Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة


الحلقة مفرغة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله! أحمد الله إليكم، ونثني عليه الخير كله، نشكره على آلائه التي لا تحصى، وعلى نعمه التي لا تنسى.

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

لا تعطى الدعوة فضول الوقت

أيها الإخوة في الله! موضوعنا اليوم قد لا يستهوي كثيراً من إخواننا، ولكنه يهم طائفة حريصة على تلمس أسباب الدعوة، واكتشاف أقرب الطرق والمداخل إلى قلوب البشر، ونشر أعظم قدر من الخير في كل مجال وفي أسرع وقت؛ لأننا في سباق مع الزمن، ولأننا في مواجهة وتحد خطير من قِبل أعداء الإسلام الذين ما تركوا شاذَّة ولا فاذَّة، ولا قليلاً ولا كثيراً إلا وجعلوا منه سبيلاً أو وسيلةً إلى ضرب الإسلام وأبنائه وتشويه الإسلام وأصوله؛ لأجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى عرض الإسلام بصورة ناصعة، وليس هذا أمراً جديداً، والحاجة أيضاً ماسة إلى بيان جوانب الجمال والتألق، وجوانب العز والكرامة، والسعادة والطمأنينة فيما شرعه الله جل وعلا، وأودعه في كتابه وما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإن كنا وإياكم لا يخفانا أن مِن السمات الطبيعية لدين الإسلام: أن هذا الدين حينما يخالط قلباً نقياً فلن تجد صاحب القلب جامداً، وهذا الدين حينما ينزل بفؤاد على درجة من الشفافية والصفاء والنقاء، فلن تجده جُثَمَةً قُُعَدَةً رُقَدَةً، بل ستراه جَوَّاباً، وستجده جَوَّالاً، لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا يوم أن يشعر أن في ساعته بل في دقيقته فضلاً عن يومه وأسبوعه، أنه قدم شيئاً للإسلام والمسلمين.

ولأجل ذلك قلت: إن هذا الموضوع قد لا يستهوي الكثير؛ لأن كثيراً من إخواننا -ولعلي واحداً منهم- عبث بهم الكسل، وظهر عليهم التسيب في الوقت، وتضييع أنْفَس مراحل العمر ألا وهي: الشباب، في أمور قد تكون من باب الاشتغال بالمهمات دون الأهم منها، أو في أمور مباحة، وقد ترك الكثير منا الاهتمام بأصول وفروع ونشر هذا الدين ودعوة الناس إليه، قد جعلناها من فاضل الأوقات، فلو أن واحداً منا كتب على ورقة برامج أعماله في هذا الأسبوع، ستجده:

أولاً: ربما كتب إصلاح ما نقص من السباكة في المنزل.

ثانياً: تفقد الكهرباء.

ثالثاً: شراء ملابس موسم الشتاء.

رابعاً: زيارة لفلان وعلان.

خامساً: الدعوة إلى الله جل وعلا.

فنجعل الدعوة هي فيما فَضَل من أوقاتنا، وإذا جعلناها فيما فَضَل من أوقاتنا، فإنا نجعلها في مؤخرة اهتماماتنا.

ولأجل ذلك أيها الإخوة لا غرابة أن نجد تأخر المسلمين حتى في بلادهم، لا غرابة أن نجد تأخر أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وتخلفهم في عرض الدعوة إلى الله جل وعلا، لأنها لم تكن إلا عند الأقلين منهم هماً يشغلهم صباح مساء، ولو أن واحداً جعل الدعوة همه كما يهتم الحبيب بحبيبه، لأدرك قول القائل:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده     ولا الصبابة إلا من يُداريها

وقول الآخر:

جهد الصبابة أن تكون كما أرى     عين مُسَهَّدة وقلب يخفقُ

نعم أيها الأحبة! إن من شغله شيء، لا تراه يصبح إلا وهو يتلجلج ويدور في خاطرة ونفسه وصدره، ولا يمسي إلا وهو يفكر به، ولا يذهب أو يحل ويرحل إلا وتجده ديدَنَه ونشيدَه وهُجَيْراه، أما الكثير منا: نعم لقد تبنا إلى الله، لقد استقمنا على مرضاة الله، نسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه، على ما فينا مما ستره الله علينا وجمَّلنا بإظهار محاسننا وإياكم بين الناس، ولكن. وقفنا هنا!

أهم شيء بعد التوبة: العمل لما بعدها

كنتُ منذ أيام أحدث أحد الإخوة في الكلية، وكان يكلمني عن توبة واحد من الفنانين، فقلت له: يا أخي! توبة الفنان ترك للمعصية لكن ماذا قدم من الطاعة؟ لا تجعل الرجل حينما يتوب إلى الله أنه قد فَتَح القدس بيده، أو حرر كابول بجهاده، أو أنه نشر الإسلام في بقاع كانت الشيوعية ترزح على صدور المسلمين جاثمة فيها، هو فقط ترك المعصية وتاب إلى الله من الفن، تاب إلى الله من الطرب، أما العمل الصالح فهذا شيء آخر.

وكثير منا أيها الإخوة يخلط بين هذا وهذا، يظن أن استقامته تعني بالضرورة -أو الوجه الآخر للعملة- أنه قد خدم الإسلام، وقدم للإسلام أكبر خدمة، ونخشى أن نصاب بالعُجْب يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

أقول أيها الإخوة: إن ما نراه في وجوه إخواننا، وفي سَمْت وسلوك شبابنا من الصلاح والاستقامة والعناية بالسنة أمر محمود؛ لكن الكثير وقف عند هذا، تاب إلى الله واعتنى بمظهره، ووقف عند هذه المرحلة وظن أن هذه هي نهاية الطريق، لا يا أخي.

هل رأيت رجلاً يوم أن أزال الأوساخ عن أرضه قال: هنا انتهى البنيان؟!

هل رأيت رجلاً حينما أزال القذى والقذر والقاذورات عن أرض يريد أن يبني عليها، بدأ فأزال كل الأوساخ، وقال: الآن انتهى البيت؟!

الحقيقة أنتَ بدأتَ أولاً بتنظيف وبإعداد القاعدة، وهي إزالة الشوائب والقاذورات والأوساخ عن قاعدة الأرض ألا وهي قلبك، أما البناء والعمل الصالح والإنتاج وإقامة هذا المبنى الشاهق المتعدد الأدوار الذي يخدم الناس، ويؤوي المساكين ويكون كنفاً لهم ومأوىً عن الشمس والبرد، والزمهرير والحر وغير ذلك، هذا شيء آخر.

فبعضنا أيها الإخوة يقول: هنا عثر حمار الشيخ في العقبة، هنا استقمنا والحمد لله لن نتعدى هذه المرحلة، وهذا لعله من وسوسة الشيطان، ولعله من باب العُجْب، ولعله من عدم شعورنا بعظمة هذا الدين، لعله من عدم شعورنا بعظمة ربنا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].

والله لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، بَشر ضعيف مسكين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، أو مسئول من الوزراء، فضلاً عن حاكم أو ملك من الملوك، لتجده قال: أنت ما تعلم؟! إن هذا الحاكم أو إن هذا الأمير قد أوكل إليَّ مهمةً، وشرفني من بين خدمه وحشمه وأصحابه ووزرائه ومستشاريه بهذه المهمة، فلا غرابة أن تجدني مشتغلاً بها ليلاً ونهاراً، مفكراً بها أعكف عليها، حتى أقدم له ما أراد مني، فإذا علمت أن الله جل وعلا اصطفاك، وجعلك من أمة محمد، وليس بيدك ولا حولك ولا طولك ولا نسبك ولا شرفك أن تكون من أهل الجزيرة، أو تكون في مجتمع مسلم، ما بالك لو أنك بوذيٌّ في أنحاء كمبوديا ، أو أنك هندوسيٌّ في أطراف الهند ، أو أنك زَرادِشْتيٌّ في أنحاء أدغال أفريقيا أو غير ذلك، ماذا تفعل.

يا أخي الكريم! الله الذي مَنَّ عليك وأكرمك، وبمنه وفضله جعلك من المسلمين، واختارك لتكون واحداً من هذه الأمة، وفضلك على سائر الأمة بالاستقامة، وأودع في قلبك مسئولية الدعوة إلى دينه، وشرف حمل الرسالة، وتبليغ الناس بها، أفليس هذا شرف أي شرف؟! ومنزلة أي منزلة؟!

ومما زادني شرفاً وتيهاً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبـادي     وأن صيَّرت أحمد لي نبياً

الدعوة من أجلِّ الأعمال

إن بعث النار -كما هو في الحديث المعروف- من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذا كنت من أمة محمد فنسأل الله أن نكون وإياك ذلك الواحد في كل ألف، فهذه نعمة عظيمة؛ واعرف شرف الله لك، واعرف تفضيل الله لك، فوق ما أُكرمت به: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] فوق هذه الكرامات أنك واحد من عباد الله المؤمنين المسلمين الذين نالوا شرف هذه الدعوة إلى الله، ولذلك لما سئل أحد السلف : أي الأعمال أجلُّ أن نشتغل بها؟ قال: اشتغلوا بدلالة خلق الله إلى الله جل وعلا.

وليس هذا كثيراً على الدعوة إلى الله، فالله قد أثنى على الدعاة، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.

قال جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور مَن عمل به إلى يوم القيامة).

يا إخوان! شتان بين العبادة والدعوة، إن العابد مهما قام الليل كله، وصام النهار كله؛ لا يستطيع أن يضيف إلى رصيد وسجل أعماله إلا أعماله وحده فقط، أما الداعية فهو يضيف في كل يوم وفي كل ليلة سجود الساجدين المهتدين بدعوته، وصلاة المصلين المهتدين بدعوته، وصيام الصائمين المهتدين بدعوته، وبر البارين المهتدين بدعوته، وصلة الذين وصلوا أرحامهم والذين اهتدوا بدعوته، إذاً فأنت تضيف إلى رصيدك أعمالاً فوق ما يضيفه العُبَّاد، ناهيك عما ينبغي لك من عناية واجتهاد في أن تتزود بزاد العبادة: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6] لأن الأمر ثقيل، ولأن المهمة شاقة، فالحاجة إلى العبادة ليتزود الإنسان.

أيها الإخوة في الله! موضوعنا اليوم قد لا يستهوي كثيراً من إخواننا، ولكنه يهم طائفة حريصة على تلمس أسباب الدعوة، واكتشاف أقرب الطرق والمداخل إلى قلوب البشر، ونشر أعظم قدر من الخير في كل مجال وفي أسرع وقت؛ لأننا في سباق مع الزمن، ولأننا في مواجهة وتحد خطير من قِبل أعداء الإسلام الذين ما تركوا شاذَّة ولا فاذَّة، ولا قليلاً ولا كثيراً إلا وجعلوا منه سبيلاً أو وسيلةً إلى ضرب الإسلام وأبنائه وتشويه الإسلام وأصوله؛ لأجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى عرض الإسلام بصورة ناصعة، وليس هذا أمراً جديداً، والحاجة أيضاً ماسة إلى بيان جوانب الجمال والتألق، وجوانب العز والكرامة، والسعادة والطمأنينة فيما شرعه الله جل وعلا، وأودعه في كتابه وما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإن كنا وإياكم لا يخفانا أن مِن السمات الطبيعية لدين الإسلام: أن هذا الدين حينما يخالط قلباً نقياً فلن تجد صاحب القلب جامداً، وهذا الدين حينما ينزل بفؤاد على درجة من الشفافية والصفاء والنقاء، فلن تجده جُثَمَةً قُُعَدَةً رُقَدَةً، بل ستراه جَوَّاباً، وستجده جَوَّالاً، لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا يوم أن يشعر أن في ساعته بل في دقيقته فضلاً عن يومه وأسبوعه، أنه قدم شيئاً للإسلام والمسلمين.

ولأجل ذلك قلت: إن هذا الموضوع قد لا يستهوي الكثير؛ لأن كثيراً من إخواننا -ولعلي واحداً منهم- عبث بهم الكسل، وظهر عليهم التسيب في الوقت، وتضييع أنْفَس مراحل العمر ألا وهي: الشباب، في أمور قد تكون من باب الاشتغال بالمهمات دون الأهم منها، أو في أمور مباحة، وقد ترك الكثير منا الاهتمام بأصول وفروع ونشر هذا الدين ودعوة الناس إليه، قد جعلناها من فاضل الأوقات، فلو أن واحداً منا كتب على ورقة برامج أعماله في هذا الأسبوع، ستجده:

أولاً: ربما كتب إصلاح ما نقص من السباكة في المنزل.

ثانياً: تفقد الكهرباء.

ثالثاً: شراء ملابس موسم الشتاء.

رابعاً: زيارة لفلان وعلان.

خامساً: الدعوة إلى الله جل وعلا.

فنجعل الدعوة هي فيما فَضَل من أوقاتنا، وإذا جعلناها فيما فَضَل من أوقاتنا، فإنا نجعلها في مؤخرة اهتماماتنا.

ولأجل ذلك أيها الإخوة لا غرابة أن نجد تأخر المسلمين حتى في بلادهم، لا غرابة أن نجد تأخر أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وتخلفهم في عرض الدعوة إلى الله جل وعلا، لأنها لم تكن إلا عند الأقلين منهم هماً يشغلهم صباح مساء، ولو أن واحداً جعل الدعوة همه كما يهتم الحبيب بحبيبه، لأدرك قول القائل:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده     ولا الصبابة إلا من يُداريها

وقول الآخر:

جهد الصبابة أن تكون كما أرى     عين مُسَهَّدة وقلب يخفقُ

نعم أيها الأحبة! إن من شغله شيء، لا تراه يصبح إلا وهو يتلجلج ويدور في خاطرة ونفسه وصدره، ولا يمسي إلا وهو يفكر به، ولا يذهب أو يحل ويرحل إلا وتجده ديدَنَه ونشيدَه وهُجَيْراه، أما الكثير منا: نعم لقد تبنا إلى الله، لقد استقمنا على مرضاة الله، نسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه، على ما فينا مما ستره الله علينا وجمَّلنا بإظهار محاسننا وإياكم بين الناس، ولكن. وقفنا هنا!

كنتُ منذ أيام أحدث أحد الإخوة في الكلية، وكان يكلمني عن توبة واحد من الفنانين، فقلت له: يا أخي! توبة الفنان ترك للمعصية لكن ماذا قدم من الطاعة؟ لا تجعل الرجل حينما يتوب إلى الله أنه قد فَتَح القدس بيده، أو حرر كابول بجهاده، أو أنه نشر الإسلام في بقاع كانت الشيوعية ترزح على صدور المسلمين جاثمة فيها، هو فقط ترك المعصية وتاب إلى الله من الفن، تاب إلى الله من الطرب، أما العمل الصالح فهذا شيء آخر.

وكثير منا أيها الإخوة يخلط بين هذا وهذا، يظن أن استقامته تعني بالضرورة -أو الوجه الآخر للعملة- أنه قد خدم الإسلام، وقدم للإسلام أكبر خدمة، ونخشى أن نصاب بالعُجْب يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

أقول أيها الإخوة: إن ما نراه في وجوه إخواننا، وفي سَمْت وسلوك شبابنا من الصلاح والاستقامة والعناية بالسنة أمر محمود؛ لكن الكثير وقف عند هذا، تاب إلى الله واعتنى بمظهره، ووقف عند هذه المرحلة وظن أن هذه هي نهاية الطريق، لا يا أخي.

هل رأيت رجلاً يوم أن أزال الأوساخ عن أرضه قال: هنا انتهى البنيان؟!

هل رأيت رجلاً حينما أزال القذى والقذر والقاذورات عن أرض يريد أن يبني عليها، بدأ فأزال كل الأوساخ، وقال: الآن انتهى البيت؟!

الحقيقة أنتَ بدأتَ أولاً بتنظيف وبإعداد القاعدة، وهي إزالة الشوائب والقاذورات والأوساخ عن قاعدة الأرض ألا وهي قلبك، أما البناء والعمل الصالح والإنتاج وإقامة هذا المبنى الشاهق المتعدد الأدوار الذي يخدم الناس، ويؤوي المساكين ويكون كنفاً لهم ومأوىً عن الشمس والبرد، والزمهرير والحر وغير ذلك، هذا شيء آخر.

فبعضنا أيها الإخوة يقول: هنا عثر حمار الشيخ في العقبة، هنا استقمنا والحمد لله لن نتعدى هذه المرحلة، وهذا لعله من وسوسة الشيطان، ولعله من باب العُجْب، ولعله من عدم شعورنا بعظمة هذا الدين، لعله من عدم شعورنا بعظمة ربنا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].

والله لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، بَشر ضعيف مسكين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، أو مسئول من الوزراء، فضلاً عن حاكم أو ملك من الملوك، لتجده قال: أنت ما تعلم؟! إن هذا الحاكم أو إن هذا الأمير قد أوكل إليَّ مهمةً، وشرفني من بين خدمه وحشمه وأصحابه ووزرائه ومستشاريه بهذه المهمة، فلا غرابة أن تجدني مشتغلاً بها ليلاً ونهاراً، مفكراً بها أعكف عليها، حتى أقدم له ما أراد مني، فإذا علمت أن الله جل وعلا اصطفاك، وجعلك من أمة محمد، وليس بيدك ولا حولك ولا طولك ولا نسبك ولا شرفك أن تكون من أهل الجزيرة، أو تكون في مجتمع مسلم، ما بالك لو أنك بوذيٌّ في أنحاء كمبوديا ، أو أنك هندوسيٌّ في أطراف الهند ، أو أنك زَرادِشْتيٌّ في أنحاء أدغال أفريقيا أو غير ذلك، ماذا تفعل.

يا أخي الكريم! الله الذي مَنَّ عليك وأكرمك، وبمنه وفضله جعلك من المسلمين، واختارك لتكون واحداً من هذه الأمة، وفضلك على سائر الأمة بالاستقامة، وأودع في قلبك مسئولية الدعوة إلى دينه، وشرف حمل الرسالة، وتبليغ الناس بها، أفليس هذا شرف أي شرف؟! ومنزلة أي منزلة؟!

ومما زادني شرفاً وتيهاً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبـادي     وأن صيَّرت أحمد لي نبياً

إن بعث النار -كما هو في الحديث المعروف- من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذا كنت من أمة محمد فنسأل الله أن نكون وإياك ذلك الواحد في كل ألف، فهذه نعمة عظيمة؛ واعرف شرف الله لك، واعرف تفضيل الله لك، فوق ما أُكرمت به: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] فوق هذه الكرامات أنك واحد من عباد الله المؤمنين المسلمين الذين نالوا شرف هذه الدعوة إلى الله، ولذلك لما سئل أحد السلف : أي الأعمال أجلُّ أن نشتغل بها؟ قال: اشتغلوا بدلالة خلق الله إلى الله جل وعلا.

وليس هذا كثيراً على الدعوة إلى الله، فالله قد أثنى على الدعاة، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.

قال جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور مَن عمل به إلى يوم القيامة).

يا إخوان! شتان بين العبادة والدعوة، إن العابد مهما قام الليل كله، وصام النهار كله؛ لا يستطيع أن يضيف إلى رصيد وسجل أعماله إلا أعماله وحده فقط، أما الداعية فهو يضيف في كل يوم وفي كل ليلة سجود الساجدين المهتدين بدعوته، وصلاة المصلين المهتدين بدعوته، وصيام الصائمين المهتدين بدعوته، وبر البارين المهتدين بدعوته، وصلة الذين وصلوا أرحامهم والذين اهتدوا بدعوته، إذاً فأنت تضيف إلى رصيدك أعمالاً فوق ما يضيفه العُبَّاد، ناهيك عما ينبغي لك من عناية واجتهاد في أن تتزود بزاد العبادة: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6] لأن الأمر ثقيل، ولأن المهمة شاقة، فالحاجة إلى العبادة ليتزود الإنسان.

أيها الأحبة! المخططون والمنظِّرون قلة -ولستُ منهم- ولكن المنفِّذين في الغالب ينبغي أن يكونوا أكثر، فأنت ترى أن بناءً يتكون من عشرة أدوار، كم يحتاج من المهندسين؟

يحتاج بالكثير إلى خمسة أو عشرة مهندسين في شتى تخصصاتهم، هندسة كهربائية، وهندسة تمديدات، وهندسة منشآت وهلمَّ جرا؛ لكن هل يحتاج المبنى إلى عشرة عمال بعدد المخططين؟ لا، حينما تحتاج إلى عشرة مهندسين فأنت بهذا محتاج إلى ألف عامل، البناء الذي يتكون من عشرة أدوار، يخططه عشرة من المهندسين لكنه يحتاج إلى ألف عامل.

واليوم نحن لا نشكو قلة العاملين والراغبين الذين يبحثون عن المناهج العملية، والنظريات التي تترجَم إلى واقع علمي لكي يخدموا بها دين الله، والدعوة إلى الله جل وعلا؛ لذا وجب تقديم يد المعونة بالمقترحات لهم.

وأدناها البارحة، جاء عدد من الشباب، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم جمعياً، يقولون: نحن في كلية كذا، والآخر في كلية كذا، والثالث في كلية كذا، ملتزمون صالحون نريد أن ندعو إلى الله لكن لا نعرف، أين الطريق؟ أين البداية؟ من أين نبدأ؟

فالشباب الملتزم كُثر؛ ولا أظن واحداً يبخل على نفسه أن ينال شرف الدعوة إلى الله جل وعلا؛ لكن يريدون برامج عملية، يريدون أموراً أنت ترسمها لهم، تخططها لهم وتقول: ما دامت هذه النوعية صالحة للتنفيذ والتطبيق فالأمر هكذا: 1/ افعل كذا. 2/ افعل كذا. 3/ كذا. حدِّد له غاية وهدفاً واختَر له وسيلة مناسبة، أو اجعل أمامه بدائل وخيارات عدة، وهو يختار ما يناسبه منها، أو ما يكون أقرب إلى نفسه، وأقدر تأثيراً عليه مما سواه.

إذاً: لما كانت الحاجة ماسة مع انتشار الصحوة انتشاراً كبيراً، بل أعظم من انتشار النور في الظلام بفضل الله جل وعلا، انتشرت الصحوة وانتشر الخير، حتى في أعالي الجبال، وفي أدنى السهول، وعلى سواحل البحار، وفي القرى، والمدن، بل حتى في كثير من المجالات التي ظن الناس أنها ليست معدة إلا أوكاراً للرذيلة وبؤَراً للفساد، وُجِدَ وظهر فيها النبتة الطيبة، والبذرة الحريصة على أن تقدم للإسلام شيئاً.

إذاً: نحن لا نشكو قلة الملتزمين، فالملتزمون كُثر؛ لكنا نشكو قلة العاملين من الملتزمين، وهذه من مشاكل الدعوة، ولستُ المسكينُ الفقيرُ الذي يتحدث عنها، إنما هي إشارات وإلمامات، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى كبار العلماء، وكبار الدعاة الذين يبحثون عن هذه الظاهرة، لماذا هذا الجمود في الصحوة؟ لماذا الملتزمون كُثر؛ ولكن كما قال أبو بكر رضي الله عنه لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه: [يا بن الخطاب ! أجبَّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام؟!].

تجد الشاب قبل استقامته يحمل الدنيا على أذنيه، ويرفع بها، ولا يجعلها تعود أرضاً، ويحمل كل أمرٍ على عاتقه، وتجده رأساً مضحياً فدائياً، قمة جوَّالاً حركياً نشيطاً في الفساد، فإذا اهتدى أصبح ظبياً جفولاً، وأصبح حملاً وديعاً، لا يستطيع أن يتحرك يمنة ويسرة، ناهيك لو قلت له: إنك مراقب، أو إنك تحت التحري، أو إنك تحت البحث، فهذه قاصمة الظهر بالنسبة له، وحينئذٍ لن يخرج من بيته، بحجة أنه داعية مراقب، أو أنه رجل قد تُجُسِّس عليه، ونحو ذلك، وما هي إلا أوهام بل وإشاعات، قد تشاع أحياناً وقد يُقصد إشاعتها من أجل أن يشعر الإنسان بجو من القيود والأوهام العنكبوتية التي ينسجها الإنسان حول نفسه، ولا يقدم لدين الله جل وعلا قليلاً ولا كثيراً.

وكما قال أحد الدعاة: إن الإسلام المرغوب في هذا الزمان هو الإسلام الأمريكاني.

الإسلام الأمريكاني: أن تكون مسلماً تطبق استقامتك والتزامك حسب ما يحلو لك؛ لأن قانون الحرية يبيح لك أن تفعل بنفسك ما شئت؛ لكن أن تتعدى بهذا الإسلام إلى جيرانك والحي والمجتمع، والوزارة والمدرسة، والكلية والمستشفى والسوق، والإعلام والتعليم، والاقتصاد والسياسة، لا! هذا إسلام ممنوع، هذا إسلام محظور.

ولذلك فإن أعداءكم لا يمنعون المسلم أن يقوم بممارسة ما يسمونه (بالطقوس)، والذي نحن نعرفه في شريعة ربنا بالعبادات المخصوصة، من ركوع وصيام واعتكاف وسجود وتلاوة قرآن، لا يُمنع أحد من ذلك، لكن أن يدعو الناس إلى ذلك، وأن يتحاكم الناس إلى كتاب الله، وأن يكون الكتاب حاكماً مهيمناً على كل صغيرة وكبيرة، فهذا أمر ممنوع في عرف المستعمرين، وأعداء الله من اليهود والنصارى الذين لهم ثقل جاثم على صدر الأمة ترزح تحته، ويؤيدهم في هذا العملاء والدخلاء والذين يمارسون العمالة المزدوجة على طرفين أو على وجهين في آن واحد؛ لكي يقولوا لقومهم: إنا معكم، ويقولوا لأعدائهم: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14].

وبعد هذا أيها الإخوة ظهرت كثيرٌ من الأطروحات الجميلة، التي قالت لشباب الصحوة: هلموا ألينا، تعالوا، هذه برامج عملية، على سبيل المثال لا الحصر: خذوا مشروعاً مقترحاً تقدم به فضيلة الشيخ الداعية المعروف الدكتور/ ناصر العمر ، وكان مشروعاً إيجابياً بنَّاءً، ومنذ أن لامس كلامُ الشيخ أسماعَ الشباب قبل أن يسجل انطلق الشباب يمنة، ويسرة زرافات ووحدانا يطبقون هذا المشروع، لأن الشيخ رسم لهم برنامجاً عملياً.

ولا أزكي نفسي وأستغفر الله، كذلك برنامج مِن أين نبدأ؟ أو مِن هنا نبدأ، بفضل الله لما طرح علمتُ أن عدداً من الشباب كلٌّ قد اجتمع مع إمام مسجده والأخيار في حيِّه وأخذوا يضربون ميعاداً أسبوعياً يتفقون فيه على أن يقدموا للمجتمع شيئاً، فأصبحوا يخططون، أقول: يخططون، وليس في التخطيط شر أو خطر، لأن المسألة أن كل شيء تريد أن تفعله تحتاج إلى تخطيط، حتى ذهابك إلى العمل يحتاج أن تخطط، تسلك الخط الدائري وتخرج مع المخرج [3]، وتمسك الكتف الفلاني حتى تصل إلى مكانك، فكلمة التخطيط أو التنظيم أو التنظير نرى البعض يخاف منها، وما هي إلا أمر طبيعي موجود في أبسط الأعمال.

إن النملة وهي تلك الحشرة الصغيرة تخطط، إن الذبابة تخطط، فهل يحرم على الإنسان أن يخطط؟! هل يحرم على الإنسان أن ينظم؟! إن كثيراً من الناس عنده حساسية المصطلحات، حينما يسمع مثل هذا المصطلح يرتاع، ويظن أنك تعني شيئاً نهايته نسف نظام أو إحداث تفجير، أو إشاعة فوضى وقلاقل وفتن ومحن ظهر شيء منها والباطن أكثر من ذلك.

فكرة العمل الدعوي: من أين نبدأ؟

أقول أيها الإخوة: هذا المشروع (من أين نبدأ؟) إمام المسجد مع مجموعة من الشباب، يلتقون في كل أسبوع مرة بعد المغرب ويتفقدون الحي؛ هذا لا يصلي، ثلاثة يزورونه بهدية وابتسامة، والبرنامج مستمر، غداً يزار فلان، بعض الشباب يظن أن سيصلح المجتمع والحارة في شهر أو خلال سنة، أقول: هذا المشروع لن تروا ثماره بإذن الله إلا بعد ثمان سنوات على الأقل، ونحن بحاجة إلى أن نخطط لسنوات قادمة، أما العرف الذي نشأنا عليه كثيراً مثلما يقول العوام: (إن كان عندك شيء نأكله هذا الحين حياك الله) أما كلام فارغ؛ تخطيط بعد خمس سنوات بعد عشر سنوات، فلا.

أقول يا إخوان: لو قرأتم كتاب لعبة الأمم ، الذي ألفه أحد رجال المخابرات، أو مسئول مخابرات في سنة من السنوات، واسمه: مايلز كوبلن ، قال: إن مجلس اللعبة يخطط لأربعين سنة قادمة، إن مجلس اللعبة الذي سماه أو حدد مكانه في الدور السابع في مجلس الكونجرس، قال: إنه يخطط للدول والحكومات من أربعين إلى خمسين سنة قادمة.

أما تخطيطنا فلو خطط الإنسان لمدة سنة واحدة، منذ أن يبدأ ويمر على هذا التخطيط أربعة أشهر تجد الاعوجاج والانحراف والتناقض والكثير من المواقف الخاطئة، والسبب: عدم الدقة في التخطيط.

إن المهندس حينما يخطئ في قاعدة المبنى، ميل في الأعمدة بنسبة (5) سنتيمتر، فإن ذلك يعني أنه يوجد انحراف قدره (50) سنتيمتر في الدور الخامس، ويعني ذلك أن المبنى يئول للسقوط لو رفعته إلى الدور الرابع أو الخامس، قد لا تظهر أخطاؤك في الدور الأول لأن الانحراف بسيط، في السنة الأولى قد لا تظهر أخطاؤنا؛ لأننا لا نزال قريبـي عهد بالانطلاقة وبداية التجربة، لكن حينما نستمر سنوات قادمة، ويكون في التخطيط خلل فحينئذٍ لا غرابة أن تجد الانتكاسة، أو تجد السقوط أو تجد العثرات متتابعة في السنة الخامسة أو في السنة السادسة، كما هو الأمر في البنيان الذي يسقط حينما يبلغ الدور الخامس أو السادس.

مقترح لاستمرار المهتدين الجدد على الهداية

أقول: هذه كلها أيها الإخوة مشاريع مقترحة وأضيف عليها الآن مشروعاً.

كان عنوان المحاضرة بعنوان: (الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة)، والحديث في صميم هذا الموضوع؛ لكن هذه مقدمة وفكرة خطرت ببالي في الحقيقة، وتلجلجت في صدري فترة طويلة، فأحببت أن أغتنم هذه الفرصة لطرحها عليكم، ألا وهي من المشاريع العملية الدعوية التي تنفع بإذن الله جل وعلا.

أما عن مقدمة الفكرة فكالآتي:

نحن وإياكم كثيراً ما ندعو عدداً من الشباب إلى الاستقامة والالتزام، فنتعرف على فلان وعلان ونسافر به، ويعتمر معنا أو يحج، أو يكون بيننا وبينه سلسلة زيارات فيتأثر ويستقيم، وماذا بعد ذلك؟ لو تردد علينا أربعة أيام قلنا له: يا أخي، مَسَّخْتها، ما إن التزمت حتى أدوشتنا! ما يمكن! ضيَّعتَ وقتنا جزاك الله خيراً!:

فعلاً هو لا خيار له؛ إما أن يبقى معك كالظل لك حتى يحافظ على نفسه من جلساء السوء، ومن السهرات التي يتاح له فيها العبث واللهو، والمرأة والخمر والنساء والأفلام مع تباين واختلاف في طبقات الذي يعاقرون هذه الفواحش أو يقترفونها، فهذا الشاب نَمَلُّ منه ويَمَلُّ منا بعد فترة قصيرة؛ لأنك أنت مرتبطٌ بزوجة وأولاد وأقارب، وحاجات أهلك وعملك، ومختلف المهمات التي تعرض لك، ومراجعة أطفالك في المستشفيات، وتعليم أولادك أمام موسم الاختبارات وهَلُمَّ جَرَّا، وهذا شاب مَنَّ الله عليه بالهداية، كيف تحافظ عليه؟ تجد أنك تتحمس، أو تتفاعل أو تغلو أو تشتد عندك العاطفة، تغلي العاطفة عندك في الأسابيع الأولى ثم بعد ذلك تمل منه، فتتركه ثم يرجع من جديد، بعد أن بلغ ذروة ارتفاعه يعود في التدني وفي الهبوط، حتى يعود ذلك الذي استقام يوماً ما إلى درجة الصفر كما لو كان لم يستقم يوماً ما، بل وقد ينزل عن المحور الرئيسي وتحت القاعدة الرئيسية ويقع فيما هو تحت خط الانحراف، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب: أنه لا توجد عندنا دور لرعاية التائبين، ولا توجد أماكن لرعاية الشباب الذين استقاموا.

أقول: هذا جزء بسيط جداً من الحل، ألا وهو: أن يتعارف شباب الحي، مثلاً نحن في منطقة (العلية) أو في منطقة (البديعة) كم عندنا من الخطباء أو الدعاة أو طلبة العلم؟

عندنا عدد كثير، نقول للشباب: إن يوم السبت بيت فلان بن فلان مفتوح، من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء، فأي شاب يرغب أن يستفيد، يرغب أن يسأل، يرغب أن يجلس، فحياه الله عند فلان بن فلان، المجال مفتوح لمن أراد أن يحضر، وهذه الجلسة تكون مبرمَجة منظَّمة، بمعنى: لا يكون الهدف منها ألوان النعناع والشاي والدارصيني والقهوة ومختلف المشروبات، لا، إنما يكون البرنامج فيها: آية وتفسيرها، حديث وحكمه، سيرة واحد من الصحابة، قراءة في فتاوى بعض العلماء، تقليب في أخبار العالم الإسلامي، وأحذَّر وأحذِّر وأحذَّر ثلاثاً من الحديث في المواضيع السياسية، لا أعني بذلك تخويفاً لكم من السياسة، لا، لكن سأجد من يقول: إن هذه الجلسات ستكون طريقاً للحديث والتدخل في شئون ليست من اختصاص هؤلاء، فأقول: إياكم والحديث فيها، طبعاً الكلام في الأمور هذه نوعين:

نوع مفتوح للجميع: مَن الذي يأذن للجريدة أن تتحدث ويُحرِّم عليك الكلام؟! من الذي يأذن للإذاعات أن تطنطن ويُحرِّم عليك أن تتكلم وتتحدث؟!

لكن أقصد بذلك: الدخول في العمق والتحليل ونقل الآراء الشخصية، والتحليلات الشخصية، وربما يدخل معك في المجلس من يحدثك لكي ينصب لك كميناً ويسجل حديثك، وليس الهدف تسجيل حديثك، وإنما الهدف أن يشي بك إلى سلطة ما ويقول: إن فلاناً يجلس مع آل فلان وبني فلان ويتحدثون في المسئول الفلاني، أو في الجهة الفلانية، بغية إغلاق هذا المشروع.

أقول: هنا تحفظات، هنا احتياطات، هنا خطة الأمن والسلامة في هذا المشروع الصغير، ألا تتحدث في أشخاص ولا هيئات، ولا مؤسسات معينة، أما القضايا التي طُرِح الحديث فيها للساحة، فالكلام يجوز لك أن تتحدث فيه، كما جاز للجريدة والإذاعة أن تتكلم كيفما شاءت.

بعد هذا أيها الإخوة إذا استطعنا أن نضبط هذه الجلسة بعد صلاة العصر إلى أذان العشاء يوم السبت عند فلان، يوم الأحد عند فلان بن فلان، فأنا مثلاً أكون مسئولاً عن يوم واحد في الأسبوع، أفتح فيه بيتي لمن أراد أن يحضر، وأنت مسئول عن يوم الأحد في الأسبوع تفتح فيه بيتك لمن أراد أن يحضر، والثالث مسئول عن يوم الإثنين يفتح فيه بيته لمن أراد أن يحضر، بمعنى: ألا يدور الشاب التائب أو المستقيم يبحث عمن يجالسه ويخالطه، فيأتي إلى هذا فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الإمام فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الداعية فيراه مسافراً، ويأتي إلى هذا فيراه يذهب بأولاده، ويأتي إلى هذا فيطرق عليه الباب ويخرج بالقلم يقول: والله يا أخي نحن الآن مشغولون، أما ترى القلم معي؟! فأربعة أو خمسة أماكن يجدها مغلقة، المكان السادس المفتوح: قهوة، أو شيشة، أو مطعم، أو رصيف، أو جلسة لَهْو، أو أصدقاء السوء الأُوَل الذين تعود أن يجد معهم مجلساً مفتوحاً، والبلوت الساخن من بعد العصر إلى الساعة الثانية عشر أو الواحدة ليلاً، لن تُعْدَم أربعة يكملون الفريق، والأوراق جاهزة، واللعبة شيِّقة، وهَلُمَّ جَرَّا.

إذا ذهبتُ إليك فأنت مشغول، وهذا أغلق بابه، وهذا مسافر، وهذا ذهب بأولاده، إلى من أذهب أيها الإخوة؟! أنا شاب تائب، أنا شاب مستقيم، أريد أن أستمر على هذه الهداية، من الذي يؤويني؟! من الذي يحتضنني من جلساء السوء؟!

إذا لم يوجد ترتيب للمحافظة على مثل أولئك، وإلا فيستقيمون ثم ينحرفون إلا من رحم الله.

فإذا كنت أنا مسئول يوم السبت، فلن يشغلني الشباب في بيتي، فقط يوم السبت أنا مسئول حيَّا الله من جاء، طبعاً ما أقول: تعالوا، أقول: مثلاً يوم السبت الباب مفتوح، لو زارني أحد أو جاء يوم الإثنين أو الثلاثاء أقول: حياك الله في كل سبت، أهلاً وسهلاً، طبعاً إذا كان هناك أمر مهم أو مسألة خطيرة أو قضية عين لا يقاس عليها، نستطيع أن نقابله ويقابلنا بعد الصلاة، قبيل الصلاة، عند الفجر، قبل الفجر، كما يشاء، ليس في ذلك مشكلة.

فإذا أوجدنا هذا على مدار الأسبوع، استطعنا أن نحافظ على التائبين في كل حي، التائبون في هذا الحي يجتمعون؛ هذا اليوم عند الشيخ/ مَزْيَد، وغداً عند المؤذن، وبعد غدٍ عند الدكتور فلان، وبعد غدٍِ عند الشيخ فلان. إذاً لا يجد فراغاً يشكو منه.

زيادة على ذلك: ينبغي أن توجد جمعيات أو مكاتب نقليات وسفر وسياحة؛ أعني بذلك: نحن بحاجة إلى رحلات طويلة، لأن من كان حديث عهد بهداية، فإنه يحتاج إلى عزلة لمدة خمسة أيام أو عشرة أيام، أعني بها حمية عن مجالسة السوء والمنكرات وحتى رؤية المنكرات، فإذا وُجِد في الشهر الفلاني رحلة إلى مكة ، والقصيم ؛ زيارة للشيخ/ العثيمين ، والمدينة ؛ زيارة لإمام الحرم، والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أخذ العمرة.

هذه الرحلة لمدة ستة أيام، عدد الشباب الذين يشتركون في هذه الرحلة من ثلاثين إلى أربعين، من المسئول عنها؟

أحد الأئمة، أحد الدعاة، أحد الخطباء، ويسافر بهؤلاء الشباب.

ثق يا أخي أنك بعد هذه الرحلة سوف تعود بمجموعة قد حُجِبَت عن الفساد شيئاً كثيراً؛ لكن المشكلة أن الشاب الذي ندعوه نجلس معه في المغرب ونتحدث معه، وبعد العشاء أول ما تقع عينه على الدعاية، ثم المسلسل ثم فيلم السهرة، أنت تصب كأساً والآخر يريق سطلاً كاملاً، لا يوجد هناك أي توازن ولا يقاس الحق بالباطل، فقليل من الحق يغني عن كثير بل يزهق كثيراً من الباطل؛ ولكن أيها الأحبة إذا وجدت مثل هذه؛ مكتب في الشمال، مكتب في الجنوب، مكتب في الشرق، مكتب في الغرب، وتتبنى مثل هذه المشاريع، سوف نحافظ على الشباب.

وأقول يا إخوة: ما يمنع أن تتبنى هذا الأمر؟!

يعني يا أخي الحبيب: لا تنتظر أن يقوم بها فلان بن فلان، وفلان وعلان، الأسـماء اللامعة أو المشهورة في ذاكرتك، لا، أنت لماذا لا تقُم بهذا؟ لماذا لا تكون واحداً ممن يؤسس مع عشرة أو عشرين أو ثلاثين، إذا كنتم ممن يسَّر الله عليهم، كل واحد يدفع [20.000] × [10] بمائتين ألف ريال، واشترِ لك أوتوبيسين بالتقسيط، ونتوسط لك عند (عبد اللطيف جميل) إن شاء الله، وبعد ذلك تأخذ تصريح مكتب نقليات حج وعمرة، وتساهم في الدعوة إلى الله جل وعلا.

من شروط هذه الرحلات:

لا يوجد تدخين.

لا سماع أغاني.

النساء، إذا كان هناك أوتوبيس آخر للنساء، يُستضاف أحد الإخوة بزوجته تكون مع النساء موجهة مؤثرة داعية.

نستطيع يا إخوان أن نؤثر في هذا المجتمع، ولدينا مجالات عديدة للدعوة إلى الله، لكننا لا نتعلق، أو البعض لا يفكر إلا بما يجد فيه المواجهة، أقول: إننا ينبغي أن نتخلى عن أي ثغرة من ثغرات الدعوة إلى الله حينما يوجد فيها مواجهة، لكن نقول: خذ وطالب، اعمل في هذه المجالات المفتوحة، وعاود وحاول مراراً وتكراراً أن يُفتح من المجالات ما أغلق أمامك، إذا كان ثمة مجال أغلق.

هذه فكرة لو أننا طبقناها لاستطعنا أن نحتوي التائبين، سواء احتواءً من حيث الجلسات والأيام المحدودة، أو من حيث الرحلات والمناسبات الطويلة التي تستغرق أوقاتهم بإذن الله جل وعلا، وما الذي يسمح لمكتب سفريات أن يأخذك من هنا على العقبة ، على مصر ، على سوريا ، ويمر بك على شواطئ فيها عراة، ويمر بك على أماكن فيها اختلاط، ويمر بك على أماكن فيها معاصٍ، ويحرِّم ويمنع أن يوجد مكتب سياحة وسفريات يخرج بك إلى مكة ، ثم إلى المدينة ، ثم إلى القصيم ، ثم لزيارة أحد العلماء، ما الذي جعل الحرام حلالاً، والحلال حراماً؟! لا يمكن أن يوجد، لكن كما قلت أيها الإخوة، لم نفكر ولم تكن القضية ساخنة لدى الكثيرين منا، ولأجل ذلك فلا عجب أن ننتظر، أما نحن فلن نفكر، ولو أحوجنا الأمر لحرصنا على تطوير الأمر.

مكتبات المساجد الخيرية

أيضاً وهذه الفقرة الثالثة من هذا المشروع المقترح، ألا وهي: المكتبات الخيرية في المساجد :-

كانت موجودة من قبل، ولا تزال موجودة في بعض المساجد، ولكنها شهدت انحساراً.

الحاجة الآن تقول: إن المكتبة في المسجد من جديد تعلن دورها، وتثبت جدارتها، ويشق الشباب طريق هدايتهم واستقامتهم والتزامهم عبرها أو من خلالها، فلماذا تغفل هذه المكتبات؟! لا بد أن نحرص على العمل.

لا تنتظر يا أخي أن يقال لك: تعال هنا أو تعال هنا، أو اذهب هنا أو هناك، ابدأ أنت بنفسك، تكلم مع إمام الجامع، إذا وُجِدَت مكتبة فيها شباب يعملون لا يرغبون أن تأتي معهم، ابحث لك عن مسجد ليس فيه مكتبة، نحن لا يوجد عندنا ضيق، لو كان الموجود عندنا فقط مساحة مقدارها: (20×40) لقلنا: من المعقول أن نتنازع عليها، لكن عندك كيلو مترات في كيلو مترات، براري أماكن عديدة تحتاج إلى من يدعو ويتكلم فيها.

الأمر الآخر: لا تنتظر النتائج منذ أن تفتح المكتبة، أو تفتح بيتك، أو تقوم بمشروع الرحلات أن يمتلئ الأوتوبيس من أول مرة، لا يا أخي الكريم، ربما في المرة الأولى عشرة فعشرين فثلاثين، مع دوام التجربة فإن الزمن والتطبيق يصقل ويعدِّل ويقوِّم ويقيِّم جميع الأخطاء التي فيها، ثم ستصبح يوماً ما أمراً عادياً، هل أحد يستغرب المحاضرات الآن؟ لا، مع أنها في البداية كانت نوعاً ما مستغرَبة لدى الكثير من الناس، لكن الآن أصبح الأمر عادياً، كذلك هذا المشروع حينما يطبَّق سيصبح أمراً عادياً بإذن الله جل وعلا.

أقول أيها الإخوة: هذا المشروع (من أين نبدأ؟) إمام المسجد مع مجموعة من الشباب، يلتقون في كل أسبوع مرة بعد المغرب ويتفقدون الحي؛ هذا لا يصلي، ثلاثة يزورونه بهدية وابتسامة، والبرنامج مستمر، غداً يزار فلان، بعض الشباب يظن أن سيصلح المجتمع والحارة في شهر أو خلال سنة، أقول: هذا المشروع لن تروا ثماره بإذن الله إلا بعد ثمان سنوات على الأقل، ونحن بحاجة إلى أن نخطط لسنوات قادمة، أما العرف الذي نشأنا عليه كثيراً مثلما يقول العوام: (إن كان عندك شيء نأكله هذا الحين حياك الله) أما كلام فارغ؛ تخطيط بعد خمس سنوات بعد عشر سنوات، فلا.

أقول يا إخوان: لو قرأتم كتاب لعبة الأمم ، الذي ألفه أحد رجال المخابرات، أو مسئول مخابرات في سنة من السنوات، واسمه: مايلز كوبلن ، قال: إن مجلس اللعبة يخطط لأربعين سنة قادمة، إن مجلس اللعبة الذي سماه أو حدد مكانه في الدور السابع في مجلس الكونجرس، قال: إنه يخطط للدول والحكومات من أربعين إلى خمسين سنة قادمة.

أما تخطيطنا فلو خطط الإنسان لمدة سنة واحدة، منذ أن يبدأ ويمر على هذا التخطيط أربعة أشهر تجد الاعوجاج والانحراف والتناقض والكثير من المواقف الخاطئة، والسبب: عدم الدقة في التخطيط.

إن المهندس حينما يخطئ في قاعدة المبنى، ميل في الأعمدة بنسبة (5) سنتيمتر، فإن ذلك يعني أنه يوجد انحراف قدره (50) سنتيمتر في الدور الخامس، ويعني ذلك أن المبنى يئول للسقوط لو رفعته إلى الدور الرابع أو الخامس، قد لا تظهر أخطاؤك في الدور الأول لأن الانحراف بسيط، في السنة الأولى قد لا تظهر أخطاؤنا؛ لأننا لا نزال قريبـي عهد بالانطلاقة وبداية التجربة، لكن حينما نستمر سنوات قادمة، ويكون في التخطيط خلل فحينئذٍ لا غرابة أن تجد الانتكاسة، أو تجد السقوط أو تجد العثرات متتابعة في السنة الخامسة أو في السنة السادسة، كما هو الأمر في البنيان الذي يسقط حينما يبلغ الدور الخامس أو السادس.