الاستهزاء بالدين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، وهي وصية الله للناس أجمعين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

عباد الله: إن بعض المسلمين -منَّ الله علينا وعليهم بالهداية والثبات- ليتساهلون في عبارات كلامهم، وما يتلفظون به تساهلاً يصل بالكثير منهم إلى حد الهزل الدائم، والمزاح الذي لا يليق، وقد يحدوهم إلى ذلك حب السخرية، والاستهزاء، وتنقُّص الآخرين، ولو أدى ذلك إلى السخرية بسماتٍ إسلامية، وآياتٍ قرآنية، وأحاديثَ نبوية، ولا شك أن هذا النوع -خاصة- يجر صاحبه إلى الهلاك، ويخرجه من الإسلام، ويجعله في عداد الكافرين، جزاء ما هزل، وسخر به من ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول.

قال أحد أئمة الدعوة، وهو الشيخ/ سليمان في شرحه على كتاب التوحيد لجده/ محمد بن عبد الوهاب ، قدَّس الله أرواح الجميع في الجنان، قال: إن من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول فإنه يكفر بذلك؛ لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة، وذلك منافٍ للتوحيد.

ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو كان هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعاً.

فانظروا -يا عباد الله- إلى أي مدى يجني المجترئ العابث بالكلام، يُلقيه على عادته، من غير وزن أو تمحيص؛ ليكون بكلمة يلقيها في حال لهوٍ وعبث؛ ليكون بتلك الكلمة من الكافرين، بعد أن كان من المؤمنين، وقد يكون ذلك مصداقاً للحديث الذي جاء في شأن الفتن التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه قائلاً: (إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) وليس من شرط هذه الفتن على كل حال، ليس من شرطها أن يكون فيها نيران وحروب على الإطلاق، بل قد يكون منها ما يفتن الإنسان ولو بالكلام والحديث، ويجعله يتجاوز حد المشروع إلى ما يخرجه من الإسلام، وحسبكم بالكفر فتنة: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] وقد يدعوه إلى ذلك عَرَضٌ من المال، أو متاع الدنيا ليقلد، أو ليسخر، أو ليستهزئ؛ قاصداً جلب الضحك للآخرين، وإن كان لم يرد الاستهزاء قصداً إليه.

فويل ثم ويل لمضحك القوم على سبيلٍ يتعلق بالاستهزاء والهزل فيما هو من ذكر الله، أو كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنتذكر الحديث النبوي الشريف دائماً، والذي فيه: (إن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً من سخط الله عليه).

يقول الله جلَّ وعَلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن رجلاً في غزوة تبوك قال: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألْسُناً، ولا أجبن عند اللقاء -يعني بذلك: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابَه القُرَّاء- فقال له عوف بن مالك : كذبتَ يا عدو الله! ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن والوحي قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) -جاء ذلك الرجل الذي استهزأ وقال ما قال، جاء إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم- (وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق، قال ابن عمر : كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله -أي: بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: يا رسول الله! إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65]، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65] ما يلتفت إليه، وما يزيد على قوله).

فتأملوا هذا الأثر العظيم، وانظروا إلى عواقب الهزل بآيات الله وذكره ورسوله.

أما إذا كان الهزل بشيء يصل إلى جناب الربوبية والذات الإلهية، فيا ويل فاعله من الله! ويا مصيبته وحسرته يوم يلقاه!

ومن ذا يتطاول على من لا يليق له إلا الثناء عليه بما هو أهله، وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق به؟!

ومن ذا يتجرأ على مولاه الذي من العدم أنشأه، وإلى الإسلام هداه، ومن كل خير سخر له وأطعمه وسقاه، ومن كل سوء ومكروه سلمه وعافاه؟!

من ذا يتجرأ على رب غفور رحيم كريم؟!

فما أحلم الله على عباده!

ما أحلم الله على خلقه!

سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك!

سبحانك ربنا ما شكرناك حق شكرك!

سبحانك ربنا لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك!

سبحانك ربنا لا نعد نعمك، ولا نحصيها!

فسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه غفور رحيم.

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ الحمد لله له على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه، وعن الندِّ، وعن المثيل، وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله في كل صغير وكبير، وفي كل قول وفعل، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.

واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

معاشر المسلمين: الزموا جماعة المسلمين، ومن ذلك: أن تشهدوا الصلوات معهم في المساجد جماعة، الزموا جماعة المسلمين، وصلوا الصلوات الخمس في المساجد معهم جماعة.

عباد الله: إن كثيراً من الشباب وغيرهم -هداهم الله، ومنَّ عليهم بالتوبة الصادقة النصوح- ليقعون فيما ذكرناه آنفاً، ليقعون فيه على سبيل السخرية والاستهزاء، وقد لا يرون أنهم وقعوا فيه مباشرة، وإنما وقعوا فيه تسبباً وبما يفضي إليه.

فالبعض مَن إذا رأى مسلماً كريماً متبعاً للسنة، موفراً للحيته، أخذ يستهتر بهذه اللحية، ويشبهها بما تنظَّف به الأرض، أو يشبهه بفلان أو علان، أو يشبهه بما لا يليق به.

ومنهم من إذا رأى شاباً قد اتبع السنة في ثوبه أو في ملابسه أخذ يستهزئ به استهزاءً لا يليق بمسلم ولا يليق بمن قاله.

ومنهم إذا رأى امرأة متحجبة قد سترت وجهها، وغطت يديها بقفازَين، أَخَذَتْ تقول -أَخَذَ أو أَخَذَتْ- تستهزئ بها في كلام لا يليق.

ألا وإن هذا مما يفضي إلى الكفر والشرك عياذاً بالله.

وأولئك الذين يستهزئون باللحى! أيستهزئون بالصانع أم يستهزئون بالصنعة؟! هل يعيبون الخِلْقة أم يعيبون المخلوق؟! نسأل الله جلَّ وعَلا ألا نقع في مثل هذا.

وإنه لينبغي لكل مسلم أن يحذر من الحديث ولو على سبيل المزاح والضحك، بشيء يتطرق إلى السنة، أو إلى كلام الله، أو كلام رسوله، أو إلى ما هو من سلوك شاب مسلم مستقيم.

إننا سمعنا كثيراً من بعض الناس حينما يرون شاباً مستقيماً متديناً بعضهم يسميه: مُطَوِّعاً، وبعضهم يسميه: مُتَشَدِّداً، وبعضهم يسميه: مُعَقَّداً، وإذا كان اتباع الإسلام والتمسك بالسنة تشدُّداً وتعقيداً فلا خير فيمن يقول ذلك، وإذا كان التمسك بالسنة في نظر أولئك العابثين الهازلين شيء من الحَجْر والانغلاق فإن هذا لأمر نتشرف به ما دام ثابتًا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا، وما فقهه السلف الصالح من علماء المسلمين.

معاشر المسلمين: الله َ.. الله َ.. معاشر الشباب! الحذر .. الحذر من الاستهزاء بشيء من الدين!

نسأل الله جلَّ وعَلا أن يعافينا وإياكم من ذلك، وألا يوقعنا في ذلك، وإن الإنسان كما سمعتم في الحديث: (لَيَهْوِي بالكلمة لا يُلقِي لها بالاً، تَهْوِي به في النار سبعين خريفاً) نسأل الله جلَّ وعَلا العافية من ذلك.

واعلموا أن عليكم ملائكة: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11] فلا تتساهلوا بقليل القول أو كثيره، أو صغيره أو كبيره: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

نسأل الله جلَّ وعَلا أن يتجاوز عنا سيئاتنا.

ونسأله جلَّ وعَلا أن يغفر لنا، وأن يهدينا، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالهداية والثبات.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وأبطِل كيد الزنادقة والملحدين.

اللهم من أراد بشباب الإسلام سوءاً، وأراد بولاة أمورهم فتنة، وأراد بعلمائهم مكيدة، وأراد بنسائهم تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء!

اللهم افضحه على رءوس الخلائق.

اللهم أذهِب سمعه وبصره وعقله.

اللهم مزِّق شمله.

اللهم فرِّق جمعه.

اللهم لا تبقِ ممن أراد بنا سوءاً أحداً.

اللهم مزِّقهم بدداً، وأهلكهم من على الأرض منهم جميعاً، يا رب العالمين!

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هَمَّاً إلا فرَّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره.

اللهم يا فرج المكروبين، يا نصير المستضعفين، يا إله الأولين والآخرين، اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، برحمتك يا رحمان يا رحيم، يا قيوم السماوات والأرض!

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعفُ عنهم، وأكرِم نُزُلهم، ووسِّع مُدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدوَّنا وآصالَنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبيدٌ من عبيدك، فلا تحرمنا فضلك بمعاصينا، ولا تطردنا عن رحمتك بذنوبنا، فمهما عَظُمَت ذنوبُنا فإن رحمتك أكبر، ومهما كثرت معاصينا فإن فضلك أكثر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام!

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وزِد وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليماً كثيراً.

وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك، يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُـرُ بِالْعَـدْلِ وَالإِحْسَـانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم؛ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.