أحوال المسلمين في كوسوفا [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

أيها المسلمون! لم يعد خفياً أو غامضاً ما يلقاه المسلمون من القتل والتصفية الجسدية البشعة، مع التشريد والتهجير والحرق والتدمير الذي يقع على أنفسهم وأسرهم، وذلك على يدِ الكنيسة الأرثوذكسية، على يد نصارى متعصبين أتباع هذه الكنيسة التي لم تكن من قبل معروفةً إلا بشديد العداء والتعصب، ليس على المسلمين فحسب، بل على أتباع الكنيسة النصرانية الأخرى، وليس التفريق هنا بين الأرثوذكس وغيرهم من باب الذم للأرثوذكس والثناء على غيرهم، فالكفر ملة واحدة، وبعضهم أخبث من بعض، فبعض الطوائف والملل الكافرة أشد عداوةً وحقداً، وبعضها أدنى من غيرها في ذلك.

أيها المسلمون! شردت الكنيسة الأرثوذكسية قرابة مليون نفس مسلمة جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، أما الشباب فكانت المقابر الجماعية تنتظرهم على موعد الدفن وهم أحياء، وآخرون في السجون والمعتقلات، ولعل المتأمل والمشاهد للصور التي تعرضها وسائل الإعلام لقوافل المهاجرين والمشردين، لا يظهر فيها إلا الشيوخ والعجائز والأطفال والنساء.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كل هذا الشعب صنفان فقط، أطفالٌ وشيوخٌ وعجائز، أين الشباب؟! هل زاغت عنهم الأبصار؟! أم هوت بهم الريح في وادٍ سحيق؟!

الجواب: لا. بل هوت بهم أيدي الحقد الصربية الأرثوذكسية في أوديةٍ سحيقةٍ من المقابر الجماعية، بعد أن تمت التصفية والقتل والتمثيل لكل من يظهر عليه أدنى علامات الفهم للدين أو التدين.

أيها المسلمون! الحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الألم والحسرة والذل والمعاناة، التي يمر بها المسلمون هناك، والحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الحقد والبغض والعداوة الدينية التي بلغت حد القتل والاغتصاب والتشريد، وكل خطبةٍ وكل كلمةٍ وكل فزعةٍ وكل صيحةٍ وأنة وآهة سمعناها من المسلمين إبان عداوة الصرب، وحرب الصرب لهم في البوسنة ، نراها متجددةً متكررةً ولكن على مسرحٍ جديد، وعلى عرقٍ من المسلمين جديد، كانت الأولى صربيةً بوسنية، والآن صربية كوسوفية.

فيا أيها المسلمون! لن أعيد وصف المأساة بكل صورها، فحسبكم أنكم المسلمين هنا، كما يقول شاعرهم:

وإن المسلمين بكل أرضٍ     قتيلٌ أو شريدٌ أو طعينُ

أرقٌ على أرقٍ وقلبٌ يخفقُ          ودمٌ ينزُّ ودمعةٌ تترقرقُ

هذا واقعهم، وتلك صيحاتهم، وإليكم أناتهم: امرأةٌ تلد مولودها وتضع جنينها ثم يخرجها الصرب من بيتها وهي لم تتخلص بعد من الانفصال من جنينها الذي لا زال مرتبطاً بها، وأُخرى تموت وهي تُنقل، وشيخٌ يئن يموت جوعاً وعطشاً، وذاك يموت مرضاً وسقماً، وأطفالٌ تدور أعينهم حائرة، لا يعرفون إلى أين الرحلة، ولا إلى أين المصير، ولو أنهم علموا ما يدور حولهم، لشابت رءوسهم قبل أن يبلغوا المشيب.

أيها الأحبة! إن وصف المأساة ترجمته الصورة والخبر المنقول حياً على الهواء، وتلك أبلغ من الكلمة.

أعود إلى الماضي لأحدثكم قليلاً عن كوسوفا وأهلها، عن حقبة زمنيةٍ ماضيةٍ في التاريخ، لتعرفوا أن من الخطأ أن ننسب العداوة إلى الأعراق والطين، وننسى أن العداوة في العقيدة والدين، يقول سبحانه: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109].

من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، ومن هم النصارى؟ الكفر بملله، الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك والأرمن، فكلهم أولياء بعض، ولكن أشدهم عداوةً على طوائفهم وعلى المسلمين خاصة هم الأرثوذكس، وحسبكم أن تعلموا أن الكنيسة الروسية هي كنيسة أرثوذكسية، ويربطها حبلٌ من الولاء الشديد مع الصرب لاجتماعهم واتفاقهم في الملة والمعتقد والديانة، أو في فرع الملة والمعتقد والديانة، فالروس من النصارى الأرثوذكس، والصرب من النصارى الأرثوذكس.

ولذا لا غرابة أن نجد مع بعد المسافة، والبون الشاسع في الرقعة الجغرافية، والفواصل وغيرها إلا أن الروس هم أشد الناس وقوفاً أمام الناس في هذه المعركة، ليست رحمةً بهؤلاء البيض، فالمسلمون أيضاً بيض مثلهم، لكنها رحمةٌ بالأرثوذكس.

أيها الأحبة! تأملوا قول الله عز وجل: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105]، وتأملوا قول الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

فعلى الرغم مما سمعنا وما تردد في كثيرٍ من وسائل الإعلام، أن الحرب بين الإسلام والجاهلية هي حربٌ لن تعود إلى السيف والدم، ولن تعود إلى القصف والقتل، لكنها حربٌ فكرية، وعلى المسلمين بناءً على هذا أن يتركوا الإعداد، وأن يتركوا التدريب العسكري، ومن يتدرب من شباب المسلمين تدريباً عسكرياً في أي رقعةٍ من بقاع الأرض فذلك إرهابيٌ متطرفٌ لا همَّ له سوى التدمير والقتل والتفجير، ولا حاجة إلى هذا النوع من الإعداد في المعركة القادمة لأنها معركة فكرٍ وإعلام، إنها المعركة الحالية، والمعركة القادمة معركة فكرٍ وإعلام، ومعركة كفرٍ وإسلام، ومعركة دبابة، ومعركة بندقية، ومعركة قلمٍ وصحيفةٍ وكتابٍ وجريدةٍ وطائرةٍ وقنبلة، فإنه من الكبائر أن يفصل شباب الإسلام في الإعداد عن الجانب العسكري، ويقال لهم: أعدوا إعداداً فكرياً أو تربوياً فقط.

أيها المسلمون! من الذي سوف يدافع عن المسلمين هناك؟

جوابٌ أدعه لكم، لتضعوا كل ما يخطر على بالكم من الأجوبة، ولتعلموا أن من المقاصد الفرعية الجزئية، عزل المسلمين عن السلاح مباشرة.

أيها الأحبة! إنها عداوة الكنيسة قبل عداوة الدوما، وعداوة الدين قبل الطين، إقليم كوسوفا معظم سكانه ألبان، تبلغ نسبتهم (90%) وينحدرون من قبائل هندو أوروبية، وصلوا إلى هذه المنطقة قبل أن يسكنها أحد حتى اليونانيون، لم يكونوا من قبل في تلك الرقعة الخالية، كما ينازع الصرب ويدعون، وأرض كوسوفا أرضٌ خصبةٌ مليئةٌ بالثروات الطبيعية، ويوجد بها مناجم ذهبٍ وفحمٍ وزنكٍ ورصاص.

ولذا كانت كوسوفا مطمعاً للأعداء، تبلغ نسبة المسلمين في كوسوفا أكثر من (95%) وقد وقعت معركة كوسوفا بين المسلمين والصرب قبل ستمائة سنة، ليست هذه المعركة الثالثة، ولا الثانية، بل قبلها معارك، والأولى كانت قبل ستمائة سنة عام (1389م) وانتصر المسلمون فيها نصراً مؤزراً، وأصبحت هذه المعركة تعتبر منعطفاً في تاريخهم، حتى أصبح التاريخ الصربي يقسم إلى قسمين: ما قبل كوسوفا وما بعد كوسوفا ؛ لأن هذه المعركة أنهت نهايةً تامة الدولة الصربية ذلك الوقت، وإحدى المعارك الحاسمة، بين المسلمين والنصارى في أوروبا.

وكان قائد المسلمين فيها السلطان العثماني مراد، وهو أحد سلاطين الدولة والخلافة آنذاك يرحمه الله، وقد بسط العثمانيون حكمهم على كوسوفا سنة (1455م) ومنذُُ ذلك الوقت والصرب يرددون ويروجون دعوى تحرير كوسوفا بزعمهم، وبعد معارك عديدة خلال عشرات السنين اندلعت حرب البلقان عام (1912م) اجتاح خلالها الصرب كوسوفا ، وبادر الصرب بالتطهير العرقي وقتل وتهجير المسلمين الألبان، بل أرغمت المسلمين الذين كان عددهم آنذاك (95%) وأرغمت الكاثوليك الذين كان عددهم (5%) على اعتناق الأرثوذكسية، وفعلت صربيا كما يفعل اليهود اليوم في فلسطين، في تطبيق سياسة الاستيطان للصرب، في إقليم كوسوفا ، فأخذوا يستقدمون الصرب من مناطق أخرى، ويوطنونهم في كوسوفا ، ويهجرون المسلمين ذات اليمين وذات الشمال.

وبعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى عام (1914م) وكانت شرارة الحرب العالمية من هذه المنطقة التي تدور رحى الحرب الآن فيها بين الدوما والناتو، نعم. شنشنةٌ نعرفها من أخزم، وذلك شأن هذه الملة المجرمة التي في النصارى، وكانت المعركة الأولى العالمية، كانت في الأصل بين النمسا وصربيا، اخترقت على إثرها القوات النمساوية صربيا ، في نهاية عام (1915م) ومنح النمساويون الألبان في كوسوفا نوعاً من الحكم الذاتي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما دخلت قوات الحلفاء الفرنسية مع الجيش الصربي كوسوفا سنة (1918م) واعتبر الصرب أن ذلك هو التحرير الثاني، وبعدها فقد الألبان في كوسوفا الحكم الذاتي الذي تمتعوا به خلال الحكم النمساوي، وانبعثت من جديد سياسة الاستيطان التي كانت قد بدأت قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن عملية التصريف توقفت مرةً أخرى، عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام (1939م) وانضمت معظم كوسوفا إلى ألبانيا وحدثت هجرةٌ مرتدة للمستوطنين الصرب، وبعد وعود من تيتو حاكم يوغسلافيا سابقاً بأن يقرر السكان مصيرهم بأنفسهم إذا حملوا السلاح وشاركوه في تحرير إقليم كوسوفا وغيره من الأقاليم.

وبعد ذلك تأسس حكمٌ ذاتيٌ لـكوسوفا ولكن في ظل هيمنة صربية عام (1945م) أي: بعد قرابة ست سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية، واستمر حتى عام (1989م) إلى أن قام مجرم الحرب سلبودان ميلزوفتش (melzofetsh slebodan) بإلغائه عام (1989م) في الوقت الذي منحت فيه بقية الجمهوريات الحكم الذاتي مما تسبب في هذه الأحداث التي ترونها الآن.

أيها الأحبة! ليست العداوات مفاجئة وما يوم حليمة بسر:

قد ينبت المرعى على دمن الثرى     وتبقى حزازات النفوس كما هي

فإلى كل الأغبياء الذين يريدون أن ينسوا الماضي، وإلى كل الذين يقولون: لا علاقة بين الشعوب إلا علاقة المصالح، لينسوا أن قضايا الدين والعقيدة والملة هي التي تدفع الشعوب وتحركها، وتفني أمماً وتهجر أقواماً وتشتت أجيالاً، إلى أولئك جميعاً نقول: هل تحتاجون بعد الشمس إلى دليل؟! هل تحتاجون إلى برهان لتفهموا وتعرفوا أن العداوة عقدية ودينية؟! والقضية التي يتحدث عنها كثيرٌ من الناس هي الحرب بين الناتو من جهة والصرب من جهةٍ أخرى، وتلك وإن كانت مسألة كبيرة وخطيرة، إلا أنها لا تساوي شيئاً أمام تهجير المسلمين وتشريدهم، وتنصير أطفالهم بعد أن تتقاسمهم الأديرة والكنائس ليتربوا هناك في ملاجئ ومهاجر مشتتة في أنحاء أوروبا، هل يبقى بعد ذلك انتماء، هل تصمد هوية؟ هذا هو الوجه الأخطر للحرب القادمة.

نعم إن دمار المباني والمنشآت الصربية إن كان يسرنا ما نراه، من إيلامٍ وقرحٍ يمس الصرب على يد الناتو من خلال ضرباتٍ عسكرية متتابعة على أم رأس الصرب، لكن بيقين أن حفنة من ملايين الدولارات أو ملياراتها تعيد البناء أحسن مما كان.

فضلاً عن قلة المتضررين بشرياً من الصرب، لكن من يعيد المسلمين الذين تهجروا، هل تردهم المليارات والملايين، من يعيد المسلمين الذين هم المصيبة العظمى -الجيل المهاجر- من كوسوفا إلى أكثر من عشرين دولة أوروبية في كل دولةٍ جزءٌ منهم، وكل جزءٍ منهم مشتت في مدنٍ مختلفة، وكل مدينة ٍتوزعهم في أحياء مختلفة، والأيتام والصبايا يتربون في الأديرة والكنائس.

هل يبقى لمسلمٍ هوية؟ هل يبقى لفتاةٍ مسلمةٍ عرض؟ هل يبقى لامرأةٍ مسلمةٍ عفاف؟ هل يبقى لطفلٍ مسلمٍ دينٌ يرضعه من لبن أمه؟ أو مجتمعٌ أو هويةٌ ينتمي إليها وتمتُ إلى الإسلام بصلة؟!!

الجواب: هذا بعيدٌ جداً إلا أن يشاء الله، لذا نصيحتنا: أن يظل المسلمون حول أتون الصراع، وعلى فوهة البركان، وأن يبقوا ولا يبرحوا ولو حول هذه المنطقة، ولو في المناطق المجاورة لبلدهم ووطنهم حتى لا يُذوب تحت دعوة الرحمة الإنسانية على يد الكنائس التنصيرية التبشيرية التي تشتتهم وتجعل لكل كنيسة منهم جزءاً مقسوماً.

لسنا نقول: عليهم أن يبقوا تحت قصف الطائرات وأزيز الرصاص، لكن لا يبعدوا طويلاً، ولا يسلموا أنفسهم ليستوطنوا هذه الهجرة الطويلة، منذ أشهرٍ قليلة، كنتُ بـاستكهولم piystkhoolm في السويد وفاجأ كل وسائل الإعلام نبأ انهيار مرقصٍ في جوتنبرج gotonbearg على مئات من الأطفال والشباب والصبايا والفتيات، ولما تبينت الإحصائية وأخبرت أخبارها اتضح أن أغلب الموتى والهلكى هم من أطفال المسلمين الذين تشردوا وأخذتهم السويد لاجئين وقبلت بلجوئهم، لكن لجئوا إلى ماذا؟ وأين عاشوا وباتوا؟ في الكنائس والمراقص وفي الأديرة والنوادي الليلية، وهذا هو المصير المراد بالمسلمين يا عباد الله.

ليست القضية أن تُهدم مبانٍ صربية، فالأموال تعيد المباني، لكن هدم العقائد والأرواح والعفاف .. هدم البشر ما أصعب أن يُعاد من جديد! فنسأل الله أن يحفظ المسلمين، ونسأل الله أن يمكن لهم نصراً مؤزراً، ونسأل الله أن يحيي قلوبنا من هذه الغفلة التي نعيشها الآن حتى أصبح كثيرٌ من المسلمين لا يبالي بنبأ مقتل واحدٍ أو نبأ مقبرةٍ جماعية، أو نبأ دهس كلبٍ أو اغتصاب مسلمة.

والله إن بعض المسلمين لا يهمه هذا لا في قليلٍ ولا في كثير!! لكن لو انقطع البث من خلال الطبق، ولو انقطعت لذته لأقام الدنيا وأقعدها لا يرى إلا نفسه، وأما الناس فبالطوفان:

إذا مت ظمآناً     فلا نزل القطرُ

أيها الأحبة! نحن نعيش حالةً من قسوة القلب وعدم الاهتمام بأحوال المسلمين، فنسأل الله أن يُزيل هذه الغشاوة والقسوة عن قلوبنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، وتذكروا قول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) والله عز وجل يقول: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72].

أيها الأحبة في الله! من واجب النصرة، ومن واجب الأخوة، ومن واجب الموالاة بين المسلمين أن نلتفت لإخواننا وأن نشاطرهم كما شاطرنا غيرهم من قبل -من فعل ذلك محمودةٌ سيرته- وأن نشاطرهم ما نلذُ فيه من مطعمٍ ودخلٍ ومأكل ومشرب، فلو أن كل واحدٍ منا جعل لقضية المسلمين في كوسوفا جزءاً معيناً من دخله: (5%)، (3%)، (2%) شهرياً حتى نتبنى ما نستطيع من خلاله أن نحافظ على هوية المسلمين.

أن نتبنى ما نستطيع من خلاله أن نحافظ على دينهم وعلى عقيدتهم، وعلى ملتهم، وأن نحافظ على هويتهم وانتمائهم لبعضهم، فإنهم إن ذابوا في ظلمات أمواج بحرٍ لجي في أوروبا، فما أعسر وأشد عودتهم إلى دينهم إلا أن يشاء الله.

ولذا ومن منطلق الأخوة والولاء ظهر وصدر أمرٌ سامٍ كريم من خادم الحرمين الشريفين، متع الله بحياته على طاعته ونفع به الإسلام والمسلمين، حيثُ أمر بتشكيل لجنةٍ في ظل رابطة العالم الإسلامي، تنفذ أنشطتها هيئة الإغاثة الإسلامية وذلك لجمع التبرعات للمسلمين.

وتظل هذه الهيئة مستمرةً في متابعة ورعاية قضايا المسلمين في كوسوفا والمهاجرين والأيتام والمشردين ومن في الداخل وغيرهم، إلى أن تنتهي القضية كما فعل حفظه الله من قبل بقضية المسلمين في البوسنة، ولقد وصلت ولله الحمد بوادر الدعم في طائرات محملة بالعديد من الخيم والطعام والدواء والشراب واللباس، فالله الله يا عباد الله، فإن ما تبذلونه هو درعٌ يقيكم، وإن ما تبذلونه هو سهامٌ في صدور أعدائكم، وإن ما تبذلونه هو حسناتٌ تقدمونها بين أيديكم، يقول العبد: مالي مالي، قال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي، وليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت).

وأما ما بقي -يا عباد الله- فهو مالٌ للوارث.

فيا أيها الأحبة! الله الله اجتهدوا وتعاونوا، وإننا بإذن الله سوف نجمع تبرعاتٍ لإخوانكم في الجمعة القادمة من خلال شبابٍ عليهم زيٌ معين، حتى لا يتسلل لصٌ في ظل الجمع لإخوانكم ليأخذ شيئاً من حقوقهم ونصيبهم، فإنا نرجوكم أن تجتهدوا في جمع ما تستطيعونه، والجمع ممن تعرفونه، وأن تبذلوا من أنفسكم ما استطعتم حتى تجمع وتُسلم لهذه الهيئة التي شرفتُ أن أكون واحداً من أعضائها، أسأل الله عز وجل أن يقبل ما تفعله هذه البلاد المباركة للمسلمين، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يدفع بذلك البلاء عنا وعن ولاة أمرنا وعلمائنا وعن المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم أحسن خِتامنا، واستعملنا في طاعتك، وتوفنا على أحسن حالٍ ترضيك عنا، وابسط اللهم لنا في عافية أبداننا وسعة أرزاقنا، وصلاح وإخلاص أعمالنا، وصلاح ذرياتنا، اللهم صل على محمدٍ وآله.