مكائد الشيطان وأساليبه الباطلة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير؛ صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد..

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين: لا يخفاكم عداوة الشيطان لآدم وذريته، فهو الذي أخرج الأبوين من الجنة، وكيد الشيطان وعدواته لبني آدم معلومةٌ واضحةٌ مشهودةٌ مشهورةٌ، وقد تواترت وتوافرت بها الآيات في كتاب الله الكريم، بل جاءت هذه الآيات مصرحةً بهذه العداوة التي اتخذت أساليب مختلفة وأشكالاً متباينة، ليتفطن بنو آدم لكيد الشيطان وغروره وخداعه وأمانيه، ولكن أكثر الناس في هذا الزمان عن تنبههم لهذه العداوة في غفلة، بل وإن الكثير منهم لمنساق بمحض اختياره تحت طوع وإرادة عدوه، ولو سمعنا هذا في بني البشر لرأينا فيه عجباً عجاباً؛ لو قلنا: إن رجلاً يملك أساليب القوة والدفاع والمقاومة انقاد لعدوٍ من أعدائه، فسلم رقبته وإرادته خاضعاً بطوع اختياره يوجهه عدوه من بني البشر حيث ما شاء، لرأينا ذلك خبالاً وجنونا، وإننا في الحقيقة لنرى ألواناً من الجنون، لكن ظاهرها بريقٌ لا مع، وبرقٌ خلب، وما هي في حقيقتها إلا انقياد لعداوة الشيطان ومكره، إذ أن كثيراً من بني الإنسان في هذا الزمان قد سلموا إرادتهم بطوع حريتهم واختيارهم لهوى الشيطان يصرفهم كيفما شاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معاشر المؤمنين: أما العداوة الصريحة من الشيطان لبني آدم، فهي ثابتةٌ جليةٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] ويقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:168-169].

ويقول يعقوب لولده يوسف عليه السلام: إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:5].

ويقول الله جل وعلا: إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53].

إذاً يا عباد الله: الآيات في كتاب الله كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً مصرحةٌ بهذه العداوة، ولكننا في غفلة عن التنبه واليقظة لهذه العداوة الخطرة، واعلموا يا عباد الله! أن هذا الشيطان من شدة عداوته لأبيكم ولذريته أنه سأل ربه التأخير إلى يوم القيامة ليتمكن من الكيد لبني آدم على جميع ألوانهم وأصنافهم، وقد آتاه الله سؤاله هذا، وتوعده بأن جهنم مصيره ومصير الجاحدين الكافرين من بني آدم.

إن الشيطان يوم أن تكبر عن السجود لبني آدم وجاء في كتاب الله جل وعلا قول الله: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الأعراف:12-14] أي: أخرني وأجلني وأمهلني حياً على قيد الحياة إلى يوم البعث، قال الله جل وعلا: قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي [الأعراف:15-16] وانظروا هذه العبارة الخبيثة من الشيطان: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي [الأعراف:16] ولم يقل الشيطان عن نفسه بما غوى: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ [الأعراف:16-17] تنبهوا يا عباد الله! عن أي طريقٍ ومن أي جهةٍ ومن أي سبيلٍ تأتي الشياطين إلى بني آدم قال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:16-18].

ويقول الله جل وعلا في موضعٍ آخر عن كيد الشيطان وعداوته: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:117-118] ماذا قال الشيطان؟ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [النساء:117-120].

انظروا يا عباد الله إلى أي درجةٍ وإلى أي حدٍ بلغت هذه العداوة، حيث وقفت الشياطين لبني آدم عن أيمانهم وعن شمائلهم ومن أمامهم ومن خلفهم على جادة الصراط وواضح المحجة لتحرفهم عن نهج الله المستقيم، فتنبهوا لهذه العداوة، تنبهوا لها يا عباد الله! واعلموا أن أساليب الشيطان لا تأتي إلى بني آدم فجأةً أو مرةً واحدة، إن الشيطان حينما يأتي لواحدٍ من البشر وهو يريد أن يوقعه في جريمة الزنا مثلاً لا يقول له اذهب فازن بهذه المرأة، بل يقول: ماذا عليك لو قضيت شيئاً من الوقت عبر هذا التلفون معها؟ ماذا عليك لو أنك ساعدتها مثلاً وهي نازلة؟ ماذا عليك لو وصلتها إلى بيتها؟ قليلاً قليلاً، ومن هنا جاء قول الله جل وعلا جليلاً دقيقاً واضحاً في بيان حقيقة مكر الشيطان وخبثه، حيث يقول سبحانه: لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21] إذ أن الشيطان لا يأتيك فجأة، لا يأمرك بالفاحشة فجأة، لا يأمرك بالجريمة فجأة، وإنما يمهدها لك خطوة خطوة حتى يقع الإنسان والعياذ بالله في هذه الفاحشة والمصيبة العظيمة.

وإن هذا واضحٌ وجليٌ في هذا الزمان حيث أوقع الشيطان بحبائله وهن النساء الفاتنات الجاهلات العاصيات الكاسيات العاريات، أوقع الشيطان خلقاً عظيماً من خلق الله في حبائله عبر هذه الخطوات الخطيرة، فأولها شيءٌ من التهاون، وبعدها شيءٌ من التهاون بالحجاب، ثم بترقيق الكلام والخضوع بالقول وتكسيره، ثم شيءٌ من الخلوة ليس على عزم فعل فاحشة، لا، بل إنما لشيءٍ من المساعدة ولماذا نفرض النية السيئة في بداية الأمر؟ ثم رويداً رويداً حتى تتمكن الخلوة، ويحضر الشيطان، ويغيب الإيمان عن ذهن الإنسان، ثم بعد ذلك تقع الفاحشة، وقديماً قال الشاعر:

فتنوها بقولهم حسناء     والغواني يغرهن الثناء

نظرةٌ فابتسامة فسلام     فكلامٌ فموعدٌ فلقاء

فاتقوا الله في قلـوب العذارى     فالعذارى قلوبهن هواء

نسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم كيد الشيطان ومكره، وألا يجعلنا من حزبه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

من أساليب الشيطان الوسوسة

الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنـزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب الأرباب، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة السلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: إن من أساليب الشيطان الخبيثة التي يزين بها المعصية ويبعد الإنسان بها عن جادة الصراط المستقيم:

أسلوب الوسوسة، ذلك الأسلوب الذي عمله واتخذه مع أبينا آدم، فكان عاقبته بذلك أن أهبط من الجنة إلى دار الشقاء والبلاء وهي الأرض، يقول الله جلا وعلا: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:120-122].

إذاً يا عباد الله: تنبهوا لهذه الوسيلة الخبيثة التي يتخذها الشيطان مع كثيرٍ من بني الإنسان، واعلموا أن الشيطان مهما كان كيده، ومهما كثر أنصاره وأعوانه، فإنه خذولٌ لهذا الإنسان، إذا أوقعه في الفاحشة وجره إلى المعصية خطوة خطوة، فإنه بعد ذلك يتركه مخذولاً، ثم يظن الإنسان أن شيطانه الذي أغواه وأضله أنه سينصره أو سينفعه في تلك اللحظة، وصدق الله العظيم: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

وبين الله لنا جل وعلا في كتابه الكريم صورةً من صور خذلان هذا الشيطان حيث قال في محكم كتابه: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر:16-17].

الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنـزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب الأرباب، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة السلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: إن من أساليب الشيطان الخبيثة التي يزين بها المعصية ويبعد الإنسان بها عن جادة الصراط المستقيم:

أسلوب الوسوسة، ذلك الأسلوب الذي عمله واتخذه مع أبينا آدم، فكان عاقبته بذلك أن أهبط من الجنة إلى دار الشقاء والبلاء وهي الأرض، يقول الله جلا وعلا: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:120-122].

إذاً يا عباد الله: تنبهوا لهذه الوسيلة الخبيثة التي يتخذها الشيطان مع كثيرٍ من بني الإنسان، واعلموا أن الشيطان مهما كان كيده، ومهما كثر أنصاره وأعوانه، فإنه خذولٌ لهذا الإنسان، إذا أوقعه في الفاحشة وجره إلى المعصية خطوة خطوة، فإنه بعد ذلك يتركه مخذولاً، ثم يظن الإنسان أن شيطانه الذي أغواه وأضله أنه سينصره أو سينفعه في تلك اللحظة، وصدق الله العظيم: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

وبين الله لنا جل وعلا في كتابه الكريم صورةً من صور خذلان هذا الشيطان حيث قال في محكم كتابه: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر:16-17].

ومع ذلك يا عباد الله! اعلموا أن كيد الشيطان ضعيفٌ أمام كل من التجأ بالله وبذكر الله، وبالجلساء الطيبين، والأخيار الصالحين، فإن كيد الشيطان مهما برق ومهما تنوع أسلوبه وتباينت وسائله، إنه كيدٌ ضعيفٌ أمام ذلك، والله جل وعلا لم يتركنا سدىً، بل بين لنا أساليب كثيرة نتقي بها كيد الشيطان، يقول الله جل وعلا: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:200-201] إذاً يا عباد الله! إن ذكر الله جل وعلا، وإن الاستعاذة بالله جل وعلا في كل حالٍ لهو كفيلٌ بأن يطرد كيد الشيطان، وأن يصد عداوته عن هذا الإنسان.

ثم اعلموا بعد ذلك -يا عباد الله!- أنه ينبغي للإنسان إذا حضر مجلساً بدرت منه فيه معصيةٌ أو فاحشةٌ أو جريمةٌ أو غفلة، فليبادر إلى ترك هذا المجلس وليذهب بعيداً عن هذا المكان الذي حضره الشيطان، يقول الله جل وعلا: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] فمفارقة مجالس السوء، ومفارقة أهل الباطل، ومفارقة أماكن المنكرات والمعاصي والآثام كفيلةٌ بإذن الله جل وعلا بأن تبعد وأن تطرد الشيطان وكيده وأعوانه عن الإنسان، فانتبهوا لذلك عباد الله.

معاشر المؤمنين: إننا لو تأملنا هذه العداوة الحقيقية من هذا الشيطان لوجدنا أن الإنسان منا يحتاج فيها أن يستخدم أقوى ما يستطيعه، وأعظم ما يتمكن لديه من وسائل المقاومة والدفاع أمام هذا الشيطان، الذي هو في حقيقة الأمر ليس فحسب حولك عن يمينك أو شمالك أو أمامك أو من خلفك، بل هو في بدنك: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) إذاً فهذا شيطان قريبٌ جداً، وهو بعيدٌ أمام من التجأ بالله سبحانه وتعالى، وبذكر الله ومجالسة الأخيار الطيبين.

إن الإنسان لو قيل له: إن عدواً ينتظرك أمام هذا المسجد، أو خلف هذا الجدار، أو وراء هذا الباب، لوجدته يبحث عما لديه، هل من سلاحٍ في بيته؟ هل من وسيلةٍ فتاكةٍ ناجعةٍ في قتل هذا العدو والابتعاد منه؟ تجد الإنسان يقلب ويفكر ماذا لديه من العدد والعتاد لطرد هذا العدو الذي يتربصه وهو من بني الإنسان، فما بالك في عدوٍ هو أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك ويجري في عروقك، ينبغي أن تكون واضح العداوة أمامه، وينبغي أن تتخيل شيطانك أمامك في كل لحظةٍ من اللحظات التي تهم فيها بفعل الخير، إذ أن حقيقة الأمر حينما تريد أن تصلي مثلاً أو تصوم أو تتصدق يقول الشيطان: لو أجلت هذه الصدقة، تظن هذا حديث النفس، وفي حقيقة الأمر هو حديث الشيطان لك، فإذا وقفت وقفة بطلٍ شجاعٍ مقدام أمام هذا الشيطان، ثم لو رفعت صوتك شيئاً ما لطرد، والاستعاذة بالله من كيد هذا الشيطان، ثم توجهت منطلقاً إلى فعل هذا الخير الذي هممت به، فإنك على صوابٍ وفلاح، وما يرد كيد الشيطان إلى لجوءٌ بالله سبحانه وتعالى وبذكره وبآياته مع قوةٍ عظيمة، روي أن أحداً من الصحابة رضوان الله عليه لما أراد أن يخرج سلاحه، نادى وقال: [أسرجوا خيلي، فأتوا بخيله وأسرجوها له، ثم لبس لامته وسلاحه، ثم قالوا: أين أنت يا فلان؟ قال: خرجت لأخرج زكاة مالي، وإني لعلى يقينٍ أن الشيطان سيقف لي في طريقي، وهأنذا قد أخذت عدتي وسلاحي مواجهةً لهذا الشيطان] انظروا دقة تصور الصحابة والسلف لخطر الشيطان وعداوته ومكره وكيده، يتصورونه شخصاً واضحاً ماثلاً أمام العيان، حتى يستطيع الإنسان أن يدافعه، فدافعوا شياطينكم بذكر الله، وبالعزيمة على كل فعلٍ من الأمور الصالحة.

اعلموا يا عباد الله: أن الشياطين لا تترك أحداً من بني آدم إلا وهي تحرص أن توسوس له وأن تزين له وأن تقربه نظرةً ثم خطرةً ثم خطوةً ثم جريمة، حتى يقع الإنسان في الفاحشة، ثم تخذله وتتبرأ منه، وتتركه حسيراً مسكيناً في وحل هذه الجريمة التي فعلها، انتبهوا لذلك يا عباد الله.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2800 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2648 استماع
توديع العام المنصرم 2643 استماع
حقوق ولاة الأمر 2629 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2548 استماع
من هنا نبدأ 2492 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2457 استماع
أنواع الجلساء 2456 استماع
إلى الله المشتكى 2432 استماع
الغفلة في حياة الناس 2432 استماع