العبادة مع سائر الناس الذين يؤدونها، ويصعب عليه أن يخالفهم، وإن كان في حقيقة الأمر مؤمن بفريضته ووجوبه، لكنه يتمنى أن لو لم يبلغ هذا الشهر، ويتمنى أن لو لم يفرض هذا الشهر، ويتمنى أنه لم يحرم من الطعام أو الشراب، أو يتمنى أن لم يشرع القيام في هذا الشهر، فتراه يصوم وقد يقوم لأن الناس أمثاله يفعلون ذلك.

فهذه عبادة تخلص وليست عبادة احتساب، ففرقوا في هذه المسألة فالفرق واضح، والبون شاسع، وشتان بين أجر هذا وأجر أو وزر ذاك، شتان بين من يصوم احتساباً وغبطة وفرحاً، وبين من يصوم كراهية، وإنما يصوم وقوفاً أمام الأمر الواقع، وإن كان التخلص أصبح السمة لبعض المسلمين في عباداتهم، فتراه يكبر في الصلاة ويركع ويرفع ويسجد ويسلم، لا يفقه ولا يدري، ولا يعي ولا يتدبر، ولا يخشع ولا يخضع في صلاته، فهذه عبادة تخلص، وليست عبادة لذة واجتهاد واحتساب إلى ما عند الله.

كذلك الذين يصومون هذا الشهر في نوم طويل في النهار، مع ضياعٍ للمفروضات، وسهر عجيب بالليل مع جلوس أمام الأفلام والشاشات والمسلسلات وتتابع الحلقات، وهذا شأنهم، يعدون مائدة السحور ويتهيئون لمائدة الإفطار وما بينهما فهو نوم أو سهر على ما يسخط الله جل وعلا، والأعجب من ذلك -أيها الأحبة- أن بعضهم يمسك عما أباح الله ويفطر على ما حرمه الله جل وعلا.

نعم. شرع الله أن نمسك عن المباحات كالنكاح والطعام والشراب وغير ذلك من سائر المفطرات، فالذين يصومون صوم التخلص يمسكون عن المباحات، لكنهم منذ أن يصبحون إلى أن يفطرون وهم على فطر ما انقطعت نفوسهم عن الإفطار على المحرمات خاصة بعد صلاة العصر، وليبلغ الشاهد الغائب ما نراه من خلو المساجد من الصائمين.. أين الصائمون؟ أين التالون لكتاب الله؟ أين المعتكفون؟

تجد كثيراً من المسلمين أمام الأفلام والمسلسلات والحلقات، أهذه عبادة؟ أهذه فرحة صائم ينتظر بعد لحظات أو سويعات أن يفرح فرحتين، فرحة فطره، وفرحة لقاء ربه؟ أهذه عبادة يا عباد الله من طلوع الشمس إلى زوالها أو إلى قرب العصر، والبعض تجده في نوم عميق وسبات وغطيط، فإذا صلى العصر في بيته أو مع الجماعة سحب أذيال الهزيمة بأقدام ثقيلة يعود إلى بيته لينظر هذه الأفلام والمسلسلات؟ ما هذا التناقض الذي يعيشه كثير من المسلمين في عبادتهم؟ أتصوم عما أباح الله من الطعام والشراب، وتفطر على ألوان صور النساء، وعلى مقاطع الموسيقى؟ أم تفطر على ما حرم الله جل وعلا؟

أي خداع نفسي نمارسه على نفوسنا؟ وأي غفلة نقع فيها؟ وأي استهتار؟ وأي تخلص من هذه العبادة نقضي به وقت الصيام على أي وجه كان، سواء على مرضاة الله أو على سخطه، على ما أحب أو ما شرع، على ما نهى أو ما زجر، لا والله بل إن الكثير منهم يقضون العبادة على ما زجر ونهى، ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تقلب عينيك في صورة امرأة؟ ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تتمتع جهلاً أو شيطنة بمقاطع الغناء واللهو؟ أتظن بعد هذا أن هذه عبادة ترفع؟ أم تظن أنك تنال بها أعلى الدرجات عند الله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ [الجاثـية:21]؟

أيستوي أهل الطاعة وأهل المعصية، وإن كانوا مع أهل الطاعات في ظاهر شكلهم وألوانهم في وقت الإمساك ووقت الإفطار؟ حاسبوا أنفسكم -يا عباد الله- وقدموا أعمالاً ترجونها عند الله جل وعلا، فلو كنت مديراً عاماً، أو رئيساً لدائرة أو مسئولاً عن قسم، ثم تابعت موظفيك في عمل من الأعمال لتنظر تقارير إنجازهم وأعمالهم، ورأيت عملاً مختلطاً، وعملاً مرتجلاً، وعملاً مزيفاً، أو فيه زيادة ونقص، وفيه تقريب وإبعاد، وفيه ألوان مختلطة لرميت بتقريره في وجهه، وقلت: أهذا عمل يستحق الموظف عليه راتبه، أو يستحق أن يكون في شرف الخدمة المدنية، أو يستحق أن يكون من الذين يحسبون على الطاقات العاملة في المجتمع؟ فلله المثل الأعلى.

عباد الله: انظروا ما تقدمون لربكم، انظروا ما ترفعون من أعمالكم بين يدي الله جل وعلا، أهي عبادة احتساب أم عبادة تخلص؟ والمؤسف أن التخلص أصبح سمة في كل أعمال كثير من المسلمين.

أشاهد هذا بعيني في رمضان، وأشاهده في حج بيت الله الحرام، تجد الناس يطوفون كالمجانين، ويسعون ويرمون الجمرات كالمجانين، ويؤدون المناسك على حال عجيبة وغريبة، لا يستشعرون لذة النسك، ولا يستشعرون لذة المشاعر والمناسك، أين عبادة الرضا وعبادة الاحتساب والتقرب إلى الله جل وعلا؟

فتعبدوا إلى الله عبادة خالصة طيبة، واعلموا أن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا تحقق فيها أمران:

أولها: المحبة.

وثانيها: الذلة.

المحبة لله ولما شرع، والمحبة لعبادته، والمحبة له مع الذلة والانقياد. يقول ابن القيم في كافيته الشافية :

وعبادة الرحمن غاية حبه     مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر     ما دار حتى دارت الفلكان

عباد الله: صوموا إلى الله صوم المحبين الخاضعين وتقربوا إلى الله تقرب المحبين الذليلين بين يديه؛ لكي تكون عبادة ترون أثرها في نفوسكم وسلوككم، قال صلى الله عليه وسلم: (آمين آمين، قال الصحابة: من يا رسول الله؟ فذكر منها من دخل عليه شهر رمضان وخرج ولم يغفر له) فما أكثر من دخل عليه شهر رمضان وزادت معاصيهم؛ لأن المعصية تضاعف بشرف الزمان والمكان، فليس الذي يعصي الله في سائر الأيام كمن يعصي الله في رمضان، وليس الذي يعصي الله في سائر البقاع كمن يعصي الله في بيته الحرام: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.